سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الرابحون والخاسرون في الميدان السوري

0

الرابحون والخاسرون في الميدان السوري

حوار مع مركز الشام للصحافة والإعلام
الجزء الثاني
أجرى الحوار: محمد صفية

خلف الانسحاب الأمريكي من مناطق شمال شرق سوريا حالة من الإرباك في منطقة تشهد حالة من السيولة الجيوسياسية وبات واضحا أن الرمال السورية المتحركة بدأت ترسم خرائط نفوذ جديدة في المشهد السوري

في ظل كل هذه المتغيرات تبدو إدلب في حالة من الترقب والتساؤل عن الخطوة القادمة للنظام ومن خلفه روسيا باتجاه المدينة وكيف سيؤثر أي تحرك عسكري تجاه المدينة على التفاهمات الروسية مع أنقرة والتي أفضت إلى تشكيل لجنة دستورية تبدو هلامية الملامح والأهداف والصلاحيات حتى الآن

في الجزء الثاني من المقابلة الصحفية التي أجراها مركز الشام للإعلام والصحافة مع د. سعيد وليد الحاج الخبير في الشأن التركي ناقشنا كل هذه العناوين وغيرها.. وإليكم نص المقابلة في جزئها الثاني:

كيف يمكن تفسير عودة التصعيد العسكري الروسي في إدلب والذي تزامن مع اجتماعات اللجنة الدستورية وكيف ترى مصير إدلب بشكل عام؟

بطبيعة الحال هناك رهان دائم ومن روسيا النظام أن ملف إدلب يمكن حسمه بعمل عسكري معين على طريقة الحل العسكري في حلب أو الغوطة الشرقية، وأعتقد أيضاً أن روسيا ترى في عملية نبع السلام والتفاهمات التركية الروسية باعتبارها قد حققت الأولويات التركية وأهم الأهداف التركية فإنه سيتيح لروسيا أن الاستفراد بإدلب.

لكن اعتقد أنه ميدانياً أولاً وعسكرياً من جهة أخرى أنه من الصعب جدا أن يكون هناك عملية عسكرية كبيرة جداً تحقق الأهداف التي يريدها النظام وروسيا من خلالها دون تكلفة عسكرية أو بشرية كبيرة وثانياً مازال من غير الواضح إن كانت تركيا ستسمح أو ترضى بهذه العملية بهذه الحدود وبالتالي سوف نشهد بطبيعة الحال استثماراً من قبل روسيا والنظام للتفاهمات التركية الروسية في شرق الفرات في ملف إدلب، لكن ليس مقطوعاً به حتى اللحظة بانه قد تحصل عملية مشابهة وبالتالي القضاء على سيطرة المعارضة في آخر قلاعها في إدلب.

لكن اعتقد أن إدلب أمام علامة استفهام كبيرة جداً حالياً باعتبار أنه سيكون هناك ضغط روسي كبير جداُ عليها، لكن الأمر مرشح لأن يكون هناك عملية تدريجية باستمرار قضم الأراضي والتراجع النسبي والتدريجي للمعارضة أكثر مما هو مرشح من عملية عسكرية واسعة يمكن أن تقضي تماماً على وجود المعارضة السورية هناك.

لكن على المدى البعيد فإن الهدف النهائي لروسيا والنظام هو السيطرة على تلك المناطق، ربما ليس كل محافظة إدلب وما حولها، لكن أعتقد أن الجزء الأكبر منها سيؤول في نهاية المطاف للنظام لاسيما أن تركيا لا تملك المسوغات القانونية والسياسية التي يمكن من خلالها أن تبقى في مواجهة النظام كما أنها لا تريد أيضاً مواجهة عسكرية مع روسيا وفي حال استمرت التفاهمات الروسية التركية التي تحقق أهدافها شرقي الفرات فأنا اعتقد أن إمكانات المعارضة بتأجيلها أو تعقيدها للأهداف الروسية في إدلب ستكون ضعيفة جداً وفي تراجع وبالتالي ستكون المعارضة السورية في إدلب أمام استحقاقات صعبة جداً في المستقبل.

هل تعتقد أن اللجنة الدستورية قابلة للحياة فعلا خاصة بعد الجو المشحون والاستفزازي من وفد النظام في جنيف؟

بطبيعة الحال إن الحل السياسي سوف يسرع بطريقة أو بأخرى بعد عملية “نبع السلام” وأنا أرى أن عملية نبع السلام ربما هي المواجهة العسكرية الأخيرة من هذا الطراز في الميدان السوري لأن أغلب الأطراف الإقليمية والدولية حصلت على ما تريد وبالتالي لم يعد هناك مجال كبير للمواجهات العسكرية، هناك فقط محاولة تسريع للحل السياسي ووجدنا بعض إرهاصاته منذ اللقاء الثلاثي في تركيا بين انقرة وطهران وموسكو ولذلك بدأت أعمال اللجنة الدستورية. بعد عملية نبع السلام

لكن اعتقد أن اللجنة الدستورية والحل السياسي بشكل عام مازال أمامها الكثير من العقبات، فمازال هناك خلال أساسي حول ماهية اللجنة الدستورية وصلاحياتها وهل هي ستقوم بصياغة دستور جديد أم إصلاحات معينة وتعديلات على الدستور القائم وبأي نسب تأخذ قرارتها وهل هي مستقلة وتفرض رأيها على جميع الأطراف أم أنها تحت قرار النظام السوري وبالتالي ستصبح قراراتها استشارية وغير ملزمة، كل هذه الأمور حقيقة هي في جوهر عمل اللجنة الدستورية ولذلك أنا لا أتوقع إنجازات واختراقات كبيرة وسريعة لها، إنما سيكون حالة من التدافع السياسي سوف تعتمد مرة أخرى على مدى توافق الأطراف الإقليمية والأطراف الثلاثة في مسار أستانة التي هي روسيا وتركيا وإيران ثم تعتمد على أداء الفواعل المحلية إن كان نظام أو معارضة أو حتى المجموعة الثالثة التي تمثل مؤسسات المجتمع المدني.

يصف البعض الموقف الامريكي وانسحابه من مناطق شمال شرق سوريا بالهزيل والضعيف هل هو كذلك فعلا أم أن الأمريكان يديرون الملف بذكاء وبأقل الخسائر؟

أنا اعتقد أن هناك عدم إلمام وعدم سبر عميق للموقف الأمريكي، صحيح أن هناك رؤية لترمب بانسحاب أمريكي من سوريا لكن حتى اللحظة كان التدخل الأمريكي أولاً ثم السماح بدور معين وتدخل روسي معين كان يحمي الأهداف الأساسية التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية للأزمة السورية.

من جهة أخرى فالانسحاب الأمريكي مازال يحافظ على هذه الأهداف بمعنى أن هناك شبه تفويض لروسيا في هذا الملف، لكن بعد أن قضي على داعش تماماً فهناك مازال حماية جزئية من الولايات المتحدة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية ومازال ملف النفط تحديداً في يد الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار وجودها في مناطق آبار النفط شمال شرق سوريا وهناك أيضاً القوات الامريكية في قاعدة التنف ومناطق أخرى التي تعتبرها واشنطن استراتيجية ويمكن أن تضبط بها مسار الانتقال بين إيران والعراق وسوريا فضلاً عن الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وبالتالي الأهداف الأساسية الامريكية مازالت محافظا عليها، وربما هناك ضمانات وتفاهمات مع موسكو قبل أي طرف آخر وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية تخفف عديد قواتها في سوريا لكنها لا تتنازل كثيراً عن أهدافها ومصالحها في سوريا بدليل أنه حتى الضوء الأخضر الذي منحته لتركيا لعملية نبع السلام وضعت فيه خطوطاً حمراء أشار إليها ترمب في تغريداته على تويتر عندما قال: “إذا تخطت أنقرة خطوط معينة سيكون لهذا الأمر نتائج كارثية”.

وبالتالي لا يمكن القول أن الانسحاب الأمريكي هزيل خصوصاً إذا ما أضفنا أن هناك نقاش جدي وخلافات أساسية بين ترمب من جهة والمؤسسة الأمريكية عموماً والبنتاغون على وجه الخصوص فيما يتعلق بسوريا والمنطقة عموماً وبالتالي دائماً المواقف التي اتخذها ترمب والقرارات قابلة للتراجع أو التعديل ولهذا قد نجد بعض ارتداداته وهو يفسر الحقيقة السرعة الكبيرة التي سارت فيها العملية التركية بأيامها الأولى، حيث كان هناك استشعار تركي بان أنقرة تحتاج لإنجازات واختراقات ميدانية قبل أن يطرأ أي تغيير على الموقف الأمريكي.

من هم اليوم الرابحون والخاسرون الآن في الملعب السوري وهل يمكن أن نشهد مفاجأت مستقبلا؟

الحقيقة أن حسابات الربح والخسارة في المشهد السوري تحتاج لتقييم أعمق وأدق، لكن مبدئياً أنا اعتقد أن روسيا وبدرجة أقل إيران والنظام هم أكبر الكاسبين على الأرض مؤخراً، باعتبار أن روسيا الآن شبه مفوضة تماماً بالملف السوري، ليس فقط ميدانياً وإنما سياسياً أيضاً والآن ليس هناك حديث كثير عن ملف جنيف، حتى ملف الحل السياسي واللجنة الدستورية الآن انتقل لإطار آستانة بدلاً من جنيف.

حالياً التفاهمات التركية الروسية هي التي تصوغ معظم الملف السوري خصوصاً في الشمال السوري وليس التفاهمات التركية الأمريكية.

النظام دخل الآن لمناطق كثيرة باتفاق روسي تركي دون ان يبذل جهداً كبيراً، كانت العملية التركية والضغط التركي على قوات سوريا الديمقراطية كفيلة بأن تأتي بقوات سوريا الديمقراطية إلى حضن النظام وأن تتنازل كثيراً عن شروط الحوار والتفاوض وبالتالي سلمت المناطق الحدودية للنظام، هذا كله يعتبر مكاسب كبيرة للنظام وروسيا، فضلاً عن تسريع الحل السياسي الذي اعتبره من مصلحة النظام وروسيا.

تركيا من جهتها حققت الجزء الأهم من أهدافها بالعملية وذلك بإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها، الآن زادت المساحة التي تديرها تركيا في الداخل السوري بالتعاون مع المعارضة السورية، وأصبحت أوراقها أقوى في الميدان وبالتالي على طاولة المفاوضات بخصوص مستقبل سوريا.

تركيا الآن أصبحت ضمن الإطار الثلاثي في مسار الحل السياسي بموقف أقوى من ذي قبل، وبالتالي فأنا اعتقد أن روسيا أولاً ثم إيران والنظام تليهم تركيا أكثر المستفيدين من الأزمة السورية وما آلت إليه مؤخراً.

الأمريكيون.. لا يمكن القول أنهم خسروا بل هم تراجعوا عن بعض مكاسبهم ومصالحهم في سوريا بقرارهم الذاتي، لكنهم ما زالوا يحافظون على أهدافهم الرئيسية التي يريدونها من الأزمة السورية.

الكيان الصهيوني حفظ أمنه بطريقة أو بأخرى عن طريق الوجود الأمريكي في سوريا اولاً وعن طريق التفاهمات مع روسيا التي أبعدت الميليشيات المحسوبة على إيران عن حدود فلسطين المحتلة ثانياً وبالتالي أمّنت على أمنها بدرجة أو بأخرى.

من الخاسرين في الميدان السوري الدول الأوربية وخاصة فرنسا التي كانت ترغب بأن ترث دور الولايات المتحدة ورئاسة التحالف الدولي ضد داعش في سوريا والإبقاء على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وهذا يفسر حدة الموقف الفرنسي والأوربي ضد تركيا بما فيها بعض القرارات التي اتخذها البرلمان الفرنسي في هذا الإطار

أكبر الخاسرين في الملف السوري حتى اللحظة هي الدول العربية التي خرجت تماماً من المعادلة ولم تعد موجودة فيها لا بالميدان ولا في أفق الحل السياسي ولا حتى في آلية اتخاذ القرار ببيانات الجامعة العربية التي أدانت العملية التركية وتحولت إدانتهم لأقل من حبر على ورق.

بدرجة أخرى يمكن القول أن المعارضة السورية وإن حققت مكاسب رمزية في مرافقة القوات التركية بعملية “نبع السلام” وبالتالي وجودها على أخرى، وباعتبار أن هناك علامات استفهام كبيرة على مصير إدلب وباعتبار أنهم لا يحملون مشروعاً مستقلاً لأنفسهم، بل يسيرون في ركب العمليات التركية وبالتالي ليس لهم الكثير من الهامش للتحرك المستقبلي وهم كالنظام رهناء للمواقف والتفاهمات والتسويات الإقليمية والدولية…

شارك الموضوع :

اترك رداً