الفائزون والخاسرون في الانتخابات البلدية التركية
إضاءات
النتائج الأولية التي ظهرت مساء البارحة ليس النتائج النهائية والرسمية للانتخابات البلدية التركية. فالأخيرة ستُعلن فقط عبر اللجنة العليا للانتخابات بعد البت في الطعون المقدمة لها، ولكنها لن تختلف كثيراً عن النتائج الأولية، ما يمكّننا من إجراء تقييم أولي سريع لها.
الاختلافات الجوهرية للانتخابات المحلية أو البلدية عن تلك الرئاسية والبرلمانية والتعقيدات الكبيرة في انتخابات تركيا البلدية تقدم أكثر من زاوية تقييم للنتائج، وتمكّن أيَّ وكلَّ حزب سياسي من إعلان نفسه منتصراً فيها.
ذلك أنه ليس ثمة معيار واحد للتقييم، وإنما معايير عدة بالنسبة لكل حزب، أهمها:
أولاً، نسبة التصويت له في عموم تركيا.
ثانياً، عدد البلديات التي فاز بها في عموم تركيا (من أصل 81).
ثالثاً، عدد بلديات “المدن الكبرى” التي فاز بها في عموم تركيا (من أصل 30).
رابعاً، مجموع نتائج التحالف الذي ينتمي له، وليس فقط نتائجه كحزب.
خامساً، نسبته في المجالس البلدية ذات الأهمية إلى جانب منصب الرئيس.
وهكذا، ولأن هناك أكثر من زاوية نظر للنتائج والأرقام، يمكن لكل حزب من الأحزاب التركية الكبيرة على الأقل أن يعتبر نفسه فائزاً.
فحزب العدالة والتنمية سيقول، وهذا صحيح، أنه فاز بالمركز الأول بين الأحزاب للمرة الـ15 على التوالي منذ تأسيسه، وبـ 40 بلدية محافظة من أصل 81، وبفارق الضعف عن أقرب منافسيه (20 بلدية للشعب الجمهوري)، وبنسبة تصويت قريبة من السابقة عام 2014 (%44.9 مقابل 45.5)، وبعدد بلديات 52 من أصل 81 لتحالف الشعب/الجمهور الذي يقوده مع الحركة القومية، فضلاً عن تقدمه في مناطق الأغلبية الكردية.
في المقابل، سيقول حزب الشعب الجمهوري المعارض بأنه الفائز، رافعاً نسبة تصويته من %27.8 إلى %30.3، وعدد البلديات التي فاز بها من 13 إلى 20 في مقدمتها العاصمة أنقرة (وربما إسطنبول حيث لم يتضح المشهد حتى لحظة كتابة المقال). وسيفتخر الحركة القومية أنه رفع عدد بلدياته من 8 إلى 12 بزيادة %50 عن الانتخابات السابقة، وإن تراجعت نسبة التصويت له بشكل ملحوظ (%6.8 مقابل %15.2). والحزب الجيد، وإن لم يفز بأي من بلديات المحافظات، سيقول إنه في أول انتخابات يخوضها منذ تأسيسه حديثاً تقدم على حزب الحركة القومي الذي انشق عنه (بنسبة %7.4)، وفاز برئاسة 22 من البلديات الفرعية في أحياء المدن الكبرى. وحزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) سيتباهى بأنه هو من ضمن فوز مرشحي الشعب الجمهوري في البلديات الكبرى وخصوصاً أنقرة (وربما إسطنبول). حتى حزب السعادة الذي لم يفز ببلدية أي من المدن على الإطلاق، يمكنه القول – وهذا صحيح – إنه ساهم في فوز المعارضة وتراجع العدالة والتنمية في بعض البلديات، إضافةو لفوزه بنفس عدد البلديات الفرعية في المدن كما الانتخابات السابقة (8 أحياء).
لكن، أليس هناك رابحون وخاسرون في هذه الانتخابات، كما في كل انتخابات سابقة؟ بلى.
في قائمة الرابحين، يأتي في المقدمة حزب الشعب الجمهوري الذي حقق قفزة كبيرة بهذه الانتخابات، رافعاً عدد بلدياته من 13 إلى 20 (أكثر من %50)، وفوزه ببلدية أنقرة بكل رمزيتها السياسية، ومنافسته بشدة على بلدية إسطنبول الكبرى التي لم تحسم حتى كتابة هذه السطور ولا يتوقع أن تحسم قبل بت اللجنة العليا للانتخابات في الطعون، ورفعه عدد البلديات الفرعية التي فاز بها في أنقرة من 2 إلى 4 وفي إسطنبول من 13 إلى 14. وما زال هناك احتمال لأن يكون قد فاز ببلدية إسطنبول الكبرى بكل أهميتها ورمزيتها باعتبارها الخزان الانتخابي الأكبر و”تركيا المصغرة” التي “يفوز بتركيا من يفوز بها”.
الرابح الثاني هو الحركة القومية وزعيمه دولت بهجلي، الذي رغم ما واجهه من مشاكل داخلية أدت لانشقاق الحزب الجيد عنه، حيث استطاع رغم تراجع نسبة التصويت له أن يرفع عدد بلدياته في المدن من 8 إلى 12 (بنسبة %50)، إضافة لتوثيق تحالفه مع العدالة والتنمية.
في المقابل، ومن زاوية أخرى، يمكن القول إن العدالة والتنمية هو أكبر الخاسرين رغم كل ما سبق ذكره في بداية المقال من نتائج تحسب له. فقد خسر الحزب 10 بلديات من أصل 50 كان يديرها (أغلبها لصالح الشعب الجمهوري)، وخسر العاصمة أنقرة بعدما أدارها طيلة فترة حكمه حتى الآن، ونتيجته في إسطنبول غير محسومة وما زال احتمال خسارته لها قائماً وهي أيضاً تحت إدارته منذ 2002، بل منذ 1994 حين فاز اردوغان كمرشح لحزب الرفاه وربطته وربطت حزبه بالمدينة علاقة وثيقة.
الخاسر الثاني سيكون حزب الشعوب الديمقراطي الذي تجمدت نسبة التصويت له في عموم تركيا في حدود %4، إضافة لخسارته بلديتين مهمتين في شرق البلاد، هما شرناق وبيتليس، لصالح العدالة والتنمية، وهو ما يعني بشكل مباشر تراجع تأييد الناخب “الكردي” له.
ويمكن القول إن حزبي السعادة والجديد كانا ضمن الخاسرين حيث لم يستطيعا الفوز ببلدية أي من المدن الصغرى أو الكبرى، وكان أبرز ما حققاه هو المساهمة في خسارة تحالف الجمهور خصوصاً في بعض المدن الكبرى.
في المحصلة، تتباين زوايا النظر والتقييم في الانتخابات البلدية التركية التي أجريت يوم أمس، ولا يمكن القول إن هناك فائزاً مطلقاً أو خاسراً مطلقاً، فكل الأحزاب فازت وفق معايير وخسرت وفق أخرى. ويبقى الفائز الأكبر – صدقاً لا شعاراً – الناخب التركي الذي قرر هو بصوته من سيدير البلديات ويقدم له الخدمات ويحترم قراره ويحرص على تأييده ورضاه وتصويته في المنافسة الانتخابية المقبلة.