سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قمة طهران الثلاثية ومصير إدلب

0

 

قمة طهران الثلاثية ومصير إدلب

TRT العربية

على وقع طبول العملية العسكرية الموسعة في إدلب، التي هدد بها النظام في محادثات أستانا الأخيرة وبدأ يحشد لها منذذلك الوقت، تستضيف طهران يوم الجمعة المقبل قمة ثلاثية مع كل من روسيا وتركيا، الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا.

سبق هذه القمة اثنتين، واحدة في روسيا والأخرى في تركيا، لكنها تُحمل دلالات أكبر وأخطر بالنظر لتوقيتها وسياقها، وباتت العملية المفترضة في إدلب عنوانها الأهم والأبرز.

كثيرون يرون بأن القمة الثلاثية التي تجمع الدول الثلاث المتداخلة مع الوضع في إدلب ستكون الفرصة الأخيرة لتجنيب المحافظة عملاً عسكرياً كبيراً ستكون له نتائج كارثية، وهو طرح له الكثير من الوجاهة ويمكن الاتفاق معه بشكل عام. اللهم إلا أن هذه الفرصة تبدو ضعيفة وفق المعطيات الحالية، لا سيما وأن النظام وروسيا قد بدءا بالفعل بقصف المحافظة، الأمر الذي يمكن اعتباره الإرهاصات الأولى للعملية أو وضعه في سياق الضغوط والرسائلفي سياق التفاوض.

وباعتبار أن الدول الثلاث مؤثرة في القرار المتعلق بإدلب، روسيا وإيران لعلاقاتهما مع النظام ومشاركتهما المباشرة وتركيا لعلاقتها مع المعارضة ووجودها على الأرض في نقاط المراقبة في المحافظة، يبدو من المهم استجلاء مقاربة هذه الدول للعملية العسكرية المفترضة.

تتحدث روسيا كثيراً عن الحل السياسي، لكنها ترى أنه يأتي نتيجة للوضع الميداني، ولذلك فقد بذلت جهوداً كبيرة منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا في أيلول/ستبمبر 2015 لتعديل الكفة لصالح النظام أولاً ثم تمكينه من استعادة ما يمكن من الأراضي. ولذلك فقد تحولت مناطق خفض التصعيد أو التوتر لسيطرة النظام بالتدريج وتقريباً بنفس السيناريو: القصف العنيف والحصار لفرض التسليم. ويبدو أن خطة موسكو لإدلب، رابعة تلك المناطق، لا تخرج عن هذا السياق إذ تدعم ما تسميه حق النظام في السيطرة على المنطقة وإخراج الإرهابيين منها.

ويمكن قول شيء شبيه من ذلك، مع فروقات غير جوهرية، عن موقف إيران من العملية، مع ملاحظة أنها أكثر حماسة من روسيا لها وأكثر التصاقاً بموقف النظام وأكثر بعداً من الحلول السياسية والهادئة.

أما تركيا فتحذر من النتائج الكارثية للعملية، على المنطقة وعلى مسار أستانا برمته. فالمحافظة هي الأخيرة التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة من طرفها، ويقطنها حوالي أربعة ملايين إنسان بما يعني كارثة إنسانية وموجة ضخمة من اللجوء، وتتمركز فيها فصائل عسكرية توحدت ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير” يقدر عدد مسلحيها بحوالي 100 ألف، وهي محافظة حدودية مع أراضيها، وتسيطر هيئة تحرير الشام على أجزاء مهمة منها، وغيرها من التفاصيل التي تصب في سياقَيْ التعقيد والكارثية معاً.

ولذلك، تبذل أنقرة مؤخراً جهوداً لمحاولة تجنيب إدلب التداخل العسكري والمواجهة مفتوحة السيناريوهات والمآلات وكارثية النتائج بكل المقاييس. وقد ركزت جهدها طويلاً على محاولة حل أو إذابة الهيئة وإخراجها/خروجها من المحافظة لسحب الذريعة من روسيا والنظام، لكن يبدو أن هذه الجهود لم تصل لنتيجة ملموسة حتى الآن، ولا يبدو أن انقرة تحظى بالوقت الكافي لمواصلة تلك المحاولات وتحقيق الاختراق.

السيناريو الثاني، المواجهة المباشرة مع هيئة تحرير الشام من خلال الجبهة الوطنية للتحرير، قد تكون له ارتدادات سلبية في إدلب وحتى في الداخل التركي، وفي ظل أن ذلك لا يضمن سحب الذريعة من روسيا والنظام وعدمتدخلهما الآن أو لاحقاً، قد يكون سيناريو الاتفاق أو الصفقة هو المقدم حالياً على غيره. إذ لا تملكأنقرة في إدلب نفس الغطاء القانوني والسياسي الذي أفادها في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، خصوصاً في ظل وجود “تحرير الشام”، وتصريح الأمم المتحدة الذي تحدث عن “وجود 10 آلاف إرهابي في إدلب” وتحذير بعض الأطراف الدولية من استخدام السلاح الكيماوي حصراً.

فصائل المعارضة تحدثت عن استعدادها للمعركة وأنها لن تكون نزهة للنظام وأشارت لاختلاف إدلب عن سابقاتها من المناطق والمعارك، لكن ذلك كلام فضفاض رغم صحته جزئياً، حيث أن الاختلاف يبدو كمياً لا نوعياً، بما يعني أن المعركة إذا بدأت قد تطول وستكون أصعب بالضرورة بالنظر إلى عدد مقاتلي المعارضة واعتبارهم إدلب القلعة الأخيرة، لكن ذلك لا يعني تغير نتيجتها عن سابقاتها بالضرورة.

بالنظر لهذه المعطيات الكثيرة ومن مختلف الأطراف، يبدو أن النقاش الدائر حالياً بين مختلف الأطراف ليس حول فكرة شن العملية من عدمه، بل حول توقيت العملية ومداها وسيناريوهاتها وسقفها ووسائلها وكيفية إدارتها وتخفيف خسائرها ومنع الاصطدامات غير المرغوب بها. فعملياً، الطرف الوحيد القادر على منع هذا العملية بالمعنى العسكري هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم يصدر عنها حتى لحظة كتابة هذه السطور أي موقف جدي يفيد هذا المعنى.

المعطيات سالفة الذكر وغيرها من العوامل تدفع إلى الحديث عن فكرة الاتفاق أو الصفقة بين الأطراف الثلاثة في القمة المرتقبة في طهران يوم الجمعة القادم. ولعل مما يدعم هذا الفهم الوفد التركي رفيع المستوى الذي زار موسكو مؤخراً واجتمع مع بوتين، في مشهد مكرر لزيارة سبقت عملية غصن الزيتون والتي أفادت معنى “الحديث في التفاصيل الفنية” في حينها. إن صح ذلك، فما هي ملامح هذا الاتفاق المفترض؟

كان هناك اتفاق سابق بين الدول الثلاث لتقاسم النفوذ في إدلب بحيث تتشارك في ضبط الأمن وخفض التوتر فيها، تركيا برياً وروسيا جوياً وإيران من خارجها. وقد يكون توسيع هذا المفهوم وإثراء تفاصيله حلاً متاحاً ويجنب إدلب المذبحة، لكنه سيكون مؤقتاً بكل الأحوال. ذلك أن فكرة سيطرة النظام على المنطقة تبدو أولوية بالنسبة له وتتمتع بالدعم الروسي والإيراني وغض النظر والمراقبة من المجتمع الدولي.

ثمة أولوية واضحة لتركيا في سوريا تتعلق بمنع مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الامتداد السوري لمنظمة بي كي كي (العمال الكردستاني) الإرهابية. لكن لها أيضاً أولويات أخرى لا تقل أهمية، في مقدمتها منع حدوث مجزرة بشرية وتجنب موجات كبيرة من اللجوء نحو أراضيها في ظل الأزمة المالية التي تمر بها واستضافتها لأكثر من ثلاثة ملايين سوري.

وبالنظر لكل ما سبق، وفي ظل عدم رغبة أنقرة في مواجهة عسكرية مع روسيا وعدم قدرتها على ذلك في نفس الوقت، هل يمكن لموسكو ان تتقدم من أنقرة بعرض يتضمن سيطرة النظام لكن دون كلفة بشرية عالية؟ وهل يكفي تفصيل مثل تسليم تل رفعت ومطار منغ لها حافزاًللقبول؟ وكيف ستتصرف أنقرة مع الفصائل المسلحة في إدلب، ضغطاً للتهدئة أم دعماً ضمنياً للمواجهة غير المباشرة؟ وما هي الخيارات في حال رفض كل ذلك؟ أسئلة كثيرة ستكون برسم القمة الثلاثية يوم الجمعة، وبرسم القمة الثنائية بين بوتين واردوغان التي ستعقد قبيلها بقليل.

وبكل الأحوال، في حال عقدت القمة قبل أن تبدأ العملية العسكرية، فمن الممكن القول فعلاً بأنها ستكون الفرصة الأخيرة قبل اشتعال الفتيل، الأمر الذي يحيل إلى أهمية المتابعة الدقيقة لكل كلمة أو تصريح أو إيماءة تصدر قبيل القمة وخلالها وفي ختامها لأنها ستحمل الكثير.

شارك الموضوع :

اترك رداً