سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

ماذا يحمل عيد النوروز لتركيا هذا العام؟

0

يحتفل الأكراد والفرس وأتراك الأناضول – ضمن عدة شعوب أخرى – في الواحد والعشرين من آذار/مارس من كل عام بما يسمونه “عيد النوروز”، باعتباره تاريخ بدء فصل الربيع الذي يرمز للحياة والنشاط والرزق والبركة والسلام. في هذا اليوم الذي تتجمع فيه سرديات تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية عديدة، تنظم الاحتفالات في ساحات الهواء الطلق بين أحضان الطبيعة، بالرقصات الشعبية والاحتفالات الفنية وتوزيع الطعام والشراب.

لكن هذا اليوم، كان وما زال يعني لأكراد تركيا تحديداً أكثر من مجرد عيد وأعمق من مجرد احتفال، بل أصبح فرصة للالتقاء والتجمع تحت عناوين المطالبة بالحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية لهم في تركيا. لكنه، أبعد من كل هذا، بات يحمل منذ سنتين على وجه التحديد معنى أهم يتعلق بالقضية الكردية برمتها.

ذلك أنه بعد سنوات من المحادثات السرية بين حزب العمال الكردستاني ممثلاً بزعيمه عبدالله أوجلان والدولة التركية ممثلة برئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان لحل المشكلة الكردية بالطرق السلمية بعيداً عن حمل السلاح، أرسل أوجلان من سجنه رسالة تليت أمام المحتفلين بعيد النيروز عام 2013 في دياربكر، أكبر المدن الكردية في تركيا. دعا أوجلان في رسالته إلى نبذ العنف وحمل السلاح وتبني عملية سياسية سلمية لنيل الحقوق التي يطالب بها الأكراد.

اعتبرت تلك الرسالة انعطافة تاريخية مهمة في تاريخ القضية الكردية التي اتسمت بالعنف/الكفاح المسلح منذ أن بدأه حزب العمال عام 1984، وحمل بذلك عيد النيروز رمزية جديدة متناغمة مع معاني الالتقاء والإخاء والسلام والبركة. كان الاتفاق يتضمن إلقاء الحزب لسلاحه ومغادرة مقاتليه الأراضي التركية في مقابل خطوات قانونية وحقوقية تقدم عليها الحكومة التركية، تمهيداً لمفاوضات مباشرة تقضي على جذور المشكلة التي يعاني منها الأكراد منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1924.

وقد غادر فعلاً المئات من المقاتلين الأكراد نحو جبال قنديل في العراق، كما أعلن رئيس الوزراء في حينها اردوغان عن “حزمة الإصلاحات الديمقراطية” التي أقرت جملة من الحقوق السياسية والثقافية للأكراد. لكن التطورات اللاحقة، وعلى رأسها أحداث جزي بارك والأزمة السورية ومعركة عين العرب/كوباني، أدت إلى جمود المحادثات وتوقفها فترة من الزمن.

وبعد أشهر من التوقف، ثم اقتناع الطرفين – خاصة حزب العمال – بأن العملية السياسية هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل، عادت الحيوية إلى اللقاءات وصولاً إلى المؤتمر الصحافي الذي عقدته الحكومة مع ممثلي وفد حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبر الوسيط بينها وبين أوجلان. وخلال ذلك المؤتمر قرئت رسالة من الأخير يدعو فيها الحزب إلى عقد مؤتمر استثنائي للإعلان عن التخلي عن فكرة الكفاح المسلح بشكل نهائي.

الوفد الزائر والمصادر الحكومية سربت للإعلام أن ثمة رسالة أخرى من أوجلان ستقرأ أمام المحتفلين بعيد النوروز هذا العام أيضاً في دياربكر، للتأكيد على الدعوة السابقة، وربما تحمل المزيد. فما الذي ستحمله تلك الرسالة التي سيتابعها عشرات الملايين بكل اهتمام غداً السبت؟

ستحمل أولاً، حتماً، تأكيداً على معاني الرسالة السابقة، بتبني العملية السياسية وإلقاء السلاح بشكل كامل ونهائي، لكن يتوقع لها أيضاً أن لا تكتفي بذلك، بل تتجاوزه لتحديد موعد المؤتمر الاستثنائي لحزب العمال الكردستاني، تحديداً لتضييق هامش المناورة على قيادات الحزب في قنديل التي تحاول جهدها إعاقة جهود السلام.

إن أوجلان قد أثبت في عدة مناسبات سابقة أنه – رغم سجنه منذ 1999 – ما زال الرقم الصعب في الحزب وصاحب القرار الأول والأخير فيه، وبذلك سيكون تحديده لموعد ما – في حال حصل – قراراً نهائياً باسم الحزب، وبهذا سنكون فعلاً أمام محطة تاريخية غير مسبوقة في القضية الكردية في تركيا والمنطقة.

إلا أن الأوضاع ليست بالتأكيد جامدة عند الاتفاق السابق قبل عامين، إذ سادت أجواء إيجابية منذ أشهر، وخصوصاً ما بعد المؤتمر الصحافي المذكور، حيث أقدمت الحكومة على خطوتين مهمتين تعتبران دليلاً إضافياً على جديتها، فتم نقل بعض السجناء الأكراد لجوار أوجلان في سجن إيمرالي ليكونوا بمثابة مساعدين أو “سكرتاريا” له في الفترة المقبلة، كما بدأت جهود تشكيل “لجنة متابعة” للعملية السياسية كعين ثالثة مراقبة.

إن الرسالة المرتقبة من أوجلان لن تكون مجرد دعوة عادية من زعيم إلى مناصريه لتغيير نهج حزبهم، بل ستكون فاتحة مرحلة جديدة واستثنائية بالنسبة لتركيا ولطيفها الكردي، باعتبارها فرصة تاريخية لوقف نزيف الدماء واستنزاف خيرات البلاد في مواجهة عسكرية لا طائل من ورائها.

إن المنتظر هو بدء عملية مفاوضات مباشرة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني ممثلاً بأوجلان، الذي يتحول هكذا من “إرهابي” إلى “شريك” في عملية سياسية. لكنها بكل تأكيد لن تكون طريقاً مفروشة بالورود، بل دونها الكثير الكثير من العقبات الصعبة، التي ربما نتطرق لها في مقالنا القادم.

شارك الموضوع :

اترك رداً