بعد فترة انتقالية صعبة شهدت عدم استقرار سياسي وتراجعات اقتصادية وتوترات أمنية، عادت تركيا مرة أخرى بعد انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر إلى حكومة مستقرة من حزب واحد كما تعودت منذ 2002 (يتوقع أن يتم الإعلان عنها قبل صدور هذا العدد من المجلة)، وهو ما يعني أن مرحلة جديدة ومختلفة تماماً قد بدأت في البلاد، حاملة معها همومها وملفاتها واستحقاقاتها.
الملف الاقتصادي
يبدو أولويات الحكومة الجديدة – ومن خلفها حزب العدالة والتنمية – واضحة في ثنايا تصريحات السياسيين حتى قبل تشكيلها. فقد شكل الحزب لجنة خاصة لمتابعة ملف تنفيذ الحكومة الوشيكة لتعهدات العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية، وخاصة الوعود الاقتصادية المتعلقة بحياة المواطن اليومية.
فقد قدم الحزب ما أسماه تعهدات – وليس مجرد وعود – واضحة ضمنت له الكثير من الأصوات في جولة الانتخابية الأخيرة، شملت رفع الحد الأدنى للأجور ومكافآت نهاية الخدمة ومكافحة البطالة وغيرها. وتريد الحكومة من ذلك مواجهة الأزمة الاقتصادية المتأثرة بالفترة السابقة وتجلياتها السياسية والأمنية من جهة، وترسيخ رسالة الإذعان للمواطن والصدق معه من جهة أخرى.
ورغم العديد من العقبات الداخلية – مثل التصعيد العسكري المستمر مع حزب العمال الكردستاني – والخارجية – مثل الأزمة السورية والأزمة الاقتصادية اليونانية – إلا أن العدالة والتنمية يبدو عازماً على إنفاذ وعوده، وإرضاء ملايين الشباب الذين أولوه ثقتهم مؤخراً بعد أن كانوا قد سحبوها منه في انتخابات السابع من حزيران/يونيو وكأنهم قد قبلوا اختبارهم، وهو لا يريد أن يرسب في الاختبار.
التصعيد العسكري
والملف الثاني الأكثر إلحاحاً على الحكومة التركية الجديدة سيكون ملف مكافحة “الإرهاب” من خلال عملية التصعيد الأخيرة من العمال الكردستاني، الذي استغل تطورات الأزمة السورية – وزيادة أهمية أكراد سوريا بالنسبة للولايات المتحدة والتحالف الدولي – على هامش نتائج انتخابات حزيران/يونيو ليكسر الهدنة مع الحكومة التركية ويشن عدة عمليات افتتحت فترة تصعيد جديد لمنا ينته بعد.
ولئن كانت نتائج الانتخابات الأخيرة بما أفرزته من استقرار سياسي متوقع في البلاد، فضلاً عن انحسار التأييد الشعبي للحزب بين الأكراد، إلا أن ذلك ليس كافياً بحال لإعادة الاستقرار والأمن للبلاد، على الأقل ليس قبل إعادة ضخ الدماء في العملية السياسية المتوفقة منذ شهر آذار/نيسان الماضي.
عملية السلام
تبدو تركيا العدالة والتنمية اليوم أكثر فهماً لمقولة أن “الحل العسكري ليس كافياً لحل المشكلة الكردية”