مقدمة:
شهدت سنة 2021 سلسلة حوارات ولقاءات بين أطراف متخاصمة ومتواجهة في المنطقة، مدفوعة بعدة أسباب، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية الجديدة وتوجهاتها. ومن ضمن هذه السلسلة كانت حوارات تركيا مع مصر في عدة جولات، وكذلك التقارب التركي – الإماراتي الذي وصل ذروته في زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة، وتوقيع عدّة مذكرات تفاهم بين البلدين.
ضمن هذا المسار، أعلن الرئيس التركي أن خطوات مماثلة سوف تشهدها علاقات بلاده مع كل من مصر و”إسرائيل”، وتوقّعت بعض التقارير أن تتبادل تركيا السفراء مع دولة الاحتلال بحلول منتصف سنة 2022.
وبالنظر إلى الأسباب والعوامل التي تدفع تركيا للتقارب مع دولة الاحتلال، يمكن رصد أسباب مشتركة مع باقي الدول العربية؛ السعودية ومصر والإمارات والبحرين. كما أن هناك ثمّة أسباب خاصة بالعلاقات مع الاحتلال، من ضمنها العلاقات الجيدة المشتركة مع أذربيجان، والدور الذي تريد الأخيرة أن تلعبه في مسار التقارب المتوقع.
أولاً: العلاقات الأذربيجانية – الإسرائيلية:
تُعدُّ أذربيجان الدولة المسلمة ذات العلاقات الأوثق بالكيان الصهيوني، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة؛ وهي أن الأخير كان من أوائل المعترفين بدولة أذربيجان، ولما يراه كلٌّ منهما لدى الآخر من مصالح، مثل الغاز والسلاح، وكذلك العداء أو الخصومة المشتركة مع إيران.
فقد اعترف الكيان باستقلال أذربيجان سنة 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، في سعيٍ منه لنسج علاقات مميزة معها، إثر مقترح أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman، وافتتح بعد سنتين سفارة له في العاصمة باكو.[2]
وعلى صعيد المصالح، فقد بُنيت العلاقات بين الجانبين على أساس الاعتماد المتبادل، حيث تستورد دولة الاحتلال ما يعادل 40% من نفط أذربيجان المصدَّر للخارج، بينما تُعدُّ الأخيرة إحدى أهم الدول المستوردة للسلاح من الكيان.[3] واحتل الكيان الصهيوني المرتبة الثانية بين الدول المصدِّرة للسلاح لباكو بعد روسيا، خلال الفترة 2011-2020.[4]
بيد أن العامل الأبرز في تقارب الجانبين؛ يتمثل فيما يبدو في رؤية كل منهما لإيران. حيث وقفت إيران إلى جانب أرمينيا في حرب القوقاز في تسعينيات القرن العشرين،[5] ولديها حساسياتها المتعلقة بأذربيجان؛ إن كان لجهة النظام وطريقة الحكم فيها، أو للأقلية الأذربيجانية في شمالها وتخوفاتها من نزعاتها الانفصالية.[6]
بيد أن أهم أهداف الكيان الصهيوني من العلاقات المتقدمة مع باكو؛ هي ضمانها كحليف في مواجهة إيران، والحصول على معلومات استخباراتية عن الأخيرة، وكذلك تسويق منتجاتها العسكرية.
وعلى مدى العقود الثلاثة الفائتة تطورت العلاقات بين الجانبين، لا سيّما على صعيد التعاون الأمني والعسكري. في سنة 2009، نشرت ويكيليكس WikiLeaks برقية أمريكية تتحدث عن استخدام “إسرائيل” الأراضي الأذربيجانية للتجسس على إيران.[7] وفي سنة 2012، نشرت مجلة فورين بوليسي Foreign Policy تقريراً تحدّثت فيه عن تواجد إسرائيلي في القواعد الجوية الأذربيجانية، وأن ذلك يقرّبها من إمكانية ضرب إيران.[8] كما أن أذربيجان أبرمت مع دولة الاحتلال عدّة صفقات أسلحة؛ أهمها سنة 2012 بقيمة 1.6 مليار دولار أمريكي، حيث كانت تشتري منها الطائرات بدون طيار (المسيّرات)، وأنظمة الأقمار الصناعية، وهي صفقات استمرت بشكل شبه سنوي.[9]
وفي سنة 2018، زار رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأذربيجانية نجم الدين صادقوف Najmaddin Sadikov “إسرائيل”، وأبرم خلال الزيارة عدة صفقات أمنية.[10] وافتتحت أذربيجان في آب/ أغسطس 2020 مكتباً للترويج للتجارة والسياحة في “إسرائيل”، وهو ما عدّته الأخيرة تمهيداً لفتح سفارة لها.[11]
بيد أن المواجهة العسكرية الأخيرة في خريف 2020، بين أذربيجان وأرمينيا، كشفت عن مستوى متقدم من التعاون بين الجانبين، ونقلت العلاقات بينهما إلى مرحلة مختلفة. فقد نشر الرئيس الأذربيجاني صورة له مع مسيّرة إسرائيلية،[12] واتهمت منظمة العفو الدولية (أمنستي) Amnesty International في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 باكو باستخدام أسلحة إسرائيلية محرّمة دولياً.[13]
هذا التعاون المتطوّر بشكلٍ مضطرد بين الكيان الصهيوني وأذربيجان، كان دائماً محطّ اعتراض من إيران، التي تتوجس أصلاً من الأقلية العرقية الأذرية في شمال أراضيها. فقد اتهمت إيران أذربيجان بتسهيل عمل الموساد ضدّها، وأنها ستُتيح للكيان الصهيوني استخدام مطاراتها لضربها. وقال مسؤولون إيرانيون؛ إن الكيان قد أطلق هجمات وعمليات ضدّها انطلاقاً من الأراضي الأذربيجانية، بما في ذلك وضع اليد على الأرشيف الإيراني،[14] واغتيال علماء نوويين إيرانيين.[15]
إن موضوع استخدام الكيان الصهيوني أذربيجان للتجسس على إيران، عبر قاعدة للموساد على أراضيها، وَردَ في عدّة تقارير،[16] كما كشف أكثر من مسؤول إيراني عن معلومات لدى بلاده عن وجود “قوات إسرائيلية” على الحدود الأذربيجانية – الإيرانية وداخل الأراضي الإيرانية،[17] وهي المزاعم التي نفتها باكو على لسان أكثر من مسؤول، وعلى رأسهم الرئيس إلهام علييف Ilham Aliyev.[18]
كما انتقلت إيران من الاعتراض على هذا التعاون لفظاً، إلى إجراء أكبر مناورات لها منذ ثلاثة عقود قرب الحدود مع أذربيجان، تحت اسم “فاتحو خيبر”، في رسالة واضحة للأخيرة بخصوص العلاقات مع الكيان الصهيوني.[19] وقال المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده Saeed Khatibzadeh؛ إن بلاده “لن تتسامح مع وجود الكيان الصهيوني على مقربة من حدودها”.[20]
ثانياً: التقارب مع “إسرائيل”:
كانت تركيا الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي تعترف بالكيان الصهيوني منذ سنة 1949، ولكن علاقاتها معه تميّزت دائماً بالتذبذب وعدم الاستقرار. وتُعدُّ تسعينيات القرن العشرين، حقبة ذهبية للعلاقات بين الجانبين، إذ كانت أشبه بحالة تحالف استراتيجي، لكنّ ذلك لم يتكرر بعدها.[21]
إذ شهدت السنوات الأولى للعدالة والتنمية تقارباً مع دولة الاحتلال، ومحاولة للتوسط بينها وبين عدد من الدول العربية والإسلامية مثل سورية وباكستان، لكنّ العلاقات تراجعت بشكل ملحوظ ابتداءً من سنة 2009، ثم انقطعت العلاقات الديبلوماسية سنة 2010 لدى الاعتداء على سفينة “مافي مرمرة Mavi Marmara”. ولئن عادت العلاقات بين الجانبين في اتفاق سنة 2016، إلا أنها سرعان ما عادت للتراجع بعد طرد تركيا السفير الإسرائيلي في أيار/ مايو 2018، بسبب التعامل الوحشي مع مسيرات العودة في غزة، وقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.[22]
منذ ذلك الوقت، يكرّر الساسة الأتراك أن مشكلتهم مع الحكومة الإسرائيلية تكمن في سياساتها القمعية ضدّ الفلسطينيين، حتى جاء تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان Recep Tayyip Erdoğan الأوضح نهاية سنة 2020؛ برغبة بلاده في تحسين العلاقات مع الاحتلال.[23] فشهدت سنة 2021 تقارباً تركياً مع عدد من الدول العربية التي كانت تُصنّف في محور مقابل لأنقرة، وهي مصر والسعودية والبحرين والإمارات، وتُوِّج ذلك بزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأنقرة واستقباله بحفاوة. وعلى هامش الزيارة، التي وصفت بالتاريخية، قال الرئيس التركي إن “خطوات قوية مماثلة ستكون مع كل من مصر وإسرائيل”.[24]
هناك أسباب عديدة تدفع تركيا لهذا المسار، بعضها مشترك مع الدول العربية المذكورة؛ مثل الاقتصاد، وتداعيات كورونا، وتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، واقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا، والرغبة في تهدئة بعض الملفات الإقليمية، وبعضها أسباب خاصة بدولة الاحتلال.[25]
ذلك أن تركيا تنظر دائماً إلى أن العلاقات مع الكيان مفتاح مهم للعلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصاً وأن تركيا ليست في أفضل حالاتها اليوم مع إدارة جو بايدن Joseph Biden.[26] كما أنها تراقب بقلق تبلور محور إقليمي تقوده اليونان ودولة الاحتلال لمناهضتها وحرمانها من حقوقها في شرق المتوسط، ولذلك فهي تسعى إلى خلخلة هذا المحور، وكسب بعض أعضائه إلى جانبها أو تحييدهم على أقل تقدير، وتتركز جهودها في هذا الإطار على مصر و”إسرائيل”. كما أن أنقرة تستفيد تاريخياً من جهد اللوبي الصهيوني في مواجهة اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً فيما يتعلق بالادعاءات المتعلقة بأحداث سنة 1915، ومحاولات تصنيفها على أنها “إبادة جماعية” بحقّ الأرمن على يد الدولة العثمانية.
ثمّة عوائق ملحوظة في طريق تحسين العلاقات بين الجانبين، وتحديداً شروط كلّ منهما على الآخر. فقد اشترطت دولة الاحتلال إغلاق ما أسمته “مكاتب حركة حماس في إسطنبول”، والتي تستخدم وفق ادعاء الاحتلال “لتوجيه الأنشطة الإرهابية في الضفة الغربية، وتجنيد الفلسطينيين للقيام بأنشطة إرهابية، وتمويلها”.[27] بينما اشترطت تركيا وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتراجع عن الخطوات التي تستنزف حلّ الدولتين، والعودة إلى مباحثات “السلام” مجدداً، ووقف بناء المستوطنات غير الشرعية وسلب الأراضي الفلسطينية، والكفِّ عن الإجراءات التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في القدس.[28]
ولكن بالرغم من هذه العقبات، فقد شهدت نهاية سنة 2021 إشارات “إيجابية” بين الجانبين؛ على هامش توقيف أنقرة شخصين إسرائيليين ثم إطلاق سراحهما، حيث حادَثَ كلٌّ من رئيس الكيان ورئيس وزرائه أردوغان وشكراه على ذلك، وأكّد أردوغان في الاتصالين، أهمية العلاقات بين الجانبين “لاستقرار المنطقة”،[29] مما دفع لتوقعات بأن يتم تعيين سفراء بين الجانبين منتصف العام الجاري.
ثالثاً: دور أذربيجان:
تجمع بين تركيا وأذربيجان علاقات متميزة وخاصة، تشمل الأبعاد الدينية والعرقية والثقافية وبما فيها اللغة، وهي علاقة يعبّران عنها بشعار “شعبٌ واحد في دولتين”. ولذلك غالباً، ما تكون باكو هي الوجهة الأولى خارجياً، أو الثانية بعد قبرص التركية، لكلّ رئيس أو رئيس حكومة مُنتخب. وإضافة إلى ذلك، يتعاون البلدان في المجالات الاستراتيجية المهمة، حيث إن أذربيجان هي إحدى أهم الدول المصدِّرة للغاز لتركيا، بينما الأخيرة، هي من أكبر الداعمين لها في العموم، وفي صراعها مع أرمينيا على وجه الخصوص، بما فيه ذلك الإسهامات التركية الكبيرة والمعلنة في تطوير المؤسسة العسكرية الأذربيجانية تدريباً وتسليحاً. بالإضافة إلى البعد الجيو–بوليتيكي المهم، والذي يتمثل بأهمية أذربيجان ضمن استراتيجية تركيا بخصوص القوقاز وآسيا الوسطى ولا سيّما الجمهوريات التركية، والتنافس مع قوى دولية مثل روسيا، وإيران، والصين.[30]
تصبح باكو بهذه العلاقات الخاصة، من زاوية ما، صديقاً مشتركاً أو قاسماً مشتركاً بين تركيا والكيان الصهيوني، حيث تجمع بينهما وتجمعهما معها مسألتين مهمتين:
الأولى، دعم كل من الكيان الصهيوني وتركيا لأذربيجان في مواجهة أرمينيا، واشتراكهما في تسليحها ولا سيّما بالطائرات بدون طيار، وهو ما ظهر بوضوح في الحرب الأخيرة.
الثانية، توافق الطرفين على دعم أذربيجان في مواجهة إيران. وعلى هامش الخلاف والتوتر والتهديدات التي سادت بين طهران وباكو، فقد اتخذت تركيا موقفاً واضحاً إلى جانب الأخيرة في الخطاب والموقف، مما أزعج طهران.[31]
ذلك أن علاقات الاحتلال بأذربيجان، الحقيقية والمفترضة، كانت أحد أهم أسباب المناورات الإيرانية الأكبر منذ عقود قرب الحدود مع الأخيرة، وهي المناورات التي رُدّت عليها بمناورات مشتركة مع تركيا.[32] ويبدو أن استمرار التصريحات الإيرانية تجاه أذربيجان قد دفع لتعميق الروابط الأمنية والدفاعية بين أنقرة وباكو، على الرغم من تراجع خطر أرمينيا.
ففي كانون الثاني/ يناير 2021، وقّعت كلٌّ من تركيا وأذربيجان مع باكستان “إعلان إسلام آباد”،[33] وأجرت الدول الثلاث مناورة عسكرية مشتركة في أيلول/ سبتمبر، ثم أخرى في تشرين الأول/ أكتوبر في إقليم ناخشيفان. وفي حزيران/ يونيو 2021، وقّع الرئيسان أردوغان وعلييف “إعلان شوشة” لترسيخ وتعميق التعاون بين البلدين “لإقامة علاقات تحالف”. وقد نصّ الإعلان على أنه:
عندما يرى أي من الطرفين وجود تهديد أو هجوم من قبل دولة أو طرف ثالث ضد استقلالها أو سيادتها أو سلامتها الإقليمية أو أمنها أو حرمة حدودها المعترف بها دوليا، يجب على الأطراف إجراء مشاورات مشتركة واتخاذ مبادرات تهدف لمنع الهجوم أو التهديد بما يتوافق مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وتقديم المساعدة اللازمة بما يتناسب مع ميثاق الأمم المتحدة. ويتم تحديد نطاق وشكل هذه المساعدة من خلال مفاوضات عاجلة، ثم إقرار تلبية الاحتياجات الدفاعية لكي يتم اتخاذ إجراءات مشتركة، كما سيتم توفير عمل منسق لوحدات القوة والإدارة في القوات المسلحة.[34]
ويبدو أن باكو تسعى للتقريب بين حلفائها وداعميها في المواجهة مع أرمينيا من جهة، وضدّ التهديدات الإيرانية من جهة أخرى؛ فتحدّث وزير خارجيتها جيهون بيراموف Ceyhun Bayramov في كانون الأول/ ديسمبر 2020 عن إمكانية توسط بلاده بين “إسرائيل” وتركيا.[35] وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام، أن الرئيس التركي لم يُبدِ اعتراضاً على مبدأ الوساطة، بالإضافة إلى رغبته في تحسين العلاقات مع دولة الاحتلال.
خاتمة:
في الخلاصة، ثمّة رغبة حقيقية لدى تركيا في تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني للأسباب المذكورة سالفاً، وبشكل متناغم أو متوازٍ مع مسار التهدئة والتقارب مع بعض الدول العربية الفاعلة.
ولئن كان هذا المسار محفوفاً بعدد من العقبات، وفي مقدمتها اشتراطات كل طرف على الآخر، يمكن أن يكون لطرف ثالث موثوق من الجانبين دورٌ في التوسط بينهما، والدولة الأقرب للعب هذا الدور هي أذربيجان. فهي على علاقة تحالف وثيقة مع تركيا من جهة، وهي الدولة المسلمة الأوثق علاقة بالكيان الصهيوني من جهة أخرى، حيث تقوم العلاقات معها على أُسسٍ من المصالح والمهددات المشتركة، وتتجاوزها كذلك، لمساحة اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى بشكل لا يتكرر مع دول أخرى ذات أغلبية مسلمة.[36]
تحدّثت عدّة تقارير عن رغبة أذربيجان في لعب دور الوسيط بين تركيا و”إسرائيل”، وأن الأولى رحّبت بذلك في ظلّ تحفّظ الثانية سابقاً. لكن التواصل الحاصل مؤخراً بين الجانبين والذي يشير إلى أهمية تحسين العلاقات بينهما، قد يُعيد تنشيط الوساطة الأذربيجانية المحتملة، خصوصاً وأن الجانب التركي يتحدّث عن تواصل مع دولة الاحتلال على صعيد أجهزة الاستخبارات.[37]
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن التطورات الإقليمية لا تقلُّ أهمية عن الرغبة المبدئية لدى كلٍّ من تركيا والكيان الصهيوني لتحسين العلاقات، وكذلك عن استعداد أذربيجان للتوسط بينهما. ذلك أن قدرة أنقرة على خلخلة المحور الإقليمي المواجه لها في شرق المتوسط، وكسب أحد أعضائه نحوها—لا سيّما مصر—سيقلل من حاجتها للتقارب مع الكيان واندفاعها نحوه، والعكس صحيح. كما أن تفاقم التوتر بين إيران وأذربيجان يمكن أن يُزيل بعض العقبات أمام التقارب بين تركيا ودولة الاحتلال، في الوقت الذي ستقلّل التهدئة والعودة للغة الديبلوماسية بينهما، من الضغوطات على أنقرة لتحسين العلاقات معها.
ما يعني، ختاماً واختصاراً، أن مسار التقارب بين تركيا والكيان الصهيوني؛ ليس محسوماً بشكل نهائي وإن كان مرجحاً، وأن مستواه، إن حصل، ليس واضحاً ولا مقطوعاً به، وأن نجاح الوساطة الأذربيجانية كذلك ليس مضموناً، بل هو رهنٌ لعددٍ من العوامل، والتطورات المحلية، والإقليمية، والدولية ليست كلّها مرتبطة بشكل مباشر بطرفَي المعادلة، بل تملك أطراف ثالثة التأثير على هذا المسار سلباً أو إيجاباً.