إنجه: الخاسر الذي يمكن أن يحدد الفائز برئاسة تركيا
23.03.2023
كان محرم إنجه نائباً عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، عن مدينة يالوفا وقيادياً بارزاً في الحزب ومعارضاً بنفس الوقت لرئيسه كليتشدار أوغلو. وقد ترشح الأول أكثر من مرة في مؤتمرات الحزب العامة وخسر مقابل الأخير، بعد حصوله في كل مرة على ما يقرب من ثلث أصوات الهيئة العمومية.
كما كان إنجه مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية السابقة في 2018 وخسرها مقابل الرئيس أردوغان، بعد أن حصل على نسبة تجاوزت 30 في المئة من الأصوات وبما تخطى 15 مليون صوت. كان رهان إنجه أن يحصل على نتيجة كبيرة تدعم فرصه ضد رئيس حزبه كليتشدار أوغلو، بينما كان رهان الأخير أن خسارة إنجه أمام أردوغان (أكبر مآخذ إنجه عليه) ستقوض فرصه داخل الحزب.
ورغم أن إنجه حاز نسبة تصويت تخطت حصة حزبه بوضوح، إلا أن رهان كليتشدار أوغلو هو الذي نجح، ووجد إنجه نفسه خارج الحزب مؤسساً حزب “البلد” في 2021، والذي بقي حزباً ضعيف الحضور في المشهد السياسي الداخلي شأنه شأن الأحزاب التي تنشق عن أحزاب كبيرة وقوية.
بعد إعلانه مرشحاً توافقياً للطاولة السداسية، أعلن كليتشدار أوغلو أنه سيلتقي مع كل أحزاب المعارضة للحصول على دعمها له في الانتخابات المقبلة، وقد بدأ فعلاً سلسلة من اللقاءات لم يكن بطبيعة الحال حزب البلد ومحرم إنجه على أجندتها. بالعكس تماماً، تعرض الأخير لضغوط كبيرة لسحب ترشحه وإعلان دعمه لكليتشدار أوغلو من باب أنه يشتت أصوات المعارضة ويضعف فرص الأخير، خصوصاً وأنه ليس هناك خلاف أيديولوجي أو فكري أو سياسي كبير بين الرجلين والحزبين، بل كان الخلاف بينهما أقرب للتنافس على زعامة الحزب.
فلماذا لا ينسحب إنجه منذ الآن لصالح الأخير ويترك الأمر لما قبل الانتخابات؟
في المقام الأول، لا يريد إنجه أن يُحمل لاحقاً مسؤولية خسارة المعارضة الانتخابات إن حصل ذلك، ولذلك فهو يؤكد أن هدفه الأول إسقاط أردوغان من جهة، ومن جهة ثانية يؤكد أنه يمكن أن ينسحب من السباق الانتخابي في حال تطلب الأمر منه ذلك، ويزيد من حساسية الأمر أنه متهم بالتنسيق مع أردوغان وزيارته سابقاً في المجمع الرئاسي، وأن ترشحه سيفيده ضد المعارضة.
لكن من جهة أخرى لا يريد إنجه أن يسارع للانسحاب من الآن، فهو يدرك أن خوضه حملة للانتخابات الرئاسية سيعزز من فرص حزبه في الانتخابات البرلمانية، كما يحصل عادة مع الأحزاب حديثة التأسيس كالحزب الجيد مثلاً في 2018. ولعل من أهم الدوافع لقرار الاستمرار في الحملة الانتخابية الآن صعود حظوظ الحزب مؤخراً حسب ما تظهره استطلاعات الرأي، حيث قد يكون حزب البلد استفاد من الأزمة التي حدثت بين أطراف الطاولة السداسية قبيل إعلان اسم مرشحها التوافقي، ويخصم من يومها من رصيد الحزب الجيد على وجه التحديد.
ولذلك يرى إنجه أن بقاءه في المشهد الانتخابي كمرشح رئاسي يمكن أن يساهم في تخطي حزبه العتبة الانتخابية لدخول البرلمان (7 في المئة)، أو أن يمنحه نتيجة قريبة من ذلك، وفي الحالتين تجعله في وضع أفضل للتفاوض مع كليتشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري وتحالف المعارضة بين يدي انسحابه المفترض.
ولذلك لا نتوقع أن ينسحب إنجه الآن من السباق الانتخابي، ولا حتى قبل الانتخابات بيومين كما قال، إلا إن بقيت حظوظ حزبه ضعيفة جداً وبعيدة للغاية عن إمكانية دخول البرلمان. الراجح أن يخوض إنجه وحزبه الانتخابات المقبلة بكامل قوتهما للحصول على أكبر نتيجة ممكنة لهما، ليخوضا بعد ذلك مفاوضات من موقف قوي مع كليتشدار أوغلو قبل جولة الإعادة التي يبدو أن حزب البلد يرى أنها مرجحة.
بيد أن ذلك لن يكون كافياً لحماية الرجل من ضغوط المعارضة وأنصار كليتشدار أوغلو على وجه التحديد، ذلك أن ما سيحصل عليه الأول سيخصم على الأغلب من رصيد الثاني بسبب التشابه الأيديولوجي والسياسي الذي قد يصل حد التطابق بين الرجلين وحزبيهما. وبالتالي فإصرار إنجه على خوض الانتخابات حتى النهاية يصب بالتأكيد في صالح الرئيس أردوغان، بمنع كليتشدار أوغلو من حسم الجولة الأولى لصالحه بالحد الأدنى ومساعدته -أي أردوغان- على حسم الجولة الأولى لصالحه بالحد الأقصى.
كما أن بقاء الأمر لجولة الإعادة، وبفرض توجيه إنجه أنصاره لانتخاب كليتشدار أوغلو، لا يعني بالضرورة أن تصب كل أصوات الأول لصالح الثاني، وهو ما يصنف ضمن الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن فرص أردوغان في جولة الإعادة -إن حصلت- أفضل من فرص كليتشدار أوغلو، وهو أمر يحتاج تفصيلاً سنعود له لاحقاً بمقال مستقل.
أخيراً، ثمة احتمال ضعيف لبقاء إنجه لجولة الإعادة مع الرئيس أردوغان بدل كليتشدار أوغلو، وهو احتمال قائم على فرضية أن الأزمة الأخيرة في صفوف الطاولة السداسية أحدثت شرخاً حقيقياً، وبالتالي ذهاب الحزب الجيد لدعم إنجه وليس كليتشدار أوغلو، بشكل معلن أو غير معلن. وفي حال حصل محرم إنجه على دعم أحزاب أخرى (تحالف أتا؟) فضلاً عن تيار من داخل الشعب الجمهوري، فيمكن له أن يتخطى كليتشدار أوغلو ويحل في المرتبة الثانية بعد أردوغان، لا سيما إذا ما قرر حزب الشعوب الديمقراطي تقديم مرشح خاص به للانتخابات الرئاسية. فإذا لم يحسم أردوغان الانتخابات من الجولة الأولى، سيكون إنجه منافسه في جولة الإعادة.
هذا السيناريو، ضعيف الفرص أصلاً، سيخدم أردوغان أكثر ويعزز من فرصه في الفوز في جولة الإعادة. فإنجه القادم من خارج الطاولة السداسية لن يكون قادراً على كسب جميع أصوات الأحزاب المنضوية تحتها، كما أنه شخصية سياسية أكثر تشدداً من كليتشدار أوغلو وأكثر التزاماً بالخط التقليدي لحزب الشعب الجمهوري، والتالي فلن يكون خياراً مريحاً و”آمناً” بالنسبة لبعض الشرائح الإسلامية والمحافظة. وإذا كنا قد قلنا سابقاً إن اختيار كليتشدار أوغلو مرشحاً توافقياً للمعارضة يعني ضمناً أن الأخيرة تساهم بنفسها في إعادة انتخاب أردوغان، فإن الأمر سيكون أكثر وضوحاً في حال كان إنجه هو منافس أردوغان في الإعادة.