تركيا وإيران تتجاوزان الأزمة العابرة بينهما
عربي 21
زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الفائت تركيا، و التقى نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو وكذلك الرئيس اردوغان.وتعدُّ هذهالزيارة الأولى بين البلدين بعد التوتر المؤقت بينهما في كانون الأول/ديسمبر الفائت.
فقد كانت اردوغان، وفي “احتفال النصر” في أذربيجان تلا أبياتاً من الشعر أثارت حساسية لدى إيران من باب أنها قد تكون تحرض “أذر إيران” على نزعة الاستقلال. وقد كانت ردة الفعل الإيرانية سريعة وحادة جداً في حينها، على المستويين السياسي الرسمي والإعلامي بما في ذلك مقالات وكاريكاتورات أساءت للرئيس التركي بشكل مباشر.
تلا ذلك ردود رسمية تركية نددت بهذه الردود وذكّرت طهران بأن “أنقرة هي من وقف إلى جانبها في أوقاتها الصعبة”. بل إن كشف أنقرة عن خلية استخبارية إيرانية تعمل على الأراضي التركية بعد ذلك بأيام فُهِمَ ضمن ردها على تصعيد إيران ضدها عموماً واردوغان على وجه الخصوص.
كانت تلك، كما وصفناها حينها، أزمة عابرة بين البلدين ولكن أيضاً كاشفة. ذلك أن القوتين الإقليميتين تتميزان بتنافس شديد وإن كان هادئاً في المنطقة، وبعلاقات غاية في التعقيد والتركيب. لكنهما في الأغلب يديران حالة التنافس هذه والخلافات والاختلافات بينهما دون صدام مباشر، بل بتنسيق في ملفات وتعاون في أخرى وتنافس في بعضها الآخر.
أما الآن، ورغم عدم الاحتفاء الكبير بالزيارة قبلها وخلالها، إلا أنها كانت محملّة بإشارات كثيرة على اختلاف الأوضاع والسياق وبالتالي المخرجات.
فقد غلب على كلام ظريف، الذي كان أول من رد على اردوغان قبل شهرين، التصريحات الإيجابية والإشادة بتركيا وبالعلاقات معها حيث أكد على أن “البلدين وقفا إلى جانب بعضهما البعض في الظروف العسيرة” مؤكداً أن بلاده “تقدر قيمة هذه الصداقة” معها. كما غرد ظريف بعد الزيارة قائلاً إنها كانت “بناءة وحميمية ومثمرة”.
ورغم أن حماسة تشاووش أوغلو بدت أقل بكثير من نظيره الإيراني كما يتبدى من تصريحاته، حين قال إن بلاده “تسعى دوماً إلى تعزيز العلاقات” مع جارتها، إلا أن الزيارة حملت دلالة مهمة على تخطي البلدين إلى حد كبير التوترَ السابق من جهة وخلافاتهما في بعض الملفات وفي مقدمتها سوريا من جهة أخرى.
الأكثر لفتاً للأنظار كان اتفاق الجانبين على جملة من اللقاءات الإقليمية الثلاثية التي ستجمعهما إضافة لكل من أفغانستان ثم أذربيجان ثم روسيا، كلاً على حدة.ما يعني أن الجانبين قررا مدَّ خط خفض التوتر بينهما على طوله نحو التعاون الإقليمي في ملفات شائكة ومهمة لكليهما مثل أفغانستان والقوقاز وسوريا، حيث إن اللقاء الثلاثي الثالث (مع روسيا) متعلق بالدول الضامنة لمسار أستانة ويفترض أن يلتئم منتصف الشهر الجاري بعد أشهر من الانقطاع.
ولتكتمل مؤشرات تجاوز الجانبين محطة التصعيد الخطابي والسياسي السابقة، فقد أعلن ظريف إن بلاده “تنتظر زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إليها” قريباً، لمناسبة التئام المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، حيث سيحدد الجانبان قريباً تواريخ اجتماع اللجانالمشتركة للمجلس.
وبذلك يمكن القول إن الجانبين تجاوزا نظرياً وظاهرياً الأزمة السابقة سريعاً، مركزين على المصالح المشتركة وأولويات المرحلة المقبلة لكل منهما، لدرجة أن ظريف حمّل إدارة ترمب وجائحة كورونا مسؤولية “تقلص التعاون بين الجانبين”. ذلك أن تركيا في سعي صريح وواضحمؤخراً لتدوير زوايا الخلاف مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية والتركيز على أولويات أجندتها الداخلية مثل الاقتصاد وجائحة كورونا والإصلاحات القانونية والاقتصادية، كما أن إيران كذلك تستعد لمرحلة جديدة مع إدارة أمريكية ديمقراطية وعينها على تخفيف الحصار عن نفسها، وهي بالتأكيد تتطلع لدور تركي في ذلك.
في هذا الإطار عبر الوزير التركي عن موقف بلاده التقليدي الرافض للعقوبات الاقتصادية والحصار قائلاً إن موقف بلاده “تجاه العقوبات الأمريكية واضح” في دعوة ضمنية لرفع العقوبات، ولكن بهذه الصيغة العامة والهادئة، متجنباً اتخاذ موقف واضح الانحياز أو حاد اللهجة. في المقابل، تتضح طموحات طهران من الزيارة في تصريح وزارة الخارجية الإيرانية الذي أورد أن مباحثات ظريف مع اردوغان تناولت “الاتفاق على متابعة القضايا المرتبطة بالعلاقات الثنائية وإعادة التجارة بين البلدين إلى المسار المخطط له سابقاً”، إضافة لتصريحات ظريف حول إجرائه مباحثات في مجالات النقل والتجارة والطاقة.
في الخلاصة، يتضح من مخرجات الزيارة المعلن عنها أن التوتر السابق بين البلدين بات من الماضي إلى حد كبير، وبل وأن الجانبين لم يتوقفا طويلاً عند الملفات الخلافية ولا سيما سوريا، خصوصاً وأن القضية السورية في جمود سياسي وميداني ملموس منذ أشهر. أكثر من ذلك، ثمة مسارات اتفق الجانبان على التعاون فيها، وفي مقدمتها القوقاز، حيث كانت أنقرة قد قدمت مبادرة لإطار يجمع ست دول منخرطة و/أو مهتمة في نزاع القوقاز كانت إيران إحداها، تحت عنوان مبادرة المنصة السداسية للتعاون الإقليمي.
لكن كل ما سبق لا يعني أن اختلافاً جذرياً قد طرأ على جوهر العلاقة بين البلدين الجارين، بل تستمر العلاقة بينما تنافساً بين قوتين إقليميتين لديهما اختلافات في الرؤى والتوجهات والسياسات في المنطقة، ولكن لا تمنعهما هذه الاختلافات والخلافات من التنسيق والتعاون في بعض الملفات، والتنافس في أخرى، بل وتوجيه الرسائل المباشرة وغير المباشرة لبعضهما البعض متى احتاج الأمر ذلك.