سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل انتهت “التهدئة” بين تركيا والولايات المتحدة؟

0

هل انتهت “التهدئة” بين تركيا والولايات المتحدة؟

الجزيرة نت

بعد أشهر من علاقاتٍ أقل توتراً وأكثر دفئاً بين أنقرة وواشنطن، أثارت تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة علامات استفهام حول مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة، لما تضمنته من انتقادات حادة ومباشرة للأخيرة وما عبرت عنه من انزعاج تركي من بعض المواقف الأمريكية حيالها.

 

توتر وتأرجح

منذ نهاية الحرب الباردة والعلاقات بين الحليفين وعضوَيْ حلف الناتو متأرجحة بشكل كبير، ضمن عملية موسعة لإعادة تقييم الرؤية والوظيفة بالنسبة للحلف ككل وكذلك لأهمية تركيا ودورها المفترض في المستقبل، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وتراجع أهميتها بالنسبة للغرب في هذا السياق.

وقد استمرت العلاقات ما بين صعود وهبوط حتى مع حزب العدالة والتنمية، فأتى غزو العراق عام 2003 ورفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية مع بدايات الحزب، ثم تحدث أوباما للعالم الإسلامي من تحت قبة البرلمان نفسه في 2009 مزكّياً ما أسماه “النموذج التركي” مع العدالة والتنمية.

ومع الثورة السورية وتداعياتها اللاحقة عادت الفجوة بين الجانبين لتتسع كثيراً، على هامش الدعم الأمريكي المستمر والمتزايد لوحدات حماية الشعب التي تحولت لاحقاً لقوات سوريا الديمقراطية من باب أنها حليف محلي موثوق للولايات المتحدة في مكافحة داعش، بينما تعدُّها أنقرة منظمة انفصالية وواجهة سورية لحزب العمال الكردستاني.

وبعد عهد ترمب المتأرجح بين العلاقات الشخصية مع أردوغان والتي كانت كفيلة بتجاوز البلدين مطبات صعبة في بعض المراحل وبين وصول العلاقات إلى محطة العقوبات المباشرة من واشنطن على أنقرة، أتى عهد الديمقراطيين مع بايدن ليزيد من مخاوف الأخيرة إذ كان قد استبق عهده بتصريحات طالت أردوغان وتركيا على حد سواء.

 

تأثير أفغانستان

استمرت إدارة بايدن في نفس نهج سلفه ترمب، مندّدة بصفقة إس400 الروسية التي اشترتها أنقرة، ومستبعدة الأخيرة من مشروع مقاتلات إف35، وملوّحة بعقوبات إضافية، لكن أزمة أفغانستان كبحت جماح هذا المسار فيما يبدو.

ذلك أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وفق الاتفاق الذي كانت أبرمته طالبان مع إدارة ترمب وأقرته إدارة بايدن قد أحاجَ واشنطن لأنقرة، بعدِّها الطرف الأجدى والأجدر أن يبقى في كابول لإدارة وتأمين مطارها الدولي وبالتالي استمرار دور الناتو ونفوذه بشكل غير مباشر، وهو ما ردّت عليه أنقرة بالإيجاب كاستعداد مبدئي إن توفرت له الشروط اللازمة.

وبالفعل، فقد مر اللقاء الذي جمع بين أردوغان وبايدن على هامش قمة الناتو في حزيران/يونيو الفائت سلساً ودون أزمات إضافية، ثم مرت الأشهر الثلاثة التي تلته بنفس الطريقة، مع إشارات بتغير اللهجة الأمريكية تجاه أنقرة، والإشادة بالأدوار التي لعبتها وتلعبها في أفغانستان وغيرها، بل ومع الامتناع عن التنديد بعملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا في دلالة لا تخفى. لكن شيئاً جوهرياً في العلاقات بين الجانبين لم يتغير.

فلم تقدم الولايات المتحدة موقفاً مختلفاً من صفقة إس400، ولا تعاطت بإيجابية مع المقترحات التركية بخصوصها ومن بينها تشكيل لجنة مشتركة لتقييم تأثيراتها المحتملة على الأسلحة الأمريكية، ولا تراجعت عن قرارها بخصوص مشاركة تركيا في مشروع إف35، ولا تبدل الموقف الأمريكي من أزمة شرق المتوسط … الخ.

ويبدو أن التطورات المتسارعة في الملف الأفغاني، والتي اضطرت تركيا لسحب قواتها هي أيضاً من كابول، والتخلي مرحلياً عن فكرة البقاء لإدارة المطار بانتظار اتفاق ما مع طالبان – ما يعني دوراً تركياً بالتنسيق معها لا مع واشنطن – قد أعادت عقارب الساعة لما قبل لقاء أردوغان – بايدن والاتفاق بخصوص المطار.

 

العودة للتوتر؟

انعكس كل ذلك على تصريحات الرئيس التركي خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل وفي مقابلات له مع وسائل الإعلام الأمريكية.

فقد كرر أردوغان انتقاده لما أسماه “الدعم الأمريكي فوق المتوقع للمنظمات الإرهابية” ومدها بالسلاح. وفي مقابلة مع قناة CBS الأمريكية، أجاب بالإيجاب على سؤال حول نية بلاده شراء منظومات إضافية من إس400 الروسية، مضيفاً: “نحن من يقرر ماذا سنشتري، ومن أي دولة، وبأي مستوى، وليس لأحد أن يتدخل في ذلك”.

وقد أكد الرئيس التركي هذا المعنى في لقاء له مع الصحافيين بعد العودة من الولايات المتحدة، قائلاً إن “المسار الحالي للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة كحليفين في الناتو لا يبشر بخير”، مؤكداً “لا أستطيع القول إننا بدأنا بشكل جيد مع بايدن” بخلاف رؤساء سابقين منهم بوش الابن وأوباما.

وفيما يتعلق بالطلبات المقدمة لبلاده لاستضافة اللاجئين الأفغان لمنعهم من التوجه نحو أوروبا، قال أردوغان في لقاء مع صحافيين في “البيت التركي” الذي افتتحه مقابل مبنى الأمم المتحدة في نيويورك خلال الزيارة إن “أمريكا هي من عليها دفع الثمن هنا”، وإنه من غير المتصور أن تفتح تركيا أبوابها وتستقبلهم.

لم يلتق أردوغان بنظيره الأمريكي في هذه الزيارة، وهو ما اختلف المراقبون في تفسيره، بين من عدَّه مؤشراً على توتر العلاقات ومن رَدَّهُ لعدم رغبة بايدن في عقد لقاءات مع أي من الرؤساء والمسؤولين (باستثناء بوريس جونسون ربما)، لكن تواتر التصريحات التركية ومناخها السلبي مما لا تخفى دلالاته.

يمكن ربط تصريحات أردوغان السلبية تجاه الولايات المتحدة بسببين رئيسين. الأول التعبير عن الانزعاج من الإصرار الأمريكي على المواقف السابقة وعدم إبداء المرونة في أي من الملفات، رغم ما قدمته أنقرة خلال الفترة السابقة من خطاب وتوجهات ومواقف، وبالتالي يأس الأخيرة من إمكانية إحداث اختراق في العلاقات مع واشنطن. والثاني قرب موعد القمة المرتقبة بين أردوغان وبوتين في سوتشي نهاية الشهر الجاري، وبذلك تكون انتقادات أردوغان لإدارة بايدن وحديثه عن صفقة إضافية محتملة من إس400 وإمكانية التفكير بمقاتلات سوخوي – ضمناً – كبديل عن مقاتلات إف35 استثماراً تركياً لإنجاح القمة وتمتين العلاقات مع موسكو، خصوصاً وأنها شهدت مؤخراً تراجعات غير معلنة.

فقد تراجعت وتيرة اللقاءات وحتى التواصل بين الرئيسين في الفترة السابقة، وحلت مكانها الأخبار المتواترة عن قصف روسي في مناطق السيطرة التركية في شمال سوريا، إدلب وعفرين ومناطق درع الفرات، وجهد روسي لاستقطاب قوات سوريا الديمقراطية وغير ذلك من المؤشرات السلبية.

وعليه، يبدو أن المساعي التركية لترطيب الأجواء مع واشنطن على مدى الأشهر السابقة قد وصلت لطريق مسدود، وأن أنقرة لا ترغب في الاستمرار بها بلا طائل، وإنما ستحاول إعادة الدفء للعلاقات الفاترة مؤخراً مع روسيا، لتجنب سيناريوهات غير مفضّلة في شمال سوريا، وزيادة الضغط على الولايات المتحدة بالإشارة إلى أن إصرارها على تجاهل تركيا سيدفعها لمزيد من التقارب مع روسيا، وهو الأمر الذي يفترض أنها تقوم بكل ما تقوم به لتقنع تركيا بالعودة عنه.

شارك الموضوع :

اترك رداً