سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الانتخابات التركية: رهانات أردوغان مقابل رهانات المعارضة

0

الانتخابات التركية: رهانات أردوغان مقابل رهانات المعارضة

الجزيرة نت

 

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر تنظيمها في حزيران/يونيو 2023، يزداد المشهد السياسي الداخلي سخونة رغم عدم الإعلان عن بدء الحملات الانتخابية رسمياً.

ومع التراجع في شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومحاولة بعض أحزاب المعارضة التوافق على مرشح توافقي لمنافسة الرئيس أردوغان، وتشظي الحالة الحزبية في البلاد ومشاركة احزاب جديدة  وإضافية في الانتخابات، نكون أمام استحقاق مختلف تماماً عن سابقيه.

ولأن المرشحين للانتخابات الرئاسية، الأهم من البرلمانية بطبيعة الحال، ما زالوا غير معلنين باستثناء أردوغان، ولأن “طاولة الستة” – وهي الإطار التنسيقي لستة أحزاب معارضة تريد العودة للنظام البرلماني – لم تتحول بعدُ لتحالف انتخابي كامل، وفي ظل الأجواء التي يُتوقع أن تجرى في ظلها الانتخابات، ولأن أي متغير مهم حتى تلك اللحظة يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في نتائجها، يمكن القول إن المعركة الرئيسة هي معركة رهانات بين الجانبين.

 

رهانات المعارضة

تعتمد نتيجة الانتخابات المقبلة إلى حد بعيد على الظروف التي ستكون البلاد تعيشها وقت إجراء الانتخابات، وخصوصاً ما يتعلق بمجموعتين كبيرتين من المتغيرات. الأولى المتغيرات التي تشكل حالة استقطاب ومنافسة بين الحكومة والمعارضة مثل ملف المقيمين الأجانب وخصوصاً السوريين والمؤشرات الاقتصادية ولا سيما تلك التي تمس جيب المواطن وحياته اليومية. وأما المجموعة الثانية فترتبط بالخريطة السياسية والانتخابية حينها لجهة عدد المرشحين الرئاسيين واحتمال وجود مرشح توافقي للمعارضة من عدمه فضلاً عن التحالفات الانتخابية بين الأحزاب.

وعلى هاتين المجموعتين الكبيرتين من المتغيرات المهمة تقوم رهانات الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية وتحالف الجمهور مقابل رهانات المعارضة وبشكل أخص “طاولة الستة” التنسيقية بين ستة أحزاب معارضة وبشكل أكثر تحديداً حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة والأبرز في إطار “طاولة الستة”.

ومما لا شك فيه أن رهان المعارضة الأكبر هو تراجع مؤشرات الاقتصاد ولا سيما نسب البطالة والتضخم والأسعار بحيث يدعم ذلك سرديتها بأن الحكومة غير قادرة على حل مشاكل المواطن الاقتصادية وأنها هي المسؤولة عن التدهور الحاصل حيث تحكم البلاد منذ عشرين سنة. في رهانها هذا، تدرك المعارضة أن الاقتصاد هو المعيار الأول الذي يصوّت على أساسه الناخب التركي كما في دول أخرى ويُتوقع أن يكون دوره أبرز في الانتخابات المقبلة، وبالتالي يتيح لها ذلك أن تقدم نفسها كبديل قادر على مواجهة المعضلة الاقتصادية.

كما أن المعارضة تراهن على تفاقم التململ الشعبي من ملف الأجانب المقيمين على الأراضي التركية ولا سيما السوريين منهم. ولئن تبنت بعض الشخصيات العنصرية خطاب الكراهية تجاه هؤلاء وصورتهم بعض الشخصيات والأحزاب السياسية على أنهم السبب الرئيس لمشاكل تركيا، فإن المعارضة في عمومها لم تمايز نفسها عن هذا الخطاب ولم تتبنه تماماً، تاركة لنفسها مساحة من الاستفادة من هذا التململ محمّلةً الحكومة والعدالة والتنمية المسؤولية عن ذلك.

أحد رهانات المعارضة الرئيسة هو عدم حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى والاحتياج لجولة إعادة بحيث تتجمع كل أصوات المعارضة ضد الرئيس التركي لتضمن هزيمته، ولذلك تحديداً ما زالت أجواء “طاولة الستة” غامضة بخصوص المرشح التوافقي رغم تأكيدها على إقرار الفكرة دون التطرق للاسم، ولذلك أيضاً ثمة منافسة داخلية حامية الوطيس بين عدد من الشخصيات المعارضة.

كما أن ثمة رهانات فرعية لا تشترك فيها المعارضة ككل بل يختص بها كل حزب أو مجموعة من الأحزاب على حدة. فزعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو يراهن على أن مشاركته في جولة الإعادة يمكن أن تضمن له أصوات غير الراغبين في ترشحه اليوم، ولذلك فهو يعاند شركاءه في الإطار التنسيقي للمعارضة غير المتحمسين – بالحد الأدنى – لترشحه.

بينما الأحزاب الصغيرة في هذا الإطار التنسيقي، وخصوصاً حزبا داود أوغلو وباباجان المنشقان عن العدالة والتنمية، تراهن على أن تأتي مشاركتها في “طاولة الستة” بحضور إعلامي وسياسي مقبول وبالتالي فرصٍ أفضل في الانتخابات، وهذا رهان يجمعها اليوم مع الشعب الجمهوري لكن قد يدفعها لتحالفات مختلفة لاحقاً لا سيما على صعيد الرئاسيات.

 

رهانات أردوغان

في المقابل، فإن رهان أردوغان الرئيس هو تحسن المؤشرات الاقتصادية قبل عقد الانتخابات وشعور المواطن/الناخب بهذا التغير بشكل مباشر ومؤثر. ولذلك فقد تعمّقت الحكومة فيما يسمى في تركيا “اقتصاد الانتخابات” أي تقليل الجباية وزيادة الإنفاق الحكومي لا سيما على الشرائح الضعيفة مثل محدودي الدخل والشباب والطلاب. وقد شملت السياسات الحكومية رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة مرتفعة مرتين في العام على خلاف المعتاد، وحزم من الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة، وجدولة الديون، وخفض بعض الضرائب، ومشاريع إسكان للشباب والمقبلين على الزواج وذوي الدخل المحدود ..الخ.

كما قدم أردوغان تطمينات بأن تركيا لن تعاني من مشكلة في تأمين موارد الطاقة خلال فصل الشتاء وأنه سيسعى لتخفيض الأسعار بتواصل مباشر مع الرئيس الروسي، فضلاً عن وعده الرئيس ببدء انخفاض نسبة التخضم مع بدايات العام 2023.

كما تعمل الحكومة التركية بشكل حثيث على تقليل آثار الملف الثاني الحاضر على أجندة الانتخابات وهو ملف المقيمين الأجانب ولا سيما السوريين منهم، حيث تستمر القرارات الحكومية المتعلقة بخفض أعدادهم عن طريق تشجيع العودة الطوعية وتعديل القوانين والتعميمات المتعلقة بأماكن سكنهم ووثائق إقامتهم وما إلى ذلك.

وأما الرهان الثالث فهو إضافة إنجازات جديدة للدبلوماسية التركية حتى يوم الاقتراع حيث سجلت استطلاعات الرأي تحسن نسبة كل من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الشهور الأخيرة بعد نجاح تركيا في التوسط في اتفاقَيْ تصدير الحبوب الأوكرانية وتبادل الأسرى. ولذلك فقد نشطت الدبلوماسية التركية مجدداً بين روسيا وأوكرانيا (ولكن التطورات الأخيرة صعّبت المهمة) وبين أذربيجان وأرمينيا فضلاً عن توقيع مذكرة التفاهم بخصوص الموارد الهيدروكربونية مع ليبيا.

كما أن أردوغان يراهن على عدم توافق أحزاب المعارضة فيما بينها واستمرار حالة الخلاف والتراشقات بخصوص بعض المواضيع، وهو ما شهدت الساحة السياسية في البلاد عدداً من الأمثلة عليه خلال الأسابيع الماضية، حيث تشكل هذه الحالة ضربة مباشرة للسردية الرئيسة لهذه الأحزاب بأنها أتت لتنهي حالة الاستقطاب لصالح الهدوء والتفرد لصالح العقل الجمعي. وكان تحالف الجمهور الحاكم قد خطّ الخطوة الأولى في تشتيت التحالف المعارض من خلال تعديل قانون الانتخاب الذي قلّت كثيراً معه أهمية التحالفات في الانتخابات البرلمانية والحاجة لها.

وأما الرهان الأخير في هذا الصدد فهو تقديم المعارضة مرشحاً توافقياً خاطئاً أو من السهل إضعافه، إذ أن من شأن ذلك أن يسهل مهمة أردوغان في الفوز بالانتخابات. ولعل ذلك من ضمن أسباب إعلان الأخير دعمه لفكرة ترشح كليتشدارأوغلو من جهة وإصراره على المعارضة أن تعلن اسم مرشحها التوافقي في أقرب فرصة من جهة ثانية.

 

وفي الخلاصة، تبدو رهانات الطرفين قبل زهاء ثمانية أشهر من العملية الانتخابية مزيجاً من انتظار تطورات خارجية قد يكون لها تأثيرات داخلية ومتابعة مؤشرات الاقتصاد فضلاً عن العمل على خريطة التحالفات، وأبعد عن مجرد التنافس في البرامج والخطاب والحملات الانتخابية. ويبدو أن حالة التواجه بين هذه الرهانات وتلك سيكون لها أثر مباشر في الانتخابات المقبلة، أما مدى قدرة أي من الطرفين على تجيير هذه الرهانات/التطورات لصالحه وبالتالي ترجيح كفته في الاستحقاق الانتخابي القادم فيحتاج بحثاً اوسع ومساحة إضافية في مقال قادم.

شارك الموضوع :

اترك رداً