سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

مفاوضات إسطنبول: هل اقتربت نهاية حرب روسيا على أوكرانيا؟ 

0

 

 

مفاوضات إسطنبول: هل اقتربت نهاية حرب روسيا على أوكرانيا؟ 

الجزيرة نت

 

اختتمت في مدينة إسطنبول قبل أيام الجولة الثانية من المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني في إطار الوساطة التركية لوقف إطلاق النار والعمل على التوصل لاتفاق سلام دائم بينهما. ولئن لم يخرج عن الجولة نتائج ملموسة باتجاه وقف إطلاق النار أو الإعلان عن اتفاق ما، إلا أن المفاوضات قد حققت تقدماً ملحوظاً يمكن البناء عليه فيما يبدو.

 

 

 

إشارات إيجابية 

منذ بداية الأزمة، وقبل التصعيد العسكري، كانت رغبة الطرفين هي التوصل لاتفاق سياسي. فأوكرانيا تدرك أنها لا قبل لها بروسيا عسكرياً وتعرف مدى صعوبة الرهان على الغرب وتحديداً حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة الأخيرة، وبالتالي كان التوصل لاتفاق مع روسيا خياراً تكتيكياً لتجنب الحرب واستراتيجياً لضمان أمنها على المدى البعيد.

في المقابل، لم يكن احتلال كامل الأراضي الأوكرانية هدف العملية الروسية منذ البداية، وإن بقي هذا احتمالاً قائماً طوال الوقت لا سيما إن طال أمد الحرب وتدحرجت لأي سبب. ذلك أن هدف روسيا الرئيس هو عدم وصول الناتو لحدودها، فمن غير المنطقي أن تحتل كامل الأراضي الأوكرانية فتذهب هي لحدوده.

مراراً، كرر الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي نداءاته لنظيره الروسي فلاديمير بوتين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ورغم استبعاد موسكو حتى اللحظة فكرة القمة بينهما إلا أنها تجاوبت مع الوساطة التركية بتأثير التطورات الميدانية والعقوبات الاقتصادية من جهة ولمواجهة البروباغندا الإعلامية الغربية التي ركزت على عدم رغبتها في التوصل لحل من جهة ثانية.

بعد اللقاء شبه البروتوكولي بين وزيرَيْ خارجية البلدين في أنطاليا التركية، قال وزير الخارجية التركي إن الأمل يزداد بإمكانية التوصل لإعلان وقف مؤقت لإطلاق النار كخطوة أولى. ويبدو أن اللقاءات التي تواصلت بعده عن بعد بين كييف موسكو قد وصلت لنقطة استدعت اللقاء الوجاهي، فكانت جولة المفاوضات الثانية في إسطنبول والتي تواترت الإشارات الإيجابية بخصوصها.

قبيل الجولة، قالت روسيا إنها حققت أهداف المرحلة الأولى من عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وأكد زيلينسكي أن بلاده مستعدة للتوافق في تقديم ضمانات أمنية لروسيا والتزام الحياد بعد تعديل دستوري بهذا الصدد والتخلي عن السلاح النووي، وهي الأسباب الرئيسة لاندلاع الحرب وفق تصريحه.

تركياً، كان واضحاً سعي أنقرة لتحقيق اختراق ما في هذه الجولة وتعويلها على ذلك من خلال عدة إشارات، في مقدمتها مشاركة أردوغان نفسه في بداية المحادثات وإلقاؤه كلمة قال فيها إن “المفاوضات دخلت مرحلة تحقيق نتائج حاسمة”، كما تابع وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو المحادثات عن كثب ولم يرافق وفد بلاده إلى أوزبكستان، إضافة لجلوس وفد تركي مع كل من الوفدين على حدة قبيل بدء المحادثات.

 

 

تقارب جزئي 

كان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال سابقاً إن وجهات نظر وفدَيْ التفاوض قد تقاربت في أربع من أصل ست مواد رئيسة على طاولة الحوار. وذكر كالين أن هذه المواد الأربع هي حياد أوكرانيا، ونزع سلاحها وفق النموذج النمساوي، وما تسميه روسيا “اجتثاث النازية” منها، إضافة لتسهيل انتشار استخدام اللغة الروسية فيها.

ولئن صدر نفي عن كييف للتوافق التام مع موسكو على هذه البنود، فإن ذلك يُحسب ضمن الأوراق التفاوضية لا أكثر، إذ أن ذهابهما لجولة ثانية من التفاوض أكد فكرة حدوث تقدم. بالمنطق ذاته يمكن تقييم تصريح الرئيس الأوكراني بعد نهاية الجولة حيث قال إن بلاده “تلقت إشارات إيجابية” من المفاوضات لكنها – أي هذه الإشارات  – “لا تسكت الأسلحة الروسية”.

في المقابل، قال رئيس الوفد الروسي المفاوض فلاديمير ميدينسكي إن “جولة المفاوضات كانت بناءة”، بينما أعلن نائب وزير الدفاع الروسي وعضو وفد التفاوض ألكسندر فومين عن قرار بلاده تخفيف حدة العمليات العسكرية في كييف وتشيرنيهيف “لتعزيز إجراءات الثقة المتبادلة وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح المفاوضات”.

كما أن من مؤشرات حصول تقدم في المفاوضات بين الجانبين، إضافة لتصريحات المسؤولين الأوكرانيين المباشرة، المقترحات التي قدمها الوفد الأوكراني والتي شملت بعض الشروط الروسية مثل الحياد وعدم امتلاك أسلحة نووية وعدم استضافة قواعد عسكرية لدول الناتو ..الخ.

ثمة شكوك واضحة لدى كييف والعواصم الغربية وخصوصاً واشنطن في نوايا موسكو، وثمة من يرى بأن الأخيرة تستخدم المفاوضات لكسب الوقت والمماطلة وتغيير الوقائع الميدانية مستندين إلى سوابقها في سوريا وغيرها. ولئن كانت فكرة استثمار الوقت واستمرار الضغط العسكري الميداني صحيحة إلى حد كبير، إلا أن المرونة التي تبديها كييف في المفاوضات – والتي تتبدى في التصريحات والمقترحات – ترجح كفة حصول تقدم نسبي في عملية التفاوض وبالتالي إمكانية التوصل لاتفاق ما في مستقبلاً.

قال الوفد الروسي إنه سيعرض المقترحات الأوكرانية على بوتين ثم يرد عليها بشكل رسمي، وقال الوفد الأوكراني إن روسيا قد تخلت عن لغة التهديد وفرض الشروط والحديث عن الخطوط الحمراء، وهي أيضاً مؤشرات إضافية على أن الجولة الثانية من المفاوضات كانت مختلفة جداً عن الجولة الأولى وأن تفاوضاً حقيقياً قد جرى ويمكن البناء عليه. فما هي ملامح الاتفاق المتوقع بين الجانبين؟

من المنطقي أن تكون الخطوة الأولى هي الإعلان عن وقف مؤقت لإطلاق النار لإتاحة المجال لعمليات الإغاثة وإدخال المساعدات الإنسانية وإجلاء المدنيين وما إلى ذلك، ثم يبنى على ذلك تمديده وصولاً لتوقيع اتفاق رسمي لاحقاً.

وبالنظر لكل ما سبق لن يكون صعباً توقع الملامح العامة للاتفاق المنتظر أو المفترض، بحيث ستكون البنود الأربعة التي سلف ذكرها أساساً له، فهي تصب في صالح الشروط الروسية أو لنقل أسباب شن الحرب من جهة وليست خطوطاً حمراء ترفضها كييف من جهة أخرى. بينما يمكن ترحيل القضيتين الخلافيتين الأساسيتين، وهما شبه جزيرة القرم ومصير شرق البلاد لمفاوضات أطول مدى وأهدأ ظرفاً. وهو تصور قريب من تصريحات سابقة لزيلينسكي الذي كان قال إن بلاده “مستعدة لحل ما” بخصوص شبه جزيرة القرم، وتصريحات بعض أعضاء الوفد الأوكراني المفاوض لوسائل الإعلام عن “إرجاء النقاش مع روسيا بشأن القرم لما بعد إحلال السلام”، فضلاً عن إدراك كييف عجزها عن تغيير الأمر الواقع في المنطقتين.

ما سبق هو تصور أولي لما يمكن للطرفين أن يتوصلا له في نهاية ماراثون التفاوض، ولا يعني بالضرورة أنه قريب جداً. إضافة لذلك، تمثُلُ أمام هذا المسار عدة عقبات حقيقية وكبيرة، أولها أن روسيا لن ترغب في الذهاب لأي اتفاق قبل تحقيق “إنجاز” عسكري كبير في أوكرانيا بحيث يأتي الاتفاق تتويجاً له لا بديلاً عنه. وثانيها أن أوكرانيا تشترط توقيع الاتفاق المفترض بعد وقف روسيا عملياتها وعودتها لوضع ما قبل الحرب.

وثالثها مطالبة كييف بحماية وضمانات دولية لعدم الاعتداء عليها مستقبلاً بشكل يشبه نص البند رقم 5 في النظام الداخلي لحلف الناتو (الدفاع المشترك). ورابعها الموقف الغربي وخصوصاً الأمريكي المشكك في نوايا روسيا وغير المتحمس للتوصل لاتفاق من هذا النوع، وهو موقف يمكنه عرقلة المسار إن أريد ذلك، فضلاً عن عقبات أخرى أقل شأناً وتأثيراً.

 

وعليه، يمكن القول إن وساطة تركيا قد حققت في الجولة الثانية من المفاوضات اختراقاً مبدئياً لجهة استعداد البلدين للتوصل لحل سياسي تبدو ملامحه الأولية العامة واضحة إلى حد ما، بينما ما زال هناك الكثير من الجهد المطلوب منهما لتخطي الخلافات في التفاصيل وحولها.

ما يعني أن قمة بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي – يفترض أن تتوّج المسار التفاوضي وتشهد توقيع الاتفاق المنتظر – ما زالت مستبعدة في الوقت الراهن. وهو أمر يبقي الباب مفتوحاً على احتمال تدهور الأوضاع وتدحرجها مرة أخرى، بقصد أو بغيره، ما يدفع لعدم رفع سقف التوقعات كثيراً في المدى القريب على أقل تقدير.

شارك الموضوع :

اترك رداً