ما طبيعة الآلية المرتقبة بين أنقرة وواشنطن لحل أزمة “منبج”؟
تقرير – عربي 21
بعد فترة من تباين وجهات النظر وتوتر العلاقات التركية الأمريكية، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى أنقرة؛ ليتم الإعلان عن إقرار تشكيل آلية مشتركة لغاية منتصف آذار/ مارس كحد أقصى لحل المشاكل بين البلدين.
وعقب مؤتمر مشترك لوزيري الخارجي التركي والأمريكي الجمعة الماضية، صدر عنهما بيان مشترك أكدا فيه الوقوف “بحزم ضد كل محاولات التغيير الديمغرافي، وفرض الأمر الواقع على الوضع في سوريا”، مشددين على الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
وفي ظل الإعلان الرسمي عن البدء في تشكيل الآلية المشتركة، تحدثت “عربي21” مع عدد من المحللين السياسيين للتعرف على طبيعة الآلية المرتقبة بين أنقرة وواشنطن، ومدى فرص نجاحها في حل أزمة “منبج” والوصول لرؤى مشتركة متوافق عليها في الملف السوري بين البلدين.
المحلل السياسي التركي اكتاي يلماز أوضح أن الآلية المرتقبة ترتكز على “تشكيل لجنة مشتركة عليا من الطرفين، مهمتها النظر في المساعي الخلافية لتسويتها وإيجاد حل مرضي للجانبين”، مؤكدا أن هذه اللجنة ستنظر بالدرجة الأولى في الخلاف الأهم وهو “منبج”، إلى جانب مناقشة كيفية الحل لتجنب الصدامات والأزمات.
وقال يلماز في حديث خاص لـ”عربي21“، إن السيناريو الأقرب للحل هو دخول قوات تركية أمريكية مشتركة بديلا عن “العناصر الإرهابية” في منبج، مشددا على أن “هذا أقل شيء يمكن أن ترضى به تركيا”.
وحول المقترحات التي قدمتها أنقرة لواشنطن خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأخيرة، أشار يلماز إلى أنه “تم إبلاغ وجهة النظر التركية في جميع القضايا الخلافية بدءا من منبج وصولا إلى القضية السورية بشكل أكمل، وتقديم الحلول لهذه القضايا من وجهة نظر تركية، وبدورها ستدرس الولايات المتحدة هذه المقترحات وستناقشها في إطار اللجنة الثنائية المتفق عليها”.
وربط المحلل السياسي التركي نجاح عمل “اللجنة الثنائية” بتوفر النوايا الصادقة لدى الولايات المتحدة الأمريكية للتسوية مع تركيا، مستدركا قوله: “لكن لا يمكن الوثوق لأقوال الأمريكيين وتركيا تنتظر الأفعال”.
وشكك يلماز في النوايا الأمريكية التي “تتأرجح ما بين السيطرة على جزء من سوريا وتشكيل كيان إرهابي موازي لإسرائيل لتفتيت بلدان المنطقة، أو السير نحو التسوية ومراعاة مصالح تركيا العليا”.
من جهته، ذكر الباحث السياسي المختص بالشأن التركي سعيد الحاج أن “أساس التوتر بين أنقرة وواشنطن هي الفصائل الكردية المسلحة في سوريا ومشروعها السياسي لإنشاء دويلة أو ممر على حدود تركيا”، مبينا أن هذا “يتمثل في ثلاث مناطق جغرافية؛ تبدأ من عفرين في أقصى الغرب، ومن ثم منبج فرب الفرات، وأخيرا منطقة شرق الفرات بكاملها”.
ورأى الحاج في حديث خاص لـ”عربي21″، أن “ما عبر به الطرفان حول آلية مشتركة هي آلية حوار وليس حل”، موضحا أن “إنشاء الآلية المشتركة الثنائية يقوم على متطلبات الأمن التركي المتعلقة بملف الإرهاب أو حزب الاتحاد الديمقراطي”.
واستدرك قوله: “لكن ليس بالضرورة أن الجانبين متفقان على طريقة حل هذه المشاكل، وبالتالي هناك آلية حوار وستناقش مقترحات الطرفين”، معتقدا أن “هذه الآلية جاءت لنزع فتيل الأزمة، بعد التهديد التركي بأن هذا ملف منبج بالتحديد إما أن يرمم العلاقات بين الطرفين أو يكون سبب في قطعها”، مستبعدا في الوقت ذاته أن يكون “هناك شيء عملي تم الاتفاق عليه”.
وأكد الحاج أن “تركيا ستحاول أن تضغط على الولايات المتحدة لسحب دعمها لوحدات الحماية الذراع العسكري للاتحاد الديمقراطي، أو ما تعرف قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات”، لافتا إلى أن واشنطن لم تعطي إشارات لرفع هذا الدعم، بل إن تيلرسون تحدث صراحة قبيل وصوله تركيا أن الدعم سيستمر والأسلحة ستبقى باعتبارها ليست سلاحا ثقيلا أو نوعيها بحسب تعبيره”.
وتوقع الباحث السياسي أن تبقى “الاستراتيجية الأمريكية في البقاء وقت طويل جدا في سوريا وبالتحديد في منطقة شرق الفرات، والإبقاء على قواعدها العسكرية وتحالفاتها مع قوات سوريا الديمقراطية”، مشددا على أن “ذلك لن يرضى تركيا”.
ونوه الحاج إلى أن “ما سيتحدث به الطرفان سيتعلق بشكل أساسي بمنطقة منبج”، مرجحا أن يتم التوافق على خروج قوات سوريا الديمقراطية منها، ويبقى الجدل على دخول قوات تركية إلى جانب القوات الأمريكية المتواجدة في منبج.
ورأى الحاج أنه في حال تم التوصل لاتفاق يسمح بدخول قوات مشتركة، فإن “الولايات المتحدة لن تكون خسرت الكثير، ويبدو أنها تحتفظ بوجود قوات سوريا الديمقراطية في منبج، لتبقى كورقة تفاوض مع أنقرة، قد تعطيها إياها لكن في مقابل أشياء أخرى قد تطلبها”.
واستبعد أن تحل المشكلة على المدى البعيد، مبينا أن “كل الجهود الأمريكية تأتي لاحتواء الغضب التركي، ومحاولة لتأطير عملية غصن الزيتون، حتى لا تذهب إلى نهاية المطاف كما تريد تركيا بالسيطرة التامة عليها بما فيها المناطق المؤهلة بالسكان”.
وأضاف أنه “على مستوى توافق أمريكا مع النظرة التركية في سوريا، هذا أمر غير ممكن على المدى المتوسط أو البعيد”، معللا ذلك بأن “المصالح متضاربة، وإدارة ترامب لا تلقي بالا كثيرا لمتطلبات تركيا وهواجسها الأمنية”.
وأردف الحاج قائلا إن “الإعلان الأمريكي عن الاستراتيجية بالتواجد شرق الفرات، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي هي في معظمها وحدات حماية الشعب، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي؛ هذا يؤكد أنها تتعارض وتتناقض مع متطلبات الأمن القومي التركي”.
وأكد أن “هذا التناقض سيبقى قائما، وهذا يعني تقاربا أكثر وتفاهمات أعمق بين تركيا من جهة وبين روسيا في المقام الأول وإيران في المقام الثاني”.