سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قراءة في قانون الانتخاب الجديد في تركيا

0

قراءة في قانون الانتخاب الجديد في تركيا

الجزيرة نت

في الـ 24 من آذار/مارس الجاري، أقرت اللجنة الدستورية في البرلمان التركي مشروع قانون الانتخاب الذي تقدم به تحالف الجمهور المكوّن من حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية، وينتظر أن يناقشه البرلمان قريباً.

 

 

النظام الرئاسي

بعد الاستفتاء الذي أقره في نيسان/أبريل 2017، بدأ سريان النظام الرئاسي في تركيا مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2018. لكن البلاد كانت ما تزال بحاجة لعدد كبير من “قوانين المواءمة” الناتجة عن الاختلافات الواسعة بين النظامين البرلماني والرئاسي، مثل ما يتعلق بصلاحيات الرئيس مثلاً، لكن من أهمها كذلك قانونَيْ الانتخاب والأحزاب السياسية.

تتفق معظم إن لم يكن كل الأحزاب السياسية التركية على ضرورة تعديل قانون الانتخاب في البلاد، لكن أحداً منها لم يعمد سابقاً لتغييره لأنه يصب في مصلحة الأحزاب الكبيرة ولا سيما الحزب الحاكم، الأقدر – للمفارقة – على تعديله و/أو تغييره جذرياً.

إذ تعتمد تركيا طريقة “هوندت” في حساب نتائج الانتخابات البرلمانية مع اشتراط تخطي الحزب نسبة %10 من مجمل أصوات الناخبين لدخول البرلمان، ومن يفشل في ذلك توزع أصواته على باقي الأحزاب الفائزة وفقاً لنسبة كل منها في كل دائرة انتخابية.

الحجة الأبرز لاعتماد هذه العتبة الانتخابية، المرتفعة جداً مقارنة بدول أخرى تعتمد طريقة هوندت ذاتها، هو تشكيل برلمان أكثر تجانساً وفاعلية من خلال دخول أقل عدد ممكن من الأحزاب الكبيرة واستبعاد الأحزاب الهامشية وبالتالي تجنب تشظي الأصوات والآراء تحت قبة البرلمان. أما وقد انتقلت البلاد للنظام الرئاسي ولم يعد تجانس البرلمان أو تقليل عدد الأحزاب فيه هدفاً فكان التوجه بضرورة تعديل قانون الانتخاب ولا سيما العتبة الانتخابية بحيث يضمن تمثيل أكبر عدد ممكن من الأحزاب هذه المرة في البرلمان.

ومع توافق الأحزاب السياسية في تركيا على ضرورة خفض العتبة الانتخابية عن نسبة %10 المرتفعة جداً، إلا أن آراءها تباينت بين من أراد إلغاء العتبة بالكامل (أي جعلها %0)، ومن أرادها منخفضة في حدود %3 مثلاً، ومن أراد تخفيضها ولكن بنسبة قليلة.

ومما زاد الأمور تعقيداً إقرار قانون التحالفات الانتخابية في البلاد في آذار/مارس 2018، أي قبل الانتخابات البرلمانية السابقة، بحيث لم يعد مطلوباً من الحزب الراغب في دخول البرلمان أن يتجاوز بمفرده العتبة الانتخابية إن كان متحالفاً مع حزب قد تجاوزها، ما سمح بدخول عدة أحزاب صغيرة للبرلمان من خلال التحالف مع أحزاب كبيرة وقوية.

 

القانون الجديد

بعد 17 ساعة من النقاش الذي احتد أحياناً بشكل بارز مر مشروع القانون من اللجنة الدستورية ويفترض أن تناقشه الهيئة العامة في البرلمان خلال أيام. ولأن إقرار القانون يحتاج فقط الأغلبية النسبية، فمن المتوقع أن يسن القانون دون عقبات حقيقية، اللهم إلا من بعض الإضافات الهامشية أو التفاصيل غير الجوهرية التي يمكن أن تقترحها المعارضة.

يتضمن مشروع القرار 15 مادة أهمها أربعة أثارت جدلاً كبيراً بين تحالفَيْ الحكم والمعارضة: خفض العتبة الانتخابية إلى %7، واستثناء الرئيس من قانون “الصمت الانتخابي”، وانتخاب رؤساء اللجان الانتخابية، وطريقة احتساب أصوات الأحزاب التي تنضوي تحت تحالف واحد.

يقول التحالف الحاكم إنه تقدم بقانون انتخاب وفق المعطيات الحالية يمكن البناء عليه وإقرار ما أفضل منه، خصوصاً لجهة خفض العتبة الانتخابية، حين تنضج الظروف في المستقبل ويرى البرلمان ذلك. بينما تقول المعارضة إنه يخشى من الخسارة هذه المرة ولذلك فقد أتى بقانون انتخابات فُصِّلَ لمحاولة منع المعارضة من كسب الانتخابات.

 

قراءة

كان التنافس بين العدالة والتنمية والمعارضة في السنوات القليلة الماضية أشبه بلعبة الشطرنج. فقد تحالف الأول مع الحركة القومية ظاناً أن المعارضة المتنوعة عصية على التحالف، ففاجأته بتحالف الشعب بين أحزاب متباينة التوجهات والخلفيات. بكّر التحالف الحاكم موعد الانتخابات البرلمانية، وفق رغبة الحركة القومية، لقطع الطريق على مشاركة الحزب الجيد المنشق عن الأخير إذ لم يكن بعدُ قد استكمل شروطها، لكن حزب الشعب الجمهوري “نقل” له عدداً من النواب ليشكل كتلة برلمانية خولته خوض الانتخابات في ذلك الوقت. واليوم، تقول المعارضة إن القانون الجديد يهدف لمنع الأحزاب الصغيرة الجديدة من دخول البرلمان وتتوعد باتخاذ الإجراءات الكفيلة بعكس ذلك.

في التقييم، يبدو أن نسبة العتبة الانتخابية أتت حلاً وسطاً بين العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، حيث كان الأخير يريد خفضها حتى لا يخاطر بعدم دخول البرلمان لكنه لم يشأ خفضها كثيراً حتى لا تستفيد منها أحزاب أخرى. ذلك أن أهم أهداف الحزب في المرحلة الحالية هو إبقاء حاجة الرئيس التركي وحزبه له وللتحالف معه، وقد صدرت عنه عدة إشارات بهذا الاتجاه مؤخراً.

ثانياً، يبدو أن القانون الجديد يستهدف أول ما يستهدف الأحزاب الصغيرة المؤسسة حديثاً وخصوصاً حزبَي المستقبل والتقدم والديمقراطية برئاسة القياديين السابقين في العدالة والتنمية أحمد داودأوغلو وعلي باباجان على التوالي. ذلك أن الحزبين ما زالا بعيدين عن نسبة %7 في استطلاعات الرأي، كما أن التعديل في طريقة حساب نتائج الأحزاب المنضوية في تحالفات انتخابية (والذي يحسب نتيجة كل حزب على حدة وليس أصوات التحالف ككل) يقلل من فرص الأحزاب الصغيرة المتحالفة مع أخرى كبيرة، بحيث يصعب عليها الفوز خارج الدوائر الانتخابية التي تملك فيها شعبية طاغية وتمثل “قلاعاً” لها، حتى ولو تحالفت مع أقوى الأحزاب القائمة.

ثالثاً، قد يكون أيضاً حزب الشعوب الديمقراطي أحد المستهدفين بالقانون، من خلال العتبة الانتخابية وكذلك معايير خوض الانتخابات. ذلك أن الأحزاب الكردية اليسارية من نفس خطه السياسي كانت في الماضي تتعرض للحظر واعتادت خوض الانتخابات عبر الكتلة البرلمانية التي تتشكل من نوابها الموجودين في البرلمان بلا حزب سياسي بعد الحظر. اليوم، والحزب يواجه قضية أمام المحكمة الدستورية لحظره، يلغي مشروعُ القرار الجديد “الكتلةَ البرلمانية” من بين الشروط التي تُمكِّنُ من خوض الانتخابات البرلمانية. ولذا، ثمة من يرى بأن هناك استشرافاً (أو مخططاً) لحظر الحزب المذكور قبيل الانتخابات بحيث لا يملك الوقت لتأسيس حزب جديد مستكملٍ شروط المشاركة في الانتخابات ولا يمكنه كذلك خوضها عبر كتلة برلمانية كما في السابق.

رابعاً، من المنطقي أن أحد أهم أهداف التحالف الحاكم من خلال سن قانون الانتخاب المذكور تقليلُ أهمية الأحزاب الصغيرة بالنسبة للكبيرة، وبالتالي إحداث جدل وخلافات في صفوف التحالف المعارض الذي يشهد أصلاً اختلافات حقيقية وعميقة حول اسم المرشح التوافقي في مواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية.

في الخلاصة، من المتوقع أن يقر البرلمان التركي قانون الانتخاب الجديد خلال أيام، ما سيعني دخول البلاد أكثر في جو الانتخابات، وزيادة دينامية الحراك السياسي المتعلق بالتحالفات الانتخابية من جهة وأسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية على وجه التحديد من جدة أخرى.

وهنا، يصب رهان التحالف الحاكم على تقليل فرص أحزاب المعارضة الصغيرة ويقول لها “خوضي الانتخابات بقدراتك الذاتية، وفوزي حسب حجمك”، بينما تقول المعارضة  إن ما حصل هو عملية “اغتيال للتحالفات” ومحاولة من التحالف الحاكم لـ”هندسة الانتخابات وفق مقاسه” وإن الناخب سيجعله يدفع ثمن ذلك في الصندوق. فمن منهما سيصدق وتكون له اليد العليا على الآخر؟ أزعم أن الوقت ما زال باكراً جداً للإجابة، فما زالت لعبة الشطرنج قائمة وقد تكون هناك نقلات غير متوقعة تغير من الإيقاع وتؤثر في النتائج.

شارك الموضوع :

اترك رداً