سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

أردوغان في سمرقند: دلالات ورسائل

0

أردوغان في سمرقند: دلالات ورسائل

الجزيرة نت

عقدت في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر الجاري القمة الثانية والعشرون لمنظمة شنغهاي للتعاون في العاصمة الأوزبكية سمرقند، شارك فيها قادة خمسة عشر دولة من الأعضاء والمراقبين والمدعوين.

ولعل أحد الأمور اللافتة في القمة الأخيرة كان مشاركة تركيا بوفد رفيع على رأسه الرئيس أردوغان، والذي بدروه عكس صوراً حميمية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة، رغم أنها نظمت في ظلال الحرب الروسية – الأوكرانية.

 

تركيا والمنظمة

بدأت فكرة منظمة شنغهاي للتعاون في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة كـ”مجموعة خماسية” تضم كلاً من الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغزستان وطاجيكستان، لمواجهة التحديات المستجدة آنذاك وفي مقدمتها أمن الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات و”التطرف الإسلامي”.

مع الوقت وانضمام أوزبكستان أعلنت منظمة شنغهاي للتعاون في 2001، ووقع ميثاقها في 2002، لتتوسع المنظمة لاحقاً وتضم كلاً من الهند وباكستان عام 2017 ثم إيران مؤخراً. كما أن المنظمة تضم ثلاث دول بصفة عضو مراقب وتسع دول كـ”شريك حوار” من بينها تركيا.

تمثل المنظمة، التي ينظر لها البعض في الغرب على أنها “ناتو الشرق” وأكبر كتلة مناهضة للولايات المتحدة، كتلة بشرية هائلة حيث تضم زهاء نصف سكان العالم وقوة اقتصادية متصاعدة بما يقرب من %30 من الناتج الإجمالي العالمي، ما يجعلها جاذبة لكثير من الدول وهو ما يفسر العدد الكبير من الدول التي على تواصل معها بدرجات متباينة.

ذلك انه إضافة لعلاقات حسن الجوار والحفاظ على أمن الحدود والتعاون الأمني سالف الذكر، بما في ذلك مناورات عسكرية مشتركة بين بعض أعضاء المنظمة، تنظم الاخيرة التعاون بين أعضائها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية والتعليم والصحة والطاقة وما إلى ذلك.

تقدمت تركيا لعضوية المنظمة عام 2012، ومنذ ذلك الوقت هي “شريك حوار” لها، وشارك أردوغان في القمة الأخيرة بدعوة من نظيره الأوزبكي شوكت ميرضيايف، لكنها لم تحصل على العضوية بعد، بيد أن الرئيس التركي يؤكد أن هذا هو الهدف النهائي لبلاده من مشاركتها.

 

دلالات ورسائل

خلال مشاركته في القمة وبعدها، صدرت عن الرئيس التركي عدة تصريحات إيجابية تجاه المنظمة وقمتها الـ 22 وعلاقة بلاده بها. فقد قال أردوغان إن القمة كانت مناسبة مهمة “لتأكيد أولويات تركيا والتعبير عن المساهمات التي يمكن أن تقدمها في القضايا الأساسية المتعلقة بالمنظمة”.

وامتدح أردوغان المنظمة التي “قطعت مسافات مهمة في مجالات الأمن والاقتصاد والتجارة .. وواصلت توسعها في هذا الإطار”، مؤكداً على رغبة بلاده في نيل عضويتها. ففي معرض رده على أحد الأسئلة قال الرئيس التركي إن “المرحلة المقبلة تتمثل في المضي قدماً لإحراز خطوات متقدمة” باتجاه عضوية بلاده فيها، مشيراً إلى أن القمة المقبلة في الهند قد تكون محطة مهمة على هذه الطريق.

تمثل المنظمة بالنسبة لتركيا إطاراً مهماً من ناحيتين، ما تتيحه من فرص اقتصادية وكذلك كنطاق تواصل مع الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى. فتكتل الدول المنضوي تحت قبة منظمة شنغهاي للتعاون يمثل أسواقاً هائلة تحلم بها أي دولة، لا سيما تركيا بموقعها الوسط بين الشرق والغرب وآسيا وأوروبا وعلى خط مبادرة طريق الحرير الصينية وبإطلالها على عدد من البحار.

من جهة ثانية فإن المنظمة تضم عدداً من الدول الناطقة باللغة التركية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً مثل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزيا (قيرغزستان) التي هي في نقس الوقت أعضاء كذلك في “منظمة العالم التركي” التي أعلنها الرئيس أردوغان في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت كتطور عن “المجلس التركي” وتطوير له.

لكن هذين السببين، على أهميتهما، لا يكفيان لتفسير المشاركة التركية، لا سيما وأن السياق الأهم للقمة الأخيرة للمنظمة هو عقدها في ظلال الحرب الروسية – الأوكرانية. وبهذا المعنى حملت مشاركة أردوغان والوفد التركي الرفيع في القمة دلالات مختلفة،  لا سيما على صعيد علاقات بلاده مع الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.

ففي المقام الأول، لا بد وأن مشاركة تركيا في قمة “ناتو الشرق” في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية وتصريحات أردوغان الإيجابية عن المنظمة والقمة ستكون مستهجنة بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو، حيث يُعَدُّ الأخير في حالة مواجهة مع روسيا في أوكرانيا بما في ذلك الدعم بمختلف أنواعه (ومنه العسكري) والعقوبات الشاملة على موسكو.

ويزيد من وضوح هذه الدلالة حديث الرئيس التركي عن أولويات بلاده وأن المشاركة في القمة أتت بعد أيام قليلة فقط من انتقاده للعقوبات الاقتصادية على روسيا قائلاً إنها “مستفزة وغير صائبة”، على هامش مقترح الاتحاد الأوروبي وضع سقف لسعر الغاز الروسي.

ما هو أهم من ذلك أن المشاركة أتت على هامش التوتر التركي – اليوناني الأخير، حيث اتهمت أنقرة أثينا بالإصرار على استفزازها واستهدافها مؤخراً مدفوعة بأطراف ثالثة. ففي معرض رده على حادثة التشويش على رادار المقاتلات التركية من قبل منظومة S300 الروسية الموجودة في جزيرة كريت اليونانية قال أردوغان إن هناك من يستغل اليونان لاستنزاف بلاده في الوقت والإمكانات “كما فعلوا قبل قرن من الآن”.
كان واضحاً أن أردوغان يقصد فرنسا والولايات المتحدة بشكل أساسي، إذ كان اتهم واشنطن بتحويل اليونان لقاعدة عسكرية أمريكية، واتهمها وزيرُ خارجيته بالخروج مؤخراً عن سياسة الحياد التي انتهجتها بين بلاده واليونان بالنظر لقواعدها العسكرية الجديدة والمناورات العسكرية المشتركة معها بالقرب من الحدود التركية.

وعلى علاقة وثيقة بالتوتر مع اليونان تأتي مماطلة واشنطن بخصوص صفقة مقاتلات F16 التي تراها أنقرة تعويضاً جزئياً عن مشروع مقاتلات F35 الأحدث وضماناً لعدم كسر التوازن التسليحي مع اليونان مستقبلاً. ولذلك، ورغم حديثه بإيجابية عن التفاوض مع الولايات المتحدة بخصوص الصفقة، أكد أردوغان أن لدى بلاده بدائل أخرى – من بينها روسيا – إن رفضت الأخيرة إمضاء الصفقة.

أخيراً، يبدو أن التفاهم الذي أبرمه الرئيسان بوتين وأردوغان في لقائهما على هامش القمة، بتحديد نسبة %25 من قيمة الغاز الروسي المصدّر لتركيا ليدفع بالروبل، يبدو مدفوعاً بتثبيت التوجه للتجارة بالعملات المحلية، وهو مسار مفيد للطرفين من زاوية تقوية العملة المحلية ومن زاوية ثانية فهو مفيد لموسكو التي تتعرض للعقوبات الغربية، ما يعني أنه كذلك قد يشكّل نقطة انزعاج إضافية للولايات المتحدة.

أما وقد فصّلنا في دلالات المشاركة والرسائل التي حرصت أنقرة على إيصالها لحلفائها الغربيين منها، فيجدر ختاماً التأكيد على نقطتين إضافيتين. الأولى أن تركيا لا تتجه شرقاً وترغب في الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون كبديل نهائي عن الكتلة الغربية ولا تريد الانفصال عن الأخيرة بالكامل (ولا تقدر عليه حالياً)، وإنما من باب تنويع العلاقات بما يمنحها مزيداً من المرونة والاستقلالية في سياساتها الخارجية.

والثانية أن موازين القوى مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة ليست في صالح تركيا، التي إن امتلكت بعض أوراق القوة فإن الطرف الآخر يملك أكثر منها، ولذاك فهو لا يشعر أنه في عجلة من أمره للتجاوب مع الرسائل التركية، مراهناً على الفارق الشاسع في موازين القوى وثقل الأوراق التي بين يديه من جهة وعلى حساسية الموقف التركي حتى الوصول للانتخابات المصيرية في صيف العام المقبل من جهة ثانية.

شارك الموضوع :

اترك رداً