سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

بالتحالف مع أوزداغ .. هل أطلق كليجدارأوغلو الرصاص على قدميه؟

0

بالتحالف مع أوزداغ .. هل أطلق كليجدارأوغلو الرصاص على قدميه؟

عربي بوست

أسفرت الجولة الأولى الاعتيادية من الانتخابات الرئاسية التركية عن تقدم مرشح تحالف الجمهور أردوغان على مرشح تحالف الشعب المعارض كليجدارأوغلو بزهاء 5% من الأصوات أو ما يعادل مليونين و600 ألف صوت.

بهذا المعنى، يكون التحدي الأبرز أمام المتنافسَيْن في الإعادة هو مدى القدرة على حشد الناخبين مرة أخرى نحو صناديق الاقتراع. بدا الأمر صعباً وقالت تقديرات كثيرة بتراجع نسبة المشاركة في جولة الإعادة لأسباب كثيرة في مقدمتها حسم نتيجة البرلمان والصعوبات اللوجستية، بيد أن تصويت الأتراك في الخارج لم يدعم هذا التقدير حتى لحظة كتابة هذه السطور، بانتظار التصويت الأساسي في الداخل يوم الأحد المقبل.

من هذه الزاوية، يبدو الرئيس التركي أوفر فرصاً من منافسه، إذ يكفيه نظرياً الحصول مرة أخرى على نفس عدد الأصوات التي حصل عليها قبل أسبوعين، أو ربما أكثر من ذلك بقليل، ولذلك يحذر أنصاره من التراخي والكسل وعدم الذهاب للصناديق. في المقابل، لا يكفي كليجدارأوغلو تكرار نفس الأصوات له بل يحتاج لكسب شرائح جديدة، إما الذين قاطعوا الجولة الأولى، او الذي أبطلت أصواتهم، أو من صوتوا للمرشح الثالث سنان أوغان. ولأن نسبة المشاركة كانت مرتفعة جداً بما لا يضمن مشاركة عدد كبير من المقاطعين، ولأن الأصوات الملغاة (أكثر من مليون صوت) ظاهرة متكررة وجزء كبير منها مقصود لذاته كتصويت احتجاجي فهي كذلك شريحة من الصعب التعويل عليها.

أبقى ذلك المرشحَيْن وخصوصاً كليجدارأوغلو بحاجة للأصوات التي ذهبت لأوغان، الذي دخل هو وتحالف الأجداد في حالة تفاوض مع الجانبين. وقد تماهى كليجدارأوغلو مع خطاب تحالف الأجداد وحزب النصر من حيث التركيز على فكرة ترحيل السوريين والمبالغة في تقدير أعدادهم وتصنيفهم خطراً محدقاً بتركيا.

أعلن أوغان عن دعمه لأردوغان في الإعادة. بينما عبر أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر، الحزب الرئيس للتحالف وعموده الفقاري، عن توجه معاكس. بدا الأمر انفكاكاً للتحالف أمام سؤال جولة الإعادة، ولكنه قد يكون تبادلاً للأدوار للتفاوض مع الجانبين والضغط عليهما بخصوص الموضوع الأهم للتحالف: اللاجئين وتحديداً السوريين منهم، ولعل عدم التراشق الإعلامي بين أوغان وأوزداغ يدعم هذه الفرضية.

في المحصلة أعلن أوميت أوزداغ عن دعمه لكليجدارأوغلو بعد توقيع اتفاق بين حزبيهما. فما الذي كسبه وما الذي خسره زعيم المعارضة من هذا الاتفاق والدعم من أوزداغ؟

كبداية، لا شك أن أوزداغ أكثر قدرة من أوغان على تحريك الأصوات، فهو رئيس الحزب وزعيم التيار وبالتالي رأيه سيكون مسموعاً أكثر من أوغان القادم من خارج الحزب. لكن ذلك لا يعني حصول كليجدارأوغلو على نسبة %5 التي حصل عليها أوغان. فجزء مهم من هذه النسبة أصوات احتجاجية ذهبت لأوغان لأنها لا تريد أردوغان ولا كليجدارأوغلو، وجزء منها هم أنصار إينجة المنسحب وهؤلاء صعب أن يعودوا للتصويت لكليجدارأوغلو. يبقى كتلة حزب النصر الذي حصل على نسبة %2.2 من الأصوات، ورغم ذلك لا يعني أن كليجدارأوغلو سيحظى بتصويتها جميعاً له، فالناخبون لا ينصاعون تماماً لقرارات قياداتهم والوقت المتبقي قبل الانتخابات قليل جداً.

لكن بافتراض ذلك، بافتراض أن كليجدارأوغلو سيحصل بسبب دعم أوزداغ على نسبة 1-2% من الأصوات، لا يجسر ذلك الفارق بين وبين أردوغان فضلاً عن ضرورة النظر في احتمالية أن يكون قد أخسره بعض الأصوات.

منذ انتهاج كليجدارأوغلو خطاباً يركز على اللاجئين خرجت أصوات منتقدة ورافضة لذلك من معسكر تحالفه، بيد أن الدرجة والنبرة والأعداد تزايدت بشكل ملحوظ بعد التوقيع والإعلان.

حصلت عدة استقالات احتجاجية في حزب المستقبل برئاسة أحمد داودأوغلو، وقال علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم إنه اطلع على نص الاتفاق الموقع في الإعلام في انتقاد ضمني للاتفاق وربما تنصل منه. كما ضجت وسائل التواصل برفض واضح للاتفاق وبنوده من قيادات وسطى في الأحزاب المحافظة المتحالفة مع الشعب الجمهوري، وقرن بعضُها بين الخطاب والعنصرية والنازية.

بيد أن الصدى الأهم كان في حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي”، الذي اجتمع لتقييم الاتفاق وهذه إشارة ذات دلالة واضحة، ثم أصدر بياناً بالخصوص، ثم أعلن عن “إرجاء إعلان موقفه” إلى اليوم التالي في دلالة لا تخفى.

مشكلة الشعوب الديمقراطي مع أوزداغ وحزبه متشعبة ومركبة. خلال الحملة الانتخابية سأل أوزداغ شابة صغيرة السن لمن ستصوت، وحين أجابته: للشعوب الديمقراطي، أبدى استغرابه من قرارها إذ هي “لا تبدو كقاتلة” على حد تعبيره، وهو خطاب يشير إلى موقف الرجل من الحزب. كما أن موقفه من العمال الكردستاني والعلاقة المفترضة بينه وبين الشعوب الديمقراطي عامل إضافي يوتر الأجواء بينه وبين الأخير.

بيد أن الاتفاق المبرم بين كليجدارأوغلو وأوزداغ هو أساس الموقف الحاد الذي أبداه الشعوب الديمقراطي. حيث أكد الاتفاق على بعض مواد الدستور التي تعرّف مواطني الدولة كـ”ترك” التي تحيل للعرق، وهو أمر حساس بالنسبة للحزب “الكردي”.

الأهم من كل ما سبق هو توافق الجانبين على فكرة تعيين أوصياء على البلديات التي يوقف رؤساؤها بسبب تهم تتعلق بدعم الإرهاب، وهي تهم توجه عادة لرؤساء بلديات من الشعوب الديمقراطي وقد حصل تعيين وصي أكثر من مرة في بلدياتهم. كان كليجدارأوغلو ضد هذه الفكرة علناً، ولكنه غير رأيه فيما يبدو تحت وطأة الحاجة لدعم أوزداغ. كما أن الأخير ألمح إلى أنه قد يكون وزير الداخلية المقبل في حال فاز كلجدارأوغلو، وهو أمر لم يؤكد ولا ينفى.

وبغض النظر عن القرار الرسمي الذي سيعلن عنه حزب الشعوب الديمقراطي والذي يتوقع أن يكون تكراراً وتأكيداً لدعم كليجدارأوغلو، إلا أن نتيجة هذه البلبلة والارتباك قبل ساعات فقط من يوم الاقتراع قد تكون وخيمة. فالمهم في هذه المعادلة ليس قرار السياسيين ورؤساء الأحزاب، وإنما انطباعات الناخبين وآراؤهم. ويمكن القول إن زخم الاعتراضات والانتقادات في وسائل التواصل ووسائل الإعلام وعلى ألسنة وأقلام الكثير من السياسيين والإعلاميين يجعل تأثر بعض الناخبين سلباً أمراً متوقعاً.

ليس متوقعاً ان يخسر كليجدارأوغلو الجزء الأكبر من تصويت أنصار الشعوب الديمقراطي له، فما زال يجمعهما الرغبة بهزيمة أردوغان، لكن مقاطعة نسبة ولو بسيطة منهم للانتخابات احتجاجاً على الاتفاق قد تكون محددة في نتيجة الإعادة، فالحزب حصل على نسبة %8.8 من الأصوات وتخطى تحالف العمل والحرية الذي يقوده نسبة %10 بما يمثل كتلة لا يمكن الاستغناء عنها للفوز.

اختصاراً، بدا كليجدارأوغلو مستميتاً لكسب كل صوت وأي صوت جديد قبل جولة الإعادة، ويمكن القول إن اتفاقه مع أوزداغ مغامرة غير مضمونة العواقب، حتى بافتراض أنه تواصل مسبقاً مع الشعوب الديمقراطي وضمن موقفه، إذ الأمر متعلق بتصويت الناخبين لا موقف السياسيين.

وعليه، قد تكسبه هذه الحركة اليائسة بعض الأصوات نظرياً واحتمالاً، لكنها قد تخسره في الجهة المقابلة أصواتاً أكثر من أنصار الأحزاب المحافظة والشعوب الديمقراطي.

في 2019، في الانتخابات المحلية، حاول العدالة والتنمية جهده لكسب تأييد الشريحة “الكردية” للفوز ببلدية إسطنبول الكبرى، بما فيه ذلك نشر رسالة من عبدالله أوجلان على قنوات التلفزة، وكان ذلك من ضمن أسباب خسارته إذ أدى ذلك لعزوف بعض الأصوات القومية عن دعم مرشحه.

واليوم، وكأن كليجدارأوغلو يغامر نفس المغامرة، أي محاولة الجمع بين الأصوات القومية والأصوات “الكردية”، وبالتالي احتمالية خسارة أوصوات من الجانبين. فهل يكون كليجدارأوغلو هو من أطلق الرصاص على قدميه وتسبب بخسارته السباق الرئاسي ضمن أسباب أخرى؟؟ سنحصل على الإجابة مساء الأحد المقبل.

شارك الموضوع :

اترك رداً