سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل يرشح داودأوغلو وباباجان زعيم المعارضة ضد أردوغان؟

2

هل يرشح داودأوغلو وباباجان زعيم المعارضة ضد أردوغان؟

الجزيرة نت

ما زال اجتماع ستة من أحزاب المعارضة التركية واتفاقها على العودة للنظام البرلماني في حال فوزها بالانتخابات ملفاً مثيراً للجدل والفضول في البلاد، وخصوصاً ما يتعلق بقدرتها على تقديم مرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان.

ومع الإشارات المتواترة التي صدرت عن زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو حول رغبته في ترشيح نفسه، تتحول الأنظار إلى الحزبَيْن الجديدَيْن اللذين أسسهما أحمد داودأوغلو وعلي باباجان – القياديان السابقان في العدالة والتنمية – وموقفهما من ترشيح “عدو الأمس صديق اليوم”.

 

الانشقاق

لسنوات طويلة جداً، شغل كل من داودأوغلو وعلي باباجان مناصب رفيعة جداً في الحزب الحاكم والحكومة وكانا من “رفاق درب” أردوغان اللصيقين والموثوقين. فالثاني أمسك بدفة الاقتصاد التركي حتى عام 2015 تقريباً، وكان يلقب بصانع النهضة الاقتصادية التركية مع العدالة والتنمية، فضلاً عن شغله منصب وزير الخارجية فترة قصيرة في البدايات ومنصب نائب رئيس الوزراء في حكومتين ونائب في البرلمان في أربع فترات تشريعية.

والأول تدرج في المناصب من مستشار لرئيس الوزراء إلى وزير للخارجية إلى رئيس للوزراء وحزب العدالة والتنمية خلفاً لأردوغان الذي انتخب رئيساً في 2014 حيث رئس ثلاث حكومات متتالية، فضلاً عن عضوية البرلمان في ثلاث فترات تشريعية.

استقال داودأوغلو من رئاسة العدالة والتنمية والحكومة في أيار/مايو 2016 إثر خلافات مع الرئيس أردوغان وبقي نائباً في البرلمان حتى 2018 دون نشاط بارز، وغاب أو غُيّب عن الحياة العامة والإعلام باستثناء ليلة الانقلاب الفاشل في 2016، وكان واضحاً عدم تأييده للتعديل الدستوري الذي أقر الانتقال للنظام الرئاسي في 2017. بعد الانتخابات البلدية التي خسر فيها حزبه بلديتي إسطنبول وأنقرة أصدر داودأوغلو “المانيفستو” الشهير الذي سرد فيه انتقاداته للعدالة والتنمية وأردوغان، ثم استقال من الحزب عام 2019 (استباقاً لطرده منه) ليؤسس حزب المستقبل في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

أما علي باباجان فكان قد استقال من الحزب في 2019، قبل أن يخوض نقاشات مطولة مع عدد من السياسيين وقيادات سابقة في العدالة والتنمية، ليعلن عن تأسيس حزب التقدم والديمقراطية في آذار/مارس 2020.

 

حسابات معقدة

تبدو حسابات الحزبين أكثر تعقيداً من الأحزاب الأخرى بسبب تمايز موقفهما بشكل واضح، فهما معارضان لأردوغان وخرجا من عباءة العدالة والتنمية، لكنهما أيضاً من نفس الخلفية الفكرية والسياسية لهما وهما كذلك قياديان بارزان سابقان في الحزب والحكومة. ما يعني أن لهما بصمات في إنجازات العدالة والتنمية ومسيرته من جهة، وخصومة مع المعارضة وخصوصاً الشعب الجمهوري من جهة ثانية. ولذلك فخياراتهما محدودة ودقيقة وصعبة منذ اللحظة الأولى، إذ – نظرياً – لا يستطيعان التحالف مع العدالة والتنمية الذي انشقا عنه، ولا مع المعارضة وخصوصاً الشعب الجمهوري الذي يختلف معهما ويختلفان معه جذرياً، تاريخياً وفكرياً وسياسياً.

تخطى الحزبان هذه المعضلة جزئياً بمشاركتهما في اجتماعات مناقشة العودة للنظام البرلماني التي خاضتها الأحزاب الأربعة التي كانت انضوت تحت تحالف المعارضة في انتخابات 2019 البلدية إضافة لهما. وقد حضر داود أوغلو وباباجان لقاء رؤساء الأحزاب الستة قبل أيام دون الإعلان عن انضمامهما للتحالف المعارض.

وفي ظل الإشارات العديدة التي صدرت عن زعيم المعارضة كليتشدارأوغلو والتي تفيد برغبتة الترشح لانتخابات الرئاسة، يبرز سؤال وجيه عن موقف الرجلين من هذا الترشح، لا سيما وأن الرجل وحزبه يُعدّان خصماً تاريخياً وتقليدياً لهما، قبل أن يجمعهما رفض النظام الرئاسي ومعارضة أردوغان مؤخراً.

 

خيارات عدة

ليس من المقطوع به أن يكون كليتشدار أوغلو مرشح التحالف المعارض للانتخابات الرئاسية القادمة، لكنه سيكون – في ظل رغبته – صاحب الحظ الأوفر لذلك، من باب أنه يرأس الحزب الأكبر شعبية وخزاناً انتخابياً بين أحزاب المعارضة وكذلك امتلاكه قرار حزبه بفضل الصلاحيات التي يمنحها له قانون الأحزاب.

وبالتالي، ما زال اختيارُ مرشحٍ توافقيٍّ للمعارضة أمراً محتملاً لا حتمياً، فضلاً عن أن يكون ذلك المرشح هو كليتشدار أوغلو نفسه. بل يمكننا القول إن توافق المعارضة على مرشح واحد يبدو اليوم أصعب من انتخابات 2018، حين فشلت المعارضة في تقديم مرشح توافقي وتشظت أصواتها بين عدة مرشحين.

إضافة لذلك، فالانتخابات المقبلة هي الأولى التي سيخوضها الحزبان الجديدان، المستقبل والديمقراطية والتقدم، وبالتالي فهما أمام خيارين لا ثالث لهما، إما دخول البرلمان وتأكيد الحضور على الساحة السياسية أو البقاء على هامش المشهد وربما الاضمحلال والفشل ككثير من التجارب السابقة لانشقاق قياديين من أحزاب كبيرة وقوية.

هذا المعنى، الرغبة الجامحة في النجاح، قد يفرض على الحزبَيْن خيارات صعبة ومعقدة، لكن قرارهما النهائي سيتأخر غالباً لحين تبلور مشهد الانتخابات من حيث الموعد والفرص ونتائج استطلاعات الرأي وأسماء المرشحين والتحالفات القائمة و/أو المحتملة.

ترشيح الحزبين لشخصية مثل كليتشدار أوغلو، إن حصل، سيضعف موقفها في أوساط المحافظين، الشريحة التي يخاطبونها بشكل أساسي، وسيعرضهما لانتقادات واسعة من أردوغان والعدالة والتنمية. لكنه قد يكون خيارهما في حال لم يجدا طريقاً أخرى لدخول البرلمان، إذ يملك حزب الشعب الجمهوري إمكانية تقديم بعض مرشيحهم على قائمته أو التحالف معهم بشكل منفرد إن لم يكونوا أعضاء أصلاء في التحالف المعارض.

ما يمكن أن يحول دون ذلك عدة أمور، في مقدمتها احتمالية تعديل قانون الانتخاب وخفض العتبة الانتخابية من %10 إلى %5 أو %7 مثلاً – وهو أمر مطروح ومحتمل – بحيث يمكن أن يراهنا على دخول الانتخابات بمفردهما أو بتحالف ثالث بعيداً عن التحالفّيْن القائمين حالياً. كما أنه عادةً من الأفضل للأحزاب المؤسَّسة حديثاً أن تخوض الانتخابات الرئاسية بمرشحها الخاص، إذ من شأن ذلك – بغض النظر عن فرصه في الفوز – أن يزيد من زخم حملتها الانتخابية وبالتالي يرفع من حظوظها في الانتخابات البرلمانية.

أخيراً، من المهم التنبه إلى أن الحزبين المذكورين لم يحسما أمرهما بعد بخصوص الانضمام لتحالف المعارضة، بل إن حزب السعادة نفسه الذي خاض الانتخابات السابقة كجزء منه لم يحسم أمره بعد وما زال بانتظار جلاء مشهد ما قبل الانتخابات. وحرصاً منهما على ذلك فقد أكد الحزبان ووافَقَهُما على ذلك بقيةُ الأحزاب أن موضوع الانضمام للتحالف فضلاً عن موضوع مرشح الانتخابات الرئاسية لم يطرحا أبداً في لقاء رؤساء الأحزاب المذكور، لدرجة أن حزب المستقبل بقيادة داودأوغلو أجَّلَ توقيعه على النص المتفق عليه بين هذه الأحزاب أكثر من مرة حرصاً على عدم إعطاء انطباع بأنه بات ضمن تحالف المعارضة.

وبهذا المنطق، ليس من الصعب توقع سعي هذين الحزبين لدخول الانتخابات منفردين إن استطاعا ذلك، بتعديل قانون الأحزاب كما سلف و/أو ارتفاع حظوظهما في استطلاعات الرأي حتى موعد الانتخابات. أو، وهذا سيناريو وارد، تشكيل تحالف ثالث يضم إلى جانبهما بعض الأحزاب اليمينية مثل السعادة المحافظ والجيد القومي وربما غيرهما. ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إن تحاف الحزبين مع العدالة والتنمية نفسه، رغم كل ما حصل، يبقى كذلك احتمالاً وارداً (وإن ضعيفاً) في حال تغير المشهد السياسي و/أو استطلاعات الرأي، حيث إن همَّ الأحزاب جميعاً هو الفوز في الانتخابات المقبلة بما يمكن أن يجمع الغرماء إلى جانب بعضهم البعض، ولذلك أمثلة كثيرة في تاريخ تركيا الحديث.

وفي المحصلة، ما زال من المبكر جداً الحديث عن مرشح توافقي للمعارضة مقابل أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فضلاً عن دعم حزبَيْ المستقبل والديمقراطية والتقدم له، لا سيما إن كان هذا المرشح هو كليتشدار أوغلو. ومن البديهي أن مجرد ترشيحهما أو دعمهما له لا يعني بالضرورة رفع أسهمه بالفوز في الانتخابات فضلاً عن ضمانه الفوز، ذلك أن آراء الناخبين وأصواتهم لا تتبع بشكل آلي ومباشر تعليمات رؤساء الأحزاب التي يدعمونها. فالناخب التركي يمكن أن يمايز بين من يختارهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية وفقاً لعدة معايير، ومن الصعب تصور انتخاب الشريحة المحافظة أو الإسلامية لشخص مثل كليتشدار أوغلو حتى لو اتجهت الأحزاب المذكورة لدعمه مرشحاً توافقياً للمعارضة.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا أبعد ما تكون عن الحسابات الرياضية البسيطة المباشرة وأقرب ما تكون للعبة شطرنج معقّدة يمكن لأي خطوة فيها أن تحول مسار اللعبة فضلاً عن نتيجة المباراة.

شارك الموضوع :

تعليقان

    • نظرياً، نعم ممكن، وحظوظه في المنافسة أكبر من باقي المرشحين
      لكن عملياً بات من الصعب جداً، لأن أحزاب المعارضة تريد مرشحاً منها هذه المرة، وترى فرصها أكبر من المرة السابقة

اترك رداً