سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

تركيا ومصر والإعلام

0

في اليوم التالي لأول انتخابات خاضها حزب العدالة والتنمية في تركيا بعد تأسيسه (انتخابات عام 2002) كانت هناك مجموعة من نواب وأعضاء الحزب مجتمعين في أحد الفنادق، وعندما دخل وقت صلاة المغرب صلوها جماعة. فقامت الدنيا ولم تقعد في الإعلام التركي الذي اعتبر ذلك استعراضاً للقوة وتحضيراً لحكم تركيا بالشريعة الإسلامية. فخرج النواب على وسائل الإعلام (العلمانية المعارضة) ليشرحوا أن ذلك أمر عفوي وغير مقصود به رسالة سياسية، وأنه في الدين الإسلامي عندما يجتمع أكثر من شخص في وقت الصلاة، فإنهم بشكل طبيعي يؤدون الصلاة جماعة.!!

 

وبقي الحزب بكل قيادييه وعلى رأسهم رئيس الوزراء اردوغان في موقع المتهم المدافع عن مواقفه وتصريحاته لأشهر وسنوات حتى أخذ المبادرة وثبت أركان حكمه.

 

ذكرتني بالأمر الحالة العدائية الواضحة لمعظم وسائل الإعلام المصرية للرئيس محمد مرسي (ومن باب أولى جماعة الإخوان المسلمين)، حتى وصل الأمر حدوداً غير مسبوقة بتوجيه الاتهامات إليه والتحريض عليه في قنوات التلفزيون الرسمي المصري. حتى وصل الأمر بعدد منها إلى “الاحتجاب” عن الصدور أو البث احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره، بينما لم تحتجب سابقاً أيام مبارك إلا حين وفاة حفيده.!!

 

من الطبيعي أن الوقت أعطى فرصة لاردوغان ليقوم بكثير من الإصلاحات الديمقراطية ويحرز تقدماً اقتصادياً ومع حالة الاستقرار السياسي التي سادت ضمن التفاف الجماهير حوله، مما قوّى موقفه أمام وسائل الإعلام. لكن كل ذلك لا يمنع أن حزب العدالة والتنمية كانت لديه خطة وخطوات واضحة في خوضه هذه “المعركة الإعلامية”. فما هي هذه الخطوات؟

 

أولاً، متابعة ملفات الفساد (الإداري والمالي) لعدد من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية، عبر أشخاص مستقلين بعيداً عن اسم الحزب، وتحريك دعاوى ضدهم.

 

ثانياً، ملاحقة المخالفات الإدارية والإعلامية لبعض الشخصيات والمؤسسات الإعلامية، وإغلاق بعضها إن احتاج الأمر لذلك.

 

ثالثاً، رفع قضايا في المحاكم على بعض الشخصيات والمؤسسات الإعلامية التي تخطت حدود الأدب أو الموضوعية الإعلامية بحق رئيس الوزراء أو حزبه، والمطالبة بتعويضات مادية عن ذلك. وقد كسب اردوغان أغلب هذه القضايا إن لم يكن كلها، حتى بات البعض يتندر ويقول أنه يصرف على حزبه من هذه التعويضات.

 

رابعاً، اشترى الحزب أو أوساط مقربة منه أسهماً في عدد من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، مما ساعد على تغيير رسالتها التحريرية ولغتها التحريضية.

 

خامساً، وضعت الدولة يدها على بعض وسائل الإعلام المملوكة لرجال أعمال لوحقوا بسبب الفساد، فساهمت مع التلفزيون الرسمي التركي، في تقديم تغطية موضوعية لعمل الحكومة.

 

سادساً، فتحت الحكومة الباب واسعاً لتأسيس منابر إعلامية جديدة، مقروءة ومسموعة ومرئية، ساهمت في إثراء الواقع الإعلامي التركي، وخففت من وزن وسيطرة وسائل الإعلام القديمة وتأثيرها على الرأي العام.

 

كل هذه الوسائل وغيرها ساهمت في دحض الكثير من افتراءات الإعلام المسيس ضد الحكومة والحزب الحاكم، وجعلت الكثيرين يحسبون ألف حساب قبل أي مناورة أو تحريض، وحصرت البعض في موقع الدفاع عن النفس فشغلتهم عن مهاجمة الحكومة وتشويه عملها.

 

لكن كل ذلك لم يكن ليؤدي إلى أي فائدة أو أثر إيجابي واضح لو لم يكن مشفوعاً بل مسبوقاً بعمل سياسي دؤوب وتقدم اقتصادي ملحوظ وخدمات جليلة للشعب وإنجازات كبيرة على أرض الواقع أدت كلها مجتمعة إلى التفاف شعبي حول الحكومة، ورفع شعبية ومصداقية رئيسها، الذي انتقل بعد سنوات قليلة جداً من موقع الدفاع ورد الفعل إلى المبادرة وصناعة الخبر.

شارك الموضوع :

اترك رداً