سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

استراتيجيات الحملات الانتخابية في تركيا

0

 

استراتيجيات الحملات الانتخابية في تركيا

 

عربي بوست

في الطريق نحو الانتخابات التركية المقبلة، ثمة استراتيجيات واستراتيجيات مضادة، وصفتـُها سابقاً بـ”لعبة الشطرنج” التركية.

حيث قرَّب تحالفُ حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية والذي سمي لاحقاً بتحالف “الشعب” بقيادة اردوغان موعدَ الانتخابات لتضييق هامش المناورة والمبادرة أمام المعارضة – ضمن أسباب أخرى – فقابلته تلك الأحزاب بنقل نواب من حزب الشعب الجمهوري للحزب الجيد لضمان مشاركته في الانتخابات، ثم تأسيس تحالف “الأمة” للانتخابات البرلمانية.

وفي حين قدم تحالف الشعب مرشحاً واحداً قوياً هو الرئيس الحالي اردوغان، حاولت أحزاب المعارضة فعل الشيء نفسه بمرشح قوي مثل الرئيس السابق عبدالله غل وحين فشلت في ذلك عمدت إلى ترشيح أكبر عدد ممكن من المرشحين (بلغوا خمسة) في مواجهته، وفق استراتيجية هدفت إلى كسب أصوات من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية في البلاد لمنع اردوغان من حسم المواجهة في الجولة الأولى وبالتالي نقل المعركة الانتخابية لجولة إعادة يمكن فيها مناقشة فكرة دعم المرشح الذي سينافس اردوغان فيها، كائناً من كان.

واليوم، ومع بدء الحملات الانتخابية وقطعها شوطاً مهماً، يمكن أيضاً رصد استراتيجيات واضحة للمرشحين الرئاسيين تضع نصب عينيها الخرائط المجتمعية والسياسية والفكرية في تركيا وكيفية إرضاء وإقناع الناخب وكسب نقاط في مواجهة الخصم.

يركز الرئيس اردوغان في حملته الانتخابية على منافس واحد هو مرشح الشعب الجمهوري محرّم إينجة، رغم أن هناك أربعة مرشحين منافسين آخرين. ذلك أن ثلاثة منهم – دميرطاش وكاموللا أوغلو وبيرينتشاك – لا يملكون فرصاً حقيقية في المنافسة، لكن ماذا عن ميرال أكشنار التي تملك فرصة ما في المنافسة، والتي تظهرها بعض استطلاعات الرأي (أقلية منها على أي حال) في المركز الثاني؟

بالتأكيد أن حسابات الربح والخسارة هي الأساس، وأن كون إينجة هو المنافس الأبرز لاردوغان وضعه في هدف الأخير، لكن ثمة سبباً لا يقل أهمية فيما يبدو لي متعلق بالكتلة التصويتية لكل منهما ولأكشنار. حيث يستطيع اردوغان مواجهة ومهاجمة إينجة وخلفيته الفكرية والسياسية وتاريخ حزبه – الشعب الجمهوري – بأريحية كبيرة بل ويفيده ذلك في تثبيت كتلة المحافظين في صفه، بينما سيكون ذلك أصعب في حال مواجهة أكشنار، القومية اليمينية.

من جهته أدرك إينجة، أحد صقور الشعب الجمهوري والتيار العلماني المتشدد فيه، أن الخطاب العلماني الحاد سيفقده أصوات المحافظين التي يحتاج لها بشدة إن كان جاداً في منافسة اردوغان، ولذا فقد بدا كمن بدَّل جلده ويتحدث عن حرية الحجاب ويرتاد المساجد في صلوات الجمع وينتهج خطاباً متصالحاً مع الدين.

كما يعلم الرجل بأن سقف الخطاب الحاد والتراشقات الإعلامية ساحة يملك فيها اردوغان باعاً طويلاً وتفوقاً ملموساً، ولذا فرغم المهارات الخطابية التي يعرف بها فقد تخلى منذ بدء الحملة الانتخابية عن خطابه الحاد – المعروف به – في مواجهة اردوغان والعدالة والتنمية، وباتت كلمة “السيد” تسبق اسم اردوغان أو أي مرشح آخر في حديثه، وينطبق نفس الأمر على اردوغان وبقية المرشحين.

من جهتها، تدرك أكشنار أن فرصها ضعيفة في ظل وجود اردوغان ومنافسة إينجة، وأن فرصتها تكمن في كسب أصوات القوميين والمحافظين واستثمار كونها أول امرأة تترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في تاريخ تركيا. ولذا فخطابها موجه بالأساس إلى رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي وبدرجة أقل اردوغان، وثمة جهد كبير مبذول من طرفها لإعطاء انطباع “المرأة القوية” أو “المرأة الحديدية” كما سميت، وإثبات أنها قادرة على مقارعة الرجال وجديرة بالمنصب، ولذا يبدو خطابها الأكثر حدة بين المرشحين بشكل ملحوظ.

باختصار شديد، تبدو الحملة الانتخابية هادئة الخطاب نسبياً، ولكنه هدوء سطحي يخفي سخونة شديدة في حيثياتها ووقائعها ومنافستها الحادة، ولذلك ينسج كل مرشح استراتيجيته في حملته الانتخابية بما يزيد من فرص نجاحه ويرقب فرص المنافسين ويتناغم مع حقائق تركيا وخرائطها الفكرية والسياسية، في ظل إدراك الجميع ألا شيء مضمون وأن القرار الأول والأخير سيبقى للناخب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.

شارك الموضوع :

اترك رداً