سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

إلى المجلس الوطني السوري: المبادئ لا تتجزأ

0

منذ بداية الثورة السورية وقفنا موقفاً لا لبس فيه إلى جانب الشعب السوري الشقيق، رغم كل تعقيدات الوضع السوري جغرافياً وسياسياً واستيراتيجياً، وليس ذلك منّة أو تفضلاً منّا، بل هو أضعف الإيمان، فديننا وأخلاقنا ووطنيتنا وعروبتنا وقوميتنا وإنسانيتنا كلها تفرض علينا (وأتكلم هنا باسمي – وأجرؤ أن أقول – وباسم غالبية الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية) عدم تجزيء المبادئ ونصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الحق مهما كانت التبعات.

أنشئ المجلس الوطني السوري لاحقاً من أطياف المعارضة المختلفة، ورغم الكثير من ملاحظاتنا على أدائه (وقد عبر عن ذلك الكثيرون غير مرة وفي أكثر من مكان)، إلا أننا اعتبرناه إنجازاً مهماً للمعارضة باعتبارها اجتمعت في كيان واحد لنصرة شعبها المظلوم رغم تبايناتها الكبيرة.

أكبر مآخذنا على أداء المجلس كان تصريحات الدكتور برهان غليون الشهيرة لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن دور سوريا في المنطقة بعد بشار، لكن حتى ذلك الموقف (الذي لم يعتذر عنه غليون) لا يرقى إلى التسجيل المنتشر على الانترنت للسيدة بسمة القضماني عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري، والتي تقول فيه أننا نحتاج “إسرائيل” وتدعو “لكسر الجدران” معها..الخ.

لا يختلف إثنان على أن من سرب هذا التسجيل الذي يعود لأعوام خلت يدور في فلك النظام السوري ويسعى من ورائه إلى تشويه صورة المعارضة والمجلس، ولكن هذا لا يقلل أبداً من أهميته وخطورته بل يزيد منهما. ولكن الأهم من التسجيل كان تعقيب السيدة قضماني وبيان المجلس نفسه حول الموضوع، فالاثنان اعتبرا التسجيل “مؤامرة” من النظام ضد المجلس وقياداته، معتبرينه “فبركة” وتحويراً للقاء الأصلي.

بديهي أننا لا ننتقد السيدة القضماني لديانتها اليهودية (إن صح ذلك) بل لآراءها الداعية للتطبيع والتقارب واعتبار الكيان الصهيوني “ضرورة” للمنطقة، ويزيد من خطورة هذه المواقف أنها تصدر عن أحد رموز المجلس الذي يمثل الثورة السورية سياسياً.

إن تكرار المجلس ومعه السيدة بسمة لمقولات المؤامرة والتلفيق والفبركات الإعلامية يقلل من مصداقيتهما، ويهز ثقة الشارع بهما، وهذا عينُ ما أراد مَنْ نَشَرَ التسجيل على صفحات الشبكة العنكبوتية. كما أن اعتبار ذلك شيئاً ثانوياً لا يجب الالتفات إليه بحجة “دقة المرحلة وخطورتها” هي نفس ما كان النظام – وما زال – يردده لتبرير مواقفه القامعة لشعبه والمتنكرة لحقوقه.

ولذلك نستغرب جداً من عدم مسارعة السيدة القضماني لتقديم استقالتها للحفاظ على صورة المجلس وعدم إلحاق الضرر بالثورة والثوار، وتفويت الفرصة على النظام في تسويق نظرية “المؤامرة الكونية”. فتقديمها لاستقالتها كان سينم عن نكرانٍ للذات وتقديمٍ للمصلحة العامة على تلك الفردية الشخصية الخاصة، وكان سيضرب مثالاً يحتذى في لفظ الألقاب والمناصب في سبيل إنجاح الثورة. وإذ لم تفعل هي ذلك، فكان على المجلس أن يعفيها من منصبها للأسباب والاعتبارات ذاتها.

إن تصرفاً كهذا (سواء من السيدة بسمة أو من المجلس) من شأنه أن يطمئن الثورة ورجالها ومحبيها، وأن يدحض مقولات النظام وتشويهاته، وأن يضرب مثلاً للشفافية والزهد في المناصب وتقديم مصلحة الشعب على مصالح أفراده أياً كانوا.

إن أخطر ما قد يفعله المجلس أن يعتقد أن ترك أي من أعضائه لمنصبه قد يضر بالثورة، أو أن يرى أنه الفاعل الأبرز في تطوراتها اليومية، فكلنا يعرف أن الفاعل المؤثر شبه الوحيد هم ثوار الداخل، وأن المجلس وأطياف المعارضة المختلفة تتعاطى الشؤون الإعلامية والسياسية في محاولة لدعم الحراك الداخلي.

كما يحتاج المجلس – في هذا الوقت الذي تتسارع فيه المواقف الدولية لتفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات لا تحصى حول مستقبل سوريا – يحتاج إلى أن يثبت للشعب السوري وجميع من وقف معه -وما زال-  أنّ أجندته وطنية بامتياز، وأنّ كل ما تقدمه الأسرة الدولية مساعدات غير مشروطة، ولا ترهن قرار المجلس أو مواقفه لا الآن ولا لاحقاً لمقدمي هذه المساعدات.

أكثر ما نخشاه أن يتساوى بعض قادة المعارضة مع النظام في ترديد مقولات المؤامرة والفبركات الإعلامية والإصرار على المواقف والتمسك بالمناصب والكراسي وانعدام المحاسبة والشفافية، حتى لا يضطر البعض ساعتها أن يحزم رأيه وقراره في صف الاستقرار والنظام الحالي.

إن الأمانة والاعتبارات والمبادئ التي جعلتنا منذ بداية الثورة نقول: إذا كان النظام السوري سيعيد لنا فلسطين على جثث الشعب السوري الشقيق فلا نريده، هي نفسها الاعتبارات والمبادئ التي تدعونا الآن أن نقول وبالفم الملآن: إذا كانت المعارضة ستسقط النظام لتغير بوصلة سوريا نحو الغرب وإسرائيل وتدير ظهرها للمقاومة فلا نريدها. !!

رفعت الأقلام وجفت الصحف.

شارك الموضوع :

اترك رداً