الانتخابات التركية: استمرار صعود اليمين القومي

0

الانتخابات التركية: استمرار صعود اليمين القومي

عربي بوست

 

كالعادة، حظيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا باهتمام كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، من حيث السياق والأهمية والنتائج والتبعات. وقد تركزت الأنظار، بشكل منطقي ومتوقع، على النتائج الكبيرة أي أغلبية البرلمان والسباق الرئاسي الذي تاجل حسمه حتى جولة الإعادة.

بيد أن في النتائج التفصيلية للانتخابات ما هو مثير للانتباه ويستحق المتابعة بعين التحليل، لا سيما على صعيد الخريطة السياسية والفكرية والأيديولوجية في البلاد. وفي مقدمة هذه النتائج تنامي حضور التيار القومي واستمرار صعوده بشكل مضطرد ولافت. صحيح أن القوميين متوزعون على أحزاب وتحالفات متنافسة، لكنهم متقاربون جداً من حيث الأيديولوجيا ومجمل الأفكار والسياسات وكانت خلافاتهم في الأساس حول القيادة وفي بعض الأحيان شخصية، وهذا أمر يسمح بتقييم التيار ككل كظاهرة قائمة.

يتوزع التيار القومي اليوم في تركيا على عدد كبير من الأحزاب أهمها الحركة القومية والاتحاد الكبير في تحالف الجمهور الحاكم، والجيد في تحالف الشعب المعارض، والنصر في تحالف الأجداد اليميني المعارض. وقد حصل حزب الحركة القومية في الانتخابات الأخيرة على نسبة %10.08 من أصوات الناخبين بما حقق له 50 مقعداً في البرلمان، والحزب الجيد على نسبة %9.69 و43 مقعداً، وحزب النصر على نسبة %2.23 بدون تمثيل في البرلمان، ولم ينجح حزب الاتحاد الكبير كذلك في دخول البرلمان بعد حصوله على نسبة %0.98 من الأصوات.

وفي المجمل يكون التيار القومي، ومن خلال هذه الأحزاب الرئيسة، قد حصل على ما مجموعه %23 من الأصوات في عموم تركيا و93 مقعداً في البرلمان من أصل 600 بنسبة %15.5. كما أن المرشح اليميني القومي سنان اوغان حصل على نسبة %5.1 من الأصوات بواقع 5 ملايين ومئة ألف صوت.

كان الحركة قومية قد حصل في الانتخابات السابقة على نسبة %11.1 من الأصوات محققاً 49 مقعداً برلمانياً، والحزب الجيد على نسبة %10 محققاً 42 مقعداً. كما فازت أشكنار كمرشحة رئاسية في حينه على 3.6 مليون صوت بنسبة %7.3 .

وعليه، يكون التيار القومي قد زاد حضوره منذ الانتخابات الأخيرة (التي كان تنامى فيها عن السابق بوضوح) بنسبة تزيد على %2، ومع عدد أكبر من الأحزاب والواجهات السياسية، كما أن النسبة التي حصل عليها أوغان لا تقارن بشكلة مباشر مع نسبة أكشنار في 2018 إذ خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ظل استقطاب كبير وحاد شمل كل الأحزاب الممثلة في البرلمان ومعظم ما بقي خارجه.

صعود التيار القومي في تركيا ليس جديداً بل مسار مستمر منذ سنوات طويلة. فعلى سبيل  المثال كان يمثل هذا التيار في 2002 حزبان رئيسان هما الحركة القومية والاتحاد الكبير، ولم يتمثل أي منهما في البرلمان، وبالنظر للنتائج الحالية، يمكن تقدير مدى تناميه وتوسعه في البلاد.

ثمة أسباب كثيرة خلف هذا الصعود، بالتوازي مع صعوده عالمياً، مثل الأزمات الاقتصادية والتحديات الداخلية والتطورات العالمية. لكن في الخصوصية التركية، كان هناك، إضافة لما سبق، تحالف الحركة القومية مع العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) واقتراب الأخير من الخط القومي فكراً وخطاباً وممارسة سياسية، استجابةً للتحديات سالفة الذكر ومغازلة للناخب القومي وإرضاءً للحليف.

كما أن التيار استفاد من تنوع الأحزاب السياسية، إذ تنامى بشكل لافت بعد انشقاق الحزب الجيد عن الحركة القومية، ثم لاحقاً انشقاق حزب النصر عن الحزب الجيد، إذ يقدم ذلك عدة خيارات متنافسة للناخب القومي الذي يقد لا يعجبه حزب بعينه، فضلاً عن التنافس والمزايدات السياسية، بما يؤدي لزيادة التوجه للتيار بعمومه.

في السنوات الأخيرة، ومع ثبات الأسباب السابقة واستمرارها، دخل ملف اللاجئين – السوريين تحديداً – والأجانب على السجال السياسي في البلاد بشكل مركز، وتنوعت الواجهات السياسية للتيار القومي مع نشوء أحزاب جديدة مثل حزب النصر المعادي للاجئين بخطابه الشعبوي ومزايداته بخصوص اللاجئين وما عدَّه تهديداً للأمن القومي التركي. كما أن هذه الأحزاب دخلت الانتخابات الأخيرة بشكل منفصل بأسمائها وشعاراتها ومرشحيها، بما فيها حزبا النصر والاتحاد الكبير ما دفع لحالة إشباع غير مسبوقة للناخب القومي التقليدي وللناخبين العاديين المتأثرين بخطابه. كما أن وجود مرشح رئاسي من قيادات هذا التيار بخطاب قومي خالص ومتمايز عن التحالفين الكبيرين الرئيسين، بخلاف حالة أكشنار في 2018، ساهم في هذه الظاهرة.

ختاماً، فإن المرجح أن يستمر هذا التيار في الصعود وأن يتحول لرقم صعب في الحياة السياسية التركية. فمن جهة لا زالت الأسباب التي دفعت لتوسعه – وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية واللاجئين – قائمة وربما تتفاقم، ومن جهة أخرى فقد زاد النظام الرئاسي أولاً ونتائج الانتخابات الأخيرة ثانياً من أهمية هذه الأحزاب ونفوذها في المشهد السياسي وحاجة الأحزاب الكبيرة لها.

ومن المستجد بعد الانتخابات الأخيرة إشارات لإمكانية نشوء تيار أو حزب جديد بقيادة المرشح الرئاسي سنان أوغان الذي لا ينتمي لأي حزب حالياً، ورغبته في تكرار التجربة في الترشح للرئاسة مستقبلاً ممثلاً عن التيار القومي بشكل شبه حصري وبعيداً عن منظومة التحالفات القائمة، وهو أمر سيكون له ولا شك تأثيره على حضور التيار القومي في عمومه في الشارع التركي.

شارك الموضوع :

اترك رداً