سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

عن التوتر التركي – الروسي بإدلب

0

 

عن التوتر التركي – الروسي بإدلب

عربي 21

على عكس ما جرت عليه العادة، اتسمت التصريحات التركية مؤخراً بالحدة تجاه الجانب الروسي. فبعد أن كانت أنقرة تلقي باللائمة عند كل تصعيد على النظام حصراً – رغم مشاركة روسيا في القصف – لدرجة اتهامه بالعمل على تخريب التفاهمات التركية – الروسية، أشركت أنقرة موسكو مؤخراً في تحمل مسؤولية ما يحصل للمدنيين في إدلب.

يعكس الأمر بالتأكيد انزعاج تركيا من تنصل روسيا من  التفاهمات التي أبرمتها معها ووقف إطلاق النار المعلن في إدلب، والذي أتى بعد اتفاق ثنائي بين بوتين واردوغان. وقد عبر الأخير عن مدى انزعاجه من الأمر بعبارات وصلت لعدِّ مسار أستانا في حكم المنتهي لأن روسيا لم تلتزم به ولا باتفاق سوتشي على حد تعبيره.

يمكن بسهولة ملاحظة الحرج التركي المركّب في ملف إدلب. فمن جهة، ثمة حرج بسبب التنصل الروسي من تفاهمات مباشرة توصل الطرفان إليها على المستوى الرئاسي. ومن جهة أخرى، يبدو الضامن التركي غير قادر على منع تقدم النظام وضمان وقف تصعيده رغم أنه ضامن لطرف المعارضة بشكل تام. ومن جهة ثالثة، بات عدد نقاط المراقبة التابعة له والتي تحاصرها قوات النظام السوري في تزايد مؤخراً مع تقدم الأخيرة المتسارع. فضلاً عن رفضه لحسم الأوضاع الميدانية قبل التوصل لحل سياسي ما للقضية السورية، ما سيعرض مصالح تركيا – وليس فقط المعارضة السورية – للضرر.

يفسر ذلك السقف المرتفع لتصريحات اردوغان الأخيرة، وكذلك التعزيزات العسكرية الكبيرة على الحدود السورية، وخصوصاً نقاط المراقبة التي استحدثتها أنقرة في محيط سراقب لمنع سيطرة النظام عليها، وصولاً للتهديد بعملية عسكرية جديدة في إدلب في حال لم يتوقف تصعيد النظام.

بعد كل ذلك، لم يكن ثمة بد من وقوع الحظور فيما يبدو. سقط ثمانية أتراك بقصف مدفعي للنظام، وردَّت تركيا بتحييد العشرات من مقاتلي النظام وزيادة تعزيزاتها في المنطقة. ولكن، ولأنه لا يمكن توقع ذهاب النظام إلى هذا الحد دون تنسيق أو على الأقل ضوء أخضر من موسكو، فنحن إزاء أكبر حالة توتر بين تركيا وروسيا منذ إبرام التفاهمات بينهما بل منذ إسقاط السوخوي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

ألقت وزارة الدفاع الروسية باللائمة على أنقرة مدعية أنها لم تنسق وترسل الإحدثيات كما يفترض، فردت أنقرة بالنفي. الرئيس التركي أوصل للروس رسالة واضحة: “لستم هدفنا، وإنما النظام، فلا تحاولوا قطع الطريق علينا”.

يعني كل ذلك ان اتفاق سوتشي بخصوص إدلب قد انتهى عملياً، وأن مسار أستانا برمته على المحك اليوم. فالضامنان الأكبر روسيا وتركيا يتبادلان الرسائل الساخنة بالبارود والنار. فإلى أين يمكن أن تسير الأمور؟

لا شك أن أنقرة معنية برد قاس على النظام لقتله جنودها وهي بالتأكيد رسالة ضمنية وغير مباشرة لروسيا قبل النظام. كما أنها معنية بتعزيز وجودها في المنطقة واستثمار الحدث لتغيير التوازنات الميدانية قدر الإمكان بما يمكن أن يردع قوات النظام ويوقف/يبطئ تقدمها، لكن قرار عملية عسكرية واسعة الآن ليس مرجحاً، ليس والعلاقات مع روسيا في أوج توترها، وليس وبعض نقاط المراقبة العسكرية التركية محاصرة من قبل قوات النظام.

وعليه، فمن المتوقع أن يتحول التفاوض بالنار إلى تفاوض بالكلمات قريباً جداً كما يحصل عادة بعد كل تصعيد من النظام وروسيا، للتوصل إلى اتفاق أو تفاهمات جديدة بين أنقرة وموسكو. وإلا فإن الاحتكام للميدان يحمل دائماً معه احتمالات تدحرج الأحداث إلى ما لا تحمد عقباه.

وأما التحركات العسكرية التركية، فيمكن أن تحدث في حال تعرض جنود أتراك للهجوم كما حصل مؤخراً، أو اقتربت قوات النظام من مناطق خارجة عن التوافق التركي – الروسي أو لا تريد تركيا وصول النظام لها، أو حاول النظام الوصول للحدود والسيطرة على المعابر الحدودية. ذلك أن أنقرة ما زالت تعتبر وجود النظام على حدودها خطراً عليها ولا تنسى كيف سهل و/أو حرض على عمليات إرهابية داخل تركيا مثل تفجير الريحانية عام 2013 والذي قتل فيه  أكثر من 50 مواطناً، رغم كل الجهود الروسية للتقريب بين الجانبين وآخرها الجمع بين حاقان فيدان وعلي مملوك في سوريا وفق تقارير لم تنفها أنقرة بشكل قاطع.

في الخلاصة، فتركيا وروسيا ليستا معنيتين اليوم بمواجهة مباشرة بينهما، لكن التفاهمات السابقة لم تعد قائمة بطبيعة الحال، ما يحيل للحاجة إلى اتفاق جديد، بغض النظر عن مدى تناغمه أو اختلافه مع سابقيه. ولعله من البديهي توقع أن يكون أي اتفاق مستقبلي هشاً كذلك في ظل افتراق الرؤى وتضارب المصالح الواضحَيْن، لكن المعطيات الحالية تشير إلى أن كلا الطرفين يدرك أن نهاية هذا التصعيد ينبغي أن تكون اتفاقاً ما. وبالتالي فالخطوات السياسية والدبلوماسية والعسكرية الميدانية تسعى بطريقة أو بأخرى لتثبيت المواقف وتعظيم أوراق القوة بغية الخروج بأفضل الشروط من الاتفاق المفترض أو الوشيك، وإلا فإن المنطقة ستكون مفتوحة على سيناريوهات لا تحمد عقباها.

شارك الموضوع :

اترك رداً