لماذا أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام روسيا؟
عربي 21
قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن بلاده أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الروسية وكذلك المدنية التي تحمل جنوداً إلى سوريا.
وقال تشاووش أوغلو، خلال رحلته إلى الأوروغواي في الـ 23 من نيسان/أبريل الجاري، للصحافيين الذين رافقوه إن بلاده اتخذت هذا القرار وأبلغته لروسيا الشهر الفائت، وأن تنفيذه هذا الشهر أتى بالتوافق مع روسيا. حيث إن تركيا تجدد الإذن للطائرات الروسية باستخدام مجالها الجوي كل ثلاثة أشهر، فبلغ أردوغان بوتين قرار تعليق الإذن ابتداءً من نيسان/أبريل الحالي، قبل أن يصدر الأخير تعليماته بوقف الرحلات الجوية تجاه سوريا باستخدام المجال الجوي التركي.
ورغم أن روسيا وتركيا قد عرفتا خلافات وأحياناً رسائل ساخنة بخصوص الملف السوري في السنوات القليلة الأخيرة إلا أن قراراً مشابهاً لم يصدر قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، ما يعني أن توقيته الآن يشير إلى ارتباطه بها. وبالنظر إلى أن القرار نص على الطائرات المتجهة من روسيا إلى سوريا وليس العكس وإلى أن القوات الروسية الموجودة في سوريا ليست ذات تأثير في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يمكن القول إن القرار متعلق بالأساس بارتدادات الحرب على سوريا وليس بالحرب ذاتها بشكل مباشر.
فمنذ اشتعالها، كان ثمة تقديرات بأن الحرب سيكون لها ارتدادات على الملف السوري، من جهة لوجود قوات روسية وأخرى أمريكية على الأراضي السورية، ومن جهة ثانية – وربما هو الأهم – التفاهمات التركية – الروسية بخصوص سوريا وفيها على قاعدة تجنب الصدام وإدارة الخلاف، فضلاً عن تأثيراتها على النظام.
وكان رأينا حينها أن روسيا لن تكون معنية بتصعيد في سوريا في بدايات الحرب، إذ لن ترغب في تشتيت جهودها وتركيزها عن أوكرانيا بفتح جبهة جديدة وطالما أن الحرب ما زالت بعيدة عن مواجهة مباشرة بينها وبين الناتو. لكن قلنا أيضاً إن تطورها وتعمقها قد يدفع أحد الأطراف للضغط على الآخر في سوريا، روسيا على الولايات المتحدة أو العكس وروسيا على تركيا أو العكس.
بالنسبة لتركيا، فقد أكد تعاملها مع الحرب وتحديداً مع روسيا أنها ليست في وارد الدخول في صدام معها، إذ تمايز خطابها عن خطاب الناتو والغرب وبقيت على تواصل سياسي مع موسكو ولم تنخرط في العقوبات الأمريكية عليها وأبقت على فرصها في التوسط بينها وبين كييف. ولذلك فلم يكن متخيلاً أن تعمد للضغط على روسيا عسكرياً على الأراضي السورية، لكن ذلك لا يعني أنها لن تستفيد من التطورات.
فقد استثمرت أنقرة الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية من جهة وزيادة اهتمام الولايات المتحدة بالأدوار التي تلعبها من جهة ثانية لرفع وتيرة مكافحتها لميليشيات “قسد” شمال شرق سوريا. لاحقاً، ومع عملية “المخلب – القفل” التي أطلقتها تركيا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، استهدفت “قسد” رتلاً تركياً موقعة عدة قتلى وجرحى بين صفوف الجنود الأتراك، في ظل مؤشرات على حصولها على أسلحة روسية مؤخراً، كما شنت روسيا غارات جوية مجدداً على إدلب.
توحي كل تلك التطورات بأن غلق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية – مؤقتاً في الوقت الراهن – هو قرار تركي ذاتي أكثر من كونه طلباً من حلف الناتو في مواجهة روسيا مثلاً، ومرتبط بشكل مباشر بالتطورات في سوريا على هامش الحرب في أوكرانيا.
ولكن الأمر اللافت في القرار التركي أنه أتى بالحوار مع روسيا والتوافق معها، ما يعني حرص أنقرة على عدم توتير العلاقات مع الأخيرة. فقد أكد وزير الخارجية على أن بلاده طبقت اتفاقية مونترو بخصوص المضايق وغيرها من الأمور بالتواصل والحوار، مذكّراً برفض بلاده مرور أربع سفن روسية عبرها وتفهم موسكو لذلك وبإلغائها أيضاً مرور سفن لحلف الناتو ضمن مناورة تشارك بها تركيا حتى لا تفهم كاستفزاز لموسكو وهو ما قوبل بالتفهم كذلك.
وبالتالي، في المحصلة، يبدو أن الحرب الروسية على أوكرانيا، وخصوصها بعدما طال أمدها ودخلت في مسارات مختلفة، قد بدأت بإلقاء ظلالها على القضية السورية ولا سيما لجهة التفاهمات التركية – الروسية. ولذلك جاء القرار التركي لمحاولة الحد من التأثيرات السلبية عليها، ولكن بهدوء وتواصل مع روسيا وليس بالصدام المباشر معها. حيث يضمن لها ذلك إدارة الخلاف معها دون مواجهة، والإبقاء على فرص وساطتها بين كييف وموسكو إذ تأمل في أن تجمع زيلينسكي وبوتين على طاولة التفاوض في إسطنبول، وكذلك محاولة الاستفادة في مساعيها لمكافحة المشاريع الانفصالية شمال شرق سوريا.