استراتيجية تركيا في عملية غصن الزيتون

0

استراتيجية تركيا في عملية غصن الزيتون

 

عربي 21

في الـ 23 من شباط/فبراير الفائت، قال اردوغان إن الجيش التركي أصبح على وشك حصار مدينة عفرين، وأن عملية غصن الزيتون سوف تتبع بعد ذلك استراتيجية جديدة ومختلفة. بعد ذلك بأيام قليلة، في الـ 26 من الشهر ذاته، أكملت تركيا السيطرة على طول الحدود التركية – السورية في المنطقة متمّمةً ما أسمته “الهلال”، أي حصار عفرين من ثلاث جهات، مع بقاء منطقة تواصل في الجنوب الشرقي بين المدينة ومناطق سيطرة النظام. فما هي الاستراتيجية التي ستتبعها القوات المسلحة التركية رفقة مجموعات الجيش السوري الحر في الفترة المقبلة؟

 

اتبع الجيش التركي في بدايات عملية غصن الزيتون خطوات واضحة، بدأت بالقصف الجوي الممهد ثم التقدم البري من عدة جبهات، بهدف تأمين الحدود التركية – السورية أولاً ثم التوغل بالتدريج في المنطقة. وكانت للجبال والتلال المحيطة بالمنطقة أهمية كبيرة في مراحل العملية الأولى ولذا فقد حرصت أنقرة على إتمام السيطرة عليها قبل بدء التوجه نحو عفرين حيث المناطق المأهولة بالسكان وحيث تتمترس وحدات الحماية وينتظر أن تحتدم فيها المواجهات أكثر.

 

عدد من التقارير والأخبار وصفت العملية بالبطيئة، ولعل في الأمر بعض الوجاهة إذ تمثل أمامها – ميدانياً – عدة تحديات في مقدمتها تضاريس المنطقة الجبلية (خلافاً لمناطق درع الفرات) والتي تصعّب من مهمة المقاتلات التركية وتعيق تقدم الفرق المدرعة. كما أن أنقرة تبدو حذرة ومتوجسة مما يمكن أن تكون الوحدات قد حصلت عليه من سلاح نوعي يمكن أن يزيد من خسائرها البشرية في العملية، مثلما حصل في استهداف الدبابة التركية في بدايات العملية. لكن، وإضافة إلى ذلك، يبدو أن السبب الأبرز لبطء العملية نسبياً حتى الآن هو حرص تركيا الشديد على تجنب إيقاع الخسائر في المدنيين، وهو ما قدمت القوات المسلحة التركية عليه عدة قرائن مصوّرة رغم أنه محدِّدٌ لا يكتفي فقط بإعاقة العملية وإبطائها وإنما يرفع من حصيلة خسائر الجيشين التركي والسوري الحر بشكل ملحوظ.

 

أما سياسياً، فإن التحدي الأكبر أمام تركيا كان وما زال مدى قدرتها على تسويغ العملية والاستمرار فيها رغم الضغوط الخارجية الممارسة عليها من عدة أطراف، علناً او ضمناً، ولذلك فقد سعت منذ اللحظة الأولى للعملية إلى إحاطتها بشبكة أمان سياسية – قانونية في الداخل والخارج على مستوى المسوغات القانونية والنشاط الدبلوماسي والتواصل مع أحزاب المعارضة في الداخل.

 

ولعل هذه الضغوط قد تبلورت أكثر واشتدت نسبياً بعد قرار مجلس الأمن رقم 2401 الذي دعا لهدنة إنسانية مدتها شهر في عموم سوريا. حيث حاولت فرنسا الضغط باتجاه أن القرار يشمل أيضاً عملية غصن الزيتون في عفرين، بينما دعت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت أنقرة “لقراءة قرار مجلس الأمن الدولي حول الهدنة في الأراضي السورية مرة أخرى وبعناية”، وهما الموقفان اللذان ردت عليهما تركيا بوضوح وحزم. فمن جهتها، ترى أنقرة أن القرار لا يشمل عمليتها في عفرين لثلاثة أسباب:

 

الأول، أن مسوغ القرار الدولي وسبب صدوره هو الوضع الإنساني الاستثنائي – سلباً – في الغوطة الشرقية وليس عفرين.

 

الثاني، أن القرار لم يأت بتاتاً على ذكر عفرين، بينما أتى مثلاً على ذكر كل من الغوطة الشرقية واليرموك والفوعة وكفرياً بالاسم وعلى وجه التخصيص.

 

الثالث، أن هذا النوع من القرارات يستثني عادة ما يعتبرها “مكافحة للإرهاب”، وهو ما أكدته المادة الثانية من القرار التي استثنت “العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والقاعدة وجبهة النصرة وجميع الجماعات الأخرى..وغيرها من الجماعات الإرهابية”. وليس خافياً أن وحدات حماية الشعب، الامتداد السوري المسلح لحزب العمال الكردستاني، مصنفة على قوائم الإرهاب التركية، وتحاول أنقرة جهدها إقناع حلفائها وأصدقائها وباقي الأطراف بأن تحذو حذوها في ذلك دون أن تصل لنتيجة ملموسة حتى الآن.

 

بالعودة إلى الجانب الميداني من العملية، وفي اليوم الـ 45 لها، فقد سيطرت القوات المسلحة التركية رفقة الجيش السوري الحر حتى كتابة هذه السطور على 136 نقطة، منها ثلاث مراكز بلدات و104 قرى و22 جبلاً/تلة استراتيجياً وقاعدة تابعة لوحدات الحماية وفقاً للمصادر التركية. بيان القوات المسلحة التركية الأخير أشار إلى “سقوط 157 شهيداً في عملية غصن الزيتون” 41 منهم من الجيش التركي و116 من الجيش السوري الحر، مقبل “تحييد 2777 إرهابياً” بالإشارة إلى مسلحي وحدات الحماية. فما التالي بعد حصار عفرين؟

 

يبدو أن عملية غصن الزيتون ستتبع أحد سيناريوهين:

الأول، إبطاء و/أو تجميد عملية التقدم بعد نقطة معينة، والاكتفاء بالحصار واللعب على ورقة الزمن والحصار لضمان استسلام الوحدات أو خروجها أو تقدم أحد الأطراف (روسيا؟) بمقترح أو مبادرة ما.

الثاني، الاستمرار في التقدم الحذر والبطيء والسيطرة المتدرجة على المناطق والقرى والبلدات واحدة تلو الأخرى باتجاه مركز مدينة عفرين.

ويبقى في ذهن صانع القرار أن المعركة في قلب عفرين ستكون مختلفة عن كل ما سبقها، فهناك الكثافة السكانية الأبرز، وهناك أيضاً القوة الأكبر لوحدات الحماية التي يبدو أنها تخطط لمواجهة تركيا هناك بأسلوب حرب الشوارع أو حرب العصابات، مراهنة على ازدياد الضغط الدولي على أنقرة  مع عدّاد الخسائر المدنية، والضغط الداخلي عليها مع عدّاد الخسائر بين أفراد الجيش.

 

حتى الآن، وفي ظل غياب مقترحات تقنعها وتكفل أمنها، وفي ظل التواصل الجغرافي بين عفرين ومناطق النظام بما يصعّب إمكانية إحكام الحصار، تبدو تركيا مستمرة في العملية وفق السيناريو الثاني الذي يشمل ضمناً استمرار الحصار وتشديده قدر الإمكان لكن دون التعويل عليه وحده. ولا يبدو أن القوات المسلحة التركية تواجه – حتى الآن على الأقل – مقاومة حقيقية قادرة على إيقافها، فهمي تملك إمكانات كبيرة وخبرة واسعة في هذا النوع من المواجهات، أي المواجهات في المناطق المأهولة بالسكان وحيث تكثر الأنفاق والمغارات والسواتر والكمائن، اكتسبتها في المواجهات مع حزب العمال الكردستاني إثر إعلان الإدارات الذاتية في مناطق الأغلبية الكردية جنوب وجنوب شرقي البلاد في 2015. وتبدو نتيجة ذلك واضحة إلى حد بعيد في وتيرة تقدمها، إضافة للقوات الخاصة في جهازي الشرطة والدرك التي انضمت لها، حيث سيطرت مؤخراً على بلدة راجو الاستراتيجية بعد مواجهة لم تستمر أكثر من 24 ساعة ثم قطعت الطرق بين راجو وجندريس من جهة وعفرين من جهة أخرى، ما يعني أن معركة عفرين الرئيسة قد اقتربت نسبياً.

 

وبجرد حساب بسيط، تبدو العملية وقد حققت نسبة لا بأس بها من أهدافها، من حيث مواجهة وحدات الحماية المصنفة على قوائمها للإرهاب، والقدرة على الاستمرار في العملية دون ضغط دولي مؤثر، وتأمين الحدود التركية بعمق معقول، وقطع طرق الإمداد نحو عفرين إلى حد كبير، ومنع الميليشيات من الدخول لدعم الوحدات والتأثير على مسار العملية، ويبدو – حتى الآن – أنها تسير نحو إتمام العملية كما أرادتها من البداية أي السيطرة التامة على كامل منطقة عفرين وإخراج وحدات الحماية منها في ظل غياب مفاجآت كبيرة.

شارك الموضوع :

اترك رداً