الدكتور سعيد الحاج https://saidelhaj.com باحث سياسي مختص في الشأن التركي Thu, 14 Mar 2024 21:47:40 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=5.4 “فكرة إسرائيل”.. نحو تجريم الصهيونية مجددًا https://saidelhaj.com/artical/3897/%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%87%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%ac%d8%af/ https://saidelhaj.com/artical/3897/%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%87%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%ac%d8%af/#respond Thu, 14 Mar 2024 21:42:05 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3897

“فكرة إسرائيل”.. نحو تجريم الصهيونية مجددًا

الجزيرة نت

14/3/2024

 

شكّل العدوان الحالي على غزة مرحلة فارقة على صعيد سمعة دولة الاحتلال دوليًا، وتذكيرًا بالنكبة عام 1948، وما تخللها من جرائم حرب وتطهير عرقي، وفتح الباب على محاكمتها أمام الرأي العام العالمي والقضاء. تشكل جرائم الحرب المرتكبة مادة صالحة للاستثمار لإدانة الصهيونية وليس فقط دولة الاحتلال، كما أن للأمر ما يدعمه أكاديميًا في نتاج عدد من الباحثين المجدّين وفي مقدمتهم “إسرائيليون” سابقون، أبرزهم إيلان بابيه.

 

الإبادة

عدَّت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الصهيونيةَ شكلًا من أشكال العنصرية في قرارها رقم 3370 لعام 1975 بموافقة 72 صوتًا، مقابل 35 صوتًا ضده، وامتناع 32 دولة عن التصويت. ثم ألغت الجمعية هذا القرارَ بالقرار رقم 46/86 لعام 1991 بموافقة 111 دولة، ومعارضة 25، وامتناع 13 عن التصويت، وغياب 15 دولة، بعد أن اشترطت “إسرائيل” إلغاء القرار للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام.

اليوم، مع تخطي ضحايا العدوان في غزة الـ 100 ألف بين شهيد ومصاب ومفقود، ومع التدمير الكامل للبنية التحتية، وأي مقومات للحياة في القطاع بشكل ممنهج ومتعمد، بما في ذلك الاستهداف المستمر والمقصود للمستشفيات وكامل القطاع الصحي، تتواتر وتتراكم أدلة وقرائن على حرب الإبادة ضد المدنيين.

ومما يدعم فكرة أن ما يحصل ليس عفويًا ولا “أضرارَ جانبية تحصل في الحروب” كما يردد بعض الساسة في الغرب، وإنما خطة معتمدة ومنهج مقصود بذاته، عدد كبير من تصريحات المسؤولين في دولة الاحتلال يهيئ الأرضية لهذه الجرائم ويبررها ويطالب بالمزيد منها.

فقد بدأ العدوان بتصريح وزير الحرب يوآف غالانت الذي قال؛ إن جيش الاحتلال يواجه “حيوانات بشرية”، ثم تأكيده على فرض حصار شامل على القطاع بحيث “لا يدخله ماء ولا طعام ولا كهرباء ولا وقود”، ثم تصريح رئيس دولة الاحتلال بأنه “ليس هناك بريء في غزة”؛ لتبرير قتل الجميع.

وقد شهدت الحرب توقيع عشرات الأطباء “الإسرائيليين” وثيقة تطالب باستهداف المستشفيات في غزة، وقال أحد الصحفيين في برنامج على الهواء مباشرة؛ إنه لن ينام قرير العين إلا بعد قتل 100 ألف فلسطيني، كما أكد الحاخام إلياهو مالي قبل أيام أنه ينبغي “قتل الجميع في غزة” بمن فيهم النساء والأطفال “تطبيقًا للشريعة اليهودية”، وَعَدَّ المؤرخ بيني موريس “العرب في إسرائيل قنبلة موقوتة”، ولذلك فالتطهير العرقي الذي نفذ بحقهم لم يكن خطأ، وإنما كان الخطأ هو الإبقاء على بعضهم أحياء.

وقد تواترت التقارير – المصورة الموثقة في معظمها – عن حالات القتل الميداني وإعدام الأسرى من المدنيين، وتعذيب من يبقى منهم على قيد الحياة، فضلًا عن الحصار والتجويع واستهداف التجمعات البشرية التي تنتظر استقبال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وغيرها مما يعدُّ بوضوح جرائمَ حرب.

يقول كل ما سبق وأمثاله؛ إن ما حصل ويحصل ليس مجرد قرار سياسي لحكومة متطرفة، وإنما تناغم بين السياسات الحكومية والإجراءات العسكرية والأمنية من جهة والتعاليم والتوجهات الأيديولوجية من جهة ثانية، ويعضد هذه الفكرة تأييد أغلبية المجتمع “الإسرائيلي” للحرب على غزة (وكذلك على حزب الله في لبنان)، وبما يتجاوز نسبة 60% رغم ما يتخللها من جرائم، بل ويعدُّها الكثيرون “غير كافية وأقلّ من المطلوب”.

استخدِمَ بعض مما سبق كأدلة وقرائن لمحاكمة دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، ورفع قضايا ضد بعض مسؤوليها أمام المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم المحلية في بعض الدول، لكن يبقى من الممكن والمطلوب محاكمة الأيديولوجيا التي تبرر كل ما سبق، بل وتدعو إليه، وأقصد هنا الصهيونية.

 

الصهيونية

هذا التوجّه لا تدعمه فقط القرائن الميدانية، ولكن أيضًا البحوث الأكاديميّة التي تدرس الأسباب والدوافع وليس فقط المظاهر، ولعل من أهم ما يمكن التسلح به واستثماره في هذا الإطار الأكاديمية “الإسرائيلية” نفسها. كاتب هذه السطور ممن يعتقدون أن حرب الإبادة الحالية تمثيل متكرر لما حصل في النكبة عام 1948، ولذلك يمكن للدراسات التي عنيت بالنكبة وما بعدها من السنوات أن تكون ركنًا رئيسًا في الجهد المطلوب، ويأتي في مقدمة من يمكن الاستعانة بهم إيلان بابيه.

يعدُّ بابيه أحد أهمّ رموز “المؤرخين الجدد” في “إسرائيل” ممن أطلق عليهم تيار “ما بعد الصهيونية”، وقد سطّر في كتابه: “فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة” – فضلًا عن كتب أخرى – الكثير عن سنوات ما قبل تأسيس دولة الاحتلال، ثم النكبة وما تبعها من سنوات، مركزًا نقده على الصهيونية كمحرك رئيس لكل الجرائم المرتكبة.

يزخر الكتاب بالكثير من المعلومات الموثقة والأبحاث الأكاديمية لعدة باحثين “إسرائيليين” تؤكد المظلومية الفلسطينية والجرائم التي تعرضوا لها، وفي مقدمتها التطهير العرقي المخطط له مسبقًا (أرنون غولان: فلسطينيو إسرائيل: أقلية عربية في دولة يهودية).

يؤكد الكتاب خرافة أن اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين واستوطنوها لهم حق بها من باب أنهم امتداد لليهود الغابرين قبل قرون عديدة (بواز إيفرون: الحساب الوطني)، وأن الحركة الصهيونية كانت على تواصل مع النازيين في ألمانيا، وتناغمت معهم في هدف تهجير اليهود لإجبارهم على الذهاب لفلسطين (قصة السفينة إكسودوس إس إس)، وتجاهلت وقت الهولوكوست مساعدة أي يهودي لم تكن فلسطين وجهته (خطاب لبن غوريون)، وخططت لتفجيرات ضد اليهود في بعض الدول كالعراق للهدف ذاته (يهودا شنهاف: يهود العراق).

وفيما يتعلق بسنوات النكبة وما بعدها، يثبت الكتاب نقلًا عن عدة باحثين من بينهم أن طرد الفلسطينيين كان مقصودًا لذاته من العصابات الصهيونية في إطار خطة دالت (أو الخطة دال)، ويثبت كذلك حالات القتل الجماعي للمدنيين غير المحاربين، وهدم القرى (داني هداري، حرب استقلال إسرائيل)، والإعدامات الميدانية وعمالة الأسرى (أهارون كلاين: الأسرى العرب في حرب الاستقلال)، وغير ذلك من الجرائم.

كما يتحدث بابيه عن أن العنصرية ركن رئيس في سياسات دولة الاحتلال، منذ ما قبل تأسيسها بتأثير من الأيديولوجيا الصهيونية، ليس فقط ضد الفلسطينيين الذين احتلتهم وطردتهم من أراضيهم ومنعتهم من العودة إليها، واستولت على أراضيهم وبيوتهم بقوانين عنصرية، ولكن أيضًا ضد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، واليهود “الإسرائيليين” القادمين من دول عربية (إيلي أفراهام: الإعلام في إسرايل: المركز والمحيط)، وحتى المرأة داخل دولة الاحتلال.

ولذلك فقد أطلقت في 2005 “وسم إسرائيل” كحملة علاقات عامة للترويج لنفسها وردَّةِ فعل على عدة تطورات في مقدمتها حركة مقاطعة “إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها (BDS)، لكنها أقرت في تقييمها اللاحق لها فشلها في تحقيق أهدافها رغم الميزانيات الضخمة التي رصدت لها.

لقد خسرت دولة الاحتلال جولات ذات رمزية خلال العقدين الماضيين، مثل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري (2004)، ووسم بضائع المستوطنات في دول الاتحاد الأوروبي (2016)، والقرار الأولي لمحكمة العدل الدولية مؤخرًا بخصوص الإبادة وقبول التحقيق بعدِّها احتمالًا قائمًا.

لقد غيرت المعركة الحالية بكل ما تخللها من جرائم تصل حدود الإبادة الكثيرَ، وذكّرت بمثيلاتها من الجرائم التي ساهمت في تأسيس دولة “إسرائيل” بعد تهجير الفلسطينيين واحتلال أرضهم. ولذلك، فلم يعد كافيًا أن تُحاكم الجرائم و/أو الدولة والمسؤولون الذين يقومون بذلك، ولكن أيضًا البارادايم الفكري الذي يدعو لذلك ويجعله ممكنًا ويبرره، وتمثل الصهيونية الركن الرئيس فيه.

إن تجريم الصهيونية اليوم ممكن ومطلوب وضروري، لإثبات الحق الفلسطيني تاريخيًا وحمايته مستقبلًا، ومواجهة الجنون القائم في غزة واحتمالاته المستقبلية. وهنا، يمثل جزء من الأكاديمية “الإسرائيلية” أداة فاعلة في هذه المعركة ذات الأبعاد العلمية/الأكاديمية والسياسية والقانونية لا سيما الاعتماد بشكل رئيس على أرشيف دولة الاحتلال نفسها في سنوات ما قبل النكبة وخلالها وما بعدها.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3897/%d9%81%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%aa%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%87%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%ac%d8%af/feed/ 0
وثيقة كالين: رؤية جهاز الاستخبارات التركي وتوجهاته المستقبلية https://saidelhaj.com/artical/3900/%d9%88%d8%ab%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa/ https://saidelhaj.com/artical/3900/%d9%88%d8%ab%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa/#respond Wed, 13 Mar 2024 21:42:59 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3900  

وثيقة كالين:

رؤية جهاز الاستخبارات التركي وتوجهاته المستقبلية

في الذكرى الـ97 لتأسيسه، أصدر جهاز الاستخبارات التركي وثيقة تسطر التوجهات الأساسية للجهاز إثر انتقال إدارته إلى إبراهيم كالين. تبحث هذه الورقة ما تتضمنه الوثيقة في مجال الأمن كمفهوم شامل وتكاملي، وفكرة المبادرة والاستباقية لتحقيق الردع، كشرط أساسي لحماية سيادة البلاد واستقلالها.
…..

خلال احتفاله بذكرى تأسيسه الـ 97، أصدر جهاز الاستخبارات التركي وثيقة ممهورة باسم رئيسه الجديد، إبراهيم كالين، تسطر التوجهات الأساسية للجهاز إثر انتقال قيادته للأخير بعد 13 عامًا من قيادة هاكان فيدان له. تتجلى أهمية الوثيقة في أنها الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة التي تتحدث عن رؤية تركيا لجهاز الاستخبارات وفلسفة عمله من جهة، ومقاربتها للتطورات الدولية والإقليمية وارتداداتها عليها من جهة ثانية. وقد أظهرت الوثيقة، بفكرتها وما حوت من مضامين، اختلاف الرئيس الجديد للجهاز عن سابقه شيئًا ما في الإدارة وفلسفة العمل، من حيث مزيد من انفتاح الجهاز على العامة والإعلام، ونشر نتاج بعض مؤسساته الفرعية، وغير ذلك.

أكثر ما يلفت في الوثيقة تأثرها بدرجة كبيرة بخلفية كالين العلمية والأكاديمية، ويمكن تلمس أثر ذلك في تركيزها الشديد على سلبيات النظام العالمي القائم ومسار تحوله نحو نظام متعدد الأقطاب، بما يشمل حتمًا حدوث أزمات وحروب وتحديات مستجدة، وهو أحد أهم مجالات اهتمام كالين البحثية المنشورة سابقًا في كتب ومقالات.

تناقش هذه الورقة ما تركز عليه الوثيقة في مجال الأمن كمفهوم شامل وتكاملي، وفكرة المبادرة والاستباقية لتحقيق الردع، كشرط أساسي لحماية سيادة البلاد واستقلالها. كما أنها تضع الاستخبارات أساسًا ومنطلقًا لأي عمل ناجح تقوم به مؤسسات الدولة الأخرى، التي تنظر لضرورة تكاملها مع بعضها البعض في رؤية واضحة وإرادة سياسية موحدة.

من الأمن إلى السياسة

في مايو/أيار 2023، وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد، وقع اختيار الرئيس التركي على هاكان فيدان لوزارة الخارجية بعد 13 عامًا متواصلة له في قيادة جهاز الاستخبارات. كُتب الكثير في تفسير هذه الخطوة التي لم تكن مفاجئة، مثل تحقيق رغبة سابقة لفيدان أو إعداد أردوغان له ليكون خليفته من باب أنه يقود عهدته الرئاسية الأخيرة دستوريًّا، إلا أن أهم ما في الحدث كان تغيير رئيس جهاز الاستخبارات الذي طالما وصفه أردوغان بأنه صندوق أسراره وأسرار الدولة التركية(1) ، وكان رفض سابقًا استقالته ودخوله عالم السياسة(2).

وقد تميز عهد قيادة فيدان لجهاز الاستخبارات (2010-2023) بإعادة هيكلة الأخير بحيث يكون قادرًا على مواجهة التحديات الكثيرة المستجدة والمتزامنة التي تواجهها تركيا، وهي تهديدات متعددة الأبعاد والمصادر والمجالات والتأثيرات(3). من أهم التغييرات التي أحدثها فيدان في الجهاز دبلوماسية الاستخبارات حيث اضطلع الجهاز بمهام كثيرة في ومع عدة بلدان، ومن الأمثلة على ذلك تمهيده لعملية تطبيع وتطوير علاقات أنقرة مع عدة قوى إقليمية، والانفتاح العملياتي حيث بات الجهاز يقود عمليات تحييد لعدد من قيادات وكوادر المنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب التركية خارج الحدود، والإستراتيجية الوقائية التي مثَّلت نهجًا معتمدًا لأنقرة في مكافحة الإرهاب في السنوات القليلة الأخيرة(4).

ورغم أن من خَلَف فيدان هو كبير مستشاري أردوغان والناطق السابق باسم الرئاسة، إبراهيم كالين، أي أحد أعضاء الدائرة الضيقة في الرئاسة التركية التي عملت مع فيدان لسنوات طويلة، إلا أن ذلك لا يمنع توقع حصول متغيرات في طريقة إدارة الجهاز المعني بمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية على حد سواء.

يأتي كالين من خلفية أكاديمية، فهو دارس للتاريخ ومهتم بالفلسفة وحاضر لسنوات في الفكر الإسلامي والعلاقات بين الإسلام والغرب، وله مؤلفات في الفكر والفلسفة حاز بعضها على جوائز محلية وعالمية؛ ما يجعله شخصية مختلفة عن فيدان القادم من خلفية عسكرية وأمنية، كما أن منصبه ناطقًا باسم الرئاسة ومستشارًا بمنزلة مستشار الأمن القومي لأردوغان منذ 2014 يقدم نموذجًا مختلفًا عن رئيس جهاز الاستخبارات المحاط عادة بهالة من الغموض والصمت.

في كلمته في احتفالية جهاز الاستخبارات التركي بذكرى تأسيسه الـ 97، أشاد الرئيس التركي بدور الجهاز في عدة محطات وأزمات واجهت البلاد في العقدين الأخيرين على وجه التحديد، ومساهمته في تحويلها “للاعب صانع للسياسات على رقعة الشطرنج الدولية”(5)، مشيرًا لتكيفه مع تغير طبيعة التهديدات التي تواجه تركيا. وقد ذكر أردوغان ما عدَّه إنجازات للجهاز مثل عملياته في مكافحة الإرهاب وخصوصًا عمليات استهداف الطاقم القيادي لحزب العمال الكردستاني، واعتقال قيادات منظمة كولن (منظمة فيتو الإرهابية) في الخارج وجلبها، وتفكيك شبكات تتبع لأجهزة استخبارات أجنبية، وتحرير الرهائن، وعمليات تبادل الأسرى، ودور الوساطة، مع تركيز خاص على دور الاستخبارات في الملف الليبي على وجه التحديد(6).

وثيقة كالين

كانت الاحتفالية الكبيرة السابقة للجهاز، في يناير/كانون الثاني عام 2020 لدى افتتاح مقره الجديد المسمى “القلعة”، والذي قال أردوغان يومها: إن افتتاحه يشير لحالة التوسع في العمل والقوة في الأداء التي يشهدها الجهاز. حينها، نشر في وسائل الإعلام كلمة الرئيس التركي دون كلمة رئيس الجهاز في حينها فيدان. ولعل ذلك اختلاف مهم بينه وبين الرئيس الجديد للجهاز كالين، الذي تحدث بكلمة مطولة ونشرها كوثيقة منفصلة يقدم فيها رؤية الجهاز، الذي يقوده، للتهديدات والمخاطر، ورؤية تركيا لها، ودور الجهاز في منعها و/أو مواجهتها، والأدوار والمساحات الجديدة التي ينبغي أن يلج إليها الجهاز في المستقبل القريب.

تقع الوثيقة في 36 صفحة وتحمل عنوان “التهديدات الهجينة والبصيرة الإستراتيجية في عصر الغموض”، وتتكون من تسعة عناوين فرعية هي: الوضع القائم، والواقعية السياسية وحدودها، وهل التعددية القطبية ممكنة؟، والأزمة المتفاقمة، والذكاء الصناعي: القنبلة الذرية للعصر الرقمي، والاكتفاء الذاتي والردع والسيادة، والأنواع الجديدة للقوة أو لماذا على تركيا أن تكون قوية؟، والأمن الإستراتيجي والحرية، والاستخبارات الإستراتيجية والدبلوماسية. ويمكن قراءة الوثيقة ضمن العناوين الرئيسة التالية:

1. تقييم الواقع

تبدأ الوثيقة برفع الواقع الحالي للنظام العالمي، وينطلق كالين من إقرار أن “النظام العالمي الجديد” الذي انبثق بعد نهاية الحرب الباردة “لم يكن نظامًا ولا دوليًّا ولا جديدًا”، لأنه كان استمرارًا لصراع القوة التقليدي معتمدًا على “بارادايم” مركزية الغرب ولم يكن مرتكزًا على مبادئ وقواعد وإنما مصالح المنتصرين في الحرب الباردة.

يرى كالين أن بيئة من الغموض وغياب الأمن تسيطر على الساحة الدولية بسبب صراع القوة والتنافس بين القوى العظمى، والظلم العالمي، والأزمات المتفاقمة، وما ينتج عن التهديدات الهجينة وغير المتناظرة؛ حيث إن من أنشؤوا النظام العالمي هم أنفسهم من ينتهكون قواعده، ويفقدونه “أرضيته الصلبة” التي لا يمكن تأسيس بيئة حرة آمنة ومرفهة بدونها.

تقرر الوثيقة أن الأزمات والحروب تعزز فكرة أن النظام العالمي ظالم وهش، وأن نشوب الأزمات واستمرارها دون حل سببه حالة التنافس بين القوى العظمى وعدم رغبتها في التوصل للحل خدمة لأهدافها، ويطرح الحرب الروسية-الأوكرانية مثالًا على ذلك؛ حيث كانت قريبة من الحل بوساطة تركية لولا أن بعض القوى رأت في استمرارها استنزافًا لمنافسيها(7).

ينتقد كالين الإغراق في الواقعية السياسية المبنية حصرًا على المصالح والمجردة من الأخلاق والقيم؛ حيث إن التضامن والرضا والتشاركية عناصر أساسية للنظام الدولي، و”لا يمكن أن ينعم أحد بالأمن ما لم ينعم به الجميع”، ما يؤكد ضرورة نسج علاقة متوازنة بين حقائق السياسة الواقعية من جهة والقيم من جهة أخرى لتخفيف حدة النزاعات والتهديدات والمخاطر وجعلها قابلة للإدارة.

ويؤكد كالين أن حالة الغموض وانعدام الأمن ستتعمق في العقود المقبلة وستتسبب بأزمات إضافية؛ الأمر الذي يجعل تحكم القوى العظمى في النظام العالمي القائم يحقق “مكاسب تكتيكية، ولكن خسائر إستراتيجية”(8).

2. النظام العالمي

تشير الوثيقة إلى الثغرات التي يعاني منها النظام العالمي القائم والتي جعلته يتسبب بحدوث المشكلات والأزمات وحتى الحروب، بدل أن يعمل على تفاديها وإدارتها وحلها، وترى أن “وباء كوفيد-19 المستجد وحرب أوكرانيا والمسألة الفلسطينية-الإسرائيلية” أزمات هزت الأسس التي يقوم عليها النظام العالمي، وهي أزمات قابلة للتكرار بوتيرة أسرع وآثار أكثر تدميرًا في عصر السرعة الذي نعيشه.

يرى كالين أن النظام العالمي يتجه من نظام أحادي القطبية إلى التعددية القطبية، لكنه لم يصلها بعد؛ إذ ثمة “تعددية سياسية وجغرافية في العالم، لكن لم تنضج بعد هيئاتها الاقتصادية والتقنية والمؤسسية”، ولذلك فهي بنية تعددية ولكنها متشظية. وعليه، فإن صراع قوى جديدًا بات حتميًّا على الساحة الدولية، والوصول لنظام دولي عادل ومستقر يحتوي الجميع ما زال بعيد المنال، ولذلك فإنه من المرجح حصول أزمات وحروب جديدة، ما يدفع لضرورة الاستعداد لذلك(9).

يتسبب مسار الانتقال لنظام دولي متعدد الأقطاب بعدم الاستقرار وافتقاد الأمن، ويحمل معه تهديدات هجينة وحروب استنزاف جديدة، فالنظام العالمي القائم حاليًّا لا يعالج حالة عدم الاستقرار وافتقاد الأمن وإنما يعمقها. وطالما لم يحل النظام العالمي المشاكل القائمة، ستتعمق الأزمات وتصبح أكثر حدة بفعل الجهات الفاعلة غير الحكومية، والقوى العاملة بالوكالة، والمجموعات شبه العسكرية، والدول والحكومات الضعيفة. هذا النظام الهش والخطر يحول المشكلة لأزمة والخطر لتهديد والمنافسة لمواجهة، فتنتشر التهديدات الهجينة والحروب بالوكالة وحروب الاستنزاف. يقدم كالين الحرب الروسية-الأوكرانية مثالًا مناسبًا لهذا الطرح، ويرى أن مواجهة بين الغرب والصين ستكون مرجحة للأسباب ذاتها، وإن بأساليب وأدوات مختلفة(10).

ولا يغفل كالين الإشارة إلى أن الرغبة في نظام عالمي لا يعتمد المركزية الغربية لا يعني بالضرورة اعتماده مركزية أخرى (صينية أو روسية مثلًا)؛ إذ ليس واضحًا ما إذا كانت الصين أو روسيا تمثل نموذجًا بديلًا أفضل، “فالقوة العسكرية والاقتصادية ليست كافية لبناء النموذج”.

ولذلك، رغم تأكيد كالين على أن “الباراديم” الغربي موضع شك ونقاش، إلا أن البديل غير واضح وغير جاهز حاليًّا. وعليه، ينبغي التنبه للفترة الانتقالية التي يعيشها العالم وما ينتج عنها من مخاطر وفرص والتعامل معها ببصيرة إستراتيجية.

3. تهديدات مستجدة

تؤكد الوثيقة على أن المسار الانتقالي في النظام العالمي يتسبب في تهديدات هجينة ومستجدة للدول، وهي تهديدات لم يعد كافيًا مواجهتها بالأساليب التقليدية؛ ما يتطلب حلولًا هجينة كذلك ويجعل “التفكير بشكل متعدد الأبعاد والأقطاب ضرورة في عصرنا”. وعليه، على تركيا أن ترفع من مستوى إمكاناتها الإستراتيجية بشكل متعدد الاتجاهات والطبقات لمواجهة التهديدات التقليدية وغير المتناظرة والهجينة التي تواجهها بشكل متزامن.

وترى أن ثمة عنصرين أساسيين لا غنى عنهما لحماية سيادة الدول واستقلالها ولتطوير إستراتيجيات وقائية: الاكتفاء الذاتي والردع. ولا تقف حدود الاكتفاء الذاتي عند التقنيات الدفاعية والهجومية والاستخباراتية والصناعية، بل تشمل مجالات عديدة مثل الأمن السيبراني، والأمن البيولوجي، وأمن الطاقة، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، وغيرها. كما أن الردع ليس محصورًا بالقوة العسكرية والأمنية، بل “تصبح التهديدات والأزمات قابلة للتنبؤ والإدارة حين تجتمع القوة الوقائية مع القوة الرادعة للقانون والدبلوماسية”(11).

وتقرر الوثيقة أن الأمن القومي لتركيا وقدرتها على البقاء يفرضان عليها التنبؤ والردع والإجراءات الوقائية في مجالات الأمن المختلفة، بما يشمل الأمن البشري، والأمن البيولوجي، والأمن السيبراني، والأمن الغذائي، والأمن الاقتصادي، والأمن البيئي، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير النظامية، وتهريب البشر، والجريمة المنظمة، ومكافحة المخدرات، والأزمات الإقليمية والحركات اليمينية المتطرفة الفاشية المعادية للمهاجرين والأقليات.

وتفرد الوثيقة مساحة خاصة بالذكاء الصناعي الذي إضافة لما يتيحه من إمكانات يمكن بتطوراته المتسارعة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز والتزييف العميق أن يتسبب بتهديدات كبيرة تجعله “القنبلة الذرية الرقمية لعصرنا”(12).

إن الوصول للمعلومة الصحيحة الموثوقة بات أحد أهم تحديات عصرنا، لذلك ثمة ضرورة لسن قوانين محلية ودولية لتنظيم عمل الذكاء الصناعي “تمامًا مثل الأسلحة البيولوجية والكيماوية وأسلحة الدمار الشامل”. وهنا تلتقي الوثيقة مع كلمة أردوغان في الاحتفالية والتي عدَّ فيها تطبيقات الهواتف الذكية ثغرة أمنية يمكن استخدامها ضد تركيا داعيًا لضرورة إيجاد تركيا تطبيقاتها الذكية الخاصة بها(13).

4. أنواع جديدة للقوة: لماذا على تركيا أن تكون قوية؟

يعرِّف كالين القوة بشكل مبسط على أنها القدرة على فعل شيء أو جعل الآخرين يفعلونه، باستخدام القوة الذكية أو الصلبة، مفضلًا انتهاج القوة الذكية وفق تعريف جوزيف ناي، من خلال وسائل مثل الإقناع والتحفيز والمكافأة والعقاب والحرمان والقوة المادية. إلا أن القوة لا ينبغي أن تتجاوز حدها ولا أن تتحول إلى غاية بحد ذاتها، فهي مجرد أداة لتحقيق غاية أسمى فالغاية لا تبرر الوسيلة.

وصول أي دولة لأن تمتلك قوة كافية ورادعة ووقائية مرهون باستخدامها كل أنواع القوة بشكل تكاملي وإستراتيجي، ولذا على تركيا أن تدرك مكامن قوتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية والثقافية والتاريخية والجغرافية والديمغرافية، وأن تستخدمها بشكل حكيم وعادل وفاعل.

يتطرق كالين لمفهوم القوة الحكيمة والفاضلة التي تلتزم حدودها وتتوخى تحقيق مصالح وخدمة قيم محددة، ويرى موضوع الأمن تشاركيًّا بين الدولة والمواطن، فالدولة تضمن الأمن والمواطن يثق بها. ويرى أن التوازن بين الأمن والحريات ركن رئيس في دولة القانون، ويدعو لتناول الأمن بمفهومه الشامل الذي يضمن الحريات ولا يقيدها، مستعينًا هنا بخلفيته الأكاديمية في مجال التاريخ والفلسفة والفكر الإسلامي ليستعين بمقولات من قبيل: “سد الذرائع” و “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.

ويقرر أن المبدأ ذاته، التوازن بين الأمن والحريات وضمان الأمن للحريات حين يُتناول بمفهوم متكامل وإستراتيجي، ينطبق كذلك على النظام العالمي، حيث لا يمكن لبنية أمنية لا تضمن حرية الدول واستقلالها وسيادتها أن تنتج عدلًا وأمنًا وتنافسًا بنَّاءً على الساحة الدولية(14).

نقاش وخاتمة

يعد إبراهيم كالين، كما سَلَفه هاكان فيدان، من الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس التركي، وقد عمل مع سلفه لسنوات طويلة في عدة ملفات، ولم يُعرف أنه قام بتغييرات واسعة بخصوص الكادر البشري في جهاز الاستخبارات لدى تسلمه، ورغم ذلك يبدو أن له بصمة خاصة يريد أن يتركها على الجهاز وعمله بما يتناسب أكثر مع شخصيته وخلفيته، وكذلك بما يليق بالمئوية الجديدة للجمهورية التركية أو ما يطلق عليه أردوغان اسم “قرن تركيا”.

أولى الملحوظات هو توجه كالين لنوع من الانفتاح أو الظهور النسبيين، تأثرًا بشخصيته ومسيرته المهنية فيما يبدو، ويتبدى ذلك مثلًا في نشر كلمته في الاحتفالية وتحويلها لوثيقة منشورة، وتحديث موقع جهاز الاستخبارات وتفعيله، على عكس فيدان الذي تندر الإعلاميون أنهم سمعوا نبرة صوته لأول مرة حين رُشِّح لوزارة الخارجية بعد 13 عامًا متواصلة من قيادة الاستخبارات.

الملمح الثاني هو سعيه لأن يكون عمل جهاز الاستخبارات خاضعًا لرؤية علمية وإستراتيجية واعتماد المهمات التكتيكية على رؤية الصورة الأكبر عالميًّا وإقليميًّا، ومن شواهد ذلك إعلانه عن افتتاح “أكاديمية الاستخبارات الوطنية” في إطار جهاز الاستخبارات وعملها بشكل دوري على بعض الملفات بشكل علمي أكاديمي وقد نشرت أول تقرير لها عن حركات اليمين المتطرف في أوروبا.

بدا واضحًا أن كالين يسعى لتقديم عمل جهازه لتحقيق المصالح التركية فيما يطلق عليه “إطار أخلاقي-قانوني-سياسي”، وبشكل يسعى لتحقيق مصالح الشركاء والحلفاء والجيران على قاعدة الربح للجميع. ولذلك فقد كثرت في الوثيقة الإشارات الأخلاقية والقيمية ومصطلحات من قبيل الغايات السامية والقوة الحكيمة، والتأكيد على أن التقريب بين حقائق الواقعية السياسية والقيم أمر سياسي بقدر ما هو مبدئي.

بيد أنه لا ينكر بين طيات الوثيقة أن التحالفات والمبادرات المشتركة لا تغني أي دولة وتحديدًا تركيا عن العمل على تعزيز قدراتها الذاتية والسعي لتحقيق مصالحها بنفسها. بل إنه التقى مع أردوغان في مقولة: إنها تُستهدف من قبل بعض الأطراف لهذا السبب تحديدًا، حين أشار أردوغان لاستهداف بلاده إثر موقفها الرافض للعدوان على غزة على سبيل المثال(15).

أكدت الوثيقة أن سياسة تركيا الخارجية ليست في حالة انتقال من محور لآخر، بل عدم التزامها بمحور واحد على الساحة الدولية. إذ ذكَّر بأنها عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي حيث تعمل لقوته واستمراريته ولها مساهمة فاعلة في كل عمليات اتخاذ القرار داخله “لكن التزامها بالحلف لا يحول دون انفتاحها على مبادرات إقليمية ودولية”. فهي كدولة مستقلة وذات سيادة تبحث عن مصالحها؛ الأمر الذي يلتقي مجددًا مع ما أسماه أردوغان “محور تركيا”(16).

من اللافت أن الوثيقة لم تعمد لترتيب التحديات الأمنية التي تواجهها تركيا كما جرت العادة، وإنما أشارت لحالة الترابط والتأثر وأحيانًا الاعتمادية بين مختلف التحديات. لا يعني ذلك بالضرورة أن مكافحة الإرهاب ومواجهة المنظمات المصنفة إرهابية وانفصالية لم تعد الأولوية رقم واحد للجهاز الأمني التركي، لكنها هنا تضعها ضمن رؤية أوسع وأشمل بما في ذلك متغيرات النظام العالمي والتطورات الإقليمية، ما يحيل على ضرورة انتهاج إستراتيجية أكثر شمولًا تتوزع على مجالات عدة وليس فقط الشق العسكري-الأمني.

كما تعزز الوثيقة الإطار النظري لما تنتهجه تركيا عمليًّا في السنوات الأخيرة من قبيل “الحرب الاستباقية” و”تجفيف منابع الإرهاب” من خلال العمليات العسكرية خارج الحدود في كل من سوريا والعراق. وتضع الاستخبارات الدقيقة المبنية على أسس سليمة وذات البصيرة الإستراتيجية والقدرة على التنبؤ أساسًا لكل نجاح للدولة بما في ذلك العمل الدبلوماسي نفسه إذ تقرَّر أنه “لا دبلوماسية فاعلة دون استخبارات سليمة”.

في الخلاصة، لم يعمد الرئيس الجديد لجهاز الاستخبارات التركي فيما هو معلن لتغييرات جذرية في الجهاز، لا على صعيد الكادر البشري ولا التقسيمات الإدارية. لكن سعيه واضح لترك بصمة جديدة على فلسفة تناول الجهاز للأمن وترتيب أولوياته وتحديد مجالات عمله الحالية وتلك التي سيحتاج ولوجها مستقبلًا، ضمن رؤية موحدة مع مؤسسات الدولة الأخرى لتحقيق تركيا أكثر قوة وردعًا وتحقيقًا لمصالحها الحيوية.

نبذة عن الكاتب

مراجع
  1. Erdoğan: Fidan benim sır küpüm, yedirmem, NTV, 12 April 2012, (Date of Entrance: 4 March 2024): https://shorturl.at/fkqZ5 2-
  2.  الرئيس التركي لا يرحب باستقالة رئيس جهاز المخابرات للترشح للانتخابات، رويترز، 9 فبراير/شباط 2015، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/erxY2
  3. Merve Seren, MİT’in Dönüşümü: İstihbarat Diplomasisi, Operasyonel Açılım, Proaktif Strateji, Kriter, 1 January 2022, (Entrance Date: 4 March 2024): https://shorturl.at/hjpW9
  4.   المصدر السابق
  5. الوثيقة، موقع جهاز الاستخبارات التركي، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/svwCE
  6. المصدر السابق.
  7. المصدر السابق.
  8. المصدر السابق.
  9. المصدر السابق.
  10. المصدر السابق.
  11. المصدر السابق.
  12. المصدر السابق.
  13. أردوغان يلمح إلى استبدال تطبيقات المراسلة الأجنبية بأخرى محلية، تركيا بالعربي، 11 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/fvxPY
  14. الوثيقة، مصدر سابق.
  15. Cumhurbaşkanı Erdoğan: MİT bizi tehdit edenlere cevabımızı net vermiştir, TRTHaber, 10 January 2024. (Entrabce Date: 4 March 2024): https://shorturl.at/wJTX6
  16. أردوغان: تركيا لا تدع الخيانة والإرهاب بلا حساب، القدس العربي، 10 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/rEJKV
]]>
https://saidelhaj.com/artical/3900/%d9%88%d8%ab%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa/feed/ 0
النقد خلال الحرب .. حدود الفائدة والضرر https://saidelhaj.com/artical/3894/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%ad%d8%af%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%b1%d8%b1/ https://saidelhaj.com/artical/3894/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%ad%d8%af%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%b1%d8%b1/#respond Mon, 11 Mar 2024 21:35:09 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3894  

النقد خلال الحرب .. حدود الفائدة والضرر

خلال الحرب الحالية على قطاع غزة، قال كاتب هذه السطور إنه ينبغي اعتماد مصادر المقاومة الفلسطينية وليس مصادر الاحتلال بخصوص بعض تفاصيل الحرب، فكان أن رفض بعض القراء هذا المنطق من باب محاكمة كل وأي مصدر وعدم التسليم لأي طرف بكامل روايته. لا شك أن هذا تقييم نظري سليم لا غبار عليه ولا يمكن رفضه بالمطلق، إلا أنه من الناحية العملية فنحن لسنا إزاء دولة مثل الولايات المتحدة وهي تغزو العراق أو فيتنام، وإنما إزاء مقاومة في مواجهة احتلال، فلا نقاش في مشروعيتها أولا، وثانيا ثمة تاريخ طويل لنا مع الاحتلال والمقاومة وبروباغندا الأول مقابل مصداقية الثانية.

ذلك مثال يبدو لي مهما في التفريق بين مشروعية أمر وصحته من الناحية النظرية، ومدى القدرة على تطبيقه بشكل حرفي على الواقع عمليا. ومثل ذلك يمكن أن يقال في بعض النقد الموجه للمقاومة خلال الحرب -وليس على إطلاقه- والمطالبة بذلك، ذلك أن توقيت النقد ليس أمرا تفصيليا أو هامشيا هنا، بل هو محدد أساسي في تقييم الفعل ومآلاته.

وقبل أن نسأل أو نتساءل: هل ينبغي أن يكون ثمة نقد للمقاومة خلال الحرب، لنتفق أولا أن من يصح أن يقيم حوارا أو نقاشا من هذا النوع هو من يقف على أرضية المقاومة ابتداء، أي من يؤمن بحق الشعب في المقاومة -بل بواجبه- وبمشروعية عمل فصائلها، أما من يقف من المقاومة موقف الرفض فضلا عن التهجم ويرى الفصائل في مقام الخصم/العدو داعيا للاستسلام و/أو تسليم قيادات الفصائل والأسرى لديهم للاحتلال و/أو نفي القيادات خارج غزة وفلسطين وأمثالها من “الحلول” الهلامية غير الواقعية ولا المفيدة (اللهم إلا الانتقام من المقاومة)، فهؤلاء خارج النقاش أساسا.

وعليه، فإن الواقفين على أرضية المقاومة يريدون من النقد معنى النصح بغية تسديد المواقف وتحسين مآلات الحرب والتخفيف عن الناس، وغيرها من الأهداف المشروعة والمقبولة. نظريا، لا مشكلة في النقد فهو حق للجميع بل واجب على من يمتلك مفاتيحه، فتصويب عمل المقاومة لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر وحماية الناس وحقن الدماء أهداف يشترك بها المقاومون مع أصحاب الرأي والرؤية.

المقاومة عمل بشري وفصائلها كيانات يقودها بشر، فهي غير منزهة عن الخطأ والنسيان والحسابات غير الدقيقة، وغير ذلك مما يشوب أي عمل بشري، كما أن الأسئلة المطروحة والأهداف المنشودة مشروعة ووجيهة على الحقيقة، فضلا عن أن النصح يمكن أن يفيد في التوجيه والتسديد وسد بعض الثغرات وتدارك بعض الأخطاء.

ولكن، ومرة أخرى، يبقى أن التوقيت أمر جوهري ومؤثر في مشروعية الأمر/النقد وكذلك في أسلوبه وبالتالي نتائجه، فنحن في حالة حرب ترقى للإبادة الجماعية، وبالتالي ينبغي أن يكون لكل كلمة حسابها من قبل المقاومة وكذلك من قبل الجميع.

وبافتراض أن ثمة ما لا يمكن تأجيله من نقد أو توجيه من زاوية تأثيره على أحد أو بعض مخرجات الحرب ومآلاتها، بحيث ينقلب في هذه الحالة من حق إلى واجب، فيمكن فعل ذلك وينبغي بالشكل الأنسب والطريقة الأصوب. وقد رأينا كيف أن المقاومة، في شقّيها العسكري والسياسي، قد تركت بعضا من الخطاب ولم تعد له واعترفت ببعض الأخطاء في الخطاب والممارسة، وتداركت بعضها، دون الحاجة للتفصيل في الأمثلة التي يعرفها كل متابع جيد.

أما ما دون ذلك من تقييم عام ونقد غير مستعجل ولا ينبني عليه فعل مباشر وقريب، فلا فائدة كبيرة ترجى من تعجيله الآن خلال الحرب، بل قد يكون له بعض المضار مثل إثارة الجدل وربما البلبلة غير المقصودة، وتخذيل الحاضنة الشعبية والمدنيين عموما، خصوصا ونحن أمام حرب مختلفة هذه المرة؛ خلقت واقعا جديدا وتحديات غير مسبوقة في القطاع وعلى صعيد القضية الفلسطينية بشكل عام.

ويضاف لهذا المعنى أن الاحتلال -ومن معه وخلفه- لم يتركوا مساحة أو خيارات مقبولة للمقاومة الفلسطينية في المفاوضات الجارية حاليا، فما يعرضونه هو وقف مؤقت فقط لإطلاق النار بغية استرداد الأسرى “الإسرائيليين” ثم العودة لقتل المدنيين مرة أخرى. هنا تتجلى سذاجة من يدعون حركة حماس للاستسلام وتسليم قادتها والأسرى وما أشبه من أوهام على أنها ستكون مخرجا منطقيا للحرب، دون أن يخبرونا كيف سيكون ذلك وبأي منطق أو قوة. وعليه، فإن النقاشات المتعلقة بأصل المعركة، مثل توقيتها وأسلوبها وأهدافها ودرجتها ومداها وإعداد الشعب لها وغير ذلك من الأسئلة المهمة عموما، تصبح الآن خلال الحرب جهدا فكريا لا فائدة عملية ترجى منه، بل أقرب لحالة من الترف الفكري الذي لا نملك رفاهيته وتثبيت المواقف التي لا نحتاجها.

تبقى، أخيرا، إشارتان مهمتان:

الأولى، لا ينبغي لأي تقييم أو نقد أن يوصلنا، ضمنا أو صراحة، لتبرئة الاحتلال من الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها. إذ ليس علينا قبول الإبادة كرد متوقع أو مقبول على المقاومة، وبالتالي تحميل المقاومة -وليس الاحتلال- مسؤولية الإبادة التي يرتكبها الاحتلال، رغم اتفاقنا على واجب المقاومة المتمثل في حساب ردات الفعل والمآلات والاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة، بحيث لا تنتقل المقاومة من فعل مجدٍ إلى عمل منفلت أو انتحاري.

والثانية، المقاومة حق وواجب، في شكلها المبادر وليس فقط الدفاعي الصرف، وعليه فالنقاش ممكن ومطلوب في التفاصيل المتعلقة بالتوقيت والأسلوب والحجم والاستعدادات وما إلى ذلك، ولكن ليس في أصل مشروعية المقاومة.

في الخلاصة، حتى يؤتي النقد أكله ويفيد ولا يضر، فإن توقيته وأسلوبه ووسيلته مهمة جدا بقدر أهمية المضمون، ولذلك فما هو غير مستعجل ولا يؤثر بشكل مباشر على مسار الحرب والعدوان يمكن بل وينبغي تأجيله لما بعد الحرب. وليس ذلك من باب “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” بالمنطق الشعبوي، ولا من باب تقديس المقاومة وتنزيهها عن النقد، وإنما من باب توخي الفائدة وتجنب الضرر، واهتمام الجميع بالوقوف على ثغره ومساهمته في وقف العدوان وحقن الدماء، وبعد الحرب لكل حادث حديث، ومجال واسع للتقييم والنقد والنصح والتوجيه وحتى التقريع إن شئنا، فلكل مقام مقال كما يقال.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3894/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%ad%d8%af%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%b1%d8%b1/feed/ 0
انعكاسات الحرب على غزة على الانتخابات المحلية التركية https://saidelhaj.com/artical/3888/%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa/ https://saidelhaj.com/artical/3888/%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa/#respond Mon, 04 Mar 2024 19:13:18 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3888

انعكاسات الحرب على غزة على الانتخابات المحلية التركية

الجزيرة نت

4/3/2024

 

مع اقتراب الانتخابات المحلية التركية المزمع تنظيمها في الـ 31 من مارس/ آذار الجاري، يبدو أنَّ للحرب على غزة، وبشكل أكثر دقة للموقف الرسمي التركي منها، تداعياتٍ مباشرةً، وغير مباشرة على الحملة الانتخابية، وربما كذلك على نتائج الانتخابات.

الانتخابات المحلية

تختلف الانتخابات المحلية في تركيا عن الرئاسية والتشريعية بأن حمولتها السياسية أقل بكثير، بحيث يكون تأثير الملفات السياسية عليها أقل منهما، ولا سيما السياسة الخارجية أو الملفات الإقليمية والدولية التي يندر أن يكون لها تأثير ملحوظ عليها.

ذلك أن الطبيعة الخدمية للانتخابات المحلية، وضعف تأثيرها على التوازنات السياسية والحزبية في البلاد يجعلان السمات الشخصية وأحيانًا الجهوية والمناطقية وحتى العشائرية، عواملَ مؤثرة في اتجاهات التصويت لدى الناخبين، وإن كان ذلك لا يلغي أهمية السياسة الداخلية والانتماءات الحزبية والأيديولوجيا وغير ذلك.

ولذلك، فليس من النادر أن يصوّت بعض أنصار أحد الأحزاب لمرشح الحزب المنافس في الانتخابات المحلية إذا ما رأوا أنه سيقدم خدمة أفضل لمدينتهم أو حيّهم، أو كانوا غير راضين عن المرشح الذي اختاره حزبهم، أو أرادوا إيصال رسالة احتجاج لحزبهم، أو لأي سبب آخر.

كما أن الناخب التركي معروف بتصويته الذكي والذي يمكن أن يتمايز بين انتخابات وأخرى، بل يمكن أن يتمايز في نفس الاستحقاق الانتخابي، كأن ينتخب مرشح حزبه للمدينة الكبرى، بينما يصوت للحزب المنافس في مجلسها البلدي، أو في بلدية الحي الذي يقطن به.

وقد حصل مثل ذلك في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، حين فاز مرشحا حزب الشعب الجمهوري المعارض ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بينما تقدم حزبُ العدالة والتنمية الحاكم على الأخير في المجلس البلدي للمدينتين.

وتبدو هذه ملاحظة مضاعفة الأهمية، بالنظر إلى أن الانتخابات القادمة كانت ستأتي في ظل تحسن العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال في السنتين الأخيرتين، ما كان سيقلل أثر تطورات القضية الفلسطينية، إن وجد، على مسار الانتخابات، لولا الحرب على غزة.

وقد يكون التأثير الأكثر حضورًا في انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى، البلدية الأهم والكبرى في البلاد، كما سيأتي تفصيله في ثنايا المقال، وهي البلدية التي يوليها حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان على وجه التحديد أهمية استثنائية.

ومن ملامح هذه الأهمية الاستثنائية تقديم مرشح قوي هو الوزير السابق مراد كوروم لينافس رئيس البلدية الحالي ومرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، إضافة لمرشحي أحد عشر حزبًا سياسيًا وعدد من المستقلين.

الحرب على غزة

بدا الموقف الرسمي التركي إزاء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مرتبكًا إلى حد ما، ومختلفًا عن الموقف التقليدي من المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال.

ومن الواضح أن قرب الانتخابات المحلية كان من ضمن الأسباب التي دفعت نحو تطور الموقف بهذا الشكل، وإن لم يكن أهمها. ذلك أن الموقف الرسمي من الحرب دفع أحزاب المعارضة للضغط على الحكومة والحزب الحاكم، وخصوصًا الأحزاب المحافظة الصغيرة وتحديدًا من قِبل حزبي السعادة والمستقبل الممثلين في البرلمان، اللذين تصدرا مشهد الاحتجاج والتظاهر ضد العدوان على غزة من جهة، وانتقاد الموقف الحكومي في البرلمان ووسائل الإعلام من جهة أخرى.

وكان من أهم المظاهر التي انتقدتها أحزاب المعارضة بشدة رفض البرلمان التدقيق في التجارة مع دولة الاحتلال ومدى تأثيرها على غزة بأصوات العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية، ورفض قطع العلاقات الدبلوماسية، واستمرار تصدير البضائع من تركيا، ومرور سفن الوقود عبرها لدولة الاحتلال.

بعد أسابيع من بدء العدوان على القطاع، وخصوصًا بعد شن الحرب البرية، تطورت التصريحات الرسمية التركية كما أسلفنا، ونظم حزب العدالة والتنمية الحاكم مظاهرة حاشدة في إسطنبول في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ تضامنًا مع غزة كان متحدّثها الرئيس أردوغان نفسه.

كما نظمت منظمات مجتمع مدني مقربة من الحزب الحاكم مظاهرة ثانية مع بداية العام الجديد كان متحدثها الرئيسي نجله بلال أردوغان الذي دعا صراحة لمقاطعة الشركات المتعاونة تجاريًا مع الاحتلال. فضلًا عن التغطية المركزة لوسائل الإعلام المقربة من الحزب الحاكم على العدوان لمدة طويلة، قبل أن يخفت حضور الحرب فيها لاحقًا، ويترك مكانه لملفات السياسة الداخلية، وفي مقدمتها الانتخابات المحلية.

وفي اليوم التالي، نشرت وسائل إعلام المعارضة خبر تخلّي كوروم عن الشركة “الإسرائيلية”، وحذف الإعلانات التي كانت نفذتها لمصلحته وتعاقده مع شركة تركية هذه المرّة.

الانعكاسات

تبدو فرص العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة، بما في ذلك بلدية إسطنبول الكبرى، أفضل من الانتخابات السابقة لأسباب في مقدمتها تشتت التحالف المعارض له، وتقديم الأحزاب المعارضة عدة مرشحين لها فيها، ولا سيما حزب الجيد (القومي)، وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب (القومي الكردي).

ولعل ذلك من بين أسباب خفوت حدة الحملة الانتخابية هذه المرة مقارنة بسابقتها، من حيث المهرجانات الانتخابية، وكذلك الاجتماعات المصغرة مع مختلف الشرائح الانتخابية.

ورغم ذلك، ثمة تخوف لدى الحزب من أن تأتيه المفاجأة من الأحزاب الصغيرة، ولا سيما المحافظة و/أو حديثة التأسيس، والمقصود هنا أحزاب: السعادة والمستقبل والرفاه مجددًا، وبدرجة أقل الديمقراطية والتقدم.

ليس منتظرًا أن يفوز مرشح أحد الأحزاب المذكورة برئاسة إحدى البلديات الكبيرة في البلاد، لكن سحبها من رصيد مرشحي العدالة والتنمية، قد يقلل من فرص فوزهم، خصوصًا في البلديات التي ستشهد منافسة شرسة، ويكون فيها لكل صوت أهميته.

كما أن حصة هذه الأحزاب في المجالس البلدية قد تكون أكبر من حجم فوزها في رئاسة البلديات، وربما أكبر من حجمها الحالي في البرلمان، كون أن تصويت الناخبين قد يختلف بين رئاسة البلدية ومجلسها البلدي كما ذكرنا.

كما أنّ أحد مخاوف الحزب الحاكم هو اتجاهات التصويت لدى المواطنين الأتراك من أصول عربية الذين يبدي الكثيرون منهم استياءهم من موقفه من الحرب، لا سيما أنه لم يجرِ نفس كثافة التواصل معهم في الحملة الانتخابية الحالية، كما فعل قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة.

يخشى الحزب الحاكم أن يكون لهؤلاء موقف احتجاجي في الصندوق مقاطعةً أو اختيارًا لمرشح آخر أو اختيار أحزاب أخرى (الأكثر دعمًا لغزة على سبيل المثال) في المجالس البلدية حتى وإن صوتوا لمرشحه – مثلًا – لرئاسة البلدية.

فهل تكون غزة صاحبة صوت وتأثير في نتائج الانتخابات المحلية المقبلة؟

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3888/%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa/feed/ 0
تسيبي ليفني وغزة والنظام الرسمي العربي https://saidelhaj.com/artical/3881/%d8%aa%d8%b3%d9%8a%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%8a%d9%81%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%b3%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1/ https://saidelhaj.com/artical/3881/%d8%aa%d8%b3%d9%8a%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%8a%d9%81%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%b3%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1/#respond Wed, 28 Feb 2024 16:36:01 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3881 تسيبي ليفني وغزة والنظام الرسمي العربي

الجزيرة نت

 

خلال مشاركتِه في ندوة حواريّة في مؤتمر ميونيخ للأمن – وردًا على تعقيب من وزيرة خارجية الاحتلال السابقة تسيبي ليفني – قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: إن حماس “خارج إجماع الشعب الفلسطيني” بانتهاجها العنف وعدم اعترافها بـ “إسرائيل”، داعيًا إلى محاسبة من مكّن لها في قطاع غزة وموّلها.

الموقف العربي

التصريح والواقعة ذكَّرا بواقعة مشابهة، حيث توعّدت تسيبي ليفني نفسها حركة حماس وغزة بالإفناء في حرب 2008 – 2009 من أمام وزارة الخارجية المصرية، وهي في لقاء مع الوزير آنذاك أحمد أبو الغيط (الذي يشغل الآن منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية)، دون أي تحفّظ أو تعقيب، فضلًا عن اعتراض من الوزير.

واقعة غريبة متكررة، وكأنّ ثمة تلازمًا بين الحروب “الإسرائيلية” على قطاع غزة ووزارة الخارجية المصرية، وتوافقا في وجهات النظر بين تل أبيب والقاهرة فيما يخصّ حماس على وجه التّحديد، أو عدم اعتراض الأخيرة على خطط القضاء عليها على أقل تقدير.

وهو ما يثير علامات استفهام حول حقيقة الموقف المصري، والرسمي العربي عمومًا من حرب الإبادة المستمرة منذ ما يقرب من خمسة أشهر.

فالمواقف الرسميّة للدول العربية وقفت في غالبيتها العظمى عند حدود التصريحات التي أدانت العدوان، ودعت لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، دون أن يتحوّل ذلك لمسار عملي حقيقي باتجاه هذه الأهداف.

وقد كانت الجامعة العربية عقدت قمة مشتركة مع منظمة التعاون الإسلامي في الرياض، وكان قرارها العملي الوحيد تقريبًا هو كسر الحصار، ودعم جهود مصر لإدخال المساعدات للقطاع، دون أن نجد صدى عمليًا لتطبيقه حتى اللحظة.

 

من جهة ثانية، لا يبدو أن ثمة قطيعة حصلت من قبل بعض الدول العربيّة تجاه دولة الاحتلال، فضلًا عن الولايات المتحدة الأميركيّة، حيث التقى مندوب الاحتلال في الأمم المتّحدة ممثلة إحدى الدول العربية وشكرها على كلمتها وموقفها، فضلًا عن حوارات ولقاءات عديدة مع المسؤولين الأميركيّين للنظر في “غزة ما بعد الحرب”، وكيفية ترتيب البنية السياسية والأمنية فيها بدون حماس على ما تريد واشنطن وتعلن.

بل إن بعض الدول العربية – التي تختبئ خلف ذريعة العجز عن إدخال المساعدات والغذاء والدواء لغزة التي يتعرض سكانها لحملة حصار وتجويع إضافة للقتل- أنشأت ممرًا بريًا لتصدير البضائع، وخصوصًا الخضار والفاكهة لدولة الاحتلال، على ما أعلنت الأخيرة، ووثقت دون نفي قاطع ومقنع من الأطراف العربية.

ولذلك، يبدو تصريح سامح شكري الأخير أقرب للتعبير بشكل دقيق عن حقيقة الموقف المصري من العدوان الأخير، ولذلك فهو يحمل إشارات مقلقة، لا سيما بالنظر لسياقه ومضمونه.

فالوزير المصري أدان حماس ضمنًا في كلامه الذي ردّ فيه على ليفني (بل تفاعل معها)، حيث كانت الأخيرة حمّلت حركة حماس – والفلسطينيين – مسؤولية عدم إعلان دولة فلسطينية، وكأن دولة الاحتلال- وخصوصًا حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخها- لا تعلن صباح مساء عن رفضها إنشاءَ دولة فلسطينية رغم التصريحات الأميركية العلنية.

 

الأهم والأخطر من كل ما سبق، أن الوزير في معرض ردّه على ليفني لم يأتِ على ذكر حرب الإبادة والحصار والتّجويع، وكل جرائم الحرب المرتكبة في غزة، وكأنّ كل مشكلة أهل غزة، حاليًا، أن حماس كان ترفض الاعتراف بالاحتلال؛ ما منع إقامة دولة فلسطينيّة تضمُّ القطاع.

ولذلك، حين نرى أنّ التهديدات المتكررة بعملية عسكرية برية في رفح – التي تضمّ وفق بعض التقارير أكثر من مليون وأربعمائة ألف فلسطيني، بما يعنيه ذلك من مذبحة محتملة في المدنيين – لم يقابلها أي تحرك عملي للجيش المصري على الجانب الآخر من الحدود؛ لإثبات الرفض القاطع للعملية، وما تحمله من انتهاك لاتفاقية كامب ديفيد، يمكن أن نصل مجددًا إلى قناعة بأن تصريح شكري الأخير أصدق في التعبير عن حقيقة الموقف من التصريحات الأخرى والسابقة.

الارتدادات

لطالما كان للقضية الفلسطينية تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الملفات الإقليمية، وأحيانًا الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، ولذلك كانت في السابق ذريعة تستخدمها بعض الأنظمة لتبرير تأخّر التنمية أو بعض السياسات الأمنية الداخلية، ومنها تمديد حالات الطوارئ في دول الطوق على سبيل المثال، كما أن شرعية بعض الأنظمة ارتبطت نسبيًا بها وبموقفها منها.

عام 2011، ومن قلب ميدان التحرير، قال بعض شباب الثورة المصرية: إن عدوان عام 2008 على غزة كان أحد أهم دوافع ثورتهم، إضافة للأسباب الداخلية المتعلقة بنظام مبارك، وذلك من زاويتين مهمتين:

 

  • الأولى: حالة الإلهام التي صدّرتها غزة بصمودها وأداء مقاومتها – فضلًا عن صمود أهلها – رغم التضييق والحصار وقلة الإمكانات.
  • والثانية: عجز النظام المصري (والرسمي العربي) عن نصرة أهل غزة و/أو وقف العدوان، بل توصيف الكثيرين هذا الموقف بالتواطؤ بالنظر لعدة أمور في مقدمتها تصريحات ليفني المشار لها من وزارة الخارجية المصرية.

اليوم، تبدو الحرب على غزة أكبر وأفدح بكثير من إمكانية المقارنة مع حرب 2008، ولذلك ينبغي توقع انعكاسات وارتدادات ملموسة لها في مسارات إقليمية بل وعالمية عديدة.

وإذا كان إلهام المقاومة وعجز النظام الرسمي العربي ضمن أهم أسباب الموجة الأولى من “الربيع العربي”، فإن أداء المقاومة المبهر أضعافًا مضاعفة في هذه الحرب- مقارنة بسابقاتها، إضافةً لحجم الخذلان الكبير تجاه معاناة أهل غزة- يدفع للاعتقاد بحصول تأثيرات غير مباشرة مشابهة على المديين؛ المتوسط والبعيد، خصوصًا أن أسباب الغضب ما زالت في معظمها قائمة بل وتفاقم بعضها.

هذا المعنى تحديدًا قد يشكل هاجسًا لبعض الأنظمة ويدفعها لموقف متوجس من حركة حماس، خصوصًا أنها حركة إسلامية، إضافة لكونها فصيلًا مقاومًا وحركة تحرر وطني، ويدفعها للمواقف المذكورة آنفًا.

لكن من المهم التذكير بأن هذه المواقف ليست فقط محاولة بائسة لوقف حركة التاريخ والسباحة عكس تيار الأحداث، ولكنها كذلك تعاكس وتناقض المصالح الحيوية للدول العربية، وتحديدًا لمصر التي تشكل غزة – ومقاومتها – ركنًا رئيسًا من ركائز أمنها القومي والأمن القومي العربي بالتبعية.

إنّ تصريح وزير الخارجية المصري الذي يعكس إلى حد ما الموقف الحقيقي – في غياب أي نفي أو توضيح فضلًا عن الاعتذار – بعيد عن الموقف المطلوب من إدانة حرب الإبادة بشكل حقيقي، والسعي الجاد لكسر الحصار، وإدخال المساعدات، كما يفرض ويتيح القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فضلًا عن وشائج الجوار والعروبة والإسلام. كما أنه يحمل عداءً مفهومَ الأسباب – وإن لم يكن متفهمًا ولا ومبررًا – لحركة حماس.

 

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3881/%d8%aa%d8%b3%d9%8a%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%8a%d9%81%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%b3%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1/feed/ 0
حتى تخدم الإنزالات هدف إسناد أهل غزة لا تهجيرهم https://saidelhaj.com/artical/3878/3878/ https://saidelhaj.com/artical/3878/3878/#respond Wed, 28 Feb 2024 16:25:58 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3878

حتى تخدم الإنزالات إسناد أهل غزة لا تهجيرهم

عربي 21

 

أثارت الإنزالات الجوية لبعض المواد الغذائية على قطاع غزة مؤخرا جدلا كبيرا بين ناقد وحامد، إذ ثمة من يرى الأمر من باب تقديم أقل الواجب لدعم وإسناد أهل القطاع الذين يعانون أوضاعا إنسانية صعبة، وبالتالي فهي خطوة تستحق الشكر والتشجيع رغم تأخرها. وهناك من رأى بأنها لم تخدم الهدف الأساسي الذي يفترض أنها تبغيه، حيث سقط جزء مهم منها في البحر وأجزاء أخرى في وسط القطاع وجنوبه وليس في الشمال الذي يعاني حالة التجويع الأقسى، فضلا عن بعض الحركات الاستعراضية “غير اللائقة” من وجهة نظرهم مثل مرافقة بعض مؤثري وسائل التواصل للقوات المسلحة في عملية الإنزال.

فالقوات المسلحة الأردنية كانت قد أعلنت عن تنفيذ عدة إنزالات سابقة من الجو للمستشفى الميداني الأردني في القطاع، قبل أن تعلن مؤخرا عن إنزال لأهل غزة مباشرة، كما أعلن عن مشاركة دول عربية أخرى –مصر والإمارات – في أحد الإنزالات.

وبالنظر إلى الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعانيها سكان القطاع بشكل ممنهج من قبل الاحتلال بدءا بالقتل ومرورا بالحصار وليس انتهاء بالتجويع، فإن أي جهد باتجاه تقليل هذه المعاناة يستحق الإشادة والتحفيز لما هو أكثر، بيد أننا نحتاج في البداية لتثبيت بعض المعطيات المهمة، وفي مقدمتها:

أولا، رغم أن مجمل مناطق قطاع غزة تعاني أوضاعا إنسانية سيئة، من حيث أعداد الشهداء والجرحى ودمار البيوت والبنى التحتية والنزوح وظروف الإيواء الصعبة وضعف الخدمات الصحية، إلا أن الظروف الأصعب يعانيها أهل محافظتي شمال غزة وغزة الذين صمدوا في مناطقهم وواجهوا ضغوط الاحتلال بالنزوح جنوبا، ويعانون في الأيام الأخيرة من حالة تجويع حقيقي مقصودة أوصلت البعض منهم لتناول أعلاف الحيوانات ووفاة البعض تضورا من الجوع، ما يعني أن الأولوية القصوى بلا نقاش هي لإغاثة أهل الشمال قبل غيرهم.

ثانيا، أن الإنزالات فيما يبدو بداهة تتم بالتنسيق مع سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، ومن هو قادر على التنسيق لإنزال من الجو يفترض أن يكون قادرا على التنسيق لإدخال المساعدات برا، إن صدقت النوايا.

ثالثا، إن الكميات التي يمكن إنزالها من الجو قليلة جدا ولا تكاد تكفي طعام يوم واحد لمن يحصل عليها -في حال حصل عليها- وهم الأقلية، وبالتالي فإن ما أُنزل ويمكن أن ينزل لاحقا لا يكفي لسد الرمق فضلا عن كسر الحصار، على عكس البروباغندا السائدة.

رابعا، أن ما يحتاجه سكان القطاع ليس المواد الغذائية فقط على أهميتها وأولويتها، بل ثمة حاجة ماسة للأدوية وحليب الأطفال والمواد الصحية وغير ذلك الكثير من المواد الأساسية والضرورية.

خامسا، أثبتت عمليات الإنزال أنها كانت ممكنة طول الوقت، وبالتالي أنها أتت متأخرة جدا، وهذا جزء أساسي من التقييم لا ينبغي إهماله إلى جانب المعايير الأخرى. كما أنها أتت بعد الكشف عن الجسر البري للبضائع التي تمر لدولة الاحتلال عبر دول عربية منها الإمارات والأردن، والذي -أي الجسر البري- رغم النفي الرسمي ما زال يحظى بمصداقية عالية بالنظر للقرائن القائمة عليه، ما يطرح سؤالا وجيها عن الهدف الرئيس للإنزالات بين المساعدات وتخفيف الاحتقان الداخلي.

سادسا، ينبغي التنبه للحد الفاصل بين تخفيف حدة الحصار والجوع عن أهل غزة وتخفيف الضغوط عن الاحتلال الذي يحاول تجميل صورته والادعاء بأنه يسمح بدخول المساعدات ولا يحاصر غزة أو يمنع عنها الغذاء، على عكس الحقيقة.

سابعا والأهم، واجب الوقت هو فتح المعابر البرية وإدخال المساعدات من مختلف الأنواع لسكان قطاع غزة في كل المناطق، وهذا أمر محميٌّ قانونيا وسياسيا وممكن عمليا وكافٍ للناس؛ بخلاف الإنزالات الجوية التي تعمل مثل المسكّنات المؤقتة فقط.

وبالتالي، وبالنظر لكل ما سبق والوقائع التي شابت عمليات الإنزال، نكون أمام أحد أربعة سيناريوهات قد يتحقق أحدها أو أكثر في الوقت ذاته حسب الوقائع:

الأول، تخفيف حدة الجوع ولو بالحد الأدنى إذا ما ركزت الإنزالات على مناطق شمال القطاع على وجه التحديد وتجنبت البحر ومناطق الوسط والجنوب (ولو مرحليا)، وهذا مقدور عليه إذ رأينا أكثر من مرة دقّة الإنزالات على المستشفى الميداني.

الثاني، عمليات إنزال بروتوكولية وبكميات قليلة غير مؤثرة هدفها الرئيس تخفيف الاحتقان الداخلي في وجه الجسر البري على وجه التحديد.

الثالث، عملية دعاية وبروباغندا دون أن يكون ثمة رصيد واقعي للإنزالات، باستمرار الشكل الحالي غير المؤثر على الحقيقة.

الرابع، استمرار إنزال الغذاء والمساعدات على مناطق وسط القطاع وجنوبه دون الشمال، ما قد يجبر بعض السكان الصامدين في الأخير على تركه نحو الوسط والجنوب تعلقا بأمل الحياة، ما يعني أن الإنزالات بهذه الصيغة تخدم هدف الاحتلال المعلن بتفريغ الشمال من سكانه وإعادة احتلاله، أو حتى ضمه لدولة الاحتلال وفرض واقع سياسي وأمني وإداري مختلف فيه بعد انتهاء العدوان.

مما سبق، يتضح أن فكرة الإنزالات غير كافية بمفردها وبشكل مجرد لخدمة أهل غزة ونصرتهم، بل غير كافية لوحدها للتدليل على حسن النوايا، إذ ذلك منوط إلى حد كبير بالتفاصيل والوقائع والنتائج. فيمكن، كما سبق تفصيله، أن تخفف الإنزالات عن بعض أهل غزة واقعهم الإنساني الصعب نسبيا ويمكن أن تخدم خطط الاحتلال بالتهجير جنوبا، وبينهما سيناريوهات أخرى وسيطة.

وعليه، على الدول العربية أن تقرر بشكل دقيق ما الذي تريد فعله وبأي وسيلة، وأن تدرك أن الشعوب والنخب اليوم أكثر وعيا مما يُتصور ويُتوقع، ولا تنطلي عليها الكثير من أساليب الدعاية والتضليل.

ورغم أننا ما زلنا نقول ونؤكد أن دخول المساعدات عبر المعابر البرية، وفي مقدمتها وأهمها معبر رفح مع مصر، هو واجب الوقت وأنه ممكن وضروري، إلا أنه لا يمكن رفض الإنزالات من الجو بالمطلق، بل ينبغي تقييمها وفق المعايير التي سلف ذكرها.

ليس من باب الشعارات ولا المزايدات ولا الشعبوية، لكن سكان غزة ومعهم الشعوب العربية والمسلمة تتابع عن كثب تفاصيل ما يحصل، وأيَّ هدفٍ ستخدم هذه الإنزالات في نهاية المطاف. وبالتالي فأداء الأنظمة والدول العربية ستشهد عليه الشعوب والتاريخ والله، وسيكون له ما بعده. فإن كانت بعض هذه الأنظمة عجزت و/أو تقاعست عن النصرة، وبعضها مد يد العون للاحتلال بالبضائع التي يحتاجها خلال الحرب، فإن مآلات هذه الإنزالات ستكون معيارا إضافيا للتقييم.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3878/3878/feed/ 0
قراءة في سياق الهجمات الإرهابية الأخيرة ضد تركيا https://saidelhaj.com/artical/3891/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a/ https://saidelhaj.com/artical/3891/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a/#respond Sat, 24 Feb 2024 12:45:37 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3891

قراءة في سياق الهجمات الإرهابية الأخيرة ضد تركيا

TRT  عربي

24/2/2024

 

تكافح تركيا تنظيم PKK الإرهابي منذ أكثر من أربعة عقود، وهي مدة زمنية طويلة عرفت محطات عدة من المد والجزر، غير أن العقد الأخير حمل تطورات مهمة ومختلفة على هذا الصعيد.

ومنذ 2015 وبعد تصعيد التنظيم الإرهابي عملياته، وأنقرة تنتهج مقاربة مختلفة عن السابق في مكافحة الإرهاب، وبعد خوض عملية مكافحة واسعة وشاملة داخل الأراضي التركية، تكللت بتطهير المناطق المذكورة من أي نفوذ بارز لتنظيم PKK الإرهابي، أطلقت أنقرة عملية مكافحة خارج الحدود وفق مبدأ الحرب الاستباقية.

وقد بُنيت الرؤية التركية الجديدة على أن المكافحة الدفاعية يجب أن تمتد أيضاً خارج الأراضي التركية، من أجل “تجفيف الإرهاب في مستنقعاته” كما صرّح الرئيس أردوغان.

من الصعب فهم هذا النوع من الهجمات من دون سياقه ورسائله المحتملة، ولا سيما أن الملف الخلافي الأول لأنقرة مع واشنطن يدور حول دعم الأخيرة للتنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنها قرأت الحضور الأمريكي العسكري في شرق المتوسط بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على أنه رسالة لأطراف عدّة لا تستثنيها هي أيضاً

رؤية جديدة وناجحة لمكافحة الإرهاب

وهنا، أطلقت تركيا عمليتها الأولى مع الجيش الوطني السوري”درع الفرات”، في 2016 لتطهير شمالي سوريا من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش”، وتأمين حدودها الجنوبية، وذلك استناداً إلى المادة 51 من وثيقة الأمم المتحدة، التي تنص على الحق الطبيعي للدول الأعضاء في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على إحداها، ثم تبعتها بعدة عمليات نتج عنها إبعاد وإضعاف قدرات تلك المنظمات.

كما عمقت تركيا عملياتها شمالي العراق من خلال سلسلة عمليات “المخلب” التي استهدفت أوكار التنظيم الإرهابي ومخيمات تدريبه ومستودعات سلاحه، وعلى رأسها جبال قنديل التي تعد المعقل الرئيسي للتنظيم، وقد أُطلقت أولى تلك العمليات في مايو/أيار 2019، وتبعتها عدة عمليات بُنيت كل واحدة منها على سابقتها، كان آخرها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

فضلاً عن التحييد المباشر لما يُدعى بـ”مسؤولين”، في التنظيم الإرهابي في كلّ من شمالي سوريا والعراق، نفذها جهاز المخابرات بشكل أساسي وأحياناً بالتعاون مع القوات المسلحة التركية.

وتزامن كل ذلك مع الأولوية التي منحتها تركيا للصناعات الدفاعية المحلية، التي حققت قفزات كبيرة خلال سنوات معدودة، ووضعت تركيا في مصاف الدول المصدرة لها، وتحديداً المسيّرات، بعد أن كانت تشتري من الخارج، وصولاً إلى مرحلة أن تعتمد العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا والعراق على السلاح المصنع محلياً بنسبة تتجاوز 80%، وفق تصريحات حكومية.

استمر هذا السياق المطرد من المكافحة المستمرة والناجحة، وأعلن وزير الداخلية علي يرلي قايا شبه خلو الأراضي التركية من عناصر التنظيم الإرهابية، واقتصار المكافحة في معظمها على العمليات خارج الحدود.

قراءة في السياق الحالي

بيد أن هذا السياق المستمر منذ سنوات، طرأ عليه عمليات استهداف للجنود الأتراك في العراق مؤخراً، إذ استشهد 12 جندياً تركياً في شمال العراق في الأسبوع الأخير من العام الفائت، إضافة إلى تسعة آخرين في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، وفق بيانات وزارة الدفاع، إضافةً إلى بعض الشهداء الآخرين في أحداث متفرقة.

العدد الكبير من شهداء الجيش في أحداث متقاربة زمنياً وبعد سنوات من العمليات الناجحة في شمال العراق أعطى انطباعاً بمتغيرات ما، ما يدفع لمحاولة قراءة بعض السياقات المحلية والإقليمية والدولية لفهم اتجاه الرسائل وفحواها ودلالاتها.

في السياق المحلي تقترب الانتخابات المحلية المزمع عقدها في 31 مارس/آذار المقبل، وفي العادة فإن اقتراب أي استحقاق انتخابي يدفع التنظيم الإرهابي إلى محاولة الضغط والتأثير. لكن، وإنْ بدا أن الانتخابات القريبة عامل مهم في التقدير، إلا أنه ينبغي النظر لها على أنها السياق الزمني أو التوقيت وليست بالضرورة السبب الرئيس خلف تلك العمليات الإرهابية.

ولذلك، ينبغي أن يتجه التقييم لحدثين مهمين لتركيا وعلاقاتها الخارجية في الشهور الأخيرة، أولهما ملف انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي كان موضوعاً على أجندة مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، والثاني موقف تركيا من العدوان “الإسرائيلي” على غزة، وخصوصاً أن لكليهما علاقة من وجه ما بملف مكافحة الإرهاب.

ذلك أن الاعتراضات الرئيسية لأنقرة على انضمام السويد وفنلندا للناتو كانت تتعلق بشكل أساسي بسماحها بأنشطة داعمة للتنظيم الإرهابي على أراضيها، وعدم تعاونها في ملف المطلوبين لتركيا، فضلاً عن حظر تصدير السلاح لأنقرة على خلفية عملياتها العسكرية في الشمال السوري.

وقد قبلت تركيا ملف فنلندا بالنظر لإيفائها إلى حدّ كبير بالتزاماتها وفق البروتوكول الموقع بين الدول الثلاث، تركيا والسويد وفنلندا، بهذا الخصوص، كما أنها جنحت لاحقاً للموافقة على الملف السويدي بعد تقييمه بإحالته للبرلمان للتصويت عليه.

ولكون أن الهجمات التي استهدفت الجنود الأتراك في شمال العراق، أتت قُبيل تصويت البرلمان على الملف، يمنحها دلالات ذات قيمة في تقدير الموقف على أقل تقدير، علماً أن بعض الباحثين والإعلاميين تحدثوا صراحةً بأن “الأمر قد يكون رسالة أمريكية مباشرة للضغط على تركيا بخصوص ملف السويد”، رغم أن التوقعات كانت تشير إلى إقرار البرلمان، وهو ما حصل قبل أيام.

ما زالت أنقرة تسعى إلى إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن دعم التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة، لكن يبقى ممكناً دائماً بالنظر للاستراتيجية الأمريكية العامة بخصوص المنطقة، وقد تكون التصريحات التي وردت في الأيام القليلة الماضية عن عدم نية واشنطن البقاء طويلاً في سوريا مؤشراً في هذا الاتجاه

الموقف التركي من حرب غزة

وفيما يتعلق بالعدوان “الإسرائيلي” على غزة، فقد تطور الموقف التركي خلاله بشكل ملحوظ في مواجهة جرائم الحرب التي اقترفها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وفق عديدٍ من المنظمات الدولية والدول، وفي مقدمتها تركيا، ورفضت الأخيرة، وعلى لسان الرئيس أردوغان، تصنيف حركة حماس “منظمة إرهابية” مؤكدة أن “إٍسرائيل دولة إرهاب”، ومتحدثة عن “طيّ صفحة نتنياهو” وعدم التعامل معه مع التهديد بمحاكمته دولياً.

وقد تنوعت ردود الفعل “الإسرائيلية” على موقف أنقرة وتصريحات الرئيس أردوغان بين الرفض والتهجم والتحريض، لكن أهمَّها في سياق الهجمات الأخيرة هو تعريض نتنياهو بمكافحة تركيا للإرهاب، مدعياً أنها “تقتل المدنيين”، في سياق رفضه للموقف التركي الشاجب لانتهاكات جيش الاحتلال في غزة.

وعليه، من الصعب فهم هذا النوع من الهجمات من دون سياقه ورسائله المحتملة، ولا سيما أن الملف الخلافي الأول لأنقرة مع واشنطن يدور حول دعم الأخيرة للتنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنها قرأت الحضور الأمريكي العسكري في شرق المتوسط بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على أنه رسالة لأطراف عدّة لا تستثنيها هي أيضاً.

كان من اللافت أن أحد تصريحات الرئيس التركي بخصوص العدوان على غزة تضمن ما معناه أن الحرب الأخيرة على غزة أثبتت لتركيا مجدداً مدى أهمية تعزيز قدراتها الذاتية وتقوية نفسها عسكرياً وأمنياً بما يشمل الاعتماد على الذات والسعي باتجاه الاكتفاء الذاتي بخصوص الصناعات العسكرية.

من جهة ثانية، وكما كان متوقعاً لم تُترك هذه الهجمات من دون ردّ، بل ردود بدأت بالاشتباك المباشر مع العناصر التي استهدفت الجنود الأتراك في حينه، وأكدت القوات المسلحة التركية تحييد عدد كبير منهم، واستمرت مع غارات جوية متكررة على معاقل التنظيم الإرهابي في شمال العراق، وصولاً لإعادة التلويح بعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، ما زالت أنقرة ترى أنها ضرورية في سياق مكافحة الإرهاب للعلاقة العضوية بين الامتدادات السورية والعراقية للتنظيم الإرهابي.

من ناحية أخرى، ما زالت أنقرة تسعى إلى إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن دعم التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة، لكن يبقى ممكناً دائماً بالنظر للاستراتيجية الأمريكية العامة بخصوص المنطقة، وقد تكون التصريحات التي وردت في الأيام القليلة الماضية عن عدم نية واشنطن البقاء طويلاً في سوريا مؤشراً في هذا الاتجاه.

وفي الخلاصة، سيكون اقتراب موعد الانتخابات المحلية في تركيا عاملاً محفزاً للتنظيمات الإرهابية ومن يقف خلفها لمحاولة إثارة القلاقل، لكن أنقرة تبدو مصممة على عدم السماح لأي طرف بالتلاعب أو اللعب في هذه المساحة، وقد استفادت بشكل كبير من خبراتها ونجاحاتها المتراكمة في السنوات القليلة الأخيرة في هذا المضمار.

لذلك، من المستبعد أن يكون لهذه العمليات الإرهابية أي تأثير في صانع القرار التركي، إلا بمزيدٍ من الإصرار على الرؤية الحالية وتعزيزها.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3891/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a/feed/ 0
عملية رفح.. ورقة تفاوضية و”ضرورة عسكرية” للاحتلال https://saidelhaj.com/artical/3875/%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d9%81%d8%ad-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a9/ https://saidelhaj.com/artical/3875/%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d9%81%d8%ad-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a9/#respond Wed, 14 Feb 2024 19:07:15 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3875

عملية رفح.. ورقة تفاوضية و”ضرورة عسكرية” للاحتلال

الجزيرة نت

14/2/2024

 

تؤكد التصريحات المتواترة للقيادات السياسية والعسكرية لدولة الاحتلال، أنّ الجيش يعدّ لعملية برية في رفح، أقصى جنوب قطاع غزة -رغم تحذيرات صدرت عن عدد من الجهات، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر- لدرجة عدّها شرطًا أساسيًا لإتمام الحرب بانتصار عسكري، وما دون ذلك هزيمة.

 

الطريق إلى رفح

ليس من المبالغة القول؛ إن الآلة العسكرية “الإسرائيلية” قد خاضت عدوانها على قطاع غزة بالطريقة التي تريد وبأريحية ملاحظة، متسلحةً بتوازن قوى مختل، بداهةً، مع المقاومة الفلسطينية، ودعمٍ غير محدود وغير مشروط لها من الولايات المتحدة الأميركيّة وعدد من الدول الغربية، وصمت عربي- إسلامي في العموم، وقواعد اشتباك مستجدة، ولكن منضبطة ومقروءة مع أطراف محور المقاومة،ولا سيما حزب الله في لبنان، وحالة شعبية دون المستوى في العالمَين: العربي والإسلامي.

ولذا، فقد أمطر الاحتلال القطاع بكَميات غير مسبوقة من القذائف والصواريخ، ثم خطّط للعملية البرية، ثم نفذها بشكل تدريجي بطيء مستهلًا من شمال غزة، ثم غزة، ثم المحافظات الوسطى،وصولًا لخان يونس، مستبيحًا خلال ذلك البشر والحجر وكل ما يمتّ للحياة بصلة، دون أي محاذير أو موانع سياسية أو قانونية أو أخلاقية.

ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر، فشل الاحتلال في تحقيق أيٍّ من الأهداف الكبيرة التي وضعها لعمليته العسكرية، فلا قضى على حركة حماس، ولا منع هجماتها الصاروخية، ولا قوّض قدراتها العسكرية، ولا حرّر أسراه من أيديها، وأيدي باقي الفصائل.

لكنه تسبّب بمأساة إنسانية غير مسبوقة عن سابق تصور وتصميم؛ بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة ولي ذراع الأخيرة.

في نهاية المشهد، كان زهاء مليون وأربعمئة ألف مدني – وفق تقديرات دولية – قد تجمعوا في رفح ذات المساحة الجغرافية الضيقة في اكتظاظ مهول، بما يدق نواقيس خطر مجازر غير مسبوقة محتملة في المدنيين في أي عملية عسكرية ولو محدودة.

في المقابل، سبق الحديثَ عن العملية البرية في رفح تطوراتٌ مهمة،في مقدمتها القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية الذي عنى أن “إسرائيل” متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأنها تحت المراقبة والملاحظة، ومنها تراجع الحماس الغربي للعملية العسكرية في غزة، بل ووجود بعض الضغوط باتجاه إنهائها، ومستوى من الاختلافات في وجهات النظر مع الإدارة الأميركية (لم تصل حد الخلاف والشقاق)، فضلًا عن بدء مسار من المفاوضات لوقف إطلاق النار، وُصف بالجِدّي والواعد بعد اجتماع باريس.

بَيد أن تراجع نتنياهو عن مسار التفاوض – بعد رد حماس على ما سُمي “اتفاق الإطار”، وبل وما سرّب بأنه تراجع حتى عن اتفاق الإطار نفسه الذي كانت حكومته جزءًا منه، بالتزامن مع ازياد وتيرة تصريحات الأخيرة بالإصرار على العملية البرية في رفح – جعل الأمر يبدو كورقة تفاوضية للضغط على حماس والأطراف الفلسطينية.

وهو تحليل ذو وجاهة كما هو واضح، من باب حرص حركة حماس على تجنيب المدنيين في رفح مغبة وتبعات عملية برية، ومرونتها حتى اللحظة في محطات التفاوض المختلفة، وافتقادها للظهير العربي – الإسلامي إلى حد كبير، والأوضاع الإنسانية المتفاقمة في عموم القطاع، وخصوصًا محافظتي شمال غزة وغزة، حيث يعاني الناس تجويعًا مقصودًا.

ذلك صحيح وذو وجاهة، لكنه لا يكفي بمفرده – من وجهة نظرنا -ليكون إطارًا تفسيريًا للإصرار “الإسرائيلي”.

 

عملية حتمية

إذن، فالتلويحُ المستمر بعملية برية وشيكة في رفح -في ظل تكدس النازحين فيها بأعداد كبير – ورقةٌ تفاوضية قوية بيد الاحتلال يحاول من خلالها إضعاف موقف حماس وفصائل المقاومة الأخرى.

وقد أكد وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت، أنَّ “تعميق العملية العسكرية في غزة” من شأنه تقريب “إسرائيل” لما وصفه بـ “اتفاق واقعي لتبادل الأسرى”.

لكن سلوك حكومة نتنياهو حتى اللحظة يعزز فكرة أن العملية ستشنّ حتى ولو أبدى الطرف الفلسطيني مرونة غير مسبوقة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين الجانبين.

ميدانيًا، ورغم ما تقدم شرحه مما تسببت به آلتها العسكرية، فإن دولة الاحتلال ما زالت بعيدة عن الوصول لصورة نصر، بل وحتى عن ادعائها، رغم دخولها معظم مناطق القطاع ومحافظاته، وعشرات الآلاف من الشهداء وأكثر منهم من المصابين والجرحى، وتدمير البنية التحتية، وتحويل غزة لمكان غير قابل للحياة.

ولذلك، ما زالت حكومة نتنياهو – ومعها المؤسسة العسكرية والأمنية – تؤمن بضرورة دخول و/أو احتلال كافة محافظات القطاع للوصول لمرحلة إمكانية ادعاء النصر.

يعني ذلك أن العملية في رفح حتمية بالنسبة لهم، ولذلك فقد رأى نتنياهو أن مجرد الامتناع عن دخول رفح يعني “الاستسلام لحماس، بل وخسارة الحرب برمتها”.

فضلًا عن أن عملية عسكرية في رفح ستعني، نظريًا، ارتفاع احتمال الوصول لبعض الأسرى وتحريرهم، وقد ادّعى الاحتلال تحرير أسيرين في رفح في عملية عسكرية خاصة ذهب ضحيتها ما يقارب المئة شهيد، بغض النظر عن مدى دقة روايته.

الأهم من كل ما سبق أن الاحتلال يرى أنه من الضرورة بمكان الاشتباك مع كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في رفح. إذ من شأن هذا الاشتباك، وفق رؤيته، أن يوقع فيها الخسائر ويقوض من قدراتها، وبالتالي يضعفها مرحليًا وفي المستقبل، وأن يمنح نتنياهو فرصة الادعاء بأنه واجه حماس ودمر بنيتها العسكرية في “كافة مناطق قطاع غزة”.

وهو المعنى الذي أكده بيان صادر عن مكتب نتنياهو، الذي قال: إنه “من غير الممكن القضاء على حماس مع إبقاء أربع كتائب لها في رفح”.

من جهة ثانية، ترى حكومة الاحتلال أنها ليست في متسع من الوقت بالنسبة للعملية، وأن من الأفضل لها أن تبدأها وتنهيها قبل حلول شهر رمضان (بعد شهر تقريبًا من الآن)؛ تفاديًا لردات فعل شعبية وانفلات أمني في الضفة الغربية تحديدًا و/أو بعض الدول العربية.

وبالتالي أن يُستغل رمضان في إعلان التهدئة وتبادل الأسرى – حال التوصل لاتفاق – وليس في العمليات العسكرية التي تزيد من التوتر.

وعليه، بالنظر لكل ما سبق، تبدو العملية البرية في رفح حتمية بالنسبة للاحتلال، ولا يبدو أن ثَمةَ اختلافاتٍ عميقةً بين المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية بخصوص خطوطها العريضة، ولا حتى هناك اعتراضٌ أميركي حقيقي يمكن أن يحول دون حصولها.

إذ أشارت تصريحات الرئاسة والخارجية الأميركيتين لمشاركة واشنطن، تلَّ أبيب أهدافَ القضاء على حماس وتحرير الأسرى، مع التأكيد على ضرورة “وجود خُطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ” لحماية المدنيين في رفح.

ما لا يبدو واضحًا بشكله النهائي، في المقابل، هو سقف العملية وأهدافها الحقيقية ومداها، وهي أمور ستعتمد إلى حد كبير على أداء المقاومة في رفح وعموم القطاع، ومدى قدرة الاحتلال على تحريك المدنيين من رفح باتجاه خان يونس والمحافظات الوسطى و/أو مصر، والموقف الأميركي الحقيقي من العملية بعد اتضاح تفاصيلها، ومدى قدرة نتنياهو على تسويغ العملية وتسويقها دوليًا.

بَيدَ أنه من الواضح أن نتائج العملية المرتقبة في رفح لن تختلف بشكل جذري عن سابقاتها في المحافظات الأخرى؛ أي أنها أبعد ما تكون عن أن تسفر عن نصر ناجز للاحتلال، ما يعني أنها وإن أطلقت لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية إضافة لملف التفاوض، إلا أن الأخير هو ما يمكن أن يحسم الأمر في نهاية المطاف.

فالعملية ستجيّر في النهاية وتُقرأ كورقة تفاوضية وليس كمحطة لإنهاء العدوان بالضربة القاضية.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3875/%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d9%81%d8%ad-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a9/feed/ 0
ماذا تقصد الولايات المتحدة حين تتحدث عن “دولة فلسطينية”؟ https://saidelhaj.com/artical/3871/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d9%82%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%b9/ https://saidelhaj.com/artical/3871/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d9%82%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%b9/#respond Sat, 10 Feb 2024 14:06:58 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3871

ماذا تقصد الولايات المتحدة حين تتحدث عن “دولة فلسطينية”؟

عربي 21

10/2/2024

مع استعصاء الحل العسكري “الإسرائيلي” في قطاع غزة ووصول مختلف الأطراف لقناعة باستحالة تحقيق العملية البرية في غزة لأهدافها المعلنة، تتعالى في الآونة الأخيرة الأصوات المنادية بحل سياسي للقضيةالفلسطينية، في محاولة لبث الروح في “حل الدولتين” الذي قتله الاحتلال منذ سنوات طويلة دون مراسم دفن.

واللافت أن مختلف الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا بل ودول عربية وإقليمية وحتى بعض الأطراف الفلسطينية، تتحدث عن ضرورة الوصول لدولة فلسطينية، بينما يرفض قادة الاحتلال ذلك بشكل قاطع.

فنتنياهو كان قد عارض حديث الرئيس الأمريكي عن “دولة فلسطينية” قائلا إنه “لن يساوم على السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن، وهو ما لا يمكن التوفيق بينه وبين دولة فلسطينية”. كما صرح الرئيس “الإسرائيلي” هرتسوغ بأنه “لا يوجد إسرائيلي عاقل يقبل بحل الدولتين”، فضلا عن تصريحات أخرى لعدد من السياسيين في دولة الاحتلال تصب في الإطار نفسه.

الرد على نتنياهو أتى على لسان جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي قال إن بلاده “تعتقد بحق الفلسطينيين في العيش في دولة مستقلة”، وهو سياق تكرر في عدد من تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، كما أكد بايدن على ضرورة أنه “عندما تنتهي الأزمة” ينبغي أن تكون ثمة رؤية تشمل حل الدولتين. إلى ذلك، أعلنت لندن عن “خطة النقاط الخمس” التي تتضمن إنشاء “أفق سياسي لإقامة دولة فلسطينية”، كما يعد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “خريطة طريق أوروبية من عشر نقاط لحل النزاع العربي- الإسرائيلي”.

فما الذي تغير؟ وما الذي تسعى إليه مختلف الأطراف الدولية؟ وماذا تقصد واشنطن على وجه التحديد حين تتحدث عن دولة فلسطينية؟

تنبغي الإشارة أولا إلى أن “حل الدولتين” مصطلح له دلالات واضحة معروفة للجميع. فهذا الحل، الذي كان مرجعية لاتفاق أوسلو بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، يشير إلى قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الحل المتبنى دوليا وتدعو إليه وتدعمه تقليديا مختلف الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

اختلف الأمر جذريا مع رئاسة دونالد ترامب الذي هندس اتفاقات “أبراهام” للتطبيع بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية، وغابت أي مشاريع أو مقترحات جدية في هذا الإطار عن رئاسة بايدن؛ لأسباب في مقدمتها أن “إٍسرائيل” قوّضت أي إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تدميرها للأرضية التي يمكن أن تسمح بذلك، عبر الاستيطان والسيطرة الأمنية المباشرة واستباحة الضفة وتقطيع أوصالها وغير ذلك.

وعليه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدث اليوم عن دولة فلسطينية تدرك أن لا فرصة لها على أرض الواقع بسبب ممارسات الاحتلال، وهي رغم ذلك لم ولا تمارس عليه ضغطا حقيقيا بهذا الخصوص، كما أنها تخوض الحرب الحالية معه كتفا بكتف ورصاصة برصاصة. فلماذا إذن الحديث الآن عن “دولة فلسطينية”؟

في المقام الأول ترى واشنطن، وهي محقة في ذلك، أن انسداد الأفق السياسي وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم أحد أهم أسباب انفجار السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولذلك تشعر أن زلزلا عسكريا وأمنيا بهذا الحجم ينبغي أن يدفع نحو مسار سياسي ما، تماما كما حصل في محطات سابقة أهمها مسار مدريد- أوسلو الذي أتى بعد الانتفاضة الأولى.

كما أن هذه الخطوة تسعى ضمنا إلى محاولة الالتفاف على المنجزات الميدانية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، خصوصا بعد انتفاء الأوهام بإمكانية القضاء عليها أو نفيها من غزة فضلا عن استسلامها. وبالتالي، فالأمر يقع ضمن رؤية أمريكية تسعى لتعظيم مكاسب الاحتلال وتقليل خسائره في المواجهة الحالية.

بيد أن أحد أهم الدوافع هو تخفيف حدة الانتقادات والاعتراضات التي تواجه الإدارة الأمريكية داخليا وخارجيا بسبب موقفها من الحرب، لا سيما أن بايدن مقبل على انتخابات رئاسية تشير استطلاعات الرأي إلى أن فرصه فيها تتأثر سلبا بموقفه من العدوان على غزة. وأخيرا، تحاول واشنطن أن تمنع التأثيرات السلبية للعدوان على مسار التطبيع العربي مع الاحتلال، ولذلك فهي تضع “الدولة الفلسطينية” كغطاء للهدف الرئيس وهو إدامة مسار التطبيع وإتمامه.

عمليا، المطروح اليوم ليس “حل الدولتين” المتعارف عليه، وإنما حل “دولتين” بدون “ال” التعريف. أي أن المطروح أمريكيا وغربيا في أغلبه ليس دولة فلسطينية حقيقية كاملة السيادة على المناطق المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنما “أي دولة فلسطينية” بغض النظر عن المواصفات. ففي التصريحات الأمريكية والغربية ليس هناك تأكيد دائم كما في السابق على حل الدولتين، وإنما هناك دعوة لدولة فلسطينية بمعنى أن الأرض والحدود والمياه والسيادة والسلاح (فضلا عن عودة اللاجئين) أمور غير محسومة ومتروكة للتفاوض وموازين القوى والأمر الواقع.

والأمر الواقع أن الاحتلال لم يكتف بما فعله على مدى العقود الماضية من تقويض أركان الدولة المنتظرة، ليذهب خلال هذه الحرب نحو خطط أقرب لضم أجزاء من قطاع غزة و/أو استمرار احتلاله لها على المدى المتوسط. إزاء ذلك كان الانتقاد الأمريكي خجولا جدا وأقرب لتسجيل موقف وإطلاق تصريحات تقليدية بروتوكولية؛ منه لموقف حقيقي وقوي رافض لهذه الخطوات، علما أن واشنطن تملك -إن أرادت بما تؤمّنه لدولة الاحتلال من دعم سياسي وعسكري- إرغامه على القيام خطوات بعينها وتجنب أخرى.

التصريحات الأمريكية والغربية وبعض العربية تدعم هذه الفرضية، أي السعي نحو “أي دولة” فلسطينية، فكلٌّ من وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن ومستشارها للأمن القومي جيك سوليفان يتحدثان عن مبادئ تتعلق بـ”دولة فلسطينية”، فيما دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون للبدء في تحديد “الشكل الذي ستبدو عليه “الدولة الفلسطينية”، و”ما الذي ستتنازل عنه”.

وأما الدول العربية التي نكصت عن “المبادرة العربية للسلام” وقلبت مسارها من دولة فلسطينية أولا ثم تطبيع إلى تطبيع أولا ثم دولة، ثم تراجعت عن ذلك أيضا إلى تطبيع أولا ثم “تحسين ظروف الفلسطينيين”، فلم نسمع في ظل جرائم الحرب المرتكبة في غزة من أي دولة عربية منخرطة في هذا المسار عن إلغائه أو تجميده أو حتى التلويح بإمكانية تجميده، بل صدرت بعض المواقف والتصريحات التي تشير إلى أن التطبيع ما زال ممكنا مع “إٍسرائيل” رغم كل ما اقترفته من جرائم حرب في غزة؛ إذا ما كان هناك “مسار” سياسي “يمكن أن يفضي” في نهاية المطاف لـ”دولة فلسطينية”.

وعليه، ختاما، فالتركيز الأمريكي الحالي على فكرة الدولة الفلسطينية ليس مدفوعا بالندم على محطات سابقة ولا برغبة في منح الفلسطينيين بعض حقوقهم، وإنما نتيجة للواقع الجديد الذي أنتجته “طوفان الأقصى” وما تبعتها حتى اليوم من إنجازات المقاومة وصمود الشعب من جهة، ومن جهة ثانية هي محاولة أمريكية لبناء قطاع غزة بدون حماس بعد الحرب وتدعيم مسار التطبيع كنوع من “الثمن” المدفوع لدولة الاحتلال.

وهذا المعنى تحديدا هو ما أشار إليه بلينكن لنتنياهو، متحدثا عن “استعداد ورغبة” لدى بعض الدول العربية “لدمج إسرائيل في المنطقة مع منحها ضمانات أمنية مقابل مسار عملي يفضي للدولة الفلسطينية”، مؤكدا على المكاسب الكبيرة لدولة الاحتلال في معادلة كهذه، وعلى أن الولايات المتحدة ستكون حينها قد “خلقت منطقة جديدة تماما، تمكنها من مواجهة التحدي الأكبر لها ولإسرائيل، أي إيران”.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3871/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d9%82%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%b9/feed/ 0
هل تساهم حرب غزة في نشوب حرب عالميّة؟ https://saidelhaj.com/artical/3868/3868/ https://saidelhaj.com/artical/3868/3868/#respond Tue, 06 Feb 2024 14:02:07 +0000 https://saidelhaj.com/?p=3868

هل تساهم حرب غزة في نشوب حرب عالميّة؟

الجزيرة نت

6/2/2024

 

يتّفق معظم الباحثين والمراقبين على أنّ الحربَ الحالية على غزة مختلفةٌ تمامًا عن المواجهات السابقة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، بما جعل لها تداعيات إقليمية ودولية عديدة محتملة، بل ذهب البعض للقول؛ إنها قد تدفع نحو نشوب حرب عالمية ثالثة.

 

التأثيرات

في أي خريطة لدول العالم، لا تكاد فلسطين تظهر إلى جانب الدول الأوسع جغرافيًا، ويمثل قطاع غزة ما يقارب 2% فقط من مساحة فلسطين (360 كلم2). ورغم هذه الضآلة الجغرافية، فإن الحرب الحالية على غزة فرضت نفسها على الأجندة العالمية؛ بسبب استثنائية الحدث تخطيطًا وتنفيذًا ودلالاتٍ، والتبعات المحتملة على الاحتلال والقضية الفلسطينية.

ومنها كذلك رمزية القضية الفلسطينية ومواقف الأطراف المختلفة منها. ومنها أيضًا السياق الإقليمي والدولي الذي تنزلت فيه وتطوراته المهمة والمؤثرة، مثل: وباء كورونا المستجد، والحرب الروسية – الأوكرانية عالميًا، ومسار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال إقليميًا.

ولذلك، فقد بحث الكثيرون في الارتدادات الإقليمية والدولية للحرب على غزة. إقليميًا من حيث احتمالات توسعها نحو مواجهة إقليمية شاملة والتي ترتفع فرصها تدريجيًا، رغم عدم رغبة الأطراف بذلك، ومن حيث مسار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال والذي يبدو أنه جُمِّد مؤقتًا على أقل تقدير، ومن حيث تقييم مواقف مختلف الأطراف منها، وبالتالي تقييم الأطراف نفسها وأدوارها والتعامل المستقبلي معها، ومن حيث ارتدادات الحرب على استقرار بعض الأنظمة وردّات الفعل الداخليّة فيها.

وأما الانعكاسات ذات البعد الدولي فتركز أساسًا على موقف بعض الدول الغربية: حكوماتها ومؤسساتها ووسائل إعلامها، من الحرب ومستوى انخراطها فيها (الولايات المتحدة مثالًا)، وبالتالي انعكاس كل ذلك على العلاقات المستقبلية مع هذه الدول والنظرة للحضارة والنموذج الغربيين. وليس مدى انتشار حركة مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال سوى مؤشر بسيط على مدى عمق شرخ الثقة الحاصل مؤخرًا بين العالم العربي والإسلامي ومعظم الدول الغربية.

حرب عالمية

ويبقى أحد أهمّ النقاشات المتعلقة بالحرب على غزة وتبعاتها الدولية مدى احتماليّة مساهمتها في الوصول لحالة حرب عالمية ثالثة، بين من يرى أن ذلك تضخيم ومبالغة، ومن يرى بوجاهة هذا الاحتمال، ما يعزز الحاجة للنقاش.

يعرّف الكثيرون الحرب العالميّة على أنّها مواجهة مسلّحة تنخرط بها عدة دول من عدة قارات، ويبسّطها البعض الآخر على أنّها حرب بين القوى العظمى.

في حالة الحربين العالميتين: الأولى والثانية مرّت مدة زمنية طويلة تخللتها الكثير من التطورات والحروب قبل أن يطلق أحدهم على ما يحصل مصطلح: “حرب عالمية” أو “الحرب الكبرى”. وفي الأصل، فإن ما يحدث هو سلسلة من المواجهات المسلحة والحروب التي بتطورها وتسببها بمواجهات إضافية تؤدّي إلى امتداد رقعة النزاع، ودخول أطراف جديدة للحرب باستمرار إلى حد وصولها نقطة اللاعودة.

وبعيدًا عن الأسباب المباشرة التي توصف بـ “غير الحقيقية”، ثمة ما يُعدُّ أسبابًا حقيقية لنشوب الحرب العالمية، في مقدمتها الأزمات الاقتصادية، وحدّة التنافس بين الدول، وخصوصًا القوى العظمى، وانتشار التيارات اليمينية وزيادة نفوذها، ووجود مناطق نزاع مشتعلة أو قابلة للاشتعال، وقيادات مندفعة، وأخيرًا ضعف المؤسّسات الدولية التي يفترض أن تكون مرجعية.

وهكذا، كان الكسادُ الكبير (1929)، ونموّ التيارات النازية والفاشية، ووجود قيادات، مثل: هتلر وموسوليني، وسباق التسلح، والتحالفات المتشكلة، وعجز عصبة الأمم عن منع ثم معالجة غزو اليابان لمنشوريا (1931)، وغزو إيطاليا لإثيوبيا (1935)، ثم اجتياح ألمانيا لبولندا (1939) الأسبابَ المباشرة لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

 

حرب غزة

اليوم، لا يمكن تجاهل التشابه الكبير بين الظروف الدولية الحالية، وتلك التي كانت سائدة قبيل الحرب العالمية الثانية. إن الأزمات الاقتصادية العالمية المتكررة والتي عمقتها جائحة كورونا، وحالة التنافس الشديد بين الولايات المتحدة من جهة، وكل من الصين وروسيا من جهة ثانية، والمناطق المشتعلة، مثل: أوكرانيا، وفلسطين، وسوريا، وجنوب القوقاز، والنزاعات المحتملة، مثل: بحر الصين الجنوبي، وشرق المتوسط، والبلقان، وزيادة حضور اليمين المتطرف في دول غربية، كلها عوامل تخلق بيئة دولية متوترة ومشابهة إلى حد كبير لظروف ما قبل 1939، لا سيما إذا ما أضيف لها ضعف الأمم المتحدة ومجلس أمنها.

ذلك أن الاعتراضات على النظام الدولي المجحف وضعف أداء مجلس الأمن في القضايا الدولية قديمة، والدعوات لإصلاح النظام الدولي متكررة، إلا أن الأمم المتحدة بقيت ذات حضورٍ رغم الثغرات والأخطاء، لكن الحرب على غزة زادت من حالة عجزها وعدم اكتراث القوى العظمى لها.

فشل مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة في إصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة، في معظمها بسبب استخدام الولايات المتحدة (ودول أخرى) حقَّ النقض (الفيتو)، بينما صدرت عنه قرارات تتعلق بهدن إنسانية وإدخال مساعدات بعد امتناع واشنطن عن التصويت، وهو ما حصل بعد مفاوضات ومساومات وضغط واشنطن باتجاه تغيير نص القرارات المقترحة تلويحًا بالفيتو.

وهكذا، ورغم أن 120 دولة من أصل 193 في الجمعية العامة صوتت لصالح قرار بوقف فوري لإطلاق النار (27/10/2023)، وتصويت 153 دولة على قرار مماثل في 12/12/2023، فإن واشنطن استخدمت الفيتو في وجه كل قرار دعا لوقف إطلاق النار بما فيها القرار الصادر في 8/12 من العام الماضي، بينما مررت القرار الصادر في 22/12 منه الداعي لإدخال مساعدات بالامتناع عن التصويت بعد رفضها نصَّ القرار على وقف إطلاق النار.

تُظهر توجهات التصويت في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن كيف أن دولة واحدة تمتلك حق النقض يمكنها أن تمنع المؤسسة الدولية من اتخاذ قرار تريده الغالبية الكاسحة من دول العالم، ويمنع إبادة شعب، وكيف يتحول مجلس الأمن لمؤسسة عاجزة إزاء أي قضية تخص إحدى الدول الخمس دائمة العضوية.

في المقابل، يحاجج الكثيرون بأن الواقع الحالي لا يشير إلى أي احتمالية لنشوب حرب عالمية ثالثة على هامش العدوان على غزة، بالنظر للمواقف “الهادئة” لكل من الصين وروسيا، وبدرجة أقل إيران التي عبّرت مرارًا عن عدم رغبتها في الانخراط فيها، وهو طرح ذو وجاهة كبيرة.

لكن ينبغي الإشارة إلى أن احتمالات التوسع قائمة وترتفع كلما استمرّ العدوان على غزة، واستمر انخراط بعض الأطراف، مثل: حزب الله في لبنان، وأنصار الله/الحوثيين في اليمن، إذ أن مستويات التوتر والضربات المتبادلة في مختلف الجبهات في ازدياد لا تراجع.

ولا ينبغي تجاهل حقيقة أن الكثير من الحروب تندلع و/أو تتوسع بدون إرادة مباشرة من أطرافها، وإنما نتيجة أخطاء غير مقصودة أو حسابات غير دقيقة، أو تدحرج الأحداث بشكل غير منضبط وغير متعمد.

من جهة ثانية، فإن سعي الولايات المتحدة لاحتواء الحرب وحصرها في غزة قد أدّى لنتائج عكسية، حيث توسّعت وتعمقت، وخصوصًا في جبهتَي جنوب لبنان، وجنوب البحر الأحمر.

وكما أن استمرار الحرب وتفاقمها يحملان دائمًا مخاطر توسعها وتعمقها، فإن كل توسع في نطاق الحرب يحمل مخاطر توسع جديد وتعمق أكبر وانخراط أطراف إضافية؛ لأن كل تغير ملموس يعني إنتاج مخاطر جديدة، ووضع مصالح إضافية على المحك، وإضافة حسابات لم تكن قائمة سابقًا.

فاستمرار الحرب على غزة أدَّى لانخراط حزب الله والحوثيين، واستمرار ذلك يحمل مخاطر انخراط إيران فيها، وإذا ما حصل ذلك لأي سبب فإن ذلك يرفع من احتمالات تدخل روسيا و/أو الصين بدرجة أو بأخرى.

وإذا كان ثمة من يرى أن الانتخابات الرئاسية الأميركية مانعٌ قوي لتوسع الحرب من باب عدم رغبة واشنطن بذلك، فإن هذا المعطى- تحديدًا- قد يدفع أطرافًا أخرى لمحاولة اختبار آفاق الموقف الأميركي وسقف صبره في هذا الإطار.

ولعل مقتل ثلاثة جنود أميركان في القاعدة في الأردن مثال جيد على “المعضلة الأمنية” المتمثلة في تصاعد مساعي الردع، والردع المقابل، واختبار السقوف من الجانبين، بما ينذر باحتمال انفلات الأمور عند نقطة ما.

وعليه، ختامًا، لا شك أن الحرب على غزة ليست سببًا مباشرًا فضلًا عن أن يكون كافيًا لنشوب حرب عالمية أو أقله انخراط قوى عظمى مقابل أخرى فيها، إلا أن إضافة السياق الدولي والإقليمي والعوامل سالفة الذكر تقول بشكل واضح إن هذه الحرب تزيد في ضعف النظام الدولي القائم وخلخلته، وضعف المؤسسات الدولية المرجعية، وتزيد بالتالي من احتمال تصادم القوى العظمى.

الحرب على غزة، وَفق هذا المنظور، تضيف للسياق الدولي السائد حاليًا حلقة إضافية وتسرّع من خطواته نحو عالم متعدد الأقطاب و/أو الفوضى والصدام، ويبقى التاريخ وتطور الأحداث الحكم الأفضل لمآلاتها على الصعيدَين: الإقليمي والدولي.

]]>
https://saidelhaj.com/artical/3868/3868/feed/ 0