سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل تدخل الأزمة الخليجية في مرحلة الحل؟

0

 

 

هل تدخل الأزمة الخليجية في مرحلة الحل؟

 

المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

ثمة تلازم ملحوظ بين التصريحات الإعلامية وتطورات الأحداث إلى حد كبير في الأزمة الخليجية منذ يومها الأول، بحيث تبدو الأولى مؤشراً جيداً -في الأعم الأغلب -على المسار السياسي.

فمستوى التصريحات والخطاب الإعلامي من دول الحصار في الساعات الأولى للأزمة أوحى بسقف مرتفع جداً فيها، وهو ما رجّح لدينا أن سيناريو التصعيد العسكري مطروح على الطاولة. من جهة أخرى، فإن عدول دول الحصار لاحقاً عن المطالب الثلاثة عشر إلى مبادئ ستة عامة كان دليلاً على تبدل في مسار الأزمة انعكس على موقفها.

في العموم، مرت الأزمة بمرحلتين رئيستين، حملت الأولى ملامح الصدمة والمفاجأة وحاولت دول الحصار من خلالها الوصول لاستسلام قطري سريع وكامل أو تدخل منها ينهي الأزمة من خلال تغيير الحكم، وهي المرحلة التي امتصتها الدوحة وتخطتها بمساعدة عدة عوامل في مقدمتها قرار تركيا إرسال جنودها إليها وتوازن الموقف الأمريكي نسبياً إضافة إلى موقف إيران وبعض الدول الأوروبية.

المرحلة الثانية حملت معنى انخفاض السقف والامتداد الزمني في آنٍ معاً، أي المراوحة بلا تقدم أو تراجع، من خلال تشبث الطرفين بموقفيهما مع إقرار ضمني بضرورة الحل الدبلوماسي بعد تجاوز الأزمة -إلى حد كبير وليس تماماً ونهائياً -حسابات التدخل العسكري أو الانقلاب الداخلي.

حديث أمير الكويت أمس في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الأمريكي حمل خطاباً متغيراً يشير إلى إمكانية الدخول في مرحلة جديدة في الأزمة المستمرة بهدوء سياسي واشتباك إعلامي مستقر حتى الآن. فقد تضمن كلام الشيخ صباح الأحمد الصباح نقاطاً جوهرية أبطنت “موقفاً” كويتياً جديداً يعبر عنه لأول مرة منذ بدء الأزمة، فقد ذكر ما يلي:

  • الأزمة كانت مفاجئة ودون مقدمات
  • أبطلنا فكرة الحل العسكري الذي كان مطروحاً
  • قطر مستعدة للحوار على أساس المطالب الـ 13
  • بعض هذه المطالب يمكن حلها
  • بعضها الآخر يمس بالسيادة، ولذلك “حتى الكويت” لا تقبلها

فإذا ما أضفنا لملامح الخطاب استعداد ترمب “للتوسط” في الأزمة، وقارناها بخطاباته السابقة، سنجد أننا أمام إرهاصات مرحلة جديدة/ثالثة في الأزمة عنوانها الحل عبر الحوار والتفاوض ومضمونها إقرار دول الحصار بعدم القدرة على الحسم وبالتالي الرغبة في الحل، ولعل أولى إشاراتها ظهرت في قبول الرياض زيارة الرئيس التركي قبل أسابيع وما حملته تلك الزيارة من دلالات ضمنية.

نتحدث هنا عن إرهاصات لمرحلة جديدة وليس بالضرورة عن بدئها بالمعنى المباشر، فضلاً عن أنها قد لا تبدأ قريباً جداً بالمعنى الزمني. أولاً لأن الخطاب الإعلامي الصادر عن دول الحصار الأربعة بُعَيْد تصريحات أمير الكويت بدا انفعالياً في محاولة لتحميل الدوحة مسؤولية تعثر الحل وتأخره سيما في البيان الذي أصدرته الدول الأربعة، وثانياً لأن فكرة تغيير النظام في قطر بدت حاضرة حتى الآن في ذهن صانع القرار في دول الحصار في “وساطة الحج” قبل أيام، وثالثاً وأخيراً لأن النزول عن الشجرة بعد كل هذا التصعيد والشروط المسبقة والخطاب المتعالي سيكون صعباً وصعباً جداً.

فيما يتعلق بموازين القوى، وبالنظر إلى العوامل العسكرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية فلا يمكن المقارنة بين إمكانات قطر والحلف الرباعي إذ تميل الكفة لهم بشكل واضح، لكن الأخيرة كسبت بمنهجيتها في التعامل مع الأزمة تعاطفاً دولياً واسعاً، وامتصت الصدمة الأولى وأظهرت تماسكاً داخلياً لافتاً، وحظيت بغطاء إقليمي عبر تركيا علناً وإيران ضمناً، ويشير تبدل مفردات الخطاب الأمريكي (صاحب النفوذ) والكويتي (دولة الوساطة) الآن إلى متغير جديد لصالح الدوحة.

وبالتالي، فالكرة الآن في ملعب دول الحصار الأربعة وخياراتها ثلاثة، إما قبول الحل عبر الحوار بغض النظر عن مدى التنازلات التي سيقدمها كل طرف، وإما استدامة الأزمة بنفس قواعد اللعبة بلا أجل مسمى، وإما اللجوء إلى خيارات كارثية يفترض أنها لم تعد واقعية ولا مفيدة، إلا أن تحدث متغيرات جديدة في المواقف الإقليمية والدولية وهو امر بات مستبعداً إلى حد بعيد.

وفي كل الأحوال، سيكون الخطاب الصادر عن تلك الدول بعد مرور فترة رد الفعل المتشنج مؤشراً مهماً على خياراتها المستقبلية، سواءً في التصريحات السياسية الرسمية أو الخطاب الإعلامي المحسوب عليها والدائر في فلكها.

شارك الموضوع :

اترك رداً