سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

غل – داود أوغلو وأحاديث تأسيس حزب جديد

0

 

غل – داود أوغلو وأحاديث تأسيس حزب جديد

 

عربي 21

تعود كل حين في تركيا نقاشات تتعلق بقيادات سابقة في حزب العدالة والتنمية وإمكانية تأسيسها حزباً سياسياً جديداً، ويأتي في مقدمة هؤلاء الرئيس السابق عبدالله غل ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان.

بدأ هذا النوع من الأخبار/الشائعات يتردد بعد انتهاء رئاسة غل في 2007 وعدم عودته لحزب العدالة والتنمية، وتفاقم بعد استقالة داود أوغلو من رئاسة الحزب والحكومة في أيار/مايو 2016.

وقد ازدادت وتيرة تلك الشائعات عندما التقى أحمد داود أوغلو بعبدالله غل في منزل الأخير قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة،ثم حين التقطت كاميرات الأخبار داود اوغلو مع باباجان في يوم أداء اردوغان القَسَمَ رئيساً.

ولأن كل لقاء بين هذه الأسماء بات ينظر له كموعد يرتب لخطوة سياسية من هذا النوع، فقد سَخِرَ كاتب صحيفة قرار )المقربة من داود أوغلو( عاكف بكي من الكتابات التي انتقدت مشاركة هؤلاء الثلاثة إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين في جنازة والد الوزير الأسبق عمر دنيتشار في كانون الأول/ديسمبر الفائت، مستخدماً مصطلح “تنظيم الجنازة غير الشرعي” تندُّراً.

وقد كان آخر من تناولوا الموضوع الكتاب حسين  غولارجة قبل أيام في مقاله في صحيفة ستار تحت عنوان “حزب جديد مع المغادرين للقطار؟”، في إحالة إلى مصطلح “من غادروا القطار” الذي استخدمه اردوغان قبل أسابيع للإشارة إلى المسؤولين السابقين من الحزب في الحكومة والبرلمان ورئاسة البلديات والذين أكد الرئيس بشكل قاطع أنهم “لن يركبوا القطار ثانية”.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن هذه القيادات لم تصرح أو تصدح يوماً بنيتها ممارسة العمل السياسي خارج العدالة والتنمية، بل قد أكد داود أوغلو عكس هذا المعنى لدى استقالته، وكان الاستثناء الوحيد هو استعداد غل للتقدم للرئاسيات كمرشح توافقي للمعارضة، بينما ما زال لا يعلق لا هو ولا غيره من المسؤولين على شائعات نيتهم تأسيس حزب جديد، لا بالتأكيد ولا بالنفي.

تجمع بين هذه الأسماء، غل وداود أوغلو وباباجان وعدد كبير من الوزراء والنواب والمسؤولين السابقين، ثلاثة أمور رئيسة:

الأول، أنهم بعيدون/مبعدون عن دائرة اتخاذ القرار في الحزب والحكومة مع شعورهم بأنهمما زالوا قادرين على العطاء وراغبين في العمل واستكمال مسيرتهم السياسية. نُقل شيء من ذلك عن غل لدى انتهاء فترة رئاسته في 2007، وتبين ذلك بين طيات كلمات داود أوغلو وهو يلقي خطابه الوداعي في 2016 والذي وضع فيه بصمات واضحة من الوفاء والذكاء وحفظ خط الرجعة وعدم قطع شعرة معاوية بشيء من الحرفية السياسية.

الثاني، تحفظهم ورؤيتهم المختلفة في بعض السياقات المتعلقة بإدارة الحزب والحكومة، مثل المركزية الشديدة والتعامل مع الأزمات والاختيارات لبعض المناصب والمسؤوليات فضلاً عن بعض مسارات السياسة الخارجية.

الثالث، الذكاء السياسي، إذ يدرك هؤلاء أنه لا فرصة حقيقية أمام أي حزب جديد في تركيا في ظل وجود اردوغان وتماسك حزب العدالة والتنمية، لا سيما إن كان حزباً يتشارك معه الأفكار والشريحة الانتخابية والأنصار. إن إحدى حقائق الحياة السياسية التركية أن الانشقاق عن الأحزاب القديمة الراسخة أو منافستها من خارجها لا يملك أفق نجاح حقيقي والأمثلة أكثر من أن تحصى، فكيف إن كان الحديث عن حزب العدالة والتنمية الذي ما زال في مقدمة الأحزاب التركية وقادراً على الفوز في الانتخابات، وفي ظل قيادة اردوغان المُجْمَع عليها؟

ولذلك، فإن أغلب التقييمات الواقعية كانت ترى أن مشروع هذه القيادات سوف ينتظر بالضرورة حتى مرحلة “ما بعد اردوغان”، وأنها لن تخاطر بـ”حرق نفسها” بأن تقدم مشروعاً بديلاً له في ظل وجوده وقوته واستمرار شعبيته، وأن مشروعها قد يتبلور – حينها – من خلال/داخل الحزب أو من خارجه، وهو الأرجح. وفي ظل استقرار الأوضاع السياسية في البلاد بعد إقرار النظام الرئاسي والانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، كان المنطقي عدم انتظار خطوة من هذه القيادات حتى 2023 على أقل تقدير.

بيد أن هناك متغيراً قد يؤثر في هذه المعادلة، وهو الانتخابات البلدية المقبلة. فهي أول انتخابات تجرى بعد الأزمة المالية التي لم تتعاف تركيا منها تماماً، وهي أقل حساسية وخطورة من الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية وبالتالي يمكن توقع نسبة تصويت أقل للعدالة والتنمية أو نسبة مشاركة أقل في الاقتراع لضعف الشعور بالتهديد. الأهم أن هناك توقعات بنسبة تصويت أقل للحزب من باب التحفظ وعدم الرضى أو على سبيل الرسالة التنبيهية للحزب، حيث يرى بعض منتسبيه وأنصاره أن الرسالة الأهم التي ينصت لها هي تلك المرتبطة بصندوق الاقتراع.

وعليه، فإن تلك التوقعات بتراجع نسبة التصويت للعدالة والتنمية إن صدقت، قد تكون عاملاً مؤثراً في قرار تلك المجموعة من القيادات السابقة شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، ونسبة تأثيره ستزداد طردياً مع نسبة تراجع الحزب، إن صدقت تلك التوقعات.

ولذلك، ورغم أن الانتخابات المقبلة بلدية/محلية لا تأثير مباشراً لها على استقرار المشهد السياسي في البلاد، إلا أنها قد تحمل في طياتها مؤشراً على دخول لاعب جديد للحلبة السياسية التركية، وهو ما يرفع أهمية صباح الأول من نيسان/أبريل المقبل إلى مستوى مختلف عن مجرد اليوم التالي لانتخابات بلدية.

شارك الموضوع :

اترك رداً