سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

التحالفات الانتخابية في تركيا.. الدوافع والتأثير على النتائج

0

التحالفات الانتخابية في تركيا.. الدوافع والتأثير على النتائج

20/3/2023

زعماء المعارضة التركية خلال الحفل التعريفي ببرنامجهم السياسي المشترك (الأناضول)

مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تبكير الانتخابات الرئاسية إلى 14 مايو/أيار المقبل، وما تبع ذلك من خطوات رسمية؛ تكون تركيا دخلت مسار الانتخابات رسميا وعمليا، التي ستتأثر نتائجها -في ما يبدو- بعوامل إضافية؛ في مقدمتها التحالفات الانتخابية.

التحالفات الانتخابية

عانت تركيا في سبعينيات ثم تسعينيات القرن الماضي من الائتلافات الحكومية التي طالما تسببت في الانسدادات السياسية والأزمات الاقتصادية وانتهت بالسقوط؛ ولذلك فما زال لها صدى سلبي، وقد كان ذلك من مسوغات اقتراح النظام الرئاسي ثم إقراره في البلاد.

من الناحية النظرية، ووفق دعاية الحزب الحاكم؛ كان النظام الرئاسي وسيلة للتخلص من منظمة الائتلافات، وسببا لتشكيل حكومات قوية ومستقرة، بيد أن ضرورة الحصول على أصوات 50% من الناخبين للفوز بالرئاسة، وعدم قدرة أي حزب بمفرده على ذلك؛ دفعت نحو التحالفات الانتخابية التي أُقرّت قانونيا.

في 2018، تشكل في تركيا تحالفان رئيسيان: تحالف الجمهور الحاكم المكوّن من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير، وتحالف الشعب المعارض المشكّل من أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي. وتعاونت الأحزاب المنضوية تحت التحالفين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2018 ثم في الانتخابات البلدية في 2019، وكان المنتظر أن يكونا مؤقتين.

بيد أن النظام الرئاسي القائم عاد ليفرض فكرة التحالفات مرة أخرى قبل الانتخابات المقبلة، التي طالما وصفت بالحساسة والمفصلية، وأسهمت في ذلك حالة الاستقطاب المتزايدة والأوضاع الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا وغيرها من التحديات.

 

وعليه، فقد عاد تحالف الشعب المعارض للالتئام، مضيفا له حزبَي “المستقبل” بقيادة أحمد داود أوغلو و”الديمقراطية والتقدم” بقيادة علي باباجان، وهما الحزبان المنشقان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومطلقا على نفسه اسم “الطاولة السداسية”. وعقدت الطاولة على مدى أكثر من سنة 12 اجتماعًا دوريّا، اتفقت خلالها على إعادة البلاد -في حال الفوز- إلى النظام البرلماني، وكذلك على البرنامج السياسي للحكومة القادمة المفترضة، وأخيرا على اسم مرشحها التوافقي للانتخابات الرئاسية؛ وهو رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو.

في المقابل، بدا الرئيس التركي كذلك غير مكتفي بتحالفه القائم، وبالتالي سعى لتوسيعه بضم أحزاب جديدة له، ولذلك فهو يخوض حوارات مع أحزاب مثل الدعوة الحرة والرفاه مجددا والطريق القويم والوطن الأم.

وإضافة إلى التحالفَيْن القائمين، هناك كذلك تحالف العمل والحرية المكوّن من أحزاب يسارية يتقدمها حزب الشعوب الديمقراطي، وكذلك تحالف “أتا” (المشتقة من أتاتورك) الذي يضم أحزابا يمينية يتقدمها حزب الظفر اليميني المناهض للاجئين.

المكاسب والمخاطر

خاض أردوغان ومعه العدالة والتنمية حتى اللحظة كل انتخاباته السابقة مستفيدا من الصفات الذاتية للرئيس وحزبه؛ من كاريزما وخبرة وسيرة ذاتية وإنجازات، مضافا إليها ضعف المعارضة وتشتتها. أما بين يدي الانتخابات المقبلة فيبدو أن كل ذلك لم يعد كافيا -على أهميته- مما زاد من أهمية التحالفات الانتخابية.

لتوسيع التحالفات الانتخابية فوائد متوقعة؛ في مقدمتها الحصول على أصوات الأحزاب المنضمة للتحالف، وفي حالة الاستقطاب والتنافس القائمة التي يقال بشأنها إن “صوتا واحدا قد يصنع فارقا”، يصعب الزهد في ضم أي حزب مهما بدا صغيرًا أو ضعيف الحضور.

من جهة ثانية، يسعى كل من الحزبين الرئيسيين في البلاد (العدالة والتنمية والشعب الجمهوري)، ومرشحيهما أردوغان وكليجدار أوغلو إلى تقديم صورة من الالتفاف الشعبي والحزبي خلفهما، وأنهما يمثلان شرائح واسعة من المواطنين والناخبين. كان ذلك وما زال ملحوظا في التحالف المعارض الذي يضم أحزابا من خلفيات يسارية وقومية وإسلامية ومحافظة وليبرالية. واتهمت الطاولة السداسية العدالة والتنمية بأنه بات منبوذا مقابل هذا التنوع، وكان ذلك ضمن الأسباب التي دفعت الحزب الحاكم للبحث في إمكانية توسيع التحالف.

ومن جهة ثالثة، تحمل بعض الأحزاب رمزية معينة تزيد أهميتها في المعادلة السياسية عن حجمها وثقلها في الشارع؛ فالحزبان المنشقان عن العدالة والتنمية باتا ركنين رئيسيين في تحالف المعارضة لأن رئيسيهما كانا من رفاق درب أردوغان وتقلدا مناصب رفيعة في الحزب والحكومة، وكذلك حزب السعادة بسبب تمثيله تيار “ميللي غوروش” أو الرأي الوطني الإسلامي.

في المقابل لحزب “الرفاه مجددا” برئاسة فاتح أربكان -نجل رئيس الوزراء الراحل وزعيم تيار الرأي الوطني (ميللي غوروش) نجم الدين أربكان- رمزية من هذه الناحية، وكذلك لمنافسته حزب السعادة على الشارع الإسلامي/المحافظ. وكذلك لحزب الدعوة الحرة -الكردي الإسلامي- أهمية خاصة من أجل تأثيره في مناطق الأغلبية الكردية مقابل الشعوب الديمقراطي رغم حضوره الضعيف جدّا في الشارع.

كما أن انخراط أكبر عدد ممكن من الأحزاب في التحالفات يساعد في إشباع مختلف التوجهات والمواقف لدى الناخبين، مما يساعد على رفع نسبة المشاركة في الانتخابات وحظوظ كل تحالف على حدة على حد سواء.

هنا تبدو التحالفات خادمة لمصالح الأحزاب الكبيرة والصغيرة ولكن بدرجات متفاوتة ومن زوايا متباينة نوعا ما؛ فالأحزاب الكبيرة -ومعها مرشحو الرئاسة- مهتمة أكثر في الانتخابات الرئاسية، في حين تركز الأحزاب الصغيرة على الانتخابات البرلمانية. قانون الانتخاب الذي عُدّل العام الفائت يكاد يفرغ التحالفات الانتخابية من فائدتها في الانتخابات البرلمانية، من باب أنه يشترط حصول أي حزب لتخطي عتبة 7% من الأصوات في عموم تركيا لدخول البرلمان؛ ولذلك فإن الفرصة الوحيدة للأحزاب الصغيرة لدخوله هي ترشيح بعض قياداتها على قوائم الأحزاب الكبيرة، وهو ما يُتوقع أن يكون المقابل الذي ستطلبه هذه الأحزاب مقابل انضمامها للتحالفات أو دعم المرشحين الرئاسيين.

بيد أن التحالفات الانتخابية لا تأتي بالمكاسب فقط، وإنما تكتنفها بعض المخاطر كذلك؛ ذلك أن التحالف مع المختلفين أيديولوجيا يمكن أن يَظهر أو يُصوّر على أنه تقديم للمصالح على القيم، وفي ذلك ضرر محتمل على الأحزاب وورقة هجوم بيد الطرف الآخر، وسيكون الضرر مضاعفا في حالة الخسارة.

من جهة ثانية، ثمة مطالب واشتراطات من بعض الأحزاب للانخراط في التحالفات أو دعم المرشح الرئاسي، ويمكن أن يعد بعضها تنازلات، فضلا عن أن مجرد طرحها قد يثير جدلا وتشويشا للمرشحين.

كما أن ضم حزب ما لأي تحالف قد يثير غضب أو اعتراض أحزاب أخرى تختلف معه أيديولوجيا أو لأسباب أخرى، مما قد يهدد فرص المرشح والتحالف في الانتخابات القادمة، وهو تهديد قائم على صعيد قيادة الأحزاب كما على صعيد قواعدها الناخبة التي لا يستطيع أحد ضمان اتجاهاتها التصويتية بالكامل.

أكثر من ذلك، فضم أحزاب صغيرة لأي من التحالفين يعني ترشيح بعض قياداتها على قوائم الأحزاب الكبيرة، وتحديدا العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، مما يعني تراجع عدد نواب هذين الحزبين في البرلمان القادم، وهو أمر له أهميته بالنظر لأهمية تركيبة البرلمان المقبل، وتزداد حساسيته بالنظر إلى أن التحالفات الانتخابية ليست دائمة بالضرورة وإنما هي مسار تعاون مؤقت، مما يعني أن عدد مقاعد البرلمان التي ستذهب لأحزاب صغيرة غير مضمونة العائد في المستقبل.

كما أن افتراق الأولويات بالنسبة للأحزاب (الرئاسة للأحزاب الكبيرة والبرلمان للصغيرة) يعني أن الأخيرة لن تشغل ماكينتها الحزبية والتنظيمية بالشكل المطلوب لدعم المرشح الرئاسي وسيكون دعمها أقرب للإعلان المبدئي منه للعمل الميداني.

وأخيرا، سيكون هناك تنافس بين التحالفين الكبيرين على السردية ومحاولة إقناع الناخبين بها. سيقول التحالف الحاكم إنه تحالف قيمي متجانس مقابل تشتت المعارضة التي تجتمع على المصالح. وسيقول التحالف المعارض أنه متنوع ويعبر عن كل تركيا بينما التحالف الحاكم مقصور على فئة فقط من الشعب.

في الختام، تبدو التحالفات الانتخابية ضرورة في الانتخابات المقبلة للأسباب سالفة الذكر والتفصيل، لكنها ليست أداة خالصة النفع بل قد يكون لها بعض المضار أو المخاطر أو الحساسيات. ولذلك تفضل هذه التحالفات في معظم الأحيان الحصول على دعم أحزاب إضافية من دون انخراطها في التحالف بشكل رسمي، ويبدو ذلك أوضح في تحالف المعارضة.

كما أن بعض هذه التحالفات ليست مضمونة النتيجة والعواقب؛ فنتائج الانتخابات في 14 مايو/أيار المقبل وحدها الكفيلة بالإجابة عن جدلية الرابح والخاسر بين التحالفات بل وداخلها، حيث يثور نقاش حول من يستخدم مَن؟ ومن يستفيد من التحالفات أكثر الأحزاب الكبيرة أم الصغيرة؟

كل ذلك بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأهم بالنسبة للجميع، أما أثر التحالفات في الانتخابات البرلمانية وآليات التعاون وغير ذلك من المضامين فتحتاج تفصيلا، في مقال قادم إن شاء الله.

شارك الموضوع :

اترك رداً