سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قمة منظمة التعاون الإسلامي وفرص التقارب التركي – المصري

0

منذ أن صرح الرئيس التركي اردوغان قبل أسابيع بعدم ممانعته لقاء الطرفين التركي والمصري على مستوى الوزراء – رغم استمرار رفضه لقاء السيسي – ثم تأكيد وزير خارجيته حدوث لقاءات بين الطرفين واستعداد بلاده لترتيب لقاءات أخرى مستقبلاً، والتكهنات بإمكانات التقارب بين البلدين لا تكاد تتوقف.

بعد أيام، وفي العاشر من الشهر الجاري ستستضيف تركيا مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالث عشر وستتسلم الرئاسة الدورية للقمة من مصر تحديداً، وهو ما رفع أسهم الجدل حول إمكانية أن تكون القمة فرصة لإذابة الجليد بين الطرفين، فإلى أي مدى يمكن أن يتحقق ذلك وفق المشهد الحالي على طرفي المعادلة؟

 

لكن، قبل الغوص في التفاصيل، قد يكون من المفيد التذكير بالنقاط الجوهرية التالية:

أولاً، لم يكن الانقلاب بحد ذاته السبب في قطع العلاقات بين الطرفين، بل حدة التصريحات والتراشقات الإعلامية، ذلك أن الانقلاب حصل في الثالث من تموز/يوليو 2013، بينما قطعت العلاقات بين البلدين في تشرين الثاني/نوفمبر فقط من العام نفسه.

ثانياً، لم تكن تركيا هي المبادرة إلى قطع العلاقات، بل النظام المصري هو من أعلن السفير التركي في القاهرة شخصاً غير مرغوب فيه وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، وردت تركيا من باب المعاملة بالمثل.

ثالثاً، حتى مع القطيعة الدبلوماسية، كانت تركيا راغبة في استمرار العلاقات الاقتصادية، كعادتها في “فك الارتباط” بين السياسة والاقتصاد، لكن النظام المصري مجدداً هو من أعلن إلغاء اتفاقية “الرورو” للملاحة البحرية وعدم تجديدها، فضلاً عن أن مصر لم تعد آمنة بالنسبة للشركات التركية بسبب الانفلات الأمني والتحريض على الأتراك بشكل عام.

ما بين 2013 و 2015، انتقل الموقف التركي من رفض التعامل مع نظام الانقلاب ورموزه من ناحية مبدئية لأنهم غير منتخبين (رفض الرد على اتصال البرادعي) إلى اشتراطات إجرائية لإعادة العلاقات تتعلق بالحقوق والحريات والديمقراطية في مصر (إلغاء أحكام الإعدام وإطلاق سراح المعتقلين). بل إن الحديث عن لقاءات تمت وتتم بين الطرفين أشارت إلى اشتراطات مصرية لعودة العلاقات من ضمنها تسليم بعض الشخصيات المصرية المعارضة المقيمة في تركيا وطرد بعضها الآخر وإسكات بعض وسائل الإعلام التي تبث من إسطنبول.

التقارب المفترض و/أو المحتمل يتعلق إذن بالموازنة والمواءمة بين العوامل المحفزة لحدوثه وتلك المعيقة له، كما أن أسئلة إضافية يجب أن توضع تحت مبضع التحليل، وفي مقدمتها الشكل الذي سيوضع فيه هذه التقارب والمدى الذي يمكن أن يصله، في حال حصوله.

كثيرة هي العوامل التي تدفع باتجاه تقارب ما بين البلدين، في مقدمتها ما سبق ذكره من مؤشرات رئيسة ذات دلالة وعدم قدرة البلدين – وخصوصاً تركيا – تجاهل بعضهما البعض إلى الأبد، فضلاً عن الاتجاه العام في تركيا لمراجعة وإعادة توجيه دفة السياسة الخارجية، إضافة إلى الاعتراف الإقليمي والدولي بنظام ما بعد 3 يوليو في مصر، والمصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين (ومنها ما يتعدى الشراكة لأطراف ثالثة مثل اتفاقية الملاحة البحرية)، والرغبة السعودية بتقريب الطرفين، والمهددات المشتركة التي تواجه البلدين في المنطقة، والاستقرار النسبي للنظام في مصر بسبب ضعف المعارضة المصرية وشبه انعدام البدائل الجاهزة، وغيرها.

من جهة أخرى، لا تبدو المصالحة الناجزة بين البلدين أمراً سهل المنال في المدى المنظور لعدة أسباب، أهمها أزمة الثقة بين البلدين التي تعمقت مع الوقت بسبب المواقف الشخصية والتراشقات الإعلامية، وعدم التجاوب المصري مع التصريحات التركية، وغياب أي خطوات لبناء الثقة حتى الآن، وصعوبة إيفاء الطرف المصري بالاشتراطات التركية سابقة الذكر التي من الصعب على أنقرة تخطيها على الصعيدين الداخلي (الرأي العام التركي وخاصة أنصار الحزب الحاكم) والإقليمي (المصريين وشعوب العالم العربي بشكل عام)، والشروط المصرية عالية السقف، والأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجه السيسي، وصعوبة بلورة أي “مصالحة” داخلية مصرية بوساطة تركية كاستحقاق يمكن أن تقدمه تركيا بين يدي التقارب مع مصر.

وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يمكن القول إن “الرغبة” في “تقارب” ما موجودة لدى الطرفين، إلا أن “القدرة” على إنجاز “مصالحة” كاملة بينهما لا تبدو متوفرة، وإن كان الجزم بأحد الخيارين غير ممكن وفق المعطيات الموجودة والمعلومات العلنية المتاحة. بيد أن ثلاثة تطورات متزامنة قد يكون لها بعض التأثير على هذا الملف:

أولاً، مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي، الذي سيجمع الطرفين بروتوكولياً ورسمياً للمرة الأولى منذ الأزمة، وهذا قد يذيب بعضاً من الجليد وقد يفضي إلى لقاءات ثنائية – أو جماعية – مباشرة. بيد أنه لا ينبغي رفع سقف التوقعات كثيراً من المؤتمر بالنظر إلى السياقات التي سبقته، أي توجيه تركيا الدعوة “لمصر” كدولة وليس لشخص السيسي كرئيس ومشاركة الأخيرة على مستوى وزارة الخارجية وليس الرئاسة أو رئاسة الوزراء.

ثانياً، زيارة الملك سلمان لمصر ثم تركيا قبيل مؤتمر القمة قد تكون عاملاً مساعداً للجهود التي تبذلها الرياض لتقريب وجهتي النظر التركية والمصرية.

ثالثاً، الأنباء التي وردت اليوم عن تقدم كبير في المحادثات التركية – “الإسرائيلية” وقرب توقيع اتفاق تطبيع العلاقات قد تكون محفزاً على تقارب مشابه على الجبهة التركية – المصرية.

وإذن، فالمتوقع وفق كل ما سبق من وجهة نظرنا هو “تقريب” لوجهات النظر أكثر من “التقارب” بين البلدين، فضلاً عن أن يكون هناك مصالحة شاملة وتطبيع كامل للعلاقات. وهذا يعني أننا قد لا نكون أمام مبادرة علنية أو خطة واضحة المعالم.

من ناحية أخرى، فإن التقارب إن حدث لن يكون بالعودة إلى مستوى العلاقة ما قبل القطيعة، بل ربما تكون الصيغة أقرب إلى “السيناريو الإسرائيلي”، بمعنى عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية بشكل جيد، وعودة العلاقات الدبلوماسية بمستوى ما، والتعامل بين البلدين وفق اعتبارات الأمر الواقع، لكن باستثناء رأس الهرم في طرفي المعادلة اردوغان والسيسي، بمعنى أنه سيكون تقارب الضرورة بالحد الأدنى وليس تقارب القناعة بإقبال تام.

أما انعكاسات ذلك على الملف المصري الداخلي وحضور المعارضة المصرية في تركيا وغيرها من الملفات ذات الاهتمام المشترك والمتأثرة بمستوى العلاقة بين الحكومتين، فلا تعين عليها مساحة المقال، ولذلك نتركها لتكون موضوعاً لمقال لاحق يتزامن مع أي تطورات بهذا الاتجاه.

شارك الموضوع :

اترك رداً