سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

بعد جمعة “لا للحوار” .. ألم تسقط بعد نظرية المؤامرة ومروجوها؟؟

0

لم يكن النظام السوري بدعاً من النظم العربية، الظالمة الفاسدة الباطشة، ولم يكن الشعب السوري بدعاً من الشعوب العربية، المظلومة المحرومة سابقاً، الثائرة الهادرة حالياً. ثار الشعب السوري – كما غيره من الشعوب – عندما كسر حاجز الخوف وشعر بأمل في الخلاص، واختط طريقه بدماء شهدائه وجراح بنيه.

كذب النظام السوري ولا يزال – كما غيره من النظم البائدة – معتمداً كذبتين رئيستين حاول ترويجهما، الأولى عن حديث الإصلاح بينما زخات الرصاص وقوافل الدبابات تكذّب أصحابه، والثانية نظرية المؤامرة التي يتعرض لها النظام “الممانع” من الغرب والصهاينة و”أذنابهما” من العملاء والمندسين و”العصاابات المجرمة”.

حديث الإصلاح الذي ملأ به النظامُ الأسماعَ وأعمى الأبصارَ نكتة ٌ سمجة في وقت سخيف، لم تستطع أن تقنع الشعب – كما لم تقنع سابقيه في تونس ومصر – الذي سمع عن الإصلاح ورأى تدميراً، وسمع عن التغيير ورأى تثبيتاً لمنظومة القمع والقتل والاعتقال والتعذيب.

ونظرية المؤامرة التي استعملها كل من سئم منه شعبه بعد عشرات السنين من الحكم، رفعها النظام في وجه من رفضوه، رغم أنه لم يستطع أو يورد عليها دليلاً واحداً عملياً، اللهم إلا الكلام النظري العام العائم، المستفيد من تشابك الجغرافيا مع الجيوسياسة، والمستغل لوضع المنطقة والعالم.

تلك النظرية وجدت – بكل أسف – من يروّج لها مع النظام من مثقفين وسياسيين وفنانين بل ورياضيين فقدوا آخر ما كان يربطهم من شعرة معاوية مع شعوبهم، وآخر ما يربطهم مع الإنسانية من حيث الهيئة والإحساس. كما روّج لها – ويا للكارثة- بعض أقطاب “المقاومة” و”الممانعة” الذين كان المنتظر منهم كرافضين وثائرين على الظلم وطالبين للحرية، أن يقفوا مع الشعوب في هذه المطالب المحقة المشتركة، لا أن يجعلوا بندقية المقاومة (لفظاً وإيماءاً) في خدمة نظام يبيد شعبه.

كان صوت دعوات الحوار التي أطلقها النظام أخفض بكثير من أصوات الرصاص والقذائف، وكان منطقها أضعف بكثير من الصور والحياة اليومية المعاشة في شوارع وأزقة المدن السورية كافة، ولذلك لم يكن عجباً أن خرج السوريون بمئات الآلاف إلى الشوارع يوم الجمعة تحت عنوان “جمعة لا للحوار”. إن مدينة واحدة كحماة (قالت وسائل الإعلام أن نصف مليون متظاهر خرج في مظاهرتها، وتكلم الناشطون عن 800 ألف) دحضت فرضية الحل الأمني، وألقت إلى مزابل التاريخ دعوات الحوار المضللة ونظرية المؤامرة الكاذبة، لتكون في استقبال أصحابها قريباً جداً.

إنها الحقيقة المجردة التي ينبغي للجميع أن يراها. وإن كنا نجد العذر للبعض الذي سكت وله أسبابه، فإننا لا نرى مسوغاً لأبواق النظام، التي خسرت جُلّ – إن لم نقل كل – رصيدها عند الشعوب. صدقوني .. إنّ الشعوب أبقى وأقوى وأذكى وأوعى من كل من يدعي ويحتكر الذكاء والحنكة والفهم.

يبقى أن ننبه ونحذر من بعض التصرفات اللامسؤولة (إن أحسنا الظن) من بعض أطراف المعارضة السورية التي يبدو أنها – مضللة او راغبة – تحاول المراهنة على العامل الدولي، ناسية أن القوة والشرعية والقرار هناك في أزقة درعا وحماة وبانياس، وليس في باريس وواشنطن ولندن. إن مؤتمراً مثل الذي أقيم في باريس مؤخراً (بمنظميه والمشاركين فيه وبرنامجه) ليدق ناقوس الخطر للجميع للعودة إلى المسار الصحيح والاعتذار إلى الشعب، قبل أن يقول الأخير كلمته الأخيرة في النظام الظالم البائد، وبعض أطياف المعارضة فاقدة البوصلة.

 

يا شامُ قومي وارفضي الظلّاما  ..  حاشا لشعبِكِ يعبدُ الأصناما

خسِئَ النظامُ المستبدُّ وجندُهُ  ..  الشعبُ أرفعُ قيمة ًَ ومَقاما

الشعبُ أبقى مِنْ نظام ٍ حاكم ٍ  ..  إنْ لمْ تُصَدّقْ فاسألنَّ شآما

شارك الموضوع :

اترك رداً