سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

عن الحركات الإسلامية والشباب والنقد

0

أمور كثيرة كانت ولا زالت محظورة في دول ما بعد الاستعمار العربية (أتفق مع القائلين بخطأ تسميتها الدولة الحديثة)، على رأسها الحريات، مثل حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية النقد. فقد رفعت شعارات براقة – ولكن زائفة – بعد فرض التماهي بين “الوطن” و”النظام” بالقوة الناعمة حيناً والخشنة أحياناً كثيرة، فأصبح كل صوت ناقد متهماً بالعمالة للخارج ومحاولة الإضرار بالبلاد.

وباعتبار أن كل نظام فاسد و/أو ظالم يورث أخطاءه وخطاياه وعيوبه لكل فئات المجتمع ومنها المعارضة له، كما يقول الكواكبي في كتيبه البديع “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، فقد انتقلت الحساسية المفرطة تجاه النقد لتصبح ثقافة عامة، فترسخ في الأذهان مفهوم سلبي عن النقد اختصره في مساحة الذم المحض، بعيداً عن معايير التقييم الموضوعية.

ولأن الحركات الإسلامية (بغض النظر عن مدى الاتفاق على المصطلح) تستمد أدبياتها من النصوص الدينية، ولأنها كانت دائماً وما تزال في صفوف المعارضة المجرَّمة والملاحقة، ولأن هيكليتها الداخلية قد بنيت على السمع والطاعة والثقة بالقيادة (وإن بدرجات)، ولأن قيادتها حازت في الغالب شرعية كبيرة جراء تضحياتها وسبقها، فإنها كانت وما تزال من أكثر الأطراف معارضة للحالة النقدية وتريباً منها.

وبتغليب العاطفة على العقل، وبتضخيم الأخطار الأمنية على المبادئ المستقرة، انتشرت مقولات مثل “الدعوة هي عائلتك، ولا أحد ينتقد عائلته على الملأ” بشكل لافت. فمن ناحية، رُفض الكثير من النقد الموجه من خارج أطر الحركات الإسلامية تحت عناوين التشكيك أو عدم المعرفة بالتفاصيل أو عدم الحرص على مصلحتها، بينما سدت طرق النقد الداخلي باعتبار أن “القيادة تعرف ما تفعل”، و”لا تكن عوناًُ على إخوتك”.

لكن السنوات الأخيرة، وتحديداً ما بعد بداية الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي، حملت ثلاثة متغيرات مهمة لا بد من وضعها في الحسبان على هذا الصعيد، هي:

أولاً، ثورة الاتصال والمعلوماتية التي فتحت آفاقاً واسعة لحرية الرأي والتعبير، سيما بين الشباب، في ظل حالة الكبت السياسي السائدة في البلاد العربية تحديداً.

ثانياً، حالة الثورات العربية التي بدأها الشباب، ورُوِّج كثيراً أنهم أصحابها وقياداتها، فكان ذلك من أسباب كفر الشباب بالقيادات السياسية والروحية من مختلف الأطياف وعزز لديهم “الأنا” الشبابية بشكل كبير.

ثالثاً، حالة التراجع في الثورات العربية وتقدم الثورة المضادة مستفيدة من كثير من الأخطاء المرتكبة في الفترة الانتقالية، الأمر الذي عزز حالة الغضب الشبابي تجاه القيادات، بتفاوت واضح بين بلد وآخر، وحركة وأخرى، ومسؤول وآخر.

ويبدو أن انسداد أفق الحوار الداخلي أو صم الآذان عن النقد بحجج وذرائع كثيرة على رأسها التوقيت والمصلحة قد جعل من وسائل التواصل الاجتماعي منفذاً ومتنفساً للكثيرين ليقولوا على صفحاتها ما حرموا من قوله داخلياً.

وباستثناء حالات التطاول والتهجم أو بث الأسرار على صفحات الانترنت، فإن النقد حالة صحية ومطلوبة، لأن أهم ما تحتاجه القوى السياسية، سيما تلك المتراجعة والمأزومة، هو النقد الذاتي الحريص على المصلحة بغية تصويب المسار. إن على قيادات الحركات الإسلامية – بل كل التيارات السياسية والاجتماعية – أن تحدّث فهمها للنقد وكيفية الاستفادة منه، بعد مواكبتها لتغيرات الثقافة والقناعات لدى شبابها.

ينبغي أن تفرق هذه الحركات بين إفشاء الأسرار والتفاصيل بشكل يضر المشروع ويخدم الخصم/العدو، وبين إسداء النصح النظري العام الذي يصوّب المسار، وتحتاج لفتح الطريق أمام الحالة النقدية وتقنينها، ذلك أنَّ كل ممنوع مرغوب. وعليها – في موازاة ذلك – أن تفتح القنوات الداخلية لانسياب المعلومات والنقد نزولاً وصعوداً، إذ أن المنطق يقول إنه كلما توسعت هذه القنوات الداخلية كلما تضاءلت الحاجة للقنوات الخارجية، بما يضيق من حالة الفجوة بين القيادات والشباب ويسد ثغرات الاستثمار الخارجي للحالة النقدية الشبابية.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً