تركيا توصد باب الناتو أمام السويد وتبقي على فرص فنلندا 

0

تركيا توصد باب الناتو أمام السويد وتبقي على فرص فنلندا

الجزيرة نت، 3 شباط/فبراير 2023

 

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن السويد قد تصدم حين توجه بلاده “رسالة مختلفة فيما يتعلق بانضمام فنلندا لحلف الناتو”، في أول إشارة إلى إمكانية فصل تركيا مسار انضمام البلدين للحلف.

 

المذكرة الثلاثية

مع اشتداد الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع احتمال امتداداها لتشمل دولاً أخرى، عدَلت كل من السويد وفنلندا عن موقف الحياد التقليدي الذي التزمتاه طويلاً، وتقدما بطلب للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو). ولأن النظام الأساسي للحلف يتطلب إجماع الدول الأعضاء على انضمام أي دولة إضافية، فقد اصطدمت الدولتان بعدم موافقة كل من المجر وتركيا على الأمر.

فيما يتعلق بتركيا، كانت الأسباب المعلنة ما تعدّه الأخيرة غضاً للطرف بل ودعماً لمنظمات وهيئات وشخصيات تعمل على أراضي الدولتين للترويج وحشد الأنصار وجمع المال لصالح منظمات إرهابية مثل العمال الكردستاني والكيان الموازي (منظمة فيتو) بقيادة كولن وغيرهما، فضلاً عن فرض الدولتين حظراً – غير معلن رسمياً – لتوريد السلاح لأنقرة بسبب عملياتها العسكرية في سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تعدها تركيا الامتداد السوري للعمال الكردستاني.

وقد انفردت السويد بالموقف التركي الأكثر تصلباً، حيث قال أردوغان إنها “تحولت لبؤرة ومأوى للإرهابيين”، في انتقاد مباشر لعلاقاتها مع أطراف تدور في فلك العمال الكردستاني، مثل مشاركة وزير دفاعها عن بعد في مؤتمر لقوات سوريا الديمقراطية واستقبال وزيرة خارجيتها وفداً منها في ستوكهولم.

قامت السردية التركية على أن الحلف الأطلسي منظمة أمنية في المقام الأول قامت بهدف تعاون الدول الأعضاء على مواجهات التحديات الأمنية بشكل جماعي، وبالتالي من غير المقبول أن يكون بعض أعضائها داعماً لمنظمات إرهابية تهدد آخرين. ولذلك فقد لوحت أنقرة علناً بالفيتو على عضوية ستوكهولم وهلسنكي، ما لم “تتراجعا عن دعم المنظمات الإرهابية وتتعاونا مع تركيا” في هذا الإطار.

في حزيران/يونيو الفائت، وعلى هامش قمة حلف الناتو في مدريد، وقعت كل من سويد وفنلندا مع تركيا مذكرة تفاهم ثلاثية برعاية أمينه العام ينس ستولتنبيرغ رفعت بموجبها أنقرة الفيتو على انضمامهما للحلف مقابل تعهدهما “بدعم تركيا في مواجهة جميع التهديدات لأمنها القومي” ودعم تقديم أي دعم للمنظمات التي تصنفها كإرهابية مثل العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية والكيان الموازي.

وقد تعهدت الدولتين بموجب المذكرة بحظر أنشطة العمال الكردستاني وأي منظمات أو هيئات مرتبطة به أو تعمل كواجهة له، بما في ذلك الدعاية وجمع الأموال وتجنيد الأنصار، وخطوات إضافية منها على سبيل المثال “تعديلات قانونية لمزيد من التشديد على الجرائم المتعلقة بالإرهاب”، وتفاعلهما “بسرعة وبكافة الأبعاد مع مطالب تركيا المتعلقة بإعادة المتهمين في قضايا الإرهاب”، ونفي وجود حظر لتوريد الأسلحة لتركيا.

وقد ربطت أنقرة موافقتها النهائية على العضوية بتطبيق السويد وفنلندا لبنود مذكرة التفاهم، عادّة الفترة الحالية مرحلة تدقيق في مدى التزام الدولتين بما وقعتا عليه. واستمرت بعد ذلك زيارات الوفود واللقاءات بين الدول الثلاث، وقد سلمت السويد قبل نهاية العام الفائت تركيا شخصاً متهماً بالانضمام للعمال الكردستاني ومداناً عبر القضاء التركي.

ورغم تعرض أنقرة لضغوط من حلف الناتو وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك تصريحات لستولتنبيرغ نفسه بأن الدولتين تتعاونان بشكل جيد مع تركيا بما لا يبقي سبباً لتأخير ضمهما للحلف، إلا أن الأخيرة تمهلت في تقييم الملف. وقالت أنقرة إن مدى التزام الدولتين تحت النظر والتدقيق، مضيفة أنها بانتظار التعديلات الدستورية التي وعدت بها ستوكهولم بما يعني أن التأخير ليس من طرفها، ومؤكدة بأن “أي خطوة من طرف السويد وفنلندا لن تبقى بدون مقابل” منها.

 

 

تثبيت الفيتو

وفيما كانت كل من السويد وفنلندا تأملان بموقف تركي إيجابي من ملف عضويتهما في الحلف لا سيما مع اشتداد وتيرة الحرب في أوكرانيا وازدياد مخاطر وصولها لدول أخرى بشكل مباشر، إلا أن العام الجديد حمل توتراً غير متوقع وأخباراً سلبية بالنسبة للسويد على وجه التحديد.

ففي أواسط كانون الثاني/يناير الفائت، نظمت جماعة مقربة من العمال الكردستاني مظاهرة في ستوكهولم رفعت فيها صورة لدمية مشنوقة على هيئة الرئيس التركي، ما استدعى ردة فعل تركية حادة. فإضافة لاستدعاء السفير السويدي وإصدار بيان من الخارجية التركية، ألغى رئيس البرلمان التركي زيارة كانت مقررة لنظيره السويدي لتركيا احتجاجاً على سماح السلطات السويدية بالمظاهرة.

ورغم أن الحكومة السويدية قالت إن الحادث مؤسف، وتقدير رئيس الوزراء أولف كريسترسون بأن منظمي المظاهرة “كانوا يحاولون عرقلة الطلب الذي تقدمت به بلادهم للانضمام لحلف شمال الأطلسي”، إلا أن ذلك لم يكن سبباً كافياً لتكرار الخطأ وبشكل أكثر استفزازاً.

ففي الـ 21 من الشهر الماضي، أي بعد أيام فقط من المظاهرة المذكورة، سمحت السلطات السويدية لسياسي دنماركي متطرف – يحمل الجنسية السويدية – بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم، وهو ما عده الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين “تشجيعاً لجرائم الكراهية ومعاداة السامية”.

وقد شملت ردود الفعل التركية المنددة بالحدث المستويات الشعبية والرسمية بما في ذلك الحكومة وأحزاب المعارضة، وأجلت الحكومة اجتماعاً مع وفدين من السويد وفنلندا بخصوص ملف العضوية، وألغى وزير الدفاع التركي زيارة لنظيره السويدي لأنقرة، بينما أتت ذروة الموقف التركي على لسان أردوغان الذي رفض تبرير الحدث من زاوية حرية التعبير والديمقراطية وقال إنه على السويد “ألا تتوقع دعم تركيا في ملف انضمامها للناتو”.

وقد عنى ذلك، عملياً، أن مسار انضمام السويد تحديداً للناتو بات في مهب الريح. ذلك أن موافقة تركيا على ذلك ينبغي أن تمر عبر موافقة البرلمان، الذي يسابق الزمن لتمرير مشاريع قوانين ضرورية قبل أن تدخل البلاد في أجواء الانتخابات بشكل رسمي. أي أن الفسحة الزمنية المتاحة كانت ضيقة أصلاً – بفرض وجود إرادة سياسية لذلك – ثم ضاقت أكثر مع القرار المتوقع بتقديم موعد الانتخابات للرابع عشر من أيار/مايو المقبل بدل حزيران/يونيو.

يجعل كل ما سبق إمكانية موافقة تركيا على انضمام السويد تحديداً للناتو أمراً شبه مستحيل. فلا النافذة الزمنية المتاحة أمام البرلمان كافية، ولا الإرادة السياسية التركية موجودة لا سيما في ظل الرفض الشعبي بعد حادثة حرق نسخة من المصحف الشريف ومن غير المتوقع أن تذهب الحكومة لقرار من هذا النوع قبيل الانتخابات، ولا من المتوقع أن تقدّم ستوكهولم في هذا الوقت الضيق ما يمكن أن يرضي أنقرة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً مشابهاً إذ تروج شائعات عن سعي الكونغرس للربط بين ملف انضمام السويد وفنلندا وصفقة مقاتلات F16.

وعليه، يترك ذلك ملف انضمام السويد للحلف في مهب الريح أو على الأقل في نطاق غير واضح المعالم، إذ سيعتمد ذلك إلى حد ما على البرلمان المقبل الذي لا يستطيع أحد التكهن فضلاً عن الجزم بتركيبته وتوازناته وتوجهاته، كما أن أردوغان إن فاز في الانتخابات المقبلة سيكون أقوى موقفاً في هذا الملف مما قبل الانتخابات.

ولأن البلدين قرنا مساريهما معاً حتى اللحظة، فإن الأرجح أن يتأجل النظر في ملف البلدين لما بعد الانتخابات التركية، بيد أن التصريحات من الجانبين يقول بأن فرص فنلندا ما زالت قائمة.

فمن جهة هلسنكي، صرح أكثر من مسؤول عن رغبة بلاده في الانضمام حتى بعد تصريح أردوغان المذكور. ومن جهة تركيا، فقد قال أردوغان إن بلاده قد تصدم السويد بقرار مختلف بخصوص ملف فنلندا. ومن البديهي أن موقفاً تركياً من هذا القبيل سيجنب أنقرة ضغوطاً إضافية من الناتو والولايات المتحدة إذ سيؤكد التزامها المبدئي بسياسة توسيع الحلف وأن قرارها مرتبط بعوامل فنية وتفصيلية، ومن جهة ثانية سيضفي قوة على موقفها أمام السويد لاحقاً.

بيد أن أنقرة قد لا تذهب لهذا الخيار إلا إن طلبت فنلندا منها – ومن الناتو – ذلك حيث يخفف ذلك أيضاً من تأثيرات القرار التركي. وفي هذا الاتجاه كانت التصريحات السابقة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده ليست بصدد الفصل بين ملفَّيْ البلدين. وقد أعاد الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين التأكيد عليها في الـ 31 من كانون الثاني/يناير الفائت مشيراً إلى أن بلاده ستبحث في طلب فنلندا إن حصل قائلاً إن القرار قرارها.

في المحصلة، فقد أوصدت تركيا باب الناتو أمام السويد، لكنها أبقته موارباً أمام فنلندا رامية الكرة في ملعب الأخيرة التي ما زالت فرصها في الانضمام ما قبل الانتخابات التركية قائمة.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً