حماس والقضية الفلسطينية في قلب العاصفة الخليجية
عربي 21
ليس واضحاً بعد إلى أي مدى ستتفاقم الأزمة الخليجية – الخليجية بعد قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين (إضافة لمصر) علاقاتها مع قطر، إلا أن الواضح في التطورات أنها غير مسبوقة ومتدحرجة ومفتوحة على كل السيناريوهات.
كل المسوغات التي ساقتها هذه الدول بين يدي قرارها، وتصعيدها الإعلامي قبلاً، لا ترقى لأن تكون الدوافع والأسباب الحقيقية للتطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، إذ يتراوح معظمها بين المفترى والمبالـَغ به والمدّعى والملصَق بها إلصاقاً، فضلاً عن أمور أخرى أكثر من عادية ولا يفترض أن تكون محل خلاف كبير كهذا.
الأحداث التي تزامنت مع الأزمة أو سبقتها توحي أكثر بالأسباب الحقيقية خلف الأزمة المتفاعلة باضطراد، سيما ما يتعلق بزيارة ترمب للمنطقة وإعلان “التحالف الشرق أوسطي” لمواجهة الإرهاب والتطرف وإنشاء مركز “اعتدال” والحملة الإعلامية و”البحثية” في الولايات المتحدة ضد قطر تحديداً وتركيا لاحقاً.
الأسباب الأكثر منطقية تتبدى في التنافس الإماراتي مع قطر، والغضب من سياسات الدوحة الخارجية سيما ما يتعلق بحماس والإخوان المسلمين، واستحقاقات “تداول” السلطة في السعودية، والحديث عن “صفقة القرن” واضحةِ الدلالة غامضة التفاصيل.
وأما اللغة التي صيغت بها بيانات الدول العربية التي قطعت العلاقات مع قطر، والتي تبدو أقرب لإعلان الحرب منها لبيانات سياسية، فتقول القصة باختصار: محور “الاعتدال” العربي سيء الصيت والسمعة يعيد ترتيب أوراقه وملفاته وأولوياته بكل صفاقة وحماقة. فأين موقع حماس والقضية الفلسطينية من هذه العاصفة غير المسبوقة، وما الذي ينتظرها؟
ما زال الفلسطينيون يذكرون بألم تداعيات حرب الخليج الثانية، كصراع عربي – عربي دفع العالم العربي برمته ثمنه وما يزال، وكان للقضية الفلسطينية منه نصيبها الوافر في مسار بدأ بمدريد واستمر بأوسلو ولم ينته حتى الآن، لكن يبدو أن التداعيات على حماس وغزة والقضية الفلسطينية اليوم أكثر حرجاً وخطورة.
في ضوء الأزمة الأخيرة وما سبقها من تطورات، ثمة تحديات عدة تواجه حماس تحديداً والمقاومة الفلسطينية بشكل عام والقضية الفلسطينية حتماً في الفترة المقبلة، أهمها:
أولاً، تفاقم الضائقة المالية. إذ ليس سراً أن حماس تعاني من ضائقة مالية بسبب أزمات المنطقة من جهة والتضييق المالي عليها من جهة أخرى. فمركز “اعتدال” سيعنى (بل يعنى) بمتابعة ما سيعتبره “تطرفاً” وليس فقط المنظمات المصنفة على قوائم “الإرهاب”، وحسب تصنيف ترمب وما أعلنه في قمة الرياض فإن حماس “إرهابية” وبالتالي سيضيق عليها أكثر فأكثر، سيما من دول الخليج العربي. وغير خافٍ طبعاً أن استحكام الضائقة المالية سيعني تفاقم الأوضاع المعيشية في قطاع غزة أكثر، وهو مجال ستسعى عدة أطراف لاستثماره لتأليب الأوضاع ضد حماس في القطاع.
ثانياً، عدوان صهيوني جديد على قطاع غزة، بات محتملاً أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط بانكسار رياح الثورات العربية وتمادي محور “الاعتدال” العربي والثورة المضادة ورضى أطراف فلسطينية وحسب، ولكن أيضاً بانشغال العالم العربي بالأزمة الخليجية – الخليجية وتصدع النظام الرسمي العربي المتهالك أصلاً، بما يعني أن الحد الأدنى من الشجب والإدانة اللفظية والسياسية لن يكون متاحاً، بل لن يكون في الإمكان اللوم – فعلياً – على من سيشارك أو يتواطأ من العرب أنفسهم.
ثالثاً، تفعيل “صفقة القرن” وفق تسمية ترمب والسيسي (وغيرهما) لحل القضية الفلسطينية – بالأحرى تصفيتها – بتمرير حل سياسي هزيل يقبله بعض الفلسطينيين ولا يستطيع معارضوه إيجاد سند إقليمي أو دولي لمنعه، سيما وأنه لا يوجد من هذه الصفقة في النطاقات السياسية والإعلامية سوى الاسم، بينما يغيب عنا كل شيء آخر متعلق بها، السقف والأهداف والجدول الزمني والمكاسب والخسائر.
رابعاً، فقدان الحاضنة الإقليمية المكونة حالياً من قطر وتركيا، وهما دولتان لهما سقف معروف/محدود في دعم حماس والمقاومة والقضية الفلسطينية، ورغم ذلك يبدو أن هذا الدور المقصور على الإعلام والسياسة والإغاثة في أغلبه مطلوب تحجيمه أو إنهاؤه. سيعني ذلك احتمالية إعادة تموضع لبعض القيادات الفلسطينية/الحمساوية المقيمة في الدوحة لتمرير الأزمة، ذلك أن إمكانات الأخيرة في الصمود بوجه ضغط خليجي موحد وبدعم أمريكي ضمني ضعيفة، وبالتالي يكون المتاح أمامها هو الانحناء مرحلياً لتمرير العاصفة إن أمكن.
المشكلة في هذا الاحتمال مركبة طبعاً، فمن لن تستطيع قطر تحمله في هذه الأزمة قد لا تستطيع أنقرة استضافته كذلك، مما يعني تشتيتاً أكبر في قيادة حماس الجديدة وتحديات أكثر في الأماكن/البلاد الجديدة التي سيسكنونها، وفي المقدمة منها التحديات السياسية والأمنية.
خامساً، مستقبل الحركة وبرنامجها السياسي وخطابها المعلن، وهو تحد بعيد المدى وأقل التحديات حضوراً واحتمالاً لكنه يبقى قائماً، باعتبار أن خطاب ترمب وقمة الرياض ثم كل التطورات الحالية أتت بعد وثيقة حماس السياسية “المرنة”. يعني ذلك استعمال العصا وليس الجزرة مع الحركة والتضييق عليها مالياً وسياسياً وعسكرياً وجغرافياً، مما يخشى منه أن يدفع إلى “مرونة” إضافية على المدى البعيد، أو على الأقل هذا ما سيراد منها وعليها التنبه له.
حسناً، بإزاء كل ذلك، ما الذي تملكه حماس من خيارات؟
أعتقد أن خياراتها محدودة، فهي مضطرة بطبيعة الحال للتعامل مع الأزمة وما يتطلبه ذلك من محاولة تخفيف الضغط على الصديق القطري من جهة، والبحث عن حلول مرحلية وطويلة الأمد من جهة أخرى، منها تمركز القيادة بشكل أكبر في غزة ومنها ما يفتح الباب مرة أخرى على طهران.
بيد أن خيار التقارب مع إيران ليس بالضرورة قراراً حكيماً فضلاً عن أن يكون حلاً للمشكلة، فذلك مما يزيد من التضييق على الحركة ويصنفها بشكل واضح إقليمياً ودولياً في ظل أوضاع غير مضمونة التداعيات والعواقب، إضافة إلى أن طهران لم تعد بنفس الرغبة ولا الإمكانيات لعودة العلاقات والدعم السابق المقدم لحماس.
إنها أكبر من أزمة خليجية – خليجية وأسبابها مركبة جداً وعواقبها أخطر من أن يحيط بها مقال مختصر، إلا أن الثابت الوحيد ربما أن كرة الثلج قد تدحرجت من أعلى القمة وبات من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعادة العلاقات والأوضاع إلى سابق عهدها دون تنازلات كبيرة أو تحولات عميقة، وكلاهما مضران جداً بالقضية الفلسطينية التي وللمفارقة تعاني من توحد العرب ومن تفرقهم على حد سواء.