خطاب نصر الله: وسع نطاق الحرب أم ضيقه؟

0

خطاب نصر الله: وسع نطاق الحرب أم ضيقه؟

الجزيرة نت، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

 

بعد طول انتظار، قدم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطابه الأول منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى، والذي كان مرتقباً لمحاولة رصد خطط الحزب المستقبلية بخصوص مستوى انخراطه في المعركة، وهو ما بقي معلقاً وغامضاً إلى حد ما حتى بعد إلقاء الخطاب.

 

انخراط متدرج

صبيحة اليوم التالي مباشرة لاندلاع حرب طوفان الأقصى، أي يوم الأحد الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أعلن حزب الله عن انخراطه الأولي في المعركة عبر قصف على مزارع شبعا المحتلة، وهو ما قال إنه عبارة عن “رسالة تضامن” مع المقاومة الفلسطينية في غزة.

ردت قوات الاحتلال ورد الحزب على ردها في ردود متتالية دحرجت الأحداث إلى سلسلة من القصف والقصف المتبادل واستهداف الطرفين مواقع بعضهما البعض، وإن بقيت معظم هذه المواجهات ضمن قواعد الاشتباك السابقة وفي القرى والمناطق الحدودية.

وبعد زهاء ثلاثة أسابيع من بدء الحرب وانخراط الحزب نسبياً فيها، أعلن الأخير عن استشهاد أكثر من 50 مقاتلاً لديه إضافة للشهداء المدنيين الذين سقطوا جراء القصف “الإسرائيلي”. في المقابل، وفي الأول من الشهر الجاري، أي بعد 23 يوماً من المواجهات، أعلن الحزب عن حصيلة الجانب “الإسرائيلي” فيها، والتي تمثلت في مقتل وجرح 120 جندياً وتدمير 9 دبابات وإسقاط مسيّرة وتدمير ناقلتي جند وسيارتي هامر. وبحسب مصادر الحزب، فقد نفذ الأخير 105 هجمات طالت منظومات استخبارات واتصالات وأنظمة تشويش حيث دمرت 69 منظومة اتصال و33 راداراً و140 كاميرا مراقبة و17 نظاماً من أنظمة التشويش.

وإضافة لهذه الاشتباك “المدروس” من حزب االله، فقد شهدت الحرب رسائل واضحة من أطراف أخرى محسوبة على إيران استهدفت قواعد ونقاط عسكرية أمريكية في كل من العراق وشرق سوريا فضلاً عن تبني الحوثيين في اليمن إطلاق صواريخ ومسيّرات نحو “إسرائيل”، وهو ما يمكن فهمه على أنه رغبة في تجنيب الحزب المواجهة المباشرة الموسعة مع الاحتلال وتوزيع بعض الجهد على باقي الأطراف في محور المقاومة وإرسال رسائل للولايات المتحدة التي قدمت للمنطقة بحاملات طائراتها لردع إيران والقوى المحسوبة عليها من دخول الحرب.

ومع تأخر الظهور الإعلامي للأمين العام للحزب رغم تعقد الأوضاع الميدانية والإنسانية وارتكاب دولة الاحتلال عدة مجازر في غزة، تباينت التوقعات بخصوص الخطاب الأول لنصر الله والذي أعلن عنه قبل زهاء أسبوع وسبقه نوع من الدعاية البصرية بشكل غير رسمي عبر ناشطين ومواقع مقربة من الحزب. رأى البعض أن كل هذا التأخير ينبغي أن يحمل معه جديداً وتحديداً إعلان توسيع مستوى الانخراط في الحرب، بينما صبت معظم التوقعات في أن نصر الله سيعيد التأكيد على موقف التضامن ويرسم خطوطاً عامة لموقف الحزب من مسار الحرب وسيناريوهاتها المحتملة.

 

دلالات الخطاب

على عادته، أطال الأمين العام لحزب الله خطابه، وكان الجزء الأكبر منه عبارة عن توصيف للحرب القائمة وأسبابها ومظاهرها وتداعياتها، قبل أن يختصر في نهاياته موقف حزبه منها وخصوصاً في الآفاق المستقبلية لها.

الفكرة الرئيسة في الخطاب كانت تأكيداً على “فلسطينية” المعركة التي خططت لها ونفذتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس “دون علم الحزب” المسبق، وتأييد الأخير لها ودعمه للمقاومة الفلسطينية فيها. وفي الدقائق الأخيرة أجاب الرجل عن السؤال الأبرز الذي دار في خلد الكثيرين: هل سيدخل الحزب الحرب؟ وكان جوابه مقتضباً مباشراً: الحزب انخرط في الحرب فعلاً منذ يومها الثاني وليس خارجها، مذكراً بما قدمه حزبه عسكرياً وحصيلة المواجهات في طرفه وكذلك لدى قوات الاحتلال.

لكن الرجل الذي يملك قرار “الجبهة الشمالية” بالنسبة للاحتلال قال إن الحرب في الأساس في غزة وإن الجبهة التي فتحها الحزب “جبهة إسناد وتضامن”، أقله حتى لحظة الخطاب. وحدد هدفين رئيسين ينبغي العمل عليهما: إيصال المساعدات لغزة وانتصار المقاومة وتحديداً حماس في نهاية الحرب.

بيد أن أهم نقطة في الخطاب، والتي كان الجميع يرتقبها، هي ما يمكن تسميته الخطوط الحمراء للحزب والتي سيكون تجاوزها سبباً مباشراً لتوسيع الحزب انخراطه في الحرب وربما تطور الأوضاع نحو الحرب الشاملة في المنطقة بحيث تضم إلى جانب المقاومة الفلسطينية والحزب أطرافاً أخرى من سوريا والعراق واليمن وربما إيران نفسها. وهنا ذكر الرجل عنوانين بارزين سيرتبط بهما هذا الأمر؛ اعتداء “إسرائيلي”  على لبنان و/أو تطورات الأوضاع في غزة.

في قراءة دلالات الخطاب، يمكن القول إن الأمين العام للحزب لم يعلن توسيع مشاركة الأخير في الحرب لكنه كذلك لم يلغها تماماً، بل تركها كخيار محتمل في المستقبل حسب التطورات “بكل وضوح وشفافية وغموض” في الآن نفسه على حد تعبيره. وهكذا، يكون الرجل قد أبقى على الوضع القائم من المناوشات أو حالة الإشغال في الجبهة الشمالية، ملمحاً إلى إمكانية تطويرها مستقبلاً إذا ما حصل اعتداء “إسرائيلي” موسع على لبنان أو تطلبت التطورات في غزة ذلك.

وهنا، وإن جاء الخطاب كما كان متوقعاً في عناوينه العريضة، فإن التفاصيل والصياغات تسببت بحالة من خيبة الأمل لدى كثيرين عدُّوا تأخر موعد الخطاب مؤشراً كافياً لسقف أعلى بكثير مما قيل. من جهة ثانية، فقد تضمنت الكلمة تأكيداً على ثبات الموقف الحالي بقواعد اشتباكه في المدى المنظور، كما ضيّقت ضمناً خيارات الحزب في المستقبل فيما يتعلق بإمكانية توسيع مستوى اشتباكه مع الاحتلال.

ولذلك، ورغم الغموض الذي يمكن تلمسه في الخطاب وكذلك إبقاء الباب مفتوحاً على تطوير الجبهة الشمالية، إلا أن القراءة “الإسرائيلية” في معظمها صبت في حالة من الطمأنينة للوضع الحالي واستبعاد السيناريوهات الكارثية مباشرة، ولعل ذلك ما يفسر زيادة الاحتلال منسوب القصف على غزة واستهداف المدارس والمستشفيات كتعبير عن هذه القراءة من جهة والسعي لزيادة الحرج على الحزب من جهة ثانية.

الأهم مما سبق، أن كل ما ذكر يصب في تقييم الخطاب، بينما لا يشكل الأخير المحدد الوحيد ولا حتى الأهم لموقف الحزب. ذلك أن من ضمن أهم محددات تفاعل حزب الله مع الحرب الحالية أنه فقد عنصر المفاجأة في مواجهة الاحتلال على عكس غزة التي بادرت يوم السابع من أكتوبر، وهو أمر فارق في مواجهة عسكرية من هذا النوع. ولذلك لم يكن متوقعاً أن يعلن نصر الله حرباً موسعة أو شاملة في الخطاب، ولذلك أيضاً يبقى احتمال المناورة والخداع قائماً في الخطاب في المضمون والأسلوب، وهو ما لم تستبعده بعض الأوساط “الإسرائيلية”، أي أن يكون نصر الله تقصد تقديم خطاب عادي لا يوحي بتصعيد قريب بينما ثمة قرار مختلف ينتظر التنفيذ.

وعليه، ختاماً، يكون خطاب الأمين العام لحزب الله لم يفتح الباب على الحرب الشاملة في المنطقة ولكن كذلك لم يغلقه تماماً، بل تركه موارباً، رامياً الكرة في ملعب الاحتلال والإدارة الأمريكية. ولذلك، فإن المتوقع أن تستمر وتيرة الإشغال التي يقوم بها الحزب، وأن ترتفع بالتوازي مع سخونة الأحداث في غزة، ما يبقي على احتمالات توسع الجبهة والانخراط الكامل في الحرب بل وارتفاع احتمالاتها كلما طال المدى الزمني للحرب على غزة وتفاقمت فاتورتها البشرية والإنسانية.

شارك الموضوع :

اترك رداً