العدالة والتنمية يخوض الانتخابات بلا مؤسسيه

يخوض حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا منذ عام 2002، في حزيران/يونيو المقبل انتخابات برلمانية يعتبرها الأصعب والأكثر أهمية له وفق جدول الأعمال المحلي والإقليمي، ابتداءً من عملية السلام الداخلية ومحاولات صياغة دستور جديد للبلاد، وليس انتهاءً بالأزمة السورية والتحالف الدولي المعلن في مواجهة “الإرهاب” في المنطقة. لكن المفارقة أن الحزب يخوض الانتخابات القادمة، بعد أقل من 13 عاماً من إنشائه، دون قياداته المؤسِّسة.

لا أقصد هنا “بالقيادات” فقط رئيسه اردوغان، ولا أتحدث عن المؤسسين الرسميين الـ63 للحزب، وفق الأوراق الرسمية المعتمدة في الحزب وأمام الدولة، بل أعني أهم الشخصيات التي تبنت الخروج من عباءة حزب الفضيلة وتيار “الميللي غوروش” بقيادة الراحل أربكان وتأسيس حزب جديد، ثم قادت حزب العدالة والتنمية في فترته الأولى تحديداً، وهم رجب طيب اردوغان، عبدالله غل، بولند أرينتش وعبداللطيف شنار.

يبقى طبعاً التحدي الأكبر أمام الحزب هو غياب اردوغان عن قيادته في المعركة الانتخابية القادمة، وهو الذي يمثل بالنسبة له أكثر من مجرد رئيس، فهو الذي يجمع القيادة والرمزية والشرعية التاريخية، وهو الذي كان يقود الحملات الانتخابية بنفسه عبر مهرجاناته الشعبية بأدائه الخطابي المعروف ومهارات التواصل المتميزة لديه. بانتقاله إلى قصر الرئاسة، فقد حزب العدالة والتنمية كل هذا، رغم أن الأخير لمح في أكثر من مناسبة أنه لن يلتزم القصر بالضرورة ولن يكون “رئيساًَ عادياً أو معتاداً”، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن ننتظر أن نراه في الميادين فعلاً.

ويزيد من هذا القلق لدى الحزب الحاكم استطلاعات الرأي المتواترة التي لمست  دوماً دوراً خاصاً لاردوغان الشخص في نسب التصويت للحزب، وتوقعت – فيما سبق – انخفاضه في غياب اردوغان بنسبة وصلت أحياناً إلى %10. يقلل هذه المخاطر – ولكن لا يلغيها – أداء داود أوغلو المطمئن في رئاسة الحزب حتى الآن، وهو ما يجعل المناسبة الانتخابية القادمة اختباراً للرجل قبل الحزب.

يغيب أيضاً عن الحزب والمشهد السياسي برمته (على الأقل فيما هو ظاهر حتى الآن) الرئيس السابق عبدالله غل، أحد مؤسسيه وأول رئيس له، وأول رئيس حكومة عن العدالة والتنمية (في فترة الحظر السياسي على اردوغان) قبل أن يتنازل عنهما لرفيق دربه اردوغان، ليتولى مهام وزارة الخارجية، وأخيراً رئاسة الدولة من 2007 وحتى 2014. غاب الرئيس غل، أو بالأحرى غيّب، بعد انتهاء فترته الرئاسية، عن مؤتمر حزب العدالة والتنمية الاستثنائي الذي اختار داود أوغلو رئيساً، ثم غابت أخبار خططه السياسية رغم أنه كان قد أعلن أن “عودته إلى حزبه القديم الذي شارك في تأسيسه شيء طبيعي ومتوقع”. يبدو هنا أن الخلافات الضمنية بين غل واردوغان خلال أزمة ادعاءات الفساد في كانون أول/ديسمبر 2013 (اعتبرتها الحكومة انقلاباً قضائياً عليها) قد سبب شرخاً بين الرجلين تم على إثره استبعاد غل من الخطة المستقبلية للحزب، وقطع الطريق على عودته له، الأمر الذي دعاه فيما يبدو إلى التصريح مؤخراً – وعلى عكس التصريحات السابقة – بأنه خدم البلاد “في كل المناصب الممكنة” على مدى السنوات السابقة.

يأتي في المرتبة الثالثة بولند أرينتش، المحامي والبرلماني المخضرم (عضو لأكثر من 20 عاماً في مجلس الشعب)، أول رئيس للبرلمان في عهد العدالة والتنمية، نائب رئيس الحزب ونائب رئيس الوزراء الحالي، والرجل الهادئ والعقلاني صاحب الصوت الخفيض والرأي الحصيف. بعد مشوار طويل وحافل مع أحزاب الراحل أربكان ثم مع العدالة والتنمية، يبدو أن قاعدة المدد الثلاث التي أرساها الحزب الحاكم ستكتب خاتمة حياة الرجل السياسية. ورغم أنه يُنتظر للكثيرين ممن تنطبق عليهم هذه القاعدة في الحزب أن يُعينوا كمستشارين يستفيد منهم الحزب أو الحكومة أو حتى مؤسسة الرئاسة، إلا أن أرينتش بدا مكتفياً بما قدم وراغباً في اعتزال العمل السياسي، راضياً كان أم ساخطاً.

أما عبداللطيف شنار، فقد سبق الجميع للخروج من الحزب ودوائر التأثير فيه. فهو نائب سابق عن حزب الرفاه ثم حزب العدالة والتنمية ووزير سابق للمالية، ونائب لرئيس الوزراء في حكومتين متتاليتين. لكنه خرج أو أخرج من الحزب عام 2007 إثر خلاف في الرؤى معه، ثم أسس “حزب تركيا” الذي فشل في إثبات نفسه على الساحة السياسية فأغلق عام 2012.

هكذا إذن، يدخل الحزب الحاكم المنافسة الانتخابية الحساسة، بكل ما يترتب على نتائجها من استحقاقات، دون قيادات الصف الأول التي حملت فكرته وأسسته وبدأت به خطواته الأولى في طريق التجربة التركية الحديثة. وهو تحد كبير سيتوجب على داود أوغلو ورفاقه أن يكونوا على مستوى إجابته، للإبقاء على نجاحات الحزب إن لم يكن الإضافة إليها. الانتخابات البرلمانية التركية القادمة مهمة واستثنائية ولافتة من كثير من الزوايا والجوانب، وربما تكون مفارقة دخول الحزب الفتي غمارها دون قياداته المؤسِّسة من أهمها.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

الحكومة التركية تضيق الخناق على جماعة كولن

المقالة التالية

هل يخرج داودأوغلو من عباءة اردوغان؟

المنشورات ذات الصلة