سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

خيارات تركيا إزاء استفتاء كردستان العراق

1

 

 

خيارات تركيا إزاء استفتاء كردستان العراق

 

الجزيرة نت

يوماً بعد يوم، تتضاءل فرص تأجيل مسعود البارزاني لاستفتاء إقليم شمال العراق وتتصاعد في المقابل مواقف الأطراف الرافضة لإجرائه وفي مقدمتها حكومة بغداد وإيران وتركيا.

 

دوافع البارزاني

لا يختلف اثنان في المنطقة على المظلومية التاريخية للأكراد، وحرمانهم من كثير من الحقوق على مدى عشرات السنين في الدول الأربع التي يعيشون فيها في المنطقة أي سوريا والعراق وتركيا وإيران.

لطالما راود حلم الدولة الأكراد في هذه الدول وقد حاولوا ذلك مراراً عبر التاريخ وكانت تجربتهم الأبرز في جمهورية مهاباد في إيران والتي تحولت إلى كارثة، بيد أن أكراد العراق كانوا أوفر حظاً من نظرائهم في الدول الأخرى فاستفادوا من حربي الخليج وغوز العراق ليؤسسوا الأرضية المناسبة لدوليتهم المنشودة، وإن كان دستور العراق 2005 قد نص على نظام فيدرالي.

بيد، ثمة عوامل أخرى كثيرة تدفع البارزاني اليوم للإصرار على إجراء الاستفتاء في موعده رغم كل الضغوط التي يتعرض لها، بعد أن أجله في عدة مناسبات سابقة.

في المقام الأول، تمثل التظورات الأخيرة في المنطقة سيما العراق وسوريا فرصة تاريخية للأكراد جعلت منهم لاعباً مهماً يحظى بدعم أمريكي – دولي، ومهدت الطريق لسيناريوهات التقسيم والفدرلة. يريد البارزاني إجراء الاستفتاء قبل انتهاء مكافحة “داعش” الذي يمكن أن تتراجع بعده أهمية الأكراد وأوراق قوتهم.

أكثر من ذلك، ضمنت البشمركة انتشاراً أوسع ونفوذاً أكبر في المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك، بعد سيطرة داعش على الموصل عام 2014 وما تلاها من تطورات حتى طردها منها ومن باقي المناطق العراقية مؤخراً. ولذا يراهن الأكراد على إجراء الاستفتاء في هذه المناطق وضمها للإقليم، أو تقوية موقفهم في التفاوض حولها بعد الاستفتاء على أقل تقدير.

ويعاني إقليم كردستان العراق من أزمات سياسية واقتصادية متراكمة، حيث انتخب البرازاني رئيساً للإقليم في 2005 ثم جدد له في 2009 وما زال الإقليم منذ الوقت ينتظر الاستحقاق الانتخابي – السياسي في ظل العلاقات المتوترة بينه وبين بغداد التي انعكست على تأخر مستحاقته من الميزانية منذ بدايات 2014، ويبدو أن البارزاني قد قرر الهروب من هذه الأزمات إلى الأمام من خلال الاستفتاء.

يبقى أخيراً عامل لا يمكن إغفاله، إذ يريد مسعود البارزاني بعد كل هذه السنوات أن يتوج حياته و”يخلد اسمه” باعتباره الزعيم الكردي الذي أجرى الاستتفاء وقام بالخطوة الأولى على طريق الاستقلال.

 

أوراق الضغط التركية

يتفق إجراء الاستفتاء مع مبادئ عامة مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكنه يصطدم من جهة أخرى مع الدستور العراقي وآليات الاستقلال المتعارف عليها بما في ذلك التوافق مع الحكومة المركزية. وهو بهذا المعنى ليس إلزامياً ولا يترتب عليه قانونياً وسياسياً أي نتائج مباشرة، إلا أنه يقوي من موقف الإقليم في التفاوض مع بغداد.

ورغم ذلك، ثمة معارضة واسعة للاستفتاء محلياً وإقليمياً ودولياً، ولا يكاد يقف إلى جانب البارزاني علناً غير دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تتحفظ واشنطن على التوقيت وإن وافقت على المبدأ. بالنسبة لأنقرة، فمبدأ تقسيم العراق أمر مرفوض لما يمكن أن يتسبب به من فوضى قد تنعكس عليها، فضلاً عن الانعكاسات السلبية المباشرة على الملف الكردي الداخلي، وهو ما يجعلها تعتبر الاستفتاء “مسألة أمن قومي”.

تتصاعد التصريحات والمواقف التركية مع مرور الوقت وتضاؤل فرص الإلغاء والتأجيل، حيث بدأت بتحذير وزير الخارجية من “حرب أهلية عراقية”، مروراً بتهديد رئيس الوزراء بـ “الردود التركية” وتقريب موعد اجتماع مجلس الأمن القومي لتاريخ 22/9، ووصولاً لإجراء القوات المسلحة التركية لتدريبات عسكرية قرب معبر الخابور الحدودي مع العراق.

رغم حرص أنقرة على العلاقات الجيدة التي تربطها بالبارزاني، إلا أنها تلمح وتصرح بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مشروع “إعلان دولة مصطنعة” على حدودها، حيث تملك عدة أوراق ضغط فاعلة في مواجهة الإقليم، أهمها:

أولاً، الملف الاقتصادي حيث تعتبر تركيا الرئة التي يتنفس منها الإقليم في ظل خلافاته مع الحكومة المركزية، من خلال التجارة البرية البينية ومرور خطوط النفط عبر أراضيها للعالم الخارجي. ومع تهديد طهران بغلق الحدود البرية مع الإقليم، وفي ظل حديث أنقرة عن “ردود فورية” على الاستفتاء إن تم، يمكن تصور أن الملف الاقتصادي سيكون ذا أولوية.

ثانياً، العلاقات السياسية، حيث تربط أنقرة بأربيل منذ سنوات علاقات طيبة تقترب من التحالف على خلفية التوافق في مواجهة العمال الكردستاني والخلافات المشتركة مع بغداد، ويمثل احتمال تخفيض أو اهتزاز هذه العلاقات ورقة ضغط بيد أنقرة.

ثالثاً، القوة العسكرية، وهي ورقة لم تلوح بها أنقرة إلا مؤخراً إلا أنها كانت ماثلة دائماً من خلال التواجد العسكري في معسكر بعشيقة والعمليات الجوية المتكررة ضد معاقل الكردستاني في جبال قنديل. إلا أن رفض البارزاني للمقترح الدولي المقدم له قبل أيام واقتراب موعد الاستفتاء المعلن أخرجا ورقة الضغط الضمنية إلى العلن عبر المناورات العسكرية التي بدأها الجيش التركي قرب الحدود العراقية في الـ 18 من أيلول/سبتمبر الحالي في رسالة أكثر من واضحة في دلالاتها الزمنية والجغرافية.

 

سيناريوهات المستقبل

تلقفت أربيل رسائل التحفظ والضغط التركية، حيث أعلن الناطق باسم حكومتها سفين دزيي عن حرصها على العلاقات الجيدة مع أنقرة عارضاً الحوار معها لشرح ضرورة الاستفتاء وتطمين هواجسها إزاءه.

لا يعني ما سبق أن تركيا ستفعّل كل أوراق ضغطها بالضرورة قبل الاستفتاء أو بعده مباشرة، أولاً لأنها تراهن على خيار التأجيل رغم تضاؤل فرصه بشكل كبير مع مرور الوقت، وثانياً لأنها تنظر للملف من زوايا عدة.

أولوية تركيا اليوم هي المساهمة في جهود الضغط وتقديم البدائل للبارزاني لتأجيل الاستفتاء، وهو ما يعني أن تصريحات المسؤولين الأتراك وإجراءات الحكومة تخدم هذا المعنى أكثر من سياق التدخل المباشر والإجراءات الصارمة بالضرورة، خصوصاً وأن نتيجة الاستفتاء ليست ملزمة.

وعليه، فالموقف التركي سيعتمد بشكل مباشر على المسار الذي سيختطه الإقليم بعد النتيجة. فما يقلق أنقرة هو “استقلال” الإقليم وليس إجراء “الاستفتاء” بحد ذاته، ولذا فما بين المضي في خطوات الاستقلال وتدويل الملف وبين اختيار التفاوض مع بغداد من وضعية أقوى فارق هائل ومهم بالنسبة لتركيا. وعليه، سيكون من المنتظر أن تعبّر أنقرة عن  حزمها وجديتها في رفض مسار الاستقلال عبر بعض العقوبات الاقتصادية المباشرة مثل إغلاق معبر الخابور ووقف رحلات الخطوط الجوية التركية وتجميد عمل بعض الشركات التركية في الإقليم، لكن ما بعد ذلك قد يتحدد لاحقاً وحسب التطورات فقط.

تعتبر كركوك الأولوية الثانية في مقاربة تركيا للعلاقات مع العراق بعد مكافحة العمال الكردستاني، ولذا فهي تمثل محدداً رئيساً في بلورة موقفها من الأزمة الحالية، لما تمتاز به المحافظة من أهمية تاريخية ورمزية واقتصادية وبسبب العامل الديمغرافي المتعلق بالمكوّن التركماني الذي تعتبر أنقرة نفسها حامية وراعية له.

ولذا فإن إجراء الاستفتاء في كركوك – كمنطقة متنازع عليها وخارج حدود الإقليم – من عدمه سيكون نصب عيني صانع القرار التركي وهو يصوغ موقفه، سيما مع ردة الفعل الحازمة من بغداد وقرار المحكمة الدستورية العراقية وعزل محافظ المدينة واستجلاب قوات البشمركة لها.

التخوف الأكبر لدى أنقرة هو أن يؤدي الخلاف حول كركوك إلى احتكاك عسكري محلي بين البشمركة والحشد الشعبي على أسس عرقية قد تحوله سريعاً إلى نزاع إقليمي، يرتبط بأهمية المحافظة الاقتصادية وخريطتها العرقية على حد سواء.

على المدى البعيد، ستكون السياسات التي ينتهجها الإقليم أيضاً متغيراً مهماً بالنسبة لأنقرة. صحيح أن البارزاني أثبت حتى الآن أنه صديق لتركيا وأقرب التيارات الكردية في المنطقة لها، إلا أن المستقبل قد يحمل الكثير من المتغيرات – على مستوى الشخص والتيار – بخصوص قيادة الإقليم الذي لا يبدو على قلب رجل واحد لا في مسألة الاستفتاء ولا على صعيد توجهات المستقبل وبوصلة السياسة.

لربما يكون خطأ أكراد العراق أنهم ما زالوا يفكرون في عام 2017 بمنطق حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى وانتشار المد القومي، فيصرون على مسار الاستقلال وإنشاء الدولة القومية فيما تسعى معظم شعوب الأرض اليوم إلى فكرة المواطنة والحقوق المتساوية بين جميع الأعراق والأديان، وكأن “الدولة القومية الحديثة” قد أثبتت نجاحها في العالم العربي مثلاً أو كأن استقلال جنوب السودان لم يؤد إلى استدامة المواجهات والنزاعات.

وعليه، ربما على البارزاني اليوم أن يعيد التفكير ملياً في سيناريوهات اليوم التالي للاستفتاء بالحد الأدنى في حال أصر على إجرائه في موعده، لئلا تتحول فكرة الدولة التي تهدف للاستقرار والتنمية إلى عامل زعزعة وتهديد تذهب بما هو قائم حالياً منهما، ولعل في تجربة مهاباد وغيرها من ملامح الخذلان الخارجي وخطورة الخطوات الأحادية دروساً ينبغي التعلم منها.

شارك الموضوع :

تعليق واحد

  1. تتكلم وكان كردستان ليست لديها أي ورقة لتظغط على تركيا و ليس وراء دولة كردستان غير شر لتركيا

اترك رداً