حلول مقترحة للاحتقان التركي ضد السوريين

 

حلول مقترحة للاحتقان التركي ضد السوريين

منشور على الفيسبوك

4/7/2019

 

كثيرون يسألون – محقّين – عن الحلول المقترحة لحالة الاحتقان ضد السوريين والتي تنفجر أحياناً على شكل تحريض او احتكاكات.
ولكن قبل الدخول في مساحة الحلول، أعتقد انه من المفيد التأكيد على:

١) خطاب الكراهية و/أو العنصرية لا يُسحب على الأكثرية في تركيا، بل هم أقلية، ولكن كالعادة أقلية صوتها وضجيجها أعلى وقادرة علىى افتعال المشاكل.

٢) الحديث عن أخطاء في إدارة ملف الوجود السوري لا ينفي ما قدمته تركيا حتى اليوم للسوريين، كما أن ما فعلته لا ينفي الاخطاء.

٣) لا يمكن معالجة سلبية بسلبية مثلها، ولذلك فالخطاب الحاد من السوريين أو غيرهم ضد الأتراك كذلك خاطئ وغير مفيد، لا سيما إن وقع في نفس أخطاء التعميم والتحريض.

٤) باعتبار أن المشكلة متعددة الأسباب، فالحلول المقترحة كذلك متعددة ومسؤولياتها متوزعة على عدة أطراف، ولذلك فليس هناك حل واحد سحري متاح.

٥) رفض احزاب المعارضة وبعض شرائح الشعب التركي للوجود السوري في السنوات الاولى كان سياسياً فقط، من باب الاصطفاف مع النظام ومناكفةً للعدالة والتنمية، اما تحول الامر لرفض مجتمعي واحتكاكات فظهر فقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة بهذا الشكل الواضح، ما يحيل إلى عوامل وأسباب مستجدة. أعتقد ان أهمها الأزمة الاقتصادية في تركيا وما انتشر لدى بعض الأتراك من أن السوريين ينافسونهم في لقمة عيشهم وأعمالهم ودعم الحكومة لهم، وكذلك التدخل التركي العسكري في سوريا والانطباع المنتشر بأن “جيشنا يقاتل وجنودنا يُقتلون لأجلهم هناك، بينهم هم يتنزهون هنا”.

أسباب الظاهرة عديدة منها:
أ- ظروف تتعلق باللجوء السوري عدداً وزمناًَ ومناطقَ واختلافات ثقافية
ب- ظروف تركية مثل الأزمة الاقتصادية والعمليات العسكرية في سوريا
ج- خطاب سياسي صوّر السوريين كخطر او مهدد للأتراك اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً
د- تقصير المؤسسات السورية في عمومها في تواصلها مع السوريين
ه- اخطاء تركية في التعامل مع الملف ككل، بما في ذلك التوزع الجغرافي للسوريين وضعف عملية الاندماج وتعلم اللغة والثقافة حتى لدى المجنسين
و- أخطاء فردية ولكن متكررة من بعض السوريين، بعضها يستفز بالضرورة مشاعر الأتراك بسبب انتهاكه الواضح لبعض عاداتهم وتقاليدهم المجتمعية
ز- تحريض مقصود بين الحين والآخر

المشكلة في انتشار خطاب الكراهية والتحريض والذي يصل عند الكثيرين للعنصرية، هو أنه خطر على السوريين كما أنه خطر على السلم المجتمعي والامن في تركيا نفسها، وبالمناسبة، ليس فقط على صعيد الاحتكاكات بين السوريين والأتراك والتي يمكن ان تصل لدرجة غير محمودة أبداً، وإنما كذلك على الصعيد التركي الداخلي. ذلك أن خطاب الكراهية، وعلى عكس ما يُظن، ليس موجهاً ضد طرف بعينه بشكل ثابت ومستمر، وإنما هو شعور استعلاء ذاتي يبحث عن “آخر”، وحين ينتهي من هذا الآخر – بل قبل ذلك – سيجد له أهدافاً أخرى أكثر قرباً له وسيجعلها “آخر”، وهذا امر له شواهد عديدة وأمثلة كثيرة، ولعل تصاعد الخطاب السلبي تجاه المحافظين والمحجبات في تركيا مؤخراً أحد تلك الأمثلة.

فيما يخص الحلول، وانطلاقاً من الأسباب:
١) هناك مسؤوليات على المؤسسات السورية المختلفة، السياسية والاجتماعية والثقافية، برفع مستوى الوعي لدى السوريين بالمشكلة ومخاطرها المستقبلية المحتملة، وبالتالي تعديل بعض السلوكيات من خلال التعريف بثقافة المجتمع التركي. وعلى المؤسسات السياسية تحديداً مسؤولية مضاعفة تشمل التواصل مع الجانب التركي الرسمي لتنسيق الجهود
ولأنه لا يوجد مؤسسة أو طرف سوري قادر على الوصول والتواصل مع مختلف الشرائح السورية الموجودة على الأراضي التركية، ينبغي أن يكون هناك عمل جمعي منسق بين مختلف المؤسسات يحمل رؤية موحدة وأهدافاً واضحة، ويعمل بالتنسيق مع الجانب التركي الذي يمكن ان يقدم له تسهيلات كثيرة تعين على إيصال الرسالة

٢) مسؤوليات شخصية على السوريين كأفراد، تشمل زيادة مستوى الوعي والتواصل الإيجابي مع المجتمع التركي وتصدير صورة إيجابية عن الوجود السوري والالتزام قدر الإمكان بالعادات اولتقاليد التركية وعدم التناقض معها بشكل صارخ

٣) ولكن لأن الأخطاء ليست ولن تكون يوماً مبرراً مقبولاً للتحريض والاعتداءات، ولأننا لن نصل يوماً لمستوى صفر من الأخطاء، فإن المسؤولية الأساسية في هذا الملف تقع على الجانب التركي، وخصوصاً الحكومة، وهذا يشمل:

أ- تطبيق القانون على المحرضين وناشري خطاب الكراهية ومن شاركوا في عمليات اعتداء، وهذا للأمانة يحصل وحصل في الحادثة الأخيرة

ب- تصحيح المعلومات المغلوطة حول الوجود السوري بين الأتراك، وهذا يتطلب تكاتف جهود الحكومة مع المجتمع المدني مع النشطاء الأتراك. ولعل من أهم ما ينبغي تصويبه وترسيخه ان الجيش التركي موجود في سوريا لأهداف تتعلق بالأمن التركي وليس من أجل السوريين.

ج- التحول بسرعة من خطاب ما قدمت تركيا للسوريين بغض النظر عن مدى دقته إلى خطاب أكثر اعتدالاً ودقة يشمل ما تقدمه المؤسسات الدولية وخصوصاً الاتحاد الأوروبي للسوريين

د- الكف تماماً عن الخطاب الذي يركز على السوريين كأحد المخاطر التي تهدد تركيا وأهل إسطنبول خصوصاً

ه- تناول ملف السوريين وخصوصاً المجنسين منهم بحرفية اكثر، تشمل تأهيلهم للاندماج في المجتمع التركي، مثل اشتراط تعلم مستوى معين من اللغة وإعطائهم دورات تثقيفية عن تركيا تاريخاً وجغرافية وثقافة

و- ضبط السياسة التحريرية لوسائل الإعلام التركية فيما يخص السوريين وعدم التركيز على السلبيات وإنما الإيجابيات، على الأقل مرحلياً

ز- ويشمل ذلك تكرار نشر إحصاءات وزارة الداخلية التركية حول نسبة الجرائم والجنايات بين السوريين والتي تقل كثيراً عن النسبة في تركيا

ح- التركيز على إسهامات السوريين في تركيا، وخصوصاً في المجال الاقتصادي، وعدم إظهار الشركات والمحلات السورية على أنها امر سلبي محض

ط- من المهم الإشارة إلى أهمية التخاطب والحوار بين الطرفين، ولكنني أعتقد ان الأمر سيكون أهدأ وأضمن وأفيد إن حصل من خلال مؤسسات وليس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. فمن تجربة شخصية ومن مشاهداتي، الخطاب عبر وسائل التواصل يزيد من حدة الموقف ولا يحله، ولا يبدو الطرف المحتقن مستعداً لأن يسمع أي كلام من الطرف الآخر مهماً كان هادئاً او عقلانياً، بخلاف الخطاب الموجه له من اتراك.

ختاماً، نحن نتحدث عن منحى مستمر منذ سنوات ويتجه للحدة والاحتقان أكثر فأكثر، لكنني لا أتفق مع الخطاب الذي يبالغ في التهويل والتخويف، فضلاً عن الخطاب المسيء لتركيا والاتراك والذي لا يقل عنصرية عما نتحدث عنه. ما زال ممكناً احتواء الأمر وتوجيهه في الطريق الصحيحة، إن صحت النوايا وصح العمل، من الجميع.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

بعد بلدية إسطنبول: إلى أين يتجه العدالة والتنمية؟

المقالة التالية

حدود العقوبات الأمريكية المحتملة على تركيا

المنشورات ذات الصلة