سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

العدالة والتنمية التركي: مؤتمر اعتيادي بطعم استثنائي

0

العدالة والتنمية التركي: مؤتمر اعتيادي بطعم استثنائي

الجزيرة نت

عقد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يوم الأربعاء الفائت مؤتمره الاعتيادي السابع، بشعار “الأمن والاستقرار من أجل تركيا”، وأعاد انتخاب اردوغان رئيساً له كما كان متوقعاً.

المؤتمر الذي جاء عادياً ودورياً من حيث التوقيت، كان استثنائياً من حيث السياق والتحديات، ولذلك فقد حرص على أن تكون رسالة التجديد واضحة جداً في المخرجات.

 

السياق

طرحت فكرة عقد مؤتمر عام للحزب عام 2019، بعد الانتخابات البلدية التي خسر فيها العدالة والتنمية بلديتي إسطنبول وأنقرة. لكن تجنباً لأن يُفهم المؤتمر على أنه تصرف تحت الضغط والتراجع أو بناء على طلبات المعارضة، قرر الحزب ألا يذهب لمؤتمر استثنائي وأن يبقي على جدوله الاعتيادي، خصوصاً وأنه لم يذهب سابقاً لمؤتمرات استثنائية إلا في لحظات التغيير الاضطراري لقيادته، أعوام 2014 و2016 و2018.

طالت مدة الإعداد للمؤتمر كثيراً بسبب تأثيرات جائحة كورونا في المقام الأول، حيث يفترض أن يسبقه مؤتمرات حزبية على مستوى فروعه في مختلف المحافظات والمدن والأحياء الكبيرة فيها. وقد أتم العدالة والتنمية هذه العملية الشهر الفائت فقط، لافتاً الأنظار في نسبة التجديد التي صبغت هذه الهيئات العمومية، تجاوباً فيما يبدو مع مطالب الناخبين ورسائلهم في الانتخابات الأخيرة. فقد تغير رؤساء فروع الحزب في 52 من أصل 81 محافظة (%64) و715 من أصل 973 حياً في المدن الكبرى (%73).

ولئن كان توقيت المؤتمر اعتيادياً وبرنامجه دورياً، إلا أن الكثير من السياقات جعلت منه استثنائياً في الدلالات والتحديات المستقبلية. فالمؤتمر يأتي بعد الانتخابات البلدية التي شهدت تراجعاً نسبياً له رغم فوزه وتقدمه الواضح بها، وبعد تأسيس حزبين جديدين يرأسهما قياديان بارزان سابقاً به، وفي خضم معركة محتدمة بين التحالفين القائمين في البلاد، والليرة ليست في أفضل حالاتها بعد إقالة محافظ البنك المركزي، فضلاً عن تحديات السياسة الخارجية العديدة.

 

مخرجات

ينتخب مندوبو الحزب في كل مؤتمر رئيسَه، والأعضاء الأصلاء والاحتياطيين لكل من اللجنة المركزية للقرار والإدارة، وهيئة الإدارة المركزية، وهيئة الانضباط المركزية، وهيئة التحكيم الديمقراطية، وهيئة الأخلاق والفضائل السياسية.

وكما كان متوقعاً، فقدأعيد انتخاب اردوغان رئيساً للحزب بإجماع كل الأصوات المتحسبة صحيحة في الاقتراع وعددها 1428 من أصل 1560 مندوباً يحق لهم الحضور والتصويت.

أول المتغيرات تبدت في إضافة “وكيل” أو نائب آخر لرئيس الحزب، وهو منصب كان استحدث في المؤتمر السابق وسيطاً بين الرئيس ومساعديه وتقلده نعمان كورتولموش. فقد أضيف رئيس الوزراء والبرلمان الأسبق بن علي يلدرم وكيلاً للرئيس إضافة لكورتولموش، بل يمكن القول إنه أصبح الوكيل الأول وكورتولموش الثاني، طبقاً لترتيب اسميهما بروتوكولياً.

على صعيد اللجنة المركزية للقرار والإدارة، فقد رفع العدد من 50 إلى 75 عضواً أصيلاً ومن 25 إلى 35 عضواً احتياطياً. حافظ 28 اسماً على وجودهم في اللجنة،  بينما خرج منها 22 اسماً، ليدخلها 47 عضواً جديداً، أي ما نسبته %62 من أعضائها الحاليين. وقد كان من اللافت أن تضم اللجنة 18 سيدة و33 نائباً في البرلمان، وأن تراعي إلى حد كبير التنوع الفكري والعرقي والمذهبي في البلاد، حيث ضمت مثلاً أحد القيادات الفكرية العلوية وأحد أبرز وجوه المجتمع الأرمني.

وأما هيئة الإدارة المركزية، أو “فريق العمل” التنفيذي المساعد للرئيس، فلم يطرأ عليها تغيرات كبيرة وحافظت على الغابية العظمى من أعضائها.

في خطابه أمام الهيئة العمومية، تلا اردوغان “بيان 2023″، حيث يعدُّ الحزب هذا المؤتمر خطوته الأولى للإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ذلك العام. وقد جدد الرئيس هكذا – بشكل غير مباشر – نفيه لأي نية بتبكير الانتخابات كما تطالب بعض أحزاب المعارضة ويتوقع بعض المحللين، لكنه من جهة اخرى أكد بشكل مباشر وصريح تمسكه بتحالفه مع حزب الحركة القومية ضمن “تحالف الجمهور” حين وعد كوادره وأنصاره بـ”انتصار جديد لتحالف الجمهور” عام 2023.

ومن أهم النقاط التي ركزت عليها الكلمة العزم على كتابة دستور مدني جديد للبلاد يحظى برضى الشعب التركي ويراعي توجهاته ويحل مكان الدستور “العسكري” الساري حتى اللحظة.

وإضافة لسرد أردوغان إنجازات حزبه والحكومات التي انبثقت عنه منذ 2002 وحتى الآن ووعوده المستقبلية في مختلف المجالات الداخلية من تعليم وصحة وقضاء وغيرها، فقد خصص جزءاً لا بأس به للسياسة الخارجية، واعداً بأن ترتكز على “الحوار والهدوء ولكن دون التنازل عن حقوق بلاده ومصالحها”.

في الخلاصة، قدم العدالة والتنمية من خلال مؤتمره العام السابع ثلاث رسائل مهمة، الأولى رسالة تجديد الكوادر تجاوباً مع مطالب أنصاره وشريحته الناخبة، والثانية وعوده باستمرار الإنجاز للبلاد، والثالثة أنه أحد أهم عناصر الأمن والاستقرار لتركيا. ولعل من أهم ما يلاحظ في مخرجات المؤتمر أنه قوّى التيار المحافظ فيه – بخلاف ما كان سائداً لسنوات – على مستوى الهياكل الإدارية بشكل عام وفي منصب وكيل/نائب رئيس الحزب على وجه الخصوص.

 

تحديات

أنجز الحزب الحاكم إذن مؤتمره العام المرتقب منذ مدة طويلة، وصوّب أنظاره نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة في 2023، وهي فترة محفوفة بالكثير الكثير من التحديات، بما يقول بشكل واضح إن المؤتمر مجرد بداية لمسار طويل وصعب.

ففي المقام الأول، ما زال التنافس بل الصراع محتدماً بين التحالفين الرئيسين في البلاد في محاولة من كل منهما للتأثير سلباً على الآخر، وإخراج أحد/بعض أحزابه منه وجذبه نحوه إن أمكن. ولعل آخر الأمثلة على ذلك حزب السعادة المعارض الذي يسعى العدالة والتنمية لجذبه نحوه ومعه الشريحة المحافظة، التي يريد الحزب الحاكم أن يحول دون توسعها داخلها وأن يبقيها ضمن حاضنته الناخبة.

ولذلك فإنه يمكن ربط بعض القرارات السياسية من زاوية ما بهذا الهدف، ولو جزئياً، مثل إعادة أياصوفيا مسجداً، واختيار شخصية محافظة معروفة بتاريخها في تيار “الميللي غوروش” الذي أسسه الراحل أربكان لرئاسة فرع الحزب في إسطنبول، والانسحاب من اتفاقية إسطنبول بدعوى تهديدها لبنية الأسرة والمجتمع، وكذلك الخطوة الأخيرة المتمثلة في تدعيم التيار المحافظ في الحزب نسبياً.

وهناك تحدي الأوضاع الاقتصادية وسعر صرف الليرة ونسبة التضخم وهي مؤشرات لها بالغ الأثر على الشارع التركي وعلى الناخبين بشكل عام. وتشكل هذه العوامل سالفة الذكر – الأحزاب الجديدة ومعارك التحالفات والوضع الاقتصادي – محددات مهمة في مدى ذهاب البلاد إلى انتخابات مبكرة، التي يجزم الحزب الحاكم وحليفه على أنها غير واردة حالياً، ولعلها من أهم التحديات التي ستبقى قائمة حتى 2023.

كما أن الانتخابات في 2023 ستكون بحد ذاتها تحدياً كبيراً أمام العدالة والتنمية، حتى وهو ما زال أقوى الأحزاب التركية وأوفرها حظاً حتى اللحظة. فضلاً عن المتغيرات العديدة التي طرأت على السياسة الخارجية التركية مؤخراً، والتي تلقي بظلالها على الداخل التركي.

أخيراً، لعل التحدي الأبرز الذي يحتاج العدالة والتنمية أن ينجح فيه هو إقناع الناخب التركي بأن رسالة التجديد التي قدمها في المؤتمر الأخير حقيقية، وليس مجرد تغيير شكلي في الأسماء. إذ أن رسالة التحفظ في الانتخابات البلدية لم يكن دافعها الأشخاص فقط، وإنما كذلك بعض جوانب الخطاب والممارسات والقرارات وما إلى ذلك، وهو ما يعني أن هذه الأمور أيضاً ستكون تحت المجهر في المرحلة المقبلة.

وتزداد أهمية هذه النقطة بالنظر إلى أن الفريق التنفيذي حول الرئيس اردوغان لم يتغير كثيراً بل حصل مجرد تبادل في المواقع بينهم، وأن الأعضاء الجدد في اللجنة المركزية للقرار والإدارة ليسوا كلهم “جدداً” بالمعنى الدقيق، فهمنهم وزراء ونواب ورؤساء بلديات سابقون، بيد أنهم لم يكونوا أعضاء في اللجنة في الدورة السابقة.

أخيراً، فإن التغيير وإن أرضى أطرافاً فإنه قد يزعج أطرافاً أخرى حين تخرج من الهياكل القيادية، وهو تحدٍّ يواجه الاحزاب التي تحكم طويلاً ومنها العدالة والتنمية الذي ألزم نفسه سابقاً بمواد تحدد مدد الاستمرار في المنصب وما زال مستمراً في سياسة التجديد.

ولذلك، يبدو أن رسالة التغيير الحقيقية سيرتقبها الشارع في التعديل الوزاري المنتظر، والذي نتوقع ألا يكون محدوداً بل أن يشمل عدة وزارات. فالحكومة ما زالت مستمرة – بتغيير وزيرين فقط – منذ 2018، وهناك عدة ملفات عليها بعض الانتقادات، وهناك حاجة للرئيس لأن يظهر للشارع جديته في التغيير والتطوير، وهناك تغيرات في بعض السياسات قد تستوجب تغيير الوجوه، وهناك تجارب وأحداث قد تدفع نحو تغيير أشخاص بعينهم بغض النظر عن مستوى أدائهم في الوزارة.

شارك الموضوع :

اترك رداً