سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

كيف تعد مذكرة التفاهم مع السويد وفنلندا انتصاراً لتركيا؟

0

 

كيف تعد مذكرة التفاهم مع السويد وفنلندا انتصاراً لتركيا؟

TRT عربي

 

 

يوم الأربعاء الفائت، وعلى هامش قمة مدريد لحلف شمال الأطلسي، وقعت تركيا مع كل من السويد وفنلندا وبرعاية من الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ مذكرة تفاهم، رفعت بموجبها تركيا الفيتو على انضمام الدولتين للحلف، بعد أن كانت أعلنت صراحة اعتراضها على مسار الانضمام لدعم الدولتين لمنظمات إرهابية تواجهها تركيا.

وقال الرئيس التركي إن بلاده لن توافق على انضمام السويد وفنلندا للحلف بسبب دعمهما لمنظمات وهيئات مرتبطة بمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وامتداداتها في سوريا (وحدات الحماية وغيرها) ومنظمة “فيتو” الإرهابية المسؤولة عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016، وغض البصر عن أنشطة هذه المؤسسات الداعمة للإرهاب، فضلاً عن حظر توريد الأسلحة لتركيا بسبب عملياتها العسكرية في سوريا.

بعد أربع ساعات من المباحثات، وقعت الدول الثلاث مذكرة تفاهم نصت على دعم السويد وفنلندا بصفتهما عضوين في الحلف مستقبلاً “لتركيا في مواجهة جميع التهديدات لأمنها القومي” وعدم تقديمهما أي دعم لوحدات الحماية/حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتدادات السورية للكردستاني) وما يعرف بمنظمة “فيتو” الإرهابية.

وتعهدت الدولتان بمنع أنشطة العمال الكردستاني والمنظمات المرتبطة به أو التي تعمل كواجهة له وكذلك الأشخاص الذين يعملون أو لهم علاقة بها، بما في ذلك أنشطة جمع الأموال وتحشيد الأنصار والدعاية. وتعهدت كل من استوكهولم وهلسنكي بمزيد من الحوار والتعاون مع أنقرة في هذا الإطار، وكذلك باتخاذ خطوات عملية بما في ذلك تعديلات قانونية لمزيد من التشديد على الجرائم المتعلقة بالإرهاب.

وإضافة لتفاعل الدولتين “بسرعة وبكافة الأبعاد مع مطالب تركيا المتعلقة بإعادة المتهمين في قضايا الإرهاب أو إبعادهم في ضوء المعلومات والأدلة التي ستقدمها تركيا ووفق الاتفاقية الأوروبية الخاصة بتسليم المجرمين”، فقد أقرت الدول الثلاث بعدم وجود أي نوع من أنواع حظر بيع السلاح فيما بينها.

وهكذا، أعلنت كل من السويد وفنلندا على لسان مسؤوليهما أن عضويتهما في الناتو باتت في متناول اليد، بينما حصلت تركيا على ما تريد منهما وفق ما ذكر بيان للرئاسة التركية، وتحدث أكثر من مسؤول تركي عن “الانتصار الدبلوماسي” لبلاده في هذه القضية، بدءاً من طرح الشروط مروراً بعملية التفاوض وانتهاءً ببنود مذكرة التفاهم.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن المشكلة الكبرى التي كانت تواجهها أنقرة مع شركائها في حلف الناتو وفي مقدمتهم الولايات المتحدة هو التصنيف والأسماء. ذلك أن الحلف ومختلف دوله يصنفون العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، لكنهم يختلفون مع تركيا في تصنيف امتداداته السورية بنفس الطريقة، والمقصود هنا حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب أو باسمها الجديد قوات سوريا الديمقراطية.

وبالعودة إلى بنود مذكرة التفاهم، نجد أنها حققت لتركيا المكاسب التالية:

أولاً، أظهرت أنها كانت على حق في طرحها ومطالبها، وأنها لم تكن تناور لرفض عضوية البلدين محاباة لروسيا مثلاً أو لأي سبب آخر. ومما صب في صالحها أن سرديتها وخطابها كانا عقلانيين إلى أبعد الحدود حيث ركزا على منطق حلف الناتو من حيث مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية وكذلك من زاوية تكاتف وتعاون الدول الأعضاء فيه.

ثانياً، نجحت تركيا في النصّ في بنود الاتفاق على وحدات الحماية وحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة “فيتو” أو كولن تحديداً وليس العمال الكردستاني أو المنظمات الإرهابية كمصطلح فضفاض، ولعله التفصيل الأهم في الاتفاق إذ هو الخلاف الأبرز بينها وبين السويد وفنلندا. ورغم أن رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار اعترضت على ذكرهما ضمن “مهددات الأمن القومي التركي” وليس كمنظمات إرهابية بشكل مباشر، إلا أن الحكومة ترى أنه لا فرق كبيراً بين الأمرين إذ المنظمات المهددة للأمن القومي هي بالضرورة المنظمات الإرهابية التي تستهدف تركيا.

ثالثاً، أكدت تركيا بمذكرة التفاهم سرديتها الرئيسة في مواجهة العمال الكردستاني، وهي أنه منظمة إقليمية ذات امتدادات في عدة دول، وأن المنظمات الانفصالية في سوريا ذات علاقة عضوية معه، وبالتالي لا يمكن التفريق بينهما أو مواجهته مع الإبقاء على علاقات حماية و/أو دعم لها كما تفعل بعض الدول.

رابعاً، بات موقف أنقرة بعد المذكرة أقوى إزاء دول أخرى في الناتو بخصوص التعامل مع المنظمات الانفصالية في سوريا، إذ أن الاتفاق على مواجهتها حصل في مذكرة تفاهم مع دولتين في سياق “ِشروط” انضمامهما للحلف وبرعاية من أمينه العام. يضاف ذلك لعوامل قوة/تفاوض أخرى كسبتها تركيا في إطار العلاقات مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص على هامش الحرب الروسية – الأوكرانية، ومنها امتلاك مفتاح البحر الأسود (المضايق) والوساطة والممر المائي الآمن للحبوب … الخ.

خامساً، لا شك أن المذكرة وما يمكن أن يبنى عليها من تعديلات قانونية ومسارات التعاون المحتملة من سلطات الدولتين مع مطالب تركيا ستسبب إرباكاً للشخصيات والمؤسسات المرتبطة بالمنظمات المذكورة والمتواجدة على أراضي الدولتين، بل وربما على أراضي دول أخرى، وهذا في حد ذاته مكسب.

سادساً، يصب كل ذلك بمجموعه وكذلك بدلالاته السياسية في صالح استراتيجية تركيا لمكافحة المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها العمال الكردستاني، بما يمكن أن يشمل تعاون البلدين (وغيرهم) في ملاحقة أفراده ومؤسساته، وعدم معارضة العمليات التركية ضده بما في ذلك العمليات في سوريا، ورفع حظر السلاح بسبب الأخيرة كما كان حاصلاً، وتفهم أكبر للدوافع التركية ومُجمل مسار المواجهة.

فإذا ما وضعنا كل ما سبق في سياق الرؤية التركية في مكافحة الإرهاب والتي انتقلت قبل سنوات إلى مرحلة جديدة عنوانها العمليات الاستباقية لتجفيف منابع الإرهاب في مصادره، بما يشمل العمليات في كل من العراق وسوريا، يمكن القول إن مذكرة التفاهم التي أبرمتها أنقرة مع كل من السويد وفنلندا لها أبعاد تتخطى مجرد العلاقات الثنائية أو موضوع انضمام الدولتين لحلف الناتو.

فالمذكرة لها علاقة مباشرة بأحد أهم مسارات الأمن القومي التركي والملفات ذات الأولوية للسياسة الخارجية التي تختلف أنقرة فيها بشدة مع حلفائها الغربيين بما أنتج حالة من الانفصام في سوريا تحديداً. حيث تدعم الولايات المتحدة من تسميهم حلفاءها المحليين أو “المقاتلين من أجل الحرية”، الذين هم وللمفارقة منظمات إرهابية وانفصالية تستهدف الأمن القومي بالنسبة لتركيا.

وعليه، يمكن للمذكرة الموقّعة أن تشكّل أرضية جديدة لتركيا تبني من خلالها سردية أقوى في نقاشها مع شركائها وحلفائها الغربيين تحديداً، الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومما يزيد في أهمية ما حصل ويفتح إمكانات أرحب لتركيا في المرحلة المقبلة هو مستجدات الحرب الروسية – الأوكرانية التي منحتها أفضلية في الحوار والعلاقة والتفاوض معهم، بعد أن أعادت تأكيد أهميتها بالنسبة للتحالف ومنظومة الأمن الأوروبي ككل.

إذ رغم حرص تركيا في خطابها على عدم مهاجمة روسيا وفي سياساتها على عدم الانخراط في العقوبات الاقتصادية ضدها، إلا أنه لا يخفى أن مصلحتها تكمن في عدم انكسار أوكرانيا وتمدد النفوذ الروسي إقليمياً ودولياً وعلى وجه الخصوص في حوض البحر الأسود. لذا، إذا ما كان حلف الناتو صادقاً في محاولة ثني روسيا و/أو مواجهتها فستكون تركيا أحد أهم الفاعلين الذين سيحتاج للاعتماد عليهم. وبالتالي لا يستوي أن تكون حاجة الحلف لأنقرة بهذه الدرجة، والأدوار التي يمكن أن تلعبها بهذا الشكل، ثم يستمر الحلف وبعض أعضائه في إدارة الظهر لها ولمصالحها وأمنها القومي، فضلاً عن استهدافها. 

شارك الموضوع :

اترك رداً