سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الانتخابات البرلمانية التركية وحسابات الساعات الأخيرة

0

بعد انتهاء تصويت الأتراك في الخارج وعلى بعد ساعات معدودة من فتح باب الاقتراع للانتخابات البرلمانية في تركيا، تعكف مختلف الأحزاب التركية على وضع اللمسات الأخيرة على حملاتها الانتخابية، التي تسعى من خلالها للتأثير في:

أولاً، مقاطعي الانتخابات.

ثانياً، المترددين في اختيار الحزب الذي سيصوتون له.

ثالثاً، بعض الذين كانوا قد قرروا التصويت لأحزاب أخرى.

وبناءً على ذلك، يمكن بسهولة رصد ما تقوم به هذه الأحزاب في الساعات الأخيرة الثمينة جداً، وفي مقدمتها – على سبيل المثال لا الحصر – لقاءات انتخابية في أهم وسائل الإعلام وأكثرها انتشاراً، إضافة إلى تنظيم المهرجانات الانتخابية في “مسقط رأس” رؤساء الأحزاب أو معاقلهم المهمة، أولاً لأنها كتلة تصويتية كبيرة ينبغي الاهتمام بها والتواصل معها قبيل الانتخابات، وثانياً لإعطاء صورة إعلامية عن “زخم” المهرجانات الانتخابية، في وقت تلعب فيه الحرب الإعلامية والتكتيكات النفسية أدواراً قد تفوق البرامج الانتخابية أحياناً.

في توقعات نتائج الانتخابات، ليس ثمة الكثير مما يمكن إضافته على ما كتبناه في عدة مقالات سابقة تعقيباً على استطلاعات الرأي. فأغلب – إن لم يكن كل – شركات الاستطلاع مجمعة على تقدم العدالة والتنمية على الأحزاب الأخرى، ومجمعة أيضاً على ترتيب الأحزاب بعده على التوالي: الشعب الجمهوري، الحركة القومية، الشعوب الديمقراطي، فالاتحاد الوطني (ائتلاف حزبي السعادة والاتحاد الكبير). كما أن كل هذه الشركات/المراكز تجمع على أن أهم عامل في تحديد نتيجة الانتخابات – على مستوى تشكيل الحكومة وإمكانية صياغة الدستور وإقرار النظام الرئاسي وعملية السلام الداخلية – هو نتيجة حزب الشعوب الديمقراطي قبل أي عامل آخر، والسبب هو “الحاجز الانتخابي” أو “العتبة الانتخابية” المشروطة لدخول البرلمان، أي تخطي عتبة %10 من الأصوات في عموم تركيا.

ذلك أن فشل الحزب ذي الجذور الكردية في تخطي هذه العتبة سينقل معظم أصواته للعدالة والتنمية (الذي يليه في الحضور والقوة في المناطق الكردية)، مما قد يمكنه من القيام بكل تلك المهام والملفات المذكورة بمفرده، والعكس صحيح.

في الأيام القليلة الماضية، نشرت شركتان مهمتان استطلاعيهما لآراء الناخبين، قبل أيام معدودة من الاستحقاق الانتخابي. شركة (ORC) المعروفة بدقة توقعاتها وخصوصاً في الانتخابات البرلمانية السابقة (2011) توقعت – وفق بحثها – حصول العدالة والتنمية على نسبة %46، ووقوف الشعوب الديمقراطي عند نسبة %9، وهذا يعطي الأول أكثر من 250 مقعداً في البرلمان، فضلاً عن 50-70 مقعداً بالحد الأدنى وفق قاعدة العتبة الانتخابية، وهو ما يتركه في وضعية مريحة في مقدمة الانتخابات.

أما شركة (A&G) المعروفة بمقارباتها الجيدة لنتائج الانتخابات (باستثناء البرلمانية الأخيرة ربما) فتوقعت للعدالة والتنمية نسبة %42 والشعوب الديمقراطي نسبة %12. ووفق هذا السيناريو قد يراوح رصيد الحزب الحاكم في حدود 330 مقعداً، وهو ما يطيح بفكرة حكومة الحزب الواحد ويفتح الباب على سيناريوهات الائتلافات الحكومية.

من جهته، يحذر حزب العدالة والتنمية من التسليم بنتائج كل استطلاعات الرأي باعتبار أن بعضها لا يخلو من مواقف سياسية، وهو طرح له وجاهته بالنظر لحداثة التجربة الديمقراطية التركية في هذا البعد، وحدّة الاستقطاب السياسي في البلاد، فضلاً عن الفروق غير البسيطة بين نتائج مختلف الاستطلاعات.

من ناحية أخرى، أدت سيناريوهات الائتلافات الحكومية التي روجت لها أحزاب المعارضة لحالة من القلق من عودة تركيا لحالة الانسداد السياسي والفشل الاقتصادي التي عانت منها ما قبل فترة العدالة والتنمية، وهي حالة يبدو أن الحزب الحاكم ووسائل الإعلام الدائرة في فلكه حاولوا تدعيمها واستثمارها – بشكل مخطط ومقصود – في تحفيز الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع، بما يضمن للحزب نتائج أفضل. سيما وأن التوقعات تشير إلى أن أغلب المترددين في قرارهم حتى الآن من أنصاره، إضافة إلى تأثير ذلك في المصوتين لأحزاب أخرى، وفي مقدمتهم أنصار السعادة والاتحاد الكبير، ومحاولة تغيير رأي بعضهم رغبة في استقرار تركيا وتجنيبها مخاطر الحكومات الائتلافية.

أخيراً، لا يمكن إغفال تأثير أصوات أتراك الخارج (عددهم في حدود مليون ومئتي ألف صوت) وتوقع فوز العدالة والتنمية بحصة الأسد منها، وهو ما قد يرفع نسبته %1 على الأقل فوق التوقعات المذكورة. والحال كذلك، ربما يمكن لنا أن نغامر بطرح توقعنا للانتخابات، وسط كل هذا الغموض والحسابات المعقدة، بحصول العدالة والتنمية على نسبة 43-45% أو حتى أعلى قليلاً، مع فشل الشعوب الديمقراطي بتخطي العتبة الانتخابية، رغم أن احتمال تخطيه لها وارد أيضاً كما سبق تفصيله.

إذاً، غداً/الأحد يتوجه 53 مليوناً و741 ألفاً و838 ناخباً إلى 174 ألفاً و240 مركزاً انتخابياً في 81 محافظة تركية، لانتخاب 550 نائباً سيشكلون مجلس الشعب الكبير (البرلمان) الخامس والعشرين في تاريخ الجمهورية التركية، الذي ستقع على كاهله العديد من الملفات الحساسة التي ستكون جد مؤثرة في بلورة مسيرة تركيا في المستقبل القريب بل والبعيد، ولا يبدون في قلق كبير إزاء تعبير نتائج الصناديق الانتخابية عن أصواتهم بشفافية، وهو ما ينبغي أن يعتبر بحد ذاته انتصاراً ديمقراطياً ونجاحاً للانتخابات حتى قبل انعقادها.

شارك الموضوع :

اترك رداً