سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل تضعف اتفاقيات التطبيع موقف الفلسطينيين في مواجهة “إسرائيل”؟

0

هل تضعف اتفاقيات التطبيع موقف الفلسطينيين في مواجهة “إسرائيل”؟

تقرير – يوسف حمود – الخليج أون لاين

 

صمت بعض العرب ورحب آخرون، لكن لا أحد ندّد، هكذا ظهر الصف العربي مهادناً هذه المرة لحالة تطبيع جديدة قامت بها دولتان في تاريخ النزاع العربي-الإسرائيلي، وسط رفض فلسطيني واسع لما قامت به الإمارات والبحرين من توقيع اتفاقية مع “إسرائيل”.

في البيت الأبيض، وبالمكان نفسه تقريباً قبل 27 عاماً، تم توقيع اتفاق أوسلو الشهير، لكن شتان بين اتفاقيتي الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال، واتفاق أوسلو، فالفارق في وزن المناسبتين أن الاتفاقية القديمة وُقِّعت حينها بين طرفي صراع هم الفلسطينيون والإسرائيليون، في حين وقعت الاتفاقيتين الحاليتين بلدان لم يدخلا يوماً في صراع مع “إسرائيل”.

كما أن اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و”إسرائيل” أواخر سبعينيات القرن الماضي، واتفاقية وادي عربة بين الأردن ودولة الاحتلال، عام 1994، جاءتا بعد صراع وحرب طويلة، وقوبلتا حينها بتنديد عربي وشعبي واسع، وصلا إلى حد مقاطعة العرب لمصر حينها، عكس ما يحدث حالياً مع المنامة وأبوظبي من ترحيب وصمت واسع.

ورغم ما تعتقده الدولتان الخليجيتان، من أن هذه الاتفاقية ستُضعف الموقف الفلسطيني وتدفعه إلى القبول بالأمر الواقع، فإن هذه الخطوة قد جمعت جميع الفصائل الفلسطينية في موقف واحد رافض لهذا التطبيع، وعدم قبول أي اتفاق قبل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

 

موقف رافض

على مدار السنوات الماضية، كانت الفصائل الفلسطينية تعيش خلافات داخلية واسعة، لكن اتفاق التطبيع الأخير وحَّد الأطراف السياسية والأطياف الشعبية كافة، ضد ما قامت به الدولتان الخليجيتان.

فبينما نظمت فصائل المقاومة الفلسطينية وقفة احتجاجية غاضبة أمام مقر المجلس التشريعي رفضاً للتوقيع على اتفاق التطبيع، وأحرقوا صوراً لقادة دولتي الإمارات والبحرين، خرجت تظاهرات في الخليل ورام الله وجنين ونابلس وطولكرم، ورفع المتظاهرون أعلام فلسطين، ورددوا هتافات مناهضة للتطبيع.

ي

وفي الموقف الرسمي، أكد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن الخطوات المقبلة للقيادة الفلسطينية ستكون مبنيَّة على وحدة الموقف الفلسطيني؛ لإسقاط اتفاقات التطبيع وخطتي الضم الإسرائيلية والسلام الأمريكية.

وأكد أبو ردينة، في بيان صحفي، أن حراكاً سياسياً وشعبياً سيتواصل خلال الأيام المقبلة؛ للوقوف في وجه هذه المخططات، والحفاظ على الثوابت الوطنية، وأن القيادة الفلسطينية في حالة انعقاد دائم؛ لدراسة الخطوات المقبلة، في ضوء التطورات المتعلقة باتفاقات التطبيع.

من جانبها اعتبرت حركة “حماس”، الثلاثاء، أن توقيع كلٍّ من البحرين والإمارات على اتفاقي التطبيع مع إسرائيل، “كأن لم يكن، ولا يساوي الحبر الذي كُتب به”، مشيرة إلى أن “الشعب الفلسطيني سيتعامل مع هذه الاتفاقات كأنها لم تكن”.

من جهتها، اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن الإعلان يعد “يوماً أسود” في تاريخ الشعب الفلسطيني والأمة العربية، و”يوم سقوط لنظامَي الإمارات والبحرين في وحل الخيانة”، فيما رأت حركة الجهاد الإسلامي أن الفلسطينيين لن يسمحوا “لهذا الاتفاق بأن يمس بحقوقنا وثوابتنا، ولن يكون أبداً على حساب وجودنا على أرض فلسطين”.

 

تعزيز وحدة الموقف

وفي الوقت الذي تعتقد فيه البحرين والإمارات أن مثل هذه الاتفاقيات ربما ستُضعف الفلسطينيين، وتدفعهم إلى القبول بالأمر الواقع، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف، أن هذا التطبيع “سيساهم في تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الاتفاقيات والاحتلال”.

وأكد أن ما يحدث اليوم “مؤشر على أن هذه الاتفاقيات الحياتية جمعت شمل الفلسطينيين بعد خلافٍ دامَ 14 عاماً”.

ويعتقد أن هذه الاتفاقيات “نابعة من خوف الدولتين من تحرك الشعوب ضد سياسات دولهم”، مستدلاً بحديث وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف الزياني، عن أن هذه الاتفاقية مع الاحتلال “لحماية نظامه الحاكم”.

س

وتساءل الصواف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، عن دوافع لجوء أبوظبي والمنامة إلى التطبيع مع “إسرائيل”، قائلاً: “هل هاتان الدولتان في حالة حرب مع الاحتلال؟ وهل اشتبكتا في يوم من الأيام مع الاحتلال، أو دخلتا أي مواجهات مسلحة مع إسرائيل، عكس مصر والأردن وحتى السلطة رغم أنه غير مبرر ما قامت به مصر والأردن والسلطة بالاعتراف بالاحتلال وإقامة علاقات معه، وهم أول من طعن وخان القضية الفلسطينية؟”.

وفي حال ارتفع عدد الدول المُطبِّعة لاحقاً وانضمت دول أخرى إلى البحرين والإمارات وعن مدى تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، يقول الصواف: “لا أعتقد- حتى لو طبَّع كل العرب- أن قضية فلسطين ستتأثر، ما لم يقر الشعب الفلسطيني بحق الاحتلال في فلسطين”، مؤكداً أن الفلسطينيين “لا تعنيهم كثيراً حالة الانهيار العربي”.

ودلل على حديثه بالقول: “ما حدث الليلة الماضية وفجر اليوم، من تبادل القصف بين المقاومة والاحتلال، كأن المقاومة ترسل رسالة إلى الجميع، بأن طريق تحرير فلسطين هو المقاومة وليس عبر التطبيع والخيانة”، مضيفاً: “هذه هي المعادلة التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني، ولا أعتقد أنها ستتغير”.

اختلاف في الاتفاقيات

قبل الـ13 من أغسطس 2020، كانت العلاقات العربية الإسرائيلية مقتصرة على مصر والأردن، اللتين وقَّعتا اتفاقيتي تطبيع مع “تل أبيب”، عامي 1979 و1994، قبل أن ينفرط العقد من بوابة الإمارات والبحرين، وسط توقعات وتسريبات تتحدث عن مزيد من “اتفاقيات السلام” في الفترة القريبة المقبلة.

في 26 مارس 1979، وقَّعت مصر مع “إسرائيل” معاهدة سلام بهدف إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودية بين مصر و”إسرائيل”، وانسحاب الأخيرة من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة.

وفي 26 أكتوبر 1994، وقَّع الأردن اتفاقية سلام مع “إسرائيل”، حول الحدود الفاصلة بينهما المارَّة بوادي عربة.

كما أن اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993، وهي أول اتفاقية رسمية مباشرة بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت تهدف إلى “إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل”.

ؤ

وفي 15 سبتمبر 2020، وقَّعت الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام مع “إسرائيل”، رغم أن البلدين لا تربطهما حدود مع دولة الاحتلال ولم يدخلا في أي حرب مباشرة معها.

وكانت السلطات الإماراتية والبحرينية قد قررت المضي قُدماً في علاقاتها مع “تل أبيب”، وإخراجها من تحت الطاولة إلى النور بعد سنوات من التقارب، ضاربةً عرض الحائط بالنداءات الفلسطينية المحذِّرة من ضرورة عدم السقوط في وحل التطبيع قبل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وعدم التخلي عن ثوابتها، وعلى رأسها القدس المحتلة وقضية اللاجئين.

خيارات الفلسطينيين

ويقول الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني سعيد الحاج، إن ما يحدث الآن لا يقارَن باتفاقيات الماضي، مشيراً إلى أن ما يحدث “ليس اتفاق سلام عادياً؛ لكون البلدين ليسا ضمن الدول المحيطة بفلسطين أو المجاورة لـ(إسرائيل)، فما يحصل أخطر وأبعد من اتفاق سلام أو تطبيع؛ بل تعاون قد يصل إلى تحالف مع الكيان الصهيوني”.

ويرى “الحاج” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الاتفاقية الموقعة “إشهار وإعلان لمسار للدولتين، وينبغي النظر إلى أن ما حدث محاولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط والوطن العربي، بحيث لا يكون الكيان الصهيوني دولة دخيلة أو عدوة؛ بل جارة ودولة موجودة، والنظر إلى تركيا وإيران والجماعات الإسلامية كأعداء”.

ومن خطورة الاتفاق، في رأيه، أن “حالة التعاون بين الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية، شملت تعاوناً استخباراتياً ومشاركة في مناورات عسكرية، كأن هناك سيراً نحو توحيد الرؤية تجاه قضايا المنطقة”.

وأضاف: “الإشارات التي أرسلها ترامب- أو ما تضمنه الاتفاق- تتحدث عن أجندة استراتيجية في الشرق الأوسط، وهذا يعني إعادة تشكيل للمنطقة وفقاً للرؤية الأمريكية والإسرائيلية، وهذا يعني انهياراً كاملاً للعمل الرسمي العربي المشترك الذي كان في أسوأ حالاته أساساً، كالمبادرة العربية، وسيمهد لدول عربية للتقدم أيضاً نحو التطبيع”.

ي

ويؤكد أن الجانب الفلسطيني سيواجه صعوبة؛ لكونه كان يستند إلى الموقف العربي سابقاً، خصوصاً فيما يتعلق بما تضمّنه بعض الاتفاق من التزام بعدم السماح بأي أنشطة ضد الكيان الصهيوني، مضيفاً: “هذا يزيد من القيود على الفلسطينيين”.

وتابع: “الفلسطينيون لديهم كثير من الخيارات، والجزء الأساسي منها متعلق بالشق الداخلي، بوحدة فلسطينية حقيقية بناءً على نضال مشترك ومراجعة الأخطاء السابقة، إضافة إلى احتياج الفلسطينيين للبحث عن شراكات أخرى، ليس من الضروري أن تكون عربية، بل الوصول إلى الخارج إسلامياً ودولياً”.

ويرى أن الصدمة مما حدث “ستدفع الفلسطينيين نحو خيارات ومراجعات حقيقية، خصوصاً الموقف الفلسطيني الرسمي للمنظمة والسلطة، بما يمكن أن يطلق العنان لمشروع فلسطيني حقيقي يتوحد خلفه الفلسطينيون كافة”.

لا فائدة مرجوَّة للفلسطينيين

بدوره يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني عدنان أبو عامرة، أن الاتفاقيتين جاءتا في ظل “موقف إقليمي وفلسطيني صعب”، مشيراً إلى أنهما لم تأتيا لمصلحة الفلسطينيين؛ بل “لإضعاف الموقف الفلسطيني مما هو قائم حالياً، ومنح (إسرائيل) وأمريكا فرصة الاستفراد بالفلسطينيين وحدهم، دون دعم إقليمي ودولي”.

ويرى أن خطورة هذا التطبيع تأتي من أنه “يمكن أن يستدرج دولاً أخرى نحو التطبيع، وتصوير الصراع على أنه فلسطيني إسرائيلي، وليس عربياً مع دولة الاحتلال”.

وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “التطبيع هدفه توفير حماية للأنظمة الخليجية المتهاوية، التي تخاف من كابوسٍ اسمه (إيران) التي جعلتها أمريكا بعبعاً في المنطقة”.

وتابع: “السلام يُصنع مع دول معادية، والبحرين والإمارات وقَّعتا اتفاقية ثنائية؛ لحمايتهما، مع أن (إسرائيل) لم توفر لأحدٍ حماية طوال عمرها، وكانت نهايتهم كارثة”.

شارك الموضوع :

اترك رداً