سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

عن عودة العلاقات بين تركيا ونظام الأسد.. ماقبل عملية “نبع السلام” ليس كما بعدها!

0

عن عودة العلاقات بين تركيا ونظام الأسد.. ماقبل عملية “نبع السلام” ليس كما بعدها!

حوار مع مركز الشام للإعلام والصحافة حول عملية نبع السلام

أجرى الحوار: محمد صفية

الجزء الأول

جاءت عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا بهدف إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود الشمالية لسوريا وبعمق 32 كم وطرد الميليشيات الكردية الانفصالية منها، وبينما كان المشهد يوحي بإنجاز تركي جديد خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة كان من الممكن أن يعطي الأتراك هامشا إضافيا على حلبة التفاوض مع الروس.

إلا أن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئا بل وصادما لكل من النظام السوري والمعارضة على حد سواء إذ تمكن الثعلب الروسي من استثمار “نبع السلام” ليغرف من خلاله المزيد من الجغرافية السورية على الحدود وليجد النظام السوري نفسه فيها ولو بشكل رمزي ما يطرح تساؤلات عدة عن طبيعة العلاقات المستقبلية بين النظام وتركيا مع احتمالات الاحتكاك المباشر والتدريجي بين الجانبين إلى أن تصل إلى عودة العلاقات وفق ما يشتهي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ماهي إمكانية تطبيق هذا الافتراض على الأرض وكيف سيؤثر على مصير اللاجئين بعد تحديد المنطقة الأمنة بين أبيض ورأس العين

حول هذه موضوع وغيره من النقاط تواصل مركز الشام للإعلام والصحافة مع د. سعيد وليد الحاج الخبير في الشأن التركي في لقاء خاص ومطول نعرض منه الجزء الأول على أن نعرض الجزء الثاني منه غدا بعونه تعالى

وإليكم نص المقابلة في جزئها الأول:

هل يمكن القول أن عملية نبع السلام أنها بوابة لعودة العلاقات بين تركيا والنظام السوري وماهي دلالات ذلك؟

بطبيعة الحال عملية “نبع السلام” جاءت وفقاً لمسوغات متعلقة بالأمن القومي التركي وباعتبار أنها عملية عسكرية على الأرض فقد كانت تحتاج لغطاء سياسي، هذا الغطاء السياسي يتمثل في تواصل أنقرة مع واشنطن وموسكو بالدرجة الأولى ولكن المعطيات الميدانية والمواقف السياسية المختلفة أدت إلى توقف العملية عند المحطة الأولى منها ولم تكتمل تماماً مع تدخلات وتفاهمات مع واشنطن وموسكو.

الآن في المحصلة بات واضحا أن هناك تواجد ولو رمزي وفق اتفاق سوتشي الأخير بين موسكو وأنقرة لشرطة الحدود “القوات السورية” في المناطق القريبة من الحدود التركية، هذا متغير مهم…

نحن نعلم أن روسيا تمارس ضغوطاً أو على الأقل لديها سعي واضع لرفع مستوى العلاقات بين أنقرة ودمشق، وربما إعادتها لحالة رسمية علنية عادية جداً كما كانت عليه قبل الأزمة السورية، لكن من الواضح أن أنقرة مترددة في هذا الأمر إضافة للضغوط الداخلية في تركيا من المعارضة السورية والتركية خاصة حزب الشعب الجمهوري أقوى أحزاب المعارضة التركية الذي يرى أن من مصالح تركيا وأمنها القومي أن تحافظ على علاقات مباشرة مع نظام الأسد.

حيث أن المصلحة المشتركة للطرفين هي منع التجزئة والحدود الانفصالية أو مشروع قوات سوريا الديمقراطية في الشمال السوري، هذه العملية الآن أدت لوجود قريب للنظام من الحدود التركية وبالتالي هذا التواجد بتنسيق مع القوات الروسية ووجود دوريات مشتركة تركية روسية سيحدث احتكاكاً ميدانياً سيضطر بطبيعة الحال والظروف الميدانية لرفع مستوى التواصل بين الطرفين “دمشق وأنقرة”.

الأمر الثاني هو أن الاتفاق “التركي الروسي” في سوتشي ينص في إحدى مواده على ضرورة وأهمية اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1998 وأن تسعى روسيا الاتحادية لتفعيلها، هذا التفعيل بطبيعة الحال نظرياً على الأقل يتطلب من الطرفين “تركيا وسوريا”، وبالتالي نحن نرى أن هناك بوابة على الأقل سيضغط فيها الروس أكثر فأكثر على أنقرة لترضى بمستوى التواصل مع دمشق وبالتالي تحويل العلاقة التي وفق التصريحات التركية الأخيرة أنها متدنية جداً حتى الآن وتقتصر على الاستخبارات وبعض القوات المسلحة، إلى أن تكون علاقات رسمية ودبلوماسية وسياسية، وهذا بالنسبة للنظام وروسيا مكسب كبير جداً، باعتبار أن تركيا ليست فقط دولة إقليمية كبيرة ومؤثرة بالمشهد السوري بل هي أيضاً الداعم الوحيد المتبقي إلى جانب المعارضة السورية وبالتالي اعتراف أنقرة بنظام الأسد ونسج علاقات رسمية معه يعني إنهاء الصراع السوري لمصلحة النظام بطريقة أو بأخرى.

وهل تعتقد أن تركيا جاهزة لإعادة العلاقات مع النظام السوري؟

حتى اللحظة تركيا مازالت مترددة في ذلك وهي ترى أن العلاقات مع روسيا تكفي مؤونة التواصل مع دمشق وأن الرسائل التي تصلها عبر روسيا وإيران أو عبر التواصل “متدني المستوى” الذي ذكرته مسبقاً يكفيها حتى اللحظة وبالتالي فهي غير متشجعة لإعادة العلاقات العلنية مع النظام، لكن وفقاً لوتيرة التفاهمات والعلاقات السياسية والخطوات الميدانية يبدو أن هذا الأمر يسير بخطوات متدرجة نوعاً ما، وإن كانت أنقرة تحتفظ بفكرة عدم عودة العلاقات الرسمية مع دمشق إلى حين حصول الحل السياسي ثم انتخابات وحكومة جديدة في سوريا كما تأمل، إلا أن أنقرة قد تضطر لاحقاً لرفع متدرج للعلاقات مع دمشق حتى قبل حصول الحل السياسي بفعل المتغيرات الميدانية والضغوط الروسية والتركية الداخلية ولاسيما أن عملية “نبع السلام” حققت الهدف الأهم لتركيا وهو إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود التركية وبالتالي إزاحة الخطر الانفصالي

كيف سيؤثر دخول النظام إلى المناطق الحدودية على فكرة المنطقة الآمنة التي كانت تطمح لها أنقرة خاصة وأن الساسة الاتراك كانوا يتحدثون عن مرحلة أولى وثانية لنبع السلام؟

بطبيعة الحال فإن دخول قوات النظام والقوات الروسية إلى مناطق شرق وغرب عملية “نبع السلام” مؤثر جداً في فكرة “المنطقة الآمنة” التي سعت تركيا لإنشائها.

تركيا كانت تريد هذه المنطقة على طول الحدود السورية التركية وبعمق 32 كيلومتراً يمكن بعدها إعادة مليون أو مليوني لاجئ سوريا إليها أو حتى 3 ملايين لاجئ في مراحل لاحقة.

الآن وفق ما حصل بعد التفاهمات ونتائج عملية “نبع السلام” هناك فقط منطقة ما بين “تل أبيض” و”رأس العين” بعمق 30 كيلومتراً تتواجد فيها القوات التركية وقوات الجيش الوطني السوري من المعارضة السورية المتحالفة مع أنقرة، هذه المنطقة الوحيدة تقريباً التي يمكن القول أنه سيتشجع السوريون على الاراض التركية لأن يعودوا إليها، لكن شرق وغرب هذه المنطقة وفي ظل وجود الدوريات الروسية  وقوات النظام لن يتشجع السوريون للعودة إليها، خصوصاً أن روسيا والنظام كان لهم تجارب سلبية في مناطق أخرى حدثت فيها تسويات برعاية روسية كدرعا والغوطة وغيرها..

وبالتالي اعتقد أن الأرقام التي طرحتها أنقرة لإعادة اللاجئين من الصعب جداً تأمينها في هذه المنطقة.

ربما سنشهد كما حصل في عفرين ودرع الفرات عودة لعشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين السوريين لكن ليس أكثر من ذلك، لاسيما أن هناك عقبات أخرى أكبر في هذه المنطقة عقبات لوجستية وميدانية متعلقة بقرار أممي لإعادة إعمار المنطقة وتمويل دولي وغطاء دولي من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وما إلى ذلك، وهذا كله حتى اللحظة غير متوفر لأنقرة فضلاً عن وجود قوات النظام والقوات الروسية التي تعتبر معيق كبير جداً لكثير من السوريين ليطمأنوا أن المنطقة فعلاً آمنة.

كيف يمكن أن قراءة موقف كافة الفصائل من التفاهمات التركية الروسية والتي قد تفضي في نهاية المطاف إلى عودة تدريجية للعلاقات بين تركيا والنظام؟

قوات المعارضة السورية وتحديداً الفصائل المحسوبة على أنقرة والتي تشكلت أو توحدت لاحقاً تحت اسم “الجيش الوطني السوري” واضح أنها تسير بتناغم مع الطرف التركي وأنها لا تملك قراراً مستقلاً عن أنقرة وإنما هي تسير في ركب الخطة التركية لذلك فهي تشارك في العمليات العسكرية التركية، شاركت سابقاً في “درع الفرات” ثم “غصن الزيتون” والآن في “نبع السلام” وهي تتوقف عند الحدود التي توقفها أنقرة وبالتالي فهي قوات رديفة ومساندة للقوات التركية في تلك العمليات وتعمل على ما تعتبره مصالح مشتركة مع أنقرة في هذه العمليات، لكن ليس لها قرارها المستقل ولا تملك أن يكون لها قراراً ميدانياً مستقلا في ظل حاجتها للدعم التركي والحماية التركية وللغطاء التركي في وجودها بالشمال، وبالتالي هي فقط تعمل ضمن المساحات المتاحة لها في هذا الأمر، بطبيعة الحال فإن الاتفاقيات التي حصلت، خاصة عودة النظام لشرقي الفرات هي أمور مزعجة لها لكنها لا تملك بدائل أخرى فهي تعتبر أن تركيا هي القلعة الأخيرة والدولة الوحيدة المتبقية إلى جانب المعارضة ولو نسبياً ضمن نطاق تتلاقى فيه المصالح، لذلك تحاول قدر الإمكان الاستثمار في هذه العلاقة واستثمار مساحات المصالح المشتركة مع أنقرة في العمليات العسكرية التي تتم وبالتالي تلعب دوراً في هذه المنطقة مشابهاً للدور الذي لعبته في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بمعنى ضبط الأمن وإدارة المنطقة.

أين “قسد” الآن أمام كل هذه المتغيرات وهي ترى حلمها الانفصالي يتلاشى وهل يمكن لأي طرف دولي أو إقليمي أن يستثمر في هذه الميليشيات لإعاقة أي تفاهم بين اللاعبين الدوليين في الميدان السوري؟

بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية هي بطبيعة الحال تلقت ضربة قوية جداً من أنقرة على الصعيد الميداني وبفعل التفاهمات مع موسكو وواشنطن، لذلك اضطرت أن تخلي مواقع كثيرة وتتراجع مسافة 30-32 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية.

بطبيعة الحال الانسحاب الأمريكي وتراجع قوات سوريا الديمقراطية يعني تخلياً جزئياً فقط عن هذه القوات وعن هذه الدولة التي كانت تسعى إليها.

لكن أيضاً هذا كله لا يعني تماماً تخلي الأمريكان بشكل نهائي عن هذه القوات ولا عن هذا المشروع الذي تمثله، باعتبار أنها مازالت تسيطر على مناطق في العمق السوري ومازالت هناك قوات أمريكية ستبقى في تلك المنطقة، على الأقل كما ادعى ترمب “لحماية آبار النفط” من عودة سيطرة داعش إليها وبالتالي فإن حلم الدويلة والانفصال مازال يراود قيادات هذه القوات، لكن بطبيعة الحال فإن عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام تقلّصت وبشكل كبير المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ثم لاحقاً أصبح شبه مستحيل أن يكون لقوات سوريا الديمقراطية اتصال خارجي بعيد عن الجانب التركي وهذا يقوّض كثيراً من إمكانيات تحويلها إلى دويلة أو إدارة ذاتية وبالتالي أنا اعتقد أنها مازالت تمتلك بعض الأوراق لكن معظم أوراق قوتها قد خسرتها، ليس فقط السيطرة الميدانية بل أوراق القوة في مواجهة النظام بعد الضغط التركي عليها بعملية “نبع السلام”، حيث اضطرت لفتح حوارات مع النظام تخلت خلالها عن الكثير من الشروط المسبقة وبالتالي كأنها هي عادت إلى حضن النظام أكثر مما هي التقت مع في طريق وسط وبالتالي يمكن القول أن معظم المقومات الذاتية والبنية التحتية لإنشاء أي كيان سياسي لوحدات حماية الشعب في سوريا تراجع بشكل كبير وتلقى ضربة قوية، لكن هذا لا يعني أن الأمر تلاشى بشكل كبير جداً، لاسيما أن هذه القوات تحتفظ ببنيتها العسكرية وعدد مسلحيها الكبير “عشرات الآلاف” فضلاً عن التدريب والدعم والحماية الأمريكية المستمرة لهم وبالتالي هم يتأملون في نهاية المطاف أو على الأقل عند تسريع خطوات الحل السياسي أن يكون لهم موطئ قدم أو مقعد على الطاولة التفاوض في مستقبل سوريا بعد أن تحصل ربما تركيا على ضمانات وتطمينات روسية وأمريكية بأن لا يتحول ذلك الأمر لاحقاً لإعادة إحياء مشرع الانفصال.

قريبا الجزء الثاني من المقابلة (الرابحون والخاسرون في الميدان السوري)

شارك الموضوع :

اترك رداً