سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

حزب السعادة وانتخابات الإعادة في إسطنبول

0

 

حزب السعادة وانتخابات الإعادة في إسطنبول

TRT عربي

في لقاء أمام بعض أنصاره قبل أيام، تفاخر القيادي في حزب السعادة التركي وأحد مؤسسيه حسن دمار بأن حزبه هو من تسبب بخسارة العدالة والتنمية بلدية إسطنبول الكبرى في انتخابات الـ31 من آذار/مارس الفائت، واعداً أنصاره بأن يكون السبب مرة أخرى في خسارته إسطنبول في انتخابات الإعادة.

الكلمة التي تخللها الكثير من الحماسة والتصفيق من الجمهور تضمنت كلاماً دغدغ مشاعر المستمعين من قبيل أن السعادة هو “الحزب الأقوى” في تركيا باعتباره “المفتاح” في الانتخابات البلدية. لكن، هل هذا كلام دقيق؟

اعتمد القيادي في الحزب ذي الخلفية الإسلامية ووريث حركة الفكر الوطني أو “الميللي غوروش” التي أسسها وقادها الراحل نجم الدين أربكان في كلامه على أن مرشح حزبه حصل في انتخابات بلدية إسطنبول على 120 ألف صوت (103 آلاف و300 صوت وفق النتائج الرسمية) وأن الفارق بين المرشحين الرئيسين إمام أوغلو ويلدرم أقل من 13 ألف صوت، وبالتالي كان مرشح السعادة السبب المباشر في خسارة يلدرم للانتخابات.

لا شك بأن كلام دمار فيه بعض الصحة، لا سيما وأن الكتلة التصويتية لحزبه قريبة من كتلة العدالة والتنمية، ما يعني أن الأصوات التي حصل عليها مرشحه قد خصمت من رصيد العدالة والتنمية أكثر من غيره، ما يعني أن السعادة كان أحد أسباب خسارة يلدرم ولكنه لم يكن بالضرورة السبب المباشر أو الوحيد.

ذلك أن أسباب فقدان العدالة والتنمية لإسطنبول كثيرة، جزء منها مرتبط بأسماء المرشحين وبعضها بظروف البلاد السياسية والاقتصادية وبعضها الآخر بالسياق العام لسياسات العدالة والتنمية والحكومة في السنوات القليلة الأخيرة، وهي أسباب ذكر بعضها الرئيس اردوغان في أكثر من كلمة له داعياً لمعالجتها وتفاديها في المستقبل تجاوباً مع رسائل الناخبين وفصّل فيها القيادي السابق في الحزب رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو. ما يعني أن ادعاء السعادة بأنه “السبب” في نتيجة بلدية إسطنبول الكبرى بعيد عن الدقة، وإلا كان من حق أي حزب حصل مرشحه على أكثر من 13 ألف صوت بأن يدعي لنفسه ذلك، بما فيهم أحزاب اليسار الديمقراطي وتركيا المستقلة والديمقراطي والوطن، بل وربما الحزب الشيوعي التركي الذي حصل على حوالي 10 آلاف صوت.

إذن، لماذا يريد القيادي البارز بأن يحسب خسارة العدالة والتنمية ضمن رصيد وإنجازات حزبه؟ أزعم أن لذلك ثلاثة أسباب رئيسة: الأول إثبات الذات وادعاء النجاح أمام الأنصار والقاعدة الجماهيرية وهو أمر مهم جداً لأي حزب سياسي وقيادته، والثاني مناكفة العدالة والتنمية الذي ما زال ينظر له حزب السعادة كحزب منشق عنه وما يسببه ذلك من حساسية مفرطة تجاهه، والثالث وهو الأهم رفع أسهم السعادة في المشهد السياسي قبيل انتخابات الإعادة حين يقدم الحزب نفسه بأنه قادر مرة أخرى على التسبب بخسارة العدالة والتنمية.

هنا، يمكن النظر إلى قرار السعادة خوض انتخابات الإعادة بمرشحه ضمن هذا التكتيك. ذلك أن انسحاب السعادة تماماً من السباق كان سيدفع جزءاً مهماً من ناخيبه لاختيار يلدرم وليس إمام أوغلو وهو ما لا تريده قيادة الحزب. وعليه، كان قرار المشاركة نيةً للخصم مجدداً من رصيد العدالة والتنمية للمساهمة في فوز إمام أوغلو مرشح الشعب الجمهوري مرة أخرى، خصوصاً وأن الأمر متعلق ببلدية – على أهميتها – وليس لها تداعيات سياسية خطيرة ومباشرة على البلاد.

يحاول السعادة فيما يبدو أن يؤكد أهميته لتحالف “الأمة” المعارض ويرفع من قيمته ومحورية دوره في هذا التحالف الذي شارك به في انتخابات الرئاسة والبرلمان الصيف الفائت، ولكنه بقي خارجه في الانتخابات البلدية مع الإبقاء على هامش من التنسيق بينه وبين حزبي الشعب الجمهوري والجيد في بعض المحافظات.

قبل ذلك، قبيل الرئاسيات والبرلمانيات الأخيرة وفي ذروة حوارات التحالفات الانتخابية، حصلت لقاءات بين السعادة والعدالة والتنمية لكنها لم تؤد لانضمام السعادة لتحالف “الجمهور”. ما يعني أن الأمر لم يكن مرفوضاً من الناحية المبدئية من قبل الطرفين، ولكنه فشل لأنهما لم يستطيعا التوصل لاتفاق يرضي كليهما.

حينها لم يبق أمام السعادة إلا تحالف المعارضة، وكان ذلك أكثر تناغماً مع مواقفه السياسية المعلنة والمعارضة لاردوغان وحزبه، وأكثر تناسقاً مع حالة الاستقطاب في البلاد والتي ظاهرها النظام الرئاسي بين مؤيديه ومعارضيه (منذ استفتاء 2017) وجوهرها اردوغان نفسه بين مؤيديه ومعارضيه.

بالعودة إلى نتائج الانتخابات البلدية في آذار/مارس الفائت، يمكن القول بأن السعادة ساهم ولو جزئياً في فوز الشعب الجمهوري خصوصاً والمعارضة عموماً ببعض البلديات، لكنه خرج خالي الوفاض تقريباً بنسبة %2.71 فقط من أصوات الناخبين، عاجزاً عن الفوز ببلدية أي محافظة أو مدينة كبرى ومكتفياً فقط ببلديات 9 أحياء مدن كبرى و11 بلدة. وهو معطى يضاف لعدم قدرة الحزب على الدفع بمرشحيه للبرلمان في الانتخابات الأخيرة على قوائمه، بينما دخله ثلاثة من أعضائه على قوائم الشعب الجمهوري ضمن التحالف الانتخابي المعلن يومها.

فكيف يبدو، بالنظر لكل ما سبق، موقف حزب السعادة في انتخابات الإعادة في إسطنبول؟

في المقام الأول، يبدو ذلك متناسقاً مع مواقفه السياسية المعلنة الأقرب للمعارضة والناقدة لاردوغان والحكومة والعدالة والتنمية. كما أن الهدف من خوضه انتخابات الإعادة ليس محاولة الفوز بالبلدية فذلك أمر محسوم فشله وإنما هي محاولة منه للإسهام بفوز إمام أوغلو عبر تقليل فرص يلدرم بالنظر إلى أن الكثيرين من أنصاره قد يكون لديهم تحفظ على التصويت لإمام أوغلو لكنهم لن يترددوا في التصويت لمرشح حزبهم.

سيفوز يلدرم أو إمام أوغلو في انتخابات الإعادة، لكن كون السعادة السبب في أي منهما سيبقى أمراً جدلياً وأقرب للبروباغندا التي تقدمها قيادته لأنصاره لتسويق إنجاز من نوع ما، لكنه ادعاء لن يعكس الحقيقة. لأن الحزب في النهاية خسر الانتخابات البلدية الأخيرة، كما خسر الرئاسية والبرلمانية التي سبقتها، ولا أمل له في انتخابات الإعادة، ولا مؤشر على أن له دوراً حاسماً فيها، فضلاً عن أن الأحزاب التي تتبنى المعارضة الدائمة دون رؤى وبرامج ذاتية قادرة على إقناع الناخب ومنافسة الحزب الحاكم تبقى محكومة بالفشل وإن حققت إنجازات تكتيكية.

الأهم من ذلك كله أن السعادة لم يستطع بعد أن يقنع الشعب الجمهوري والجيد بأنه ركن أساسي في تحالفهما، بدليل بقائه خارج التحالف في الانتخابات البلدية الأخيرة، وهو أمر مرشح للاستمرار في المستقبل القريب. وعليه، قد يفخر الحزب بأنه من “خَسَّرَ” العدالة والتنمية إن حصل ذلك مجدداً وبغض النظر عن مدى دقة ذلك، إلا أن لن يفوز بأي شيء، بينما الأحزاب السياسية مكلفة بـ”الفوز” وليس بـ”التخسير” الذي يصب في صالح أحزاب أخرى وليس في حسابها هي.

وعليه، يبدو قرار السعادة مناكفة للعدالة والتنمية أكثر من أي شيء آخر، ولكنه – كما الأحزاب الأخرى – لا يمكنه ضمان وتأكيد مسارات تصويت أنصاره في انتخابات الإعادة التي ستبقى مفتوحة على كلا النتيجتين المحتملتين وفقاً لقرار الناخب يوم الاقتراع وليس قرارات قيادات الأحزاب ولا البروباغندا الانتخابية والسياسية التي تطلقها.

شارك الموضوع :

اترك رداً