سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل فعلاً فشلت قمة طهران بخصوص إدلب؟

0

 

هل فعلاً فشلت قمة طهران بخصوص إدلب؟

 

TRT العربية

حظيت قمة طهران الأخيرة باهتمام أوسع بكثير مما حظيت به قمتا سوتشي وأنقرة اللتين سبقتاها للتنسيق بين ثلاثي أستانا، روسيا وتركيا وإيران، وذلك بسبب سخونة ملف إدلب.

اختلف المراقبون حول سقف التوقعات من القمة بين من رأى إمكانية التوصل لاتفاق بخصوص إدلب وبين من رأى صعوبة ذلك، لكن الفريقين اتفقا على أن القمة قد تكون الفرصة الأخيرة لتجنيبها تداعيات العملية العسكرية المفترضة في ظل حشود النظام والتصريحات الروسية والقصف شبه اليومي.

وقد سبقت القمة تحذيرات تركية من أن أي هجوم واسع يضر بالمدنيين قد ينسف مسار أستانا برمته، وذلك عائد للحرج الكبير الذي تشعر به أنقرة مؤخراً، بعد أن سيطر النظام بمساعدة موسكو على كافة مناطق خفض التصعيد التي كان يفترض أن تكون مناطق وقف إطلاق نار. بهذا المعنى، لا تريد أنقرة أن ينظر لها على أنها تشكل غطاءً لهذه الاستراتيجية الروسية التي تريد إحضار المعارضة للمسار السياسي والتفاوض بعد كسرها في الميدان.

تركيا هي الطرف الأضعف في ثلاثي أستانا باعتبارها واحدة في مقابل اثنتين،إحداهما روسيا بما تمثله وبما فعلته في سوريا منذ أيلول/سبتمبر 2015، وكذلك كانت في قمة طهران. لكنها أيضاً راهنت – محقة – على حرص موسكو على العلاقات معها من جهة وعلى نظرة المعارضة لإدلب كقلعة أخيرة لا ينبغي خسارتها بما قد يحول أي عملية عسكرية إلى مغامرة غير محسوبة العواقب والخسائر من جهة ثانية.

نقاشات القمة التي بثت على الهواء مباشرة لأسباب غير مفهومة حتى الآنقدمت صورة مختلفة عما يتم تداوله في وسائل الإعلام وتضمه التصريحات الرسمية. ظهرت أنقرة وموسكو على طرفي نقيض من المسألة، بل وصل الأمر إلى تعريض بوتين بتركيا والتلميح لدعمها لجبهة النصرة ورفضه تضمين البيان الختامي الدعوة لوقف إطلاق النار في إدلب باعتبار أن “المنظمات الإرهابية ليست موجودة على الطاولة لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار معها”، وهو المقترح التركي الذي وافق عليه الرئيس الإيراني.

هذه الصورة كانت إشارة لفشل الأطراف الثلاثة في التوصل لاتفاق ما بخصوص إدلب يجنبها ويلات العملية العسكرية المفترضة. لكن، هل فشلت القمة تماماً بهذا الخصوص؟

في الحقيقة يبدو هذا تقييماً متسرعاً شيئاً ما. صحيح أن القمة فشلت في إخراج موقف موحد بين الفرقاء الثلاثة، لكنها لم تفشل بالضرورة – رغم استمرار ذلك كاحتمالية مرتفعة الحظوظ– في تجنيب المنطقة الهجوم العسكري.

بعد القمة، صدرت عن موسكو تصريحات تفيد بإمكانية تجنب العملية العسكرية أو على الأقل تأجيلها مؤقتاً، أهمها تصريح المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف الذي قال بعد محادثات مع مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا “من الأفضل تسوية الوضع في إدلب بطريقة سلمية، إذ من الممكن تفادي استخدام القوة المسلحة”. في المقابل، وإضافة للتصريحات الأمريكية والأوروبية المتحفظة على العملية، زادت أنقرة من تعزيزياتها العسكرية على الحدود وفي إدلب، ورفعت من وتيرة عمل ماكنتها الدبلوماسية.

فهل تخلت روسيا فعلاً عن الفكرة ولو مؤقتاً؟ ومقابل ماذا؟ وما هدف الحشود العسكرية التركية؟ وما هي خيارات أنقرة الممكنة؟

بالعودة للتصريحات الرسمية التركية يمكن تلمس أولويتين أساسيتين لأنقرة في إدلب: تجنب الإضرار بالمدنيين ومنع موجة لجوء كبيرة. حتى حديث وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو عن أن “الهدف الأساسي للعملية هو سيطرة النظام على المنطقة وليس مكافحة الإرهاب” لم يأت من باب الرفض المبدئي للأمر وإنما من زاوية المحاججة والضغط، باعتبار أن أنقرة لا تملك مسوغاً سياسياً وقانونياً لمنع النظام من السيطرة على المحافظة خصوصاً في ظل الدعم الروسي المفتوح له في هذا المسعى، وهو اختلاف جوهري عن عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

وعليه، فهل هناك سيناريو آخر يمكن أن يحقق هذه الأولويات التركية ويمنع العملية العسكرية؟ أو – من جهة أخرى – هل يمكن تنفيذ عملية عسكرية بالحفاظ على هذه المحددات؟

في الإطار العام، ينصب الجهد التركي على محاولة تجنب العملية أكثر من مواجهتها أو إدارتها، ولذلك فقد بذلت جهداً على مدى الشهور الماضية لتفكيك أو إذابة هيئة تحرير الشام، باعتبارها ذريعة الهجوم على إدلب. هذا الجهد الذي لا يبدو أنه وصل لمراميه مرشح للاستمرار، لكن أنقرة لا تملك الوقت الكافي له ولا يبدو أن الهيئة ترحب بهذا الخيار. مسار آخر تعمل عليه أنقرة هو تمتين الموقف الغربي والدولي الرافض للعملية من خلال اتصالات وزير الخارجية مع نظرائه الأمريكي والألماني والفرنسي إضافة لمقال اردوغان في الصحافة الأمريكية للتحذير من العملية المفترضة، وهو مقال يحمل دلالات عديدة ومهمة على أي حال.

بيد، في حال فشلت هذه الجهود وبقيت أنقرة بين خيارين: قيام النظام بالعملية العسكرية بكل تداعياتها الكارثية المحتملة سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً وإنسانياً وبين أن تعمل هي على سحب الذريعة لكن هذه المرة بأسلوب خشن، فمن المنطقي أن يقع اختيارها على المسار الثاني.

لقد تجنبت أنقرة المواجهة مع “داعش” فترة من الزمن ثم واجهتها وأخرجتها من مناطقها في عملية درع الفرات. وهي تتجنب الحل العسكري مع هيئة تحرير الشام لتجنب الفوضى في إدلب والارتدادات في الداخل التركي، لكن ذلك ليس قراراً نهائياً غير قابل للتبدل بالضرورة. وفي الحقيقة، هناك تطوران يدعمان هذه الفرضية، الأول اتحاد عدد من الفصائل المسلحة في إدلب تحت مسمى الجبهة الوطنية للتحرير وهو مسار فصل وتمايز عن الهيئة في المقام الأول، والثاني تصنيف تركيا للهيئة كمنظمة إرهابية وهو حدث اعتبره البعض ضوءاً أخضر من أنقرة للعملية العسكرية لكن قد يكون من المنطقي وضعه في سياق الضغط على الهيئة والتلويح بخيارات أنقرة الأخرى.وعليه، فالمواجهة بين الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام سيناريو محتمل في المستقبل القريب، لا سيما في ظل المبالغاتالمقصودة من قبل روسيا والنظام بخصوص قوة الهيئة.

السيناريو البديل لذلك، في حال أصرت موسكو على العملية، هو أن تكون عملية محدودة لا تسعى للسيطرة على كامل المحافظة ولا للقضاء على المعارضة القريبة من تركيا، وهو سيناريو يعيد إلى الأذهان توافق ثلاثي أستانا على تقسيم إدلب إلى ثلاث مناطق نفوذ. وبالتالي فإن عملية عسكرية محددة ضد الهيئة تتجنب المنطقة التركية ونقاط المراقبة التابعة لها قد تكون  أقل ضرراً، وبالتالي ممكنة.

بالتأكيد تدرك أنقرة أنها لا يمكنها الثقة الكاملة بموسكو، حتى في حال تنفيذ السيناريوهات البديلة، إذ لا ضمانة بألا تعود المطالبات بالسيطرة على المحافظة باعتبارها “أرضاً سورية ينبغي أن تعود للدولة السورية”، وهو ما يترك الأبواب دائماً مفتوحة على سيناريوهات عدة.

ومن هذه السيناريوهات حصول مواجهة بدرجة أو أخرى مع النظام، لا تريدها تركيا لكن قد تضطر لها، في حال تعرض قواتها أو نقاط مراقبتها لاعتداء أو أضرار مباشرة أو تخطت العملية العسكرية المفترضة حدوداً معينة. وهو ما يعني أن المساحات المتاحة لتجنيب إدلب المقتلة المنتظرة ليست مضمونة النتائج، ما يبقي المآلات مفتوحة على عدة سيناريوهات وبعدة اتجاهات.

شارك الموضوع :

اترك رداً