الرابحون والخاسرون في الانتخابات التركية الأخيرة

0

الرابحون والخاسرون في الانتخابات التركية الأخيرة

TRT عربي

1 حزيران/يونيو 2023

 

تعد الانتخابات محطات مهمة في العمليات الديمقراطية، فهي فرصة للتقييم والحساب بالنسبة للمواطنين والكيانات السياسية على حد سواء، كما أنها فرصة لتجديد الشرعيات للمؤسسات القيادية المنتخبة. ولأنها سباق بين متنافسِين، فلا شك أن هناك رابحين وخاسرين في نهاية المطاف وبعد ظهور النتائج.

وفق النتائج الأولية شبه الرسمية، فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة بعد حصوله على نسبة %52.1 من الأصوات متقدماً بفارق مريح عن منافسه في جولة الإعادة رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الشعب المعارض كمال كلجدارأوغلو، بعد أن كانت الجولة الأولى لم تحسم السباق الرئاسي بفارق ضئيل. أما في الانتخابات التشريعية التي أجريت قبل أسبوعين، فقد حافظ تحالف الجمهور الحاكم على أغلبية البرلمان بواقع 321 مقعداً مقابل 213 مقعداً لتحالف الشعب، و66 مقعداً لتحالف العمل والحرية.

بيد أن معايير التقييم المتعلقة بالربح والخسارة ليست محصورة بالنتائج النهائية المعلنة من اللجنة العليا للانتخابات، فهناك معايير إضافية مثل المقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة، والوعود والتوقعات وما إلى ذلك، بل أزعم إن التقييم يمكن أن يشمل أطرافاً لم تكن ضمن المتنافسين في السباق الانتخابي بشكل مباشر.

فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة كانت مختلفة واستثنائية، ونُظِرَ إليها كاستفتاء على بقاء الرئيس في الحكم وعلى استمرار النظام الرئاسي، ولذلك فقد انخرط فيها الكثيرون بأشكال متعددة وتابعها الجميع كل من زوايته ووفق دوافعه الخاصة.

في المقام الأول، لا شك ان الرابح الأول والأكبر هو الشعب التركي بعمومه، فقد قدم تجربة انتخابية في غاية الانضباط والهدوء والسلاسة رغم حالة الاستقطاب في البلاد وسخونة الحملات الانتخابية. صوت عشرات ملايين الناخبين في ساعات معدودة في أكثر من 190 ألف صندوق على طول البلاد وعرضها، دون أن تسجل اللجنة العليا للانتخابات أي حدث كبير أو خرق ملحوظ، وأعلنت النتيجة مساء اليوم نفسه، وعاد الناس لحياتهم الطبيعية صباح اليوم التالي. فكان أن اتفق على نزاهة العملية الانتخابية الداخل والخارج، بل وتواتر مديح “النضج الديمقراطي” الذي أظهره الناخبون على ألسنة عدة قيادات من المعارضة نفسها.

في المقام الثاني، لا شك أن أردوغان في مقدمة الكاسبين ليس فقط لفوزه بولاية رئاسية جديدة، بل لأن المعركة الانتخابية الأخيرة كانت مختلفة جداً عن سابقاتها، حيث واجه هذه المرة مرشحاً توافقياً لمعظم أحزاب المعارضة وتعرض لحملات عدائية من الإعلام الغربي فاقت الحملات السابقة. كما أن الانتخابات أتت في ظروف صعبة داخل البلاد، حيث اجتمعت الأوضاع الاقتصادية المتراجعة مع آفة الزلزال المدمر مع ورقة اللاجئين التي استخدمتها المعارضة ضده.

أتى كل ذلك بعد حكم الرجل لمدة استمرت 21 عاماً، ما يجعله ظاهرة تستحق الدراسة، فهو من جهة خالف وقائع السياسة التي تحول عادة دون الاستمرار في الحكم كل هذه المدة في النظم الديمقراطية، وهو من جهة ثانية صاحب أطول مدة حكم في تاريخ الجمهورية التركية بشكل واضح.

يمكن قول الأمر نفسه عن حزب العدالة والتنمية ولكن بدرجة أقل، إذ حافظ من جهة على المرتبة الأولى بين الأحزاب وبفارق كبير بعد 21 سنة من حكم تركيا منفرداً، ولكن مع تراجع سبع نقاط في نتائج التصويت. كما أن تحالف الجمهور الحاكم كان بلا شك من ضمن الفائزين، إذ كانت معظم التوقعات تشير لرجحان كفة المعارضة في حيازة أغلبية مقاعد البرلمان، قبل أن يحقق تحالف الجمهور المفاجأة. وينبغي تخصيص حزب “الرفاه مجدداً” بقيادة فاتح أربكان بتقييم منفصل، حيث كان بحق من مفاجآت الانتخابات الأخيرة – التي كانت الاستحقاق الأول الذي يخوضه – محققاً نسبة قريبة من %3 وفائزاً بخمسة مقاعد برلمانية.

في المقلب الآخر، سيكون تحالف الشعب المعارض في مقدمة الخاسرين، فهو كما سلف ذكره قد خسر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً، وعدم قدرته على الفوز بأغلبية البرلمان يعني فشل برنامجه الأساسي والفكرة التي اجتمعت أحزابه عليها، أي إعادة البلاد للنظام البرلماني، لخمس سنوات قادمة على أقل تقدير. ولذلك ثمة علامات استفهام كبيرة تحيط بمصير التحالف وتماسكه، لا سيما وأن رؤساء الأحزاب المنضوية في التحالف خرجوا بمؤتمرات صحافية منفصلة بعد انتخابات الإعادة، بعد أن تبادل بعضهم النقد العلني في وسائل الإعلام بعد الجولة الأولى.

لكن ينبغي تخصيص المرشح الرئاسي كمال كلجدارأوغلو في هذا التقييم، فهو على رأس أكبر أحزاب المعارضة والتحالف على حد سواء، وهو المرشح الرئاسي الذي خسر السباق، وهو صاحب القرار الأول والأخير في قوائم مرشحي البرلمان لحزبه والأحزاب المتحالفة معه، فضلاً عن أنه فرض نفسه مرشحاً توافقياً للرئاسة رغم اعتراض الكثيرين وفي مقدمتهم الحزب الجيد ثاني أحزاب التحالف. فضلاً عن أن منظومة التحالفات التي سعى لها والخطاب الذي تبناه بين الجولة الأولى والإعادة، والتي اتهم بسببها بالشعبوية والتحريض والعنصرية، لم تفده في الجولة الثانية. واليوم، يواجه الرجل موجة احتجاج ومطالبات بالاستقالة من رئاسة الحزب في ظل وجود شخصيات منافسة تطمح لخلافته.

وضمن قائمة الخاسرين هناك بعض الأحزاب والتيارات العنصرية التي امتهنت الخطاب الشعبوي المدغدغ لمشاعر المواطنين بمضمون تحريضي اعتمد بشكل مقصود على معلومات خاطئة وإشاعات لا أصل لها، وفي خسارة هذه التيارات وعدم تمثلها في البرلمان مصلحة لتركيا قبل غيرها وصوْنٌ لسلامة نسيجها المجمتعي وسلمها الأهلي. كما خسر برأينا كل من أمل بحصول توتر في الشارع التركي و/أو حالة من الفوضى والاضطرابات، من أمل في ذلك أو حاول الدفع بهذا الاتجاه.

وأخيراً، يمكن القول إن الاطراف الخارجية التي راهنت على التدخل في مسار الانتخابات الأخيرة لتأييد طرف على آخر بما في ذلك بعض الأساليب غير المقبولة مثل التهديد والابتزاز كانت ضمن الخاسرين. ولعله من المهم تخصيص بعض وسائل الإعلام الغربية التي خرجت عن أطر المهنية الإعلامية بحملة ممنهجة وشديدة بخصوص الانتخابات، ولا سيما أنها وضعت معياراً لتقييم مدى نزاهة عملية الاقتراع – قبل انطلاقها حتى – بناء على اسم من سيفوز بها وليس الأدوات المتعبة والانضباط بالقانون والدستور، وهذا عدى عن كونه خطأ منهجياً في التقييم فيه مصادرة غير مستحقة على آراء الناخبين.

ولعل هذه الأوساط ضمن الخاسرين لسببين مهمين ومترابطين، الأول أن رهانها فشل وفاز الرئيس التركي الذي ناصبته العداء وشنت عليه الحملات التشويهية، والثاني أن حملاتها قد أتت بنتائج عكسية تمثلت بزيادة التفاف الكثيرين حول أردوغان، كما كان متوقعاً.

في الختام، ثمة رابح وخاسر بالتأكيد في كل عملية انتخابية، لكنها تقييمات ترتبط فقط بالعملية الانتخابية في ظرفها وسياقها وتوقيتها. أما على المدى البعيد، فطالما كانت العملية نزيهة وارتضتها مختلف الأطراف، وطالما بقي الاحتكام للصندوق ورأي الناخب في تداول السلطة، فليس ثمة خاسر بالمعنى الحقيقي في المعركة الانتخابية الأخيرة، وإنما “الفائز هي تركيا ولا أحد غيرها، كل تركيا، الخمسة وثمانين مليون مواطن” كما قال أردوغان في كلمته عقب ظهور النتائج يوم الأحد الفائت.

شارك الموضوع :

اترك رداً