سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قراءة في اتفاق المعارضة التركية بخصوص النظام البرلماني

0

قراءة في اتفاق المعارضة التركية بخصوص النظام البرلماني

الجزيرة نت

 

في الثامن والعشرين من شباط/فبراير الفائت، وفي احتفال كبير في العاصمة أنقرة، وقّع رؤساء ستة أحزاب معارضة تركية “نَص التوافق على النظام البرلماني المُعَزَّز”.

وكانت أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطي، والمستقبل والتقدم والديمقراطية قد عكفت منذ أيلول/سبتمبر 2021 على عقد جولات نقاش تركزت حول رفض النظام الرئاسي المطبق في تركيا حالياً والعودة للنظام البرلماني السابق بعد سد ثغراته واستكمال نقائصه بحيث يصبح مناسباً للبلاد في المستقبل، في حال فازت المعارضة بالانتخابات المقبلة.

 

بنود الاتفاق

ويتكون النص من 23 صفحة تتضمن استهلالاً ومقدمة ومعالجة المادة الرئيسة للاتفاق ضمن فصلَيْن رئيسَيْن. بحيث تناولت المقدمة المسارَ الذي أدى لتطبيق النظام الرئاسي وأخطائه من وجهة نظر المعارضة ولماذا ترى هذه الأحزاب العودة للنظام البرلماني ضرورة. بينما يحتوي الجزء الأول “الأسس الرئيسة للنظام البرلماني المعزز” الذي يفصّل في كيفية تقوية مؤسسات الدولة والفصل بين السلطات، ويتناول الجزء الثاني ما يرتبط بالحقوق والحريات تحت عنوان “تعزيز دولة الحقوق الديمقراطية”.

ترى الأحزاب الستة أن النظام الرئاسي كان من عمل حزبين فقط هما العدالة والتنمية والحركة القومية ولم يحظ بنقاش حزبي ومجتمعي كافٍ، وأن الاستفتاء عليه أجري في ظل حالة الطوارئ بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، ما يقدح في مشروعيته من وجهة نظرها. كما ترى أن تطبيقه وضع أساساً لنظام سلطوي غابت فيه الرقابة، أي رقابة السلطتين التشريعية والقضائية على الرئاسة والحكومة.

ويؤكد نص الاتفاق على أن الأحزاب الموقعة عليه لا تسعى للعودة إلى النظام البرلماني الذي كان مطبقاً في تركيا على مدى عقود وكان سبباً في أزمات عديدة لا سيما في سبعينات وتسعينات القرن الفائت، وإنما إلى نظام محسَّن ومعزَّز يستخلص دروس النظام السابق ويتجاوز عيوبه ومشاكلَ الديمقراطية السابقة في تطبيقه.

ويصفه نَصُّ الاتفاق بأنه نظام سيؤسَّسُ على مبدأ فصل السلطات، برقابة فاعلة للبرلمان على الحكومة، وتمثُّل لإرادة الشعب بالنسبة الأعلى الممكنة، وحكومات مستقرة، وقضاء محايد ومستقل بالمعنى الحقيقي، وأنه سيسعى للجمع بين مبدأيْ العدالة في التمثيل والاستقرار في الحكم.

في الجزء المتعلق بتقوية مؤسسات الدولة والفصل بين السلطات، فإن النظام المنصوص عليه يعد بـسلطة تشريعية فاعلة ومشاركة، سلطة تنفيذية مستقرة وقابلة للرقابة والحساب، وسلطة قضائية محايدة ومستقلة.

ومن أهم ما يعدُ به هذا النظام من أمور مستجدة تعديلُ قانونَيْ الأحزاب السياسية والانتخاب بما يرفع من مستوى الديمقراطية داخل الأحزاب، وسن قوانين تتعلق بالشفافية السياسية، وتقديم الدعم من خزينة الدولة لكل الأحزاب التي تتخطى نسبة %1 في آخر انتخابات برلمانية، وإبقاء المراسيم الرئاسية والحكومية تحت رقابة البرلمان والمحكمة الدستورية، وإلغاء حق النقض (الفيتو) للرئيس على القوانين التي يسنها البرلمان.

ومنها كذلك أن يكون الرئيس محايداً تماماً ويقطع علاقاته بحزبه السياسي السابق، وأن يحكم لمدة رئاسية واحدة لسبعة أعوام، وألا يعود لممارسة السياسة بعدها، وأن يكون إعلان حالة الطوارئ في البلاد بقرار من المجلس الوزاري الذي يرأسه الرئيس وليس للرئيس أو الحكومة منفردَين.

أما الجزء الثاني فيتعلق بـ”تعزيز دولة الحقوق الديمقراطية”، ويشمل على سبيل المثال لا الحصر رفع مستوى حريات التفكير والتعبير والتظاهر، والحريات الدينية، وحقوق المرأة وحرية الإعلام، إضافة لِسَنِّ قانون الأخلاق السياسية.

 

الفرص والعقبات

في قراءة لما ورد في نص اتفاق الأحزاب السياسية الستة، يمكن القول إنه أشبه ببيان نوايا بخصوص النظام الرئاسي المطبق حالياً في البلاد، وأقرب لوعد انتخابي منه لبرنامج عمل واقعي.

فالاتفاق يدور حصراً حول فكرة تغيير النظام، من خلال عرض مساوئ النظام القائم حالياً من وجهة نظر هذه الأحزاب، وتبيان النية وإرادة العودة للنظام البرلماني السابق بعد تجاوز سلبياته وعيوبه، بحيث تنتفي فيه نُظُمُ الوصاية على الدولة والحكومة وتقل فيه المساحات التي طالما تسببت بالانسداد السياسي والأزمات.

ولذلك فقد غاب عن النص أي حديث عن “كيفية” الوصول لهذا النظام بعد فوز المعارضة المفترض في الانتخابات المقبلة وقدرتها على تغيير النظام. إذ لم يتضمن النص أي تفصيل حول الفترة الانتقالية المفترضة بين الانتخابات والعودة لإقرار النظام البرلماني المعزز، ولعل ذلك مؤشر إضافي على عدم توافق هذه الأحزاب، ذات المشارب السياسية والفكرية المتنوعة، على المسار الانتقالي المفترض، وربما فجوة ثقة لم تستطع الأشهر السابقة من العمل المشترك جسرها بالكامل.

وثالثاً، ليس هناك أي إشارة ولو ضمنية، لا في النص الموقع عليه ولا في كلمات رؤساء الأحزاب وممثليهم في حفل التوقيع، على أن الأحزاب الستة المذكورة باتت ضمن تحالف واحد وموحد للمعارضة. وهو ما يدعم الاعتقاد بأن لدى بعض الأحزاب ولا سيما المؤسَّسة حديثاً منها تحفظات غير هامشية على الانضمام لتحالف المعارضة باسمه وشكله وبُنيته الحالية، ويخفض سقف التوقعات بخصوص قدرة هذه الأحزاب على إنفاذ ما تريد.

رابعاً، لم يتضمن النص المذكور أي توافق بين الأحزاب الستة على سياسات معينة، لا داخلية ولا خارجية، تعد بها في حال فوزها بالانتخابات وقدرتها على تغيير النظام وبما يتناقض مع سياسات الرئيس الحالي أردوغان مثلاً. وهو، إضافة لكل ما سبق، ما يقلل من الثقل السياسي لهذا الاتفاق الذي أتى في رأينا أقل من المتوقع أو للدقة مما أوحت به بروباغندا أحزاب المعارضة قبيل الإعلان عنه. رغم أنه لا يمكن بالتأكيد التقليل من الأهمية الرمزية لاجتماع الأحزاب الستة وتوافقها وعملها المشترك، خصوصاً مع تبايناتها المعروفة.

هذا ما يتعلق بمضون الاتفاق وبنوده، أما ما يرتبط بمدى قدرة هذه الأحزاب على تحقيق ما تريده فدونه نقاش عميق وجاد وعلامات استفهام مستحقة. ذلك أن الأمر يحتاج  تعديلاً دستورياً في موضوع رئيسي ومهم، ولا يُكتفى فيه بالفوز بالانتخابات الرئاسية مثلاً، بافتراض فوز شخصية معارضة بها، وإنما سيحتاج لعمل في البرلمان.

كما أن النسبة التي تضمن تعديل الدستور وتغيير النظام في البرلمان، وهي نسبة الثلثين، ليست بسيطة ولا من السهل على المعارضة الفوز بها بافتراض أنها ستكون جبهة موحدة وفي تحالف واحد، وهذا دونه نقاش عميق آخر كنا أشرنا له في مقالات سابقة. حتى نسبة %60 التي تضمن رفع الأمر من البرلمان لعرضه في استفتاء شعبي (كما حصل لدى إقرار النظام الرئاسي) ليست أمراً سهلاً جداً لكنها أقرب للواقعية السياسية، وحينها سيكون الاعتماد على تصويت الناخبين في عموم البلاد ومدى اقتناعهم بهذا الطرح.

وأخيراً، وبافتراض أن المعارضة استطاعت الحصول على نتائج تخولها تعديل الدستور وتغيير النظام، فمن يضمن أن الحزب الذي فاز مرشحه بالرئاسة سَيَفي بالوعود ويستمر في عملية إعادة البلاد للنظام البرلماني، في حين أن النظام الرئاسي الحالي يمنحه صلاحيات واسعة وإمكانات تساعده على قيادة الدولة والحكومة وتوجيههما كما يريد. ولعل ذلك من أهم الأمور التي تزيد من الشكوك بين أحزاب المعارضة الستة المذكورة وغيرها وتحول دون تحولها لتحالف يجتمع على قلب رجل واحد. إذ ستبقى الأحزاب الصغيرة متوجسة من إمكانية استغلال الأحزاب الكبيرة – وخصوصاً الشعب الجمهوري – لها في المعركة ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية اليوم ثم النكوص عن الوعود والتنكر للاتفاقات السابقة بعد تمكنها وتمكينها. كما أنه لا أحد يستطيع ضمان عدم تغيير هذه الأحزاب آراءها ومواقفها وانحيازاتها وربما تحالفاتها حتى لحظة الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو 2023، والتي يتقلص مع مرور الوقت احتمال تبكيرها كثيراً عن موعدها.

ولذلك، ختاماً، يمكن القول إن الأثر الرمزي للاتفاق الموقّع عليه من الأحزاب الستة أكبر بكثير في المرحلة الحالية من أثره السياسي وتأثيره في المشهد الداخلي، وإن كان سيبقى بالتأكيد عاملاً مساعداً على تشكل تحالف المعارضة وإحدى المواد الرئيسة للحملات الانتخابية.

لكن المعركة الرئيسية في تركيا، وللمفارقة، ستبقى هي الانتخابات الرئاسية وليس البرلمانية لما يمنحه النظام القائم حالياً من صلاحيات وسلطات وأدوات للرئيس، وسيكون الاقتصاد وقودَها الأساسي والعمود الرئيس لحملاتها الانتخابية. أما شكل الدولة ونظام الحكم والسياسات المتّبعة فتبدو مسائل مؤجلة للحظة ما بعد الانتخابات، والتي يمكن – بناء على تجارب سابقة – أن تأتي بمواقف واصطفافات وتحالفات مختلفة ولو نسبياً عن الحالية.

شارك الموضوع :

اترك رداً