سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قراءة في وثائق “ويكيليكس” .. ما لها وما عليها

0

منذ أن أعلن موقع ويكيليكس الإلكتروني عن عزمه نشر وثائق يخص فترة الإحتلال الأمريكي للعراق، وهذه الوثائق حديث الساعة في العالم.. يخبو حيناً ويعلو أحياناً .. حديث الساعة إلا في عالمنا العربي حيث هموم الحكومات وأزلامها غير تلك الهموم.

والآن وبعد أن بدأ الموقع بنشر وثائق تخص مراسلات سفارت الولايات المتحدة عبلا العالم إلى وزارة الخارجية أو العكس، وبما تضمنته من نقل لكلام ومواقف وانتقادات (بل واستهزاءات) لشخصيات وازنة عالمياً أو على الأقل في دولها.. وبما يمثله نشر تلك الوثائق من اختراق لنظام أمن المعلومات الدبلوماسية الأمريكي.. بدأ العالم يتكلم عن 11/9 الدبلوماسي، أي الحدث الدبلوماسي الذي سيغير العالم كما غيرت أحداث 11/9 سياسات العالم وأحداثه.

ولأن الحدث بارز وهام ومفاجئ في آن معاً، ولأنه يحمل ما يحمل من معان وتداعيات، أصبح مجدداً حديث الساعة هناك. اما في عالمنا العربي (والكثير من الدول الإسلامية)، فلم يتعد الأمر خبراً عادياً في وسائل الإعلام المستقلة، بينما غاب أو كاد في وسائل الإعلام العربية الرسمية. بينما انقسم رجل الشارع بين موقفين:

أحدهما يستبشر خيراً بالحرية الصحفية والجرأة التي تسمح لنا بمعرفة ما يجري من وراء ظهورنا الآن وليس بعد 30 او 40 سنة، ويكبر في الإدارة الأمريكية أنها لم تعتقل أو تجبر القائمين على الموقع والمتعاونين معهم على وقف النشر.

والثاني يرى أن أمراً جللاً كهذا لا يمكن أن يكون حصل على الرغم من الإدارة الأمريكية، ولذلك فهو لا يعدو عن كونه فصلاً جديداً في مؤامرة لها أهدافها وآلياتها المحسوبة أمريكياوصهيونياً.

وبعيداً عن ذكر التفاصيل الواردة في الوثائق سالفة الذكر (حيث اطلعنا جميعا بشكل أو بآخر على ما تحتويه عبر وسائل الإعلام)، أحببت أن أشير إلى بعض الأمور والتفاصيل والإشارات في صلب الموضوع، لا هوامشه.

وهنا، وحسب متابعتي من وسائل الإعلام، أستطيع تسجيل النقاط التالية:

  1. أعلن عن النية في نشر 250 ألف وثيقة، نشر منها حتى الآن حوالي 250 وثيقة فقط. أي أننا ما زلنا نرى رأس جبل الجليد فقط، ربما.
  2. وسيلة الإستيلاء على الوثائق ما زالت محط جدل ونقاش، فالرواية الأكثر تناقلاً تشير إلى تسرييبها عبر أحد الجنود أو الضباط الأمريكيين العاملين في العراق (من أجل المال أو أي شيء آخر)، حيث يطلع الآلاف من الموظفين الأمريكيين على تلك الوثائق بحكم عملهم على نقلها.
  3. كل الوثائق التي نشرت صنفت على أنها من نوع “سري” أو أقل، بينما لا توجد أي وثيقة “سرية جداً” (top secret).
  4. الوثائق تغطي فترة زمنية طويلة ما بين عامي 2004 و2010، وأغلبها يخص فترة حكم جورج بوش الإبن، وآخر تاريخ للوثائق المنشورة حتى الآن هو شباط 2010.
  5. الوثائق لا تتضمن فقط تحليلاً أو رأياً للسفثر الأمريكي في بلد ما وحسب، بل أغلبها تتضمن معلومات أو آراء منقولة عن ملوك وأمراء ورؤساء، أو دبلماسيين و رجال إعلام و رجال أعمال. وهذا أمر يشير إلى ما تناسته وسائل الإعلام من دور إستخباراتي للسفارات الأمريكية.
  6. أعلب الوثائق المنشورة إما مقتطعة من نصها ، أو مشفرة في بعض تفاصيلها (غالباً اسم المصدر).
  7. ليس معلوماً للمتابعين ما إذا كان مصدر التشفير (الترميز والإخفاء) هو النص الأصلي للوثيقة أو الموقع نفسه ولماذا.
  8. أكثر الدول التي نشر بخصوصها وثائق هي تركيا والعراق، بينما نشرت وثيقة واحدة فقط عن بريطانيا، ولم ينشر شيء يخص الكيان الصهيوني. !!
  9. الوثائق شملت العديد من الدول الحليفة لأمريكا مثل فرنسا وألمانيا وتركيا، والعديد من “أعدائها” مثل إيران.
  10. بعض الوثائق تضمنت استهزاءات وألقاباً بخصوص رجال دولة أو رؤساء دول أطلقها رجال الدبلوماسية الأمريكيون في تلك الدول، بما يشير لمستوى السياسة الأمريكية.
  11. لا أحد يعلم أو يستطيع أن يجزم بسياسة النشر على أساس السرية. بمعنى أنهم إذا كانوا قد نشروا الوثائق الأكثر سرية والأخطر والأهم، فموضوع الوثائق مرشح للإهمال والنسيان مع الوقت، أما إذا كانت سياسة النشر معكوسة والوثائق التي أمانا هي الأقل أهمية وخطرة وسرية، ساعتها نكون فعلاً أمام زلزال سياسي ودبلماسي لن يستطيع أحد أن يتنبأ بكيفية وزمان وآليات نهايته.
  12. تختلف أهمية الوثائق بين بعضها البعض اعتماداً على عدة عوامل:

. منها العالم الزمني وظروف كتابة الوثيقة: فمن البديهي أنه كلما تأخر تاريخ الوزثيقة كلما ظادت أهميتها لقربها من ظروف البلد المعين الحالية، وبالتالي قربها من حقيقة الموقف الأمريكي.

. المصدر: بعض الوثائق صادرة عن الخارجية ووزيرة الخارجية الأمريكية، وهذه لا شك الأهم لأنها تعبر عن وجهة نظر الإدارة الأمريكية مباشرة. بينما أغلب الوثائق عبارة عن آراء أو معلومات يبعثها السفراء إلى حكومتهم، ولكنها لسيست بالضروة مؤثرة في السياسة الخاجية الأمريكية.

. الصفة: هذه الوثائق نفسها تتباين في أهميتها بين ما هو معلن ومأخوذ من وسائل الإعلام وبين ما هو سري وحصل عليه من مصادلر مطلعة، وبين ما هو رأي مبني على تقدير السفارة وبين ما هو معلومة مباشرة، وتختلف بالتأكيد تبعاص للدولة والموضوع ذي الشأن.

  1. كل هذه الوثائق وثائق امريكية محضة، وعبارة عن مراسلات بين السفارات ووزارة الخارجية الأمريكية، بمعنى أنه لا يمكن الجزم بصحتها ابتداءاً، إضافة إلى أن أي دولة أو شخصية تستطيع التهرب من أية وثيقة شاءت بحجة الفهم الخاطئ والترجمة المغلوطة..الخ، بينما ربما تشكل هذه الوثائق أساساً وحججاً لبعض الدول إذا أرادت أن تغير بعض السياسات تجاه بعض الدول، مثل علاقات إيران بدول الخليج وتركيا مع أذربيجان..الخ.
  2. نظرياً وحتى الآن، الدولة الأكثر استفادةً من النشر هو الكيان الصهيوني، فليس من وثيقة واحدة (فيما نشر حتى الآن) بخصوصه، بينما أغلبها عبارة عن “نقل كلام” لدول عن دول يقع أغلبها في قلب المنظقة من دول الخليج، مصر، السلطة الفلسطينية، وحتى تركيا، بما يمكن أن يسبب الكثير من الأزمات الدبلماسية لو أريد ذلك.
  3. الدبلماسية الأمريكية في حرج شديد، ويعتبر هذا النشر (ولو ظاهرياً) هزة قوية لها ولهيبتها و”لكاريزمتها” امام دول العالم.
  4. ليس من شك أن نشر هذه الوثائق بهذه الطريقة سيغير الكثير في العمل الدبلماسي ونقل الوثائق، بدأت بإعلام هيلاري كلينتون بتقليل عدد ورفع رتبة المطلعين على مثل هذه الوثائق، وظيادة التشفير والترميز فيها. وربما لا تنتهي بزيادة حرص مصادر المعلومات في دول العالم، التي ربما لن تأمن أن تفضح يوماً ما، حيث لا يعرف أحد ولا يستطيع أن يعرف كم المعلومات والوثائق الموجودة في حوزة الموقع، أو ما يمكن أن يحصل عليه، هو وغيره، في المستقبل.

 

خلاصة القول .. ينبغي التروي قليلاً والإنتظار قبل إطلاق الأحكام، وينبغي انتظار نشر كل الوثائق حتى تتضح الصورة أكثر. ولكن بكل الأحوال لا شك أن هذا الأمر سيكون له تداعيات عدة ومهمة في العالم، ويستطيع الجميع استخلاص العبر والدروس. والأمر الأكيد هنا أن نشر الوثائق هو 11/9 للدبلماسية الأمريكية تحديداً أكثر من أي دولة أخرى في العالم.

شارك الموضوع :

اترك رداً