كان حزب الحركة القومية آخر الاحزاب التركية التي أعلنت عن برنامجها الإنتخابي قبل أيام، مرجعاً ذلك لتكتيك سياسي اختاره لنفسه، بعد أن يرى البرامج الانتخابية للاحزاب المنافسة، ويرى نفسه – بالضرورة – مؤهلاً للفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة.
وحزب الحركة القوية هو أحد حزبَيْن رئيسَيْن مؤسَّسيْن على الهوية التركية القومية مع حزب الاتحاد الكبير (الذي سنتناوله في المقال القادم) وأقواهما وأعرقهما. فبعد مشاركته في بعض الحكومات الائتلافية ما قبل العدالة والتنمية، ثم غيابه عن البرلمان في انتخابات عام 2002، بات الحزب ركناً ثابتاً في المشهد السياسي التركي، ويبدو أن سيستمر كذلك رغم بعده عن الحكم منذ فترة، وتواضع حظوظه الانتخابية، وتقدم زعيمه دولت بهجلي في السن، وما تعرض له سابقاً من أزمات تأتي في مقدمتها فضيحة تسجيلات شملت عدداً من قيادات الصف الأول فيه وأدت إلى استقالاتهم قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة (2011).
يُعرف حزب الحركة القومية في تركيا بمواقفه المتشددة من كل ما يعتبر أنه يمس الهوية التركية والبعد القومي، ولذلك فهو على طول الخط ضد عملية السلام مع الأكراد ويعتبرها نوعاً من خضوع الدولة/الحكومة واستسلامها أمام الإرهاب، كما يُعرف بمعارضته الشديدة والمتواصلة للعدالة والتنمية تصل أحياناً لدرجة الجدل البيزنطي. لكنه في المقابل أثبت غير مرة أنه يقدم العقل والبصيرة والمصالح الوطنية على المعارضة والمصالح الحزبية، حين رفض الانجرار لحالة الفوضى التي رغب الكثيرون في فرضها على تركيا في أحداث “جزي بارك” وغيرها من المناسبات، وطلب من أنصاره التزام منازلهم.
اليوم، يبدو الحزب مطئمناً إلى تواجده في البرلمان القادم حيث تعطيه نتائج معظم استطلاعات الرأي نسبة 13-18% من الأصوات، بينما يتوقع الكثيرون أن يتخطى بأريحية نسبة %12.98 التي حصل عليها في الانتخابات السابقة، مستفيداً من جمود عملية السلام وظهور الحكومة التركية بمظهر العاجز عن الإنجاز رغم ما قدمته من “تنازلات” لحزب العمال الكردستاني أو ذراعه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي.
في برنامجه الانتخابي، تلفت الأنظارَ ملحوظتان: الأولى تركيزه على الملف الاقتصادي بشكل كبير، وبأرقام “معقولة” تميزه عن “الوعود الوردية” غير المنطقية التي قدمها حزب الشعب الجمهوري وفق بعض المراقبين، والثانية تبنيه فكرة “رؤية 2023” التي قدمها العدالة والتنمية ويعمل عليها، بل ويعتبر نفسه صاحب الفكرة رغم الخلاف على بعض تفاصيلها.
يقدم الحزب بين يدي برنامجه الانتخابي ثلاثة أهداف وزعها زمنياً، فعلى المدى القريب يهدف إلى تشكيل الحكومة بمفرده (وهو هدف بعيد جداً إن اعتمدنا لغة الأرقام والإحصاءات)، وعلى المدى المتوسط يهدف إلى جعل تركيا دولة إقليمية في فترة حكمه الثانية، بينما هدفه بعيد المدى هو جعل تركيا قوة عالمية رائدة بحلول عام 2053.
ويبرز على هامش هذه الأهداف وعدان مهمان قدمهما الحزب للناخبين، الأول هو رفض النظام الرئاسي الذي يسعى إليه الحزب الحاكم باعتبار أن النظام البرلماني هو الأنسب لتركيا (رغم أن مؤسس الحزب الراحل ألب أرسلان توركش كان ينادي بالنظام الرئاسي) وباعتباره أيضاً هدف اردوغان بشكل شخصي، والثاني هو الوعد بإنهاء “عملية التسوية” الحالية والقضاء على “الإرهاب” المتمثل في حزب العمال الكردستاني عبر الحل الأمني، لإرخاء السلام والأمن في البلاد.
في المحصلة، وفي ظل توقعات بتراجع نسبة التصويت لأقوى حزبين في المعادلة التركية – أي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري – بدرجة أو بأخرى، يبدو حزب الحركة القومية في مقدمة الأحزاب التي ستزيد من عدد نوابها في البرلمان القادم، حالماً بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية ثلاثية مع الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي لإنهاء حكم العدالة والتنمية، وهو الحلم الذي ما زال يبدو بعيد المنال وإن كان غير معدوم الحظوظ تماماً