سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

بيان الضباط المتقاعدين في تركيا: محاولة انقلابية جديدة؟

0

بيان الضباط المتقاعدين في تركيا: محاولة انقلابية جديدة؟

تقرير – نداء بوست

أفادت وسائل إعلام تركية بأن الرئيس “رجب طيب أردوغان” سيعقد يوم غدٍ الإثنين اجتماعا استثنائيا من أجل مناقشة البيان الذي أصدره جنرالات أتراك متقاعدين، طالبوا فيه بإلغاء مشروع قناة إسطنبول، وعدم المساس باتفاقية “مونترو” الدولية للملاحة في البحر الأسود.

اتفاقية “منترو” ومشروع قناة إسطنبول

جرى توقيع اتفاقية “مونترو” عام 1936من قبل الدول التالية: تركيا – الاتحاد السوفياتي – فرنسا – اليونان – بلغاريا – رومانيا – اليابان – استراليا – يوغسلافيا.

وتتيح الاتفاقية لتركيا الإشراف على مضيف البوسفور، كما حددت الحمولة الاجمالية لسفن أي دولة من خارج البحر الأسود بمقدار 20 ألف طن، وحمولة السفن لجميع الدول خارج حوض البحر الأسود بين 30 و 45 ألف طن، شريطة أن لا تبقى السفن في الحوض أكثر من 21 يوماً.

وتعطي الاتفاقية حرية الملاحة التجارية لمختلف الدول في حوض البحر الأسود خلال فترة السلم والحرب، والسماح للسفن الحربية التابعة لدول الحوض بالمرور من مضيق “البوسفور” دون أي قيود، في حين لا يجب أن يتجاوز عدد السفن الحربية التابعة للدول خارج البحر الأسود عن تسعة سفن للمجموعة الواحدة، وبحمولة لا تتجاوز 15 طناً.

وثمة احتمالية أن يكون مشروع قناة إسطنبول المزمع إقامتها، والتي يطلق عليها “مشروع العصر” بمثابة إعادة صياغة كاملة لهذا التفاهم.

ومن المقرر أن يبلغ طول القناة بين 40 و 45 كيلومتراً، بعرض يصل إلى 145 متر، وعمق 25 كيلومتراً، وسيتم إنشاء جسور وأرصفة جديدة من أجل ضمان حركة مرور السفن.

وسيتيح المشروع لتركيا التحكم بشكل أكبر بمرور السفن في مضيق “البوسفور”، خاصة التي تحمل مواد تضر بالبيئة مثل المشتقات النفطية والسفن الحربية.

وأطلقت المعارضة التركية ممثلة بحزب الشعب الجمهوري وقياداته تصريحات متكررة ترفض فكرة إنشاء القناة، وكان أبرزها إعلان رئيس بلدية إسطنبول الكبرى “أكرم إمام أوغلو” التابع لحزب الشعب الجمهوري رفضه الصريح لتشييد المشروع.

بيان الضباط المتقاعدين

قبيل فجر الرابع من نيسان/ أبريل الجاري أصدر 103 ضباط متقاعدين، عملوا سابقاً في سلاح البحرية  بياناً طالبوا فيه الحكومة التركية بالتراجع عن مشروع قناة إسطنبول، وعدم المساس باتفاقية “مونترو” الدولية.

البيان لم يقتصر على قضية القناة، وإنما دعا المؤسسة العسكرية للتحرك من أجل حماية “قيم الدستور”، وأدان ما وصفه “إبعاد القوات البحرية عن المسار المعاصر” الذي رسمه مؤسس الجمورية “مصطفى كمال أتاتورك”.

الأكاديمي التركي “عمر الفاروق قرقماز” أكد أن هؤلاء هم ضباط متقاعدون من القوات البحرية، ولا يوجد لهم أي ثقل داخل المؤسسة العسكرية حالياً في تركيا.

وأشار “قرقماز” خلال حديثه لموقع “نداء بوست” أن البيان أراد أن يعيد إلى الأذهان التجارب السابقة المتمثلة في الضغط على الحكومات المدنية المنتخبة، لكن محاولتهم لم تنجح.

واعتبر الأكاديمي التركي المتخصص بالشؤون التركية – العربية، أن هؤلاء ينتسبون إلى الشريحة التي عارضت سابقاً جسر البوسفور الأول والجسرين الثاني والثالث، ونفق “أوراسيا” بين إسطنبول الأوربية والآسوية، ويحاولون دائماً الظهور بأنهم يحافظون على الوطن، لكن دون تقديم شيء له بحسب وصفه.

ولفت “قرقماز” إلى دلالة مهمة، وأن عدد الموقعين على البيان كان 103، وفي المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز عام 2016 تم فصل 103 ضباط من البحرية.

من جانبه أشار الباحث المتخصص بالشأن التركي “سعيد الحاج” إلى نقطة أخرى تضمنها بيان الضباط المتقاعدين، وهي ما وصفوه بـ” الإساءة إلى المؤسسة العسكرية”، ورجح أن يكون المقصود هو الصورة التي انتشرت لأحد ضباط البحرية التركية وهو يصلي في زاوية صوفية، مما يدل على انتماءه إلى إحدى الحركات الدينية.

دلالات البيان

اعتبر “الحاج” خلال حديثه لموقع “نداء بوست” أن البيان حمل بعض الدلالات التي أثارت القلق، ومنها استخدامه لصيغ أو مفردات كانت تستخدم سابقاً لتسويغ الانقلابات العسكرية، والحديث هنا عن الفقرة التي دعت إلى التقيد بمبادئ “أتاتورك” و “العلمانية”.

ونوه “الحاج” إلى أن البيان أتى في ظل إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الذي طالب سابقاً بأن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية المعارضة من أجل إسقاط “أردوغان”.

وتحدث “الحاج” عن دلالات أخرى متعلقة بالتشابه بين عدد الضباط الموقعين على البيان، وبين عدد الأيام التي تفصلنا عن ذكرى المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا التي تصادف 15 تموز/ يوليو.

وقال “الحاج” إن البيان ربط بين مشروع قناة إسطنبول وبين احتمالية انسحاب تركيا من اتفاقية “مونترو”، بناء على تصريح سابق لرئيس البرلمان، تمت المبالغة في تفسير دلالاته، إذ يشاع – وفق الحاج – أن بعض الأطراف في المؤسسة العسكرية – لا سيما القوات البحرية – تعارض مشروع قناة إسطنبول تخوفاً من إضرارها بالأمن القومي لتركيا.

ورجح الأكاديمي “أنس يلمان” رئيس دائرة العلاقات الخارجية في جامعة ابن خلدون أن يكون السبب الرئيسي لإصدار البيان هو محاولة التأثير على الرأي العام في تركيا مع الاقتراب أكثر فأكثر من الاستحقاق الانتخابي.

ورأى “يلمان” في تعليقه لموقع “نداء بوست” على الحادثة أن ما جرى هو امتداد لما وقع في السابق من أحداث في تركيا، ويكشف عن مخاوف من الجهات الدولية المختلفة من تحول تركيا إلى قوة إقليمية، وعملية تغيير الدستور التي تمنح تركيا المزيد من القوة والاستقلالية.

وأوضح “يلمان” أن هناك رفض من جهات داخلية وخارجية لمشروع قناة “إسطنبول” لأنها ستزيد من رصيد الحكومة التركية الشعبي، على اعتبار أنها ستحقق دخل مالي كبير لتركيا، وتخلق قرابة 10 آلاف فرصة عمل.

واعتبر “يلمان” أن البيان تضمن محاولة إيهام الرأي الشعبي بأن هناك محاولة انقلابية، وذلك بهدف التشكيك بقدرات الحكومة على قيادة البلاد.

هل تركيا أمام انقلاب عسكري جديد؟

استبعد “سعيد الحاج” أن نكون أمام محاولة انقلابية جديدة، معتبراً أن من سيقوم بانقلاب عسكري يقوم به مباشرة ولا يلوح به بهذه الطريقة، لكن هذا في نهاية المطاف هو تدخل في الحياة السياسية من جنرالات عسكرية وإن كانت متقاعدة، وتلويح بالضغط أو التحرك.

وبحسب ما ذهب إليه ” الحاج” فإن البيان رغم أنه لا يعبر عن محاولة انقلابية، لكن أثار تساؤلات حول ما إذا كان الجنرالات الذين أصدروا البيان فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم أم لهم جهات تدعمهم من داخل المؤسسة العسكرية.

ورفض “الحاج” وصف ما حصل بأنه محاولة انقلاب، مع التذكير بأن المحاولة الفاشلة في 2016 قد ضيقت إلى حد كبير هامش المناورة أمام المحاولات الانقلابية وصعبتها، لكن لم تنهها بشكل كامل، مضيفاً أن تركيا تاريخها معجون بالانقلابات والتدخلات للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.

أما الأكاديمي “أنس يلمان” فقد وصف ما جرى بأنه “محاولة ميتة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الأطراف الخارجية وبعض الجهات الداخلية تسعى بشكل دائم إلى تضخيم ما يحدث في تركيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتغطية الإخبارية المكثفة فله.

وتوقع “يلمان” أن تكون هناك محاولات جديدة من هذا النوع ومشاكل أخرى هدفها التأثير على شعبية الحكومة قبيل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وسيسعى الإعلام المعادي لتركيا إلى تضخيمها.

ورفض “عمر الفاروق قرقماز” القول بأن زمن الانقلابات العسكرية في تركيا قد انتهى، معتبراً أن تركيا جغرافية حساسة والعدو الخارجي سيبقى يبحث عن الفرص دائماً، لكنه أبدا ارتياحاً إلى مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي في البلاد، وقد ظهر من خلال رفض منظمات المجتمع المدني والوزارات والجهات المعارضة لبيان الضباط المتقاعدين.

وكان النائب العام الجمهوري في “أنقرة” قد فتح تحقيقاً بشكل فوري في البيان الصادر عن الضباط المتقاعدين، وقد أفاد “يلمان” بأن التحقيق سيركز على معرفة من يقف خلف البيان، وكيف قام العشرات من الضباط المتقاعدين بالتنسيق فيما بينهم من أجل إصداره.

ورجح ” قرقماز” بأن تقوم المحكمة بتجريد مصدري البيان من رتبهم، وحرمانهم من رواتبهم التقاعدية.

وكانت وزارة الدفاع التركية قد أصدرت بيانا انتقدت فيه ما صدر عن الضباط المتقاعدين، وأكدت فيه أنه “لا يمكن لأحد استغلال المؤسسة العسكرية من أجل المصالح الخاصة”، واعتبرت أن ما صدر سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالديمقراطية والتأثير على الروح المعنوية للقوات المسلحة وإسعاد الأعداء.

شارك الموضوع :

اترك رداً