سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

حماس في دمشق: تحديات مرحلة جديدة

0

حماس في دمشق: تحديات مرحلة جديدة

الجزيرة نت

 

في التاسع عشر من تشرين أول/أكتوبر الجاري، استقبل الرئيس السوري في دمشق وفداً من الفصائل الفلسطينية شارك فيه لأول مرة منذ 2012 قياديون في حركة المقاومة الإسلامية حماس. فقد ترأس عضو المكتب السياسي لحماس ورئيس مكتب العلاقات العربية والإٍسلامية فيها خليل الحية وفداً زار دمشق منهياً قطيعة بين حركته والنظام امتدت لعشر سنوات وفاتحاً الباب على مرحلة جديدة ومختلفة.

 

 

عودة العلاقات

سريعاً قطعت الحركة الفلسطينية الأشواط تجاه دمشق، بدءاً من تسريب خبر نيتها إعادة العلاقات مع النظام السوري في حزيران/يونيو الماضي، مروراً ببيانها الذي أصدرته منتصف أيلول/سبتمبر الفائت تأكيداً للأمر، ووصولاً لمشاركة قيادييها في وفد الفصائل مؤخراً.

ويبدو أن الجانبين ناسبهما أن يكون اللقاء ضمن وفد فصائلي وليس خاصاً بالحركة وحدها، وأن يكون على هامش الحراك المقاوم في الضفة الغربية مؤخراً وبعد لقاء المصالحة في الجزائر، بحيث يأتي الأمر بشكل أكثر طبعية وتلقائية. لكن تركيز وسائل الإعلام السورية على الحية، وتسيُّدَ الأخير للمؤتمر الصحافي على هامش الزيارة خطاباً وإجابةً للأسئلة أكّدا مركزية الحركة في الحدث.

على مدى الشهور الفائتة، تعرضت حماس لانتقادات شديدة ودانت قرارها عدة جهات بين علماء ودعاة وهيئات وحركات إسلامية. وانقسم المعارضون للخطوة بين من حرمها شرعاً، ومن وجدها تناقضاً أخلاقياً، ومن لم ير فيها مصلحة سياسية راجحة لا سيما في ظل الأوضاع المعروفة للنظام ميدانياً وسياسياً وفيما يتصل بعلاقاته مع القوى الخارجية.

وقد كان لافتاً غياب سردية رسمية ومقنعة للحركة بخصوص مسوغات استعادة العلاقات مع النظام اليوم، بل إن نائب رئيس مكتبها السياسي الشيخ صالح العاروري قال في أحد اللقاءات الإعلامية إن حركته لا تستطيع ذكر دوافع قرارها علناً لأن من شأن ذلك أن “يضيّع عليها المصالح” المتوخاة من إعادة العلاقة.

ولكن ضمناً، ومن بعض الكتابات المحسوبة على الحركة، يُفهم أن القرار نابع من تقدير موقف لديها يضع في حسبانه – إضافة لأهمية سوريا من منظار المقاومة الفلسطينية – موجة تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية وبعض التطورات الإقليمية التي يمكن أن تؤثر على وجودها وعملها كحركة مقاومة فضلاً عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية عموماً.

تدرك حماس ولا شك أن قرارها غير شعبي ومن الصعب تسويقه، وأنها مهما قالت إن عودة العلاقات ليست اصطفافاً مع النظام ولا دعماً لموقفه وسرديته في الشأن الداخلي السوري وإنه يتعلق بالقضية الفلسطينية حصراً، فإن ذلك لن يمنع حدة اللوم والنقد والهجوم الذي تعرضت وتتعرض لهم.

ومن خلال إجابات خليل الحية في المؤتمرالصحافي، بدا أن الخطوات المستقبلية بين حماس والنظام غير واضحة ولا متفق عليها حتى اللحظة، وأن الخطوات القادمة ستأتي تباعاً وفقاً لتواصل الجانبين. لكن وبكل الأحوال، يمكن القول إن القطيعة التي كانت بين الطرفين قد زالت وعادت العلاقات بينهما، وبالتالي افتتحت الحركة بذلك مرحلة جديدة لها تحدياتها المختلفة.

 

تحديات كبيرة

تدرك حماس أن اليوم غير البارحة وأنها لا وربما لن تعود لوضعها السابق في سوريا. فقد سالت الكثير من المياه تحت الجسر خلال العقد الفائت، على صعيد نظرة النظام لها، ورغبته في دعهما فضلاً عن قدرته على ذلك، والأوضاع في البلاد عموماً، والتدخلات الخارجية في الشأن السوري ومدى نفوذها، والقصف “الإسرائيلي” المتواصل والمتكرر، فضلاً عن أعداد الفلسطينيين وانتشارهم وأوضاعهم.

أول التحديات التي تواجه حماس في المرحلة المقبلة أن تكون هناك علاقة حقيقية ولائقة مع النظام، وألا يكتفي الأخير بعودتها إلى دمشق وطي الصفحة السابقة بما يخدم صورته الخارجية وخطابه الداخلي. وهو أمر متعلق بالشكل والجوهر على حد سواء، وبما يتصل بالعلاقة مع النظام والعمل مع الفلسطينيين وكذلك على صعيد الأعمال المتعلقة بها كحركة مقاومة.

التحدي الثاني أمام حماس هو ترميم صورتها وتجاوز ما تعرضت له بسبب العلاقة مع النظام والزيارة وكذلك المؤتمر الصحافي الذي كانت فيه لغة جسد مسؤولها وبعض تعابيره غير موفقة بالنسبة لكثيرين. ولعله من المهم الإشارة إلى أن معظم الناقمين على حماس هم من حاضنتها والداعمين لها تقليدياً من إسلاميين وحركات “إسلام سياسي” ومناصري الثورات العربية.

ومما قد يساعد في ذلك تحقيق إنجاز ما من العلاقة المستعادة مع النظام في دمشق لتثبيت فكرة الجدوى منها، إن كان على صعيد الفلسطينيين في سوريا عموماً أو الموقوفين من كوادر الحركة وأنصارها بشكل أخص. إذ أن ذلك مما يمكن تحقيقه في وقت أقصر وبمجرد نسج العلاقة، بينما الإنجازات الأخرى المتعلقة بهوية حماس كحركة مقاومة فهي مما قد لا يأتي إلا بعد فترة طويلة وهي كذلك من النوع الذي لا يُتحدث عنه عادة.

ولكن التحدي الأكبر أمام حماس في المرحلة المقبلة هو تجنبها تبني سردية النظام أو دعمه في صراعه الداخلي مع المعارضة، لا صراحة ولا إقراراً، إذ سيفقدها ذلك المصداقية والثقة اللتين حازتهما كحركة مقاومة وتحرر وطني على مدى عقود. وإذا كان الكثيرون يتفهمون إعادتها علاقاتها مع النظام في إطار الاصطفافات في المنطقة ومواجهة الاحتلال إلا أن تبني موقف النظام لن يكون أمراً متفهماً بالنسبة لأحد، فضلاً عن تعارضه مع مبدئها التقليدي في عدم التدخل في شؤون الدول. ومما يزيد من صعوبة هذا التحدي – إضافة لتبعاته الثقيلة – سعيُ النظام المتوقع لذلك ومساهمة بعض الفصائل المحسوبة عليه في دمشق في هذا الإطار بأشكال مباشرة وغير مباشرة.

وأخيراً، فإن أحد التحديات المهمة أمام حركة حماس على المدى البعيد هو القدرة على تنويع علاقاتها مع الدول والأطراف الإقليمية بحيث يمنحها ذلك – كما في السابق  – القدرة على المناورة والتوازن قدر الإمكان في قراراتها وتوجهاتها. فتوثيق التعاون مع إيران وحلفائها في المنطقة، كالنظام السوري وحزب الله، يخدم حماس في مساحات القوة والحماية في مواجهة مشاريع التطبيع والاجتثاث وتطوير القوة ولا شك، لكنه قد يضيّق عليها مساحات التعاون مع أطراف أخرى، فضلاً عن أن التحول تدريجياً لعلاقات وثيقة وشبه محصورة بهذا المحور قد يفرض عليها تبعات وتحديات إضافية من المحور وخصومه على حد سواء.

في الخلاصة، رغم استهجان الكثير من الأوساط المؤيدة لحركة حماس قرارها الأخير باستعادة العلاقات مع النظام السوري وملحوظاتهم فيما خص الخطاب على وجه التحديد، ما زال معظمهم ينتقدها من زاوية الحرص لا من مربع التخوين. ولذلك، ما زال بإمكانها ترميم جزء لا بأس به من تبعات الزيارة إذا ما كانت جادة في ذلك، لكنها لن تكون مهمة سهلة لها في ظل التحديات العديدة التي تحيط بالعلاقات القديمة المستجدة مع طرف جدلي بامتياز، لا سيما وأنه لن يكون حريصاً على إعادة العلاقات سيرتها الأولى وفق توقعنا.

شارك الموضوع :

اترك رداً