سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

التجديد لغليون والأسئلة المطروحة

0

كان المجلس الوطني السوري قد قرر في هيكليته الداخلية أن تكون مدة رئاسته ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، بعد دعوات لجعلها مدة واحدة خوفاً من التفرد بالقرار، ودعوات أخرى باستمرار نفس القيادة طلباً للاستقرار واستبعاداً للهزات السياسية ونفياً للمحاصصة والتسابق على المناصب. وفي هذا الإطار، وفي خطوة متوقعة، جدد المجلس في اجتماعه قبل أيام لرئيسه الدكتور برهان غليون مدة إضافية، لثلاث أشهر قادمة.

 

 

ورغم التطورات الأخيرة ميدانياً وما تبعها سياسياً، ورغم توجه بعض الدول للاعتراف بالمجلس بديلاً للنظام القائم، إلا أننا يجب أن نعترف أن قيادة الدكتور برهان للمجلس لم تكن دائماً موفقة، بل شابها الكثير من المشاكل والعقبات والتساؤلات المشروعة من كل الأطراف.

 

 

ففي حين يحسب للمجلس الوطني السوري أنه استطاع في الفترة السابقة جمع شرائح واسعة ومختلفة من المعارضة تحت سقفه، وما يزال يضم كل فترة أسماء إضافية، إلا أنه يمكن القول أنه لم يحقق كل ما كانت جماهير الشعب السوري الثائرة تتوقع منه وتطلب.

 

يعاني المجلس منذ بدايات تشكيله من ضعف واضح في ادائه السياسي، نابع من التنوع الكبير في مكوناته الداخلية فكرياً وأيديولوجياً وسياسياً، مما يعيق عمله بشكل واضح، بل ويسبب بعض البلبلة احياناً. لكن ذلك كله يبقى مقبولاً ومتفهماً في واقع معارضة منتشرة على كامل ألوان الطيف الفكري والجغرافي، بعيداً (اضطراراً) عن الداخل السوري وبعيداً عن التلاقي والتوافق والتنسيق (إلا فيما ندر) لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، وفي هكذا ظروف لا يمكن للإنسان ان ينتظر من المجلس إنجازات سياسية بالمعنى الصحيح.

 

يرى بعض المراقبين أن المجلس الوطني السوري لم يستطع فرض نفسه بقوة إقليمياً ودولياً كبديل عن النظام، بعد أن اكتسب الشرعية الداخلية من جماهير الثورة وعناصرها في الداخل، فقد تميز أداؤه بالمتابعة والتعليق وردات الفعل أكثر من طرح مبادرات سياسية ومحاولة قيادة الشارع المنتفض وتوجيه دفّته. فأغلب – إن لم نقل كل – مكونات المعارضة السورية كانت تتسابق على تبني كل ما يطرح في الشارع السوري طلباً للشعبية وتمثيل الثورة، مما حد من قدرتها على النقد والمبادرة والقيادة.

 

الدكتور غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي المقيم في فرنسا، اختير أساساً _ كما يدعي البعض – لأنه الأقرب لتحقيق القبول الغربي والدولي بالمجلس، فصفته الأكاديمية وفكره الليبرالي سيكونان حتماً أقرب للعقلية السياسية الغربية من قيادات إسلامية (إخوانية أو غيرها) أو يسارية أو قومية بحتة. لكن غليون افتقد غالباً للكاريزما السياسية وقوة المنطق والحجة، حتى أنه أحياناً سبب انتقادات قوية للمجلس بتصريحاته.

 

أهم وأخطر تلك التصريحات كانت تلك التي أدلى بها غليون لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في شهر كانون أول/ديسمبر المنصرم، والتي قال فيها إن علاقات سوريا الخارجية بعد إسقاط النظام ستتغير، وأن سوريا المستقبلية – في حال تولي المعارضة للحكم – لن تستمر في دعم حركات المقاومة بل ستتجه لعلاقات أفضل مع دول الإعتدال العربية. هذه التصريحات أثارت زوبعة من الانتقادات لغيون والمجلس من قبل كثير من المراقبين والسياسيين، وأثارت مخاوف كبيرة على مستقبل سوريا الدولة ودورها المحوري في الصراع، وإلى الحد الذي يمكن أن يذهب فيه المجلس في مواقفه وتصريحاته من تنازلات لتطمين الغرب وضمان تأييده. التصريح المذكور (وسيء الذكر) انتُقِد أيضاً من أعضاء في المجلس نفسه، وقال البعض أن تصريحات غليون فهمت خطأً، لكنه لم يقدم لاحقاً أي اعتذار أو توضيح لما قال.

 

الخلافات والتجاذبات (وأحياناً التلاسنات) مع بعض أطراف المعارضة، وأهمهم السيد هيثم المناع (رئيس هيئة التنسيق الوطنية السورية)، وقيادة الجيش السوري الحر، ميزت فترة رئاسة غليون الاولى، في فترة أكثر ما تحتاجه أطراف المعارضة المختلفة هو التوافق وتوحيد المواقف أمام عظمة التضحيات التي يقدمها الشعب السوري وشلال دمائه المراق يومياً. ورغم أن الكثير بذل في سبيل هذا التلاقي والتوافق، إلا أن غليون والمجلس يحتاجان الكثير من التضحية ونكران الذات في سبيل تحقيق أحلام الشعب السوري الجريح في الحرية والكرامة.

 

أخيراً يبقى أهم مهام المجلس أن يحافظ على سوريا الدولة وسوريا الدور وسوريا المحور القوي في الشرق الأوسط، ورغم مرارة الواقع وقساوة الظروف وبطش النظام وضرورة الحماية العاجلة لأرواح المدنيين، إلا أن المجلس يحتاج أن يقف ثابتاً وواضحاً وممانعاً لأي تدخل غربي عسكري في سوريا، فلئن كان النظام ظالماً فليس الغرب بحريص على مصالح الشعب السوري ولا دمائه ومصيره. حماية المدنيين واجب الوقت الأهم، لكن التدخل الغربي والارتهان السياسي كان ويجب أن يبقى خطاً أحمر لأي موقف أو مبادرة سياسية، حتى لا يأتي يوم نقول: ليتنا، ولات ساعة مندم.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً